ندوة "مشروع قانون العمل" تطرح رؤية العمال لحقوقهم الأساسية 21 أكتوبر 2019

من : 
الاثنين, أكتوبر 21, 2019
إلى : 
الاثنين, أكتوبر 21, 2019

 

 

ندوة "مشروع قانون العمل" تطرح رؤية العمال لحقوقهم الأساسية:

نصوص بديلة بشأن الأمان الوظيفي والأجور المتناسبة مع الأسعار وحق الإضراب

سوق العمل أصبح خاصاً بالكامل حتى في الجهات الحكومية والقطاع العام

تحذيرات من اشتداد الأزمات بين أطراف العمل مع استمرار حصار الحرية النقابية

حذر المتحدثون في ندوة "مشروع قانون العمل"، التي نظمتها حملة الحريات النقابية وحقوق العمال مساء الاثنين 21 أكتوبر 2019 في دار الخدمات النقابية بالقاهرة، من خطورة التعجل في إصدار قانون العمل الجديد دون إجراء حوار مجتمعي حوله والاستماع لآراء نقابات العمال والمهنيين التي تمثل الطرف الأساسي المعني بالقانون، والذين يبلغ عددهم ما يقارب ثلاثين مليون مصري، هم إجمالي القوى العاملة المصرية، خاصة وأن مشروع القانون يتضمن نصوصاً تفتح الباب على مصراعيه لإهدار حقوقهم في الأمان الوظيفي والأجور وحق الإضراب عن العمل.

وكشفت كلمات خبراء القانون ومنظمة العمل الدولية والقادة النقابيين والعماليين من مختلف المحافظات وقطاعات العمل المشاركين في الندوة عن اشتداد الأزمات بين أطراف العمل والمخاطر على حقوق العمال، ليس فقط في حال إقرار تلك النصوص ولكن أيضاً بسبب التضييق والحصار على قيام نقابات عمالية قوية قادرة على تمثيل العمال وتنظيم حراكهم وتفاوضهم حول ظروف وشروط العمل، خاصة مع تحول سوق العمل إلى سوق خاص بالكامل حتى في المشروعات والمنشآت والهيئات التابعة للحكومة وقطاع الأعمال العام بعد أن صار المتحكم في تشغيل العمالة فيها وكالات الاستخدام "مقاولي الأنفار" التي تفرض إتاوات على العمال بعد تعيينهم، والأخطر أن معظم عمالة تلك القطاعات يتم تشغيلها بعقود مؤقتة حتى ولو في النشاط الأساسي للهيئة أو المنشأة، مما يسهل التخلي عنها وقتما يريد صاحب العمل وضياع المسئولية عن حقوق العمال بين وكالات الاستخدام والشركات التي يعملون بها.

تحدث في الندوة كل من د. أحمد حسن البرعي، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة وزير القوى العاملة الأسبق، ود. إبراهيم عوض، الخبير بمنظمة العمل الدولية، ورحمة رفعت المحامية مدير البرامج بدار الخدمات النقابية، وأدار الندوة كمال عباس، المنسق العام للدار.

 

قانون العمل والحرية النقابية

في كلمته، أكد د. البرعي أن قانون العمل لابد أن يشمل نصوصاً محددة واضحة حول الحد الأدنى للأجور، وآليات علاقات العمل الجماعية (المفاوضة)، مشيراً إلى أنه ما لم تكن هناك حرية نقابية ونقابات قوية لن تكون هناك مفاوضات ولا علاقات عمل جماعية ولا تحسين لظروف وشروط العمل، حتى ولو تضمن قانون العمل نصوصاً جيدة فإنه لن يتم تفعيلها إلا بوجود نقابات قوية.

 

وأشار إلى أن مشروع القانون الحالي تجاهل عاملات المنازل، كما أنه لم يقدم جديداً عن القانون الحالي رقم 12 لسنة 2003 في ما يخص العمالة غير المنتظمة، التي لا تتمتع بأي قدر من الحماية أو الحقوق، مؤكداً أنه لن يمكن معالجة أوضاعها بواسطة وزارة القوى العملة التي لا تملك إمكانيات فنية ولا كفاءات للعمل في هذا الشأن، والحل الوحيد لمشاكلهم هو في وجود نقابات قوية لهم.

وأكد د. البرعي أنه في كل دول العالم ينص القانون على الحد الأدني للأجور على مستوى الدولة، والذي يطبق في جميع القطاعات، حتى ولو كانت هناك قوانين خاصة بالقطاعات أو الأقاليم أو الولايات، وبالتالي يجب أن ينص القانون على حد أدنى للأجور يكفي لتوفير حياة كريمة لأسرة من خمسة أفراد وفقاً لمستوى أسعار السلع والخدمات، وأن يتضمن آلية محددة لزيادة الأجور سنوياً وفقاً لمستويات التضخم والغلاء، مشيراً إلى أن هناك عاملين يؤثران بقوة على قضية الأجور، أولهما حجم البطالة، حيث يمكن لصاحب العمل الاستغناء عن العامل واستبداله بعامل أرخص من مخزون العاطلين، وثانيهما عدم وجود تصنيف مهني للعمالة يستخدم في توحيد الأجر للعمل الواحد، ولهذا نجد على سبيل المثال وجود مهندسين من نفس الدفعة والتخصص ونفس مجال العمل، بينما يتقاضى أحدهما أجراً يساوي خمسة أضعاف الآخر.

وأضاف أن مشروع القانون الحالي انتقص من حق العامل المفصول تعسفياً، من صرف شهرين على الأقل تعويضاً عن كل سنة خدمة كما هو في القانون الحالي، وكانت المحكمة طبقاً لحالات التعسف تزيد التعويض إلى ثلاثة أو أربعة أشهر، ليحدد المشروع التعويض بشهرين فقط.

وفي تعقيب أكد كمال عباس أن النقابات هي قوة تنفيذ القانون، ضارباً المثل بقرار الرئيس السيسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 2000 جنيه، موجهاً السؤال للعمال والنقابيين الحاضرين: هل تم تنفيذ هذا القرار في أي من قطاعاتكم الحكومية قبل الخاصة؟، مؤكداً أن ضعف النقابات يساعد على إهدار الحقوق خاصة في ظل تزاوج السلطة والمال.

 

خطورة تغيرات سوق العمل

 من جانبه، أكد د. إبراهيم عوض أن قوة النقابات ليست كافية وحدها، بل إن سوق العمل يقوي النقابات، ولهذا يجب أن يتضمن القانون سياسة تشغيل، وليس توظيف فقط، هذه السياسة هي التي تضمن توفير فرص العمل، حيث أنه بدونها قد يحدث نمو اقتصادي ولكن لا يتم توفير فرص عمل، مؤكداً أن التصدي لسوق العمل وسياسات التشغيل، ولوكالات تشغيل العمالة، وهذه أمور ساهم ضعف نقابات العمال في استمرار غيابها وتفشي الأزمات بسبب عدم التصدي لها.

يشار إلى أن أكثر من 24 مليوناً من القوى العاملة المصرية بلا نقابات، ونحو ثلاثة ملايين خاضعين إجبارياً لاتحاد نقابات حكومي، و60% من النشاط الاقتصادي المصري غير رسمي ولا يمكن حصره أو تنظيمه في ظل هذه السياسات.

 

تعديلات جوهرية مطلوبة

وتحدثت رحمة رفعت حول النصوص الأهم التي ينبغي تغييرها في مشروع القانون حتى يكون متماشياً مع الدستور والاتفاقيات الدولية وحقوق العمال، وخاصة في مجال الأمان الوظيفي والأجور ووكالات الاستخدام والإضراب عن العمل.

وأكدت أن مشروع القانون يجب أن يوفر بنصوص واضحة وحاسمة الأمان الوظيفي للعامل، وبشكل خاص لابد من النص في القانون على "حظر إبرام عقد العمل محدد المدة إلا في حالة القيام بأعمال مؤقتة أو عرضية أو موسمية"، والنص على "اعتبار عقد العمل محدد المدة عقداً دائماً، إذا استمر العامل في عمله بعد انقضاء مدة العقد".

ولابد أيضاً أن يتضمن فقط النصوص الخاصة بعقوبة الفصل من العمل وتحديد الحالات على سبيل الحصر التي لا يجوز فصل العامل في غيرها، وأن يحذف من المشروع كل النصوص الخاصة بإنهاء عقد العمل باعتبارها تزيداً لا ضرورة له عملياً، كما أنها تفتح الباب على مصراعيه أمام أصحاب الأعمال، الخاصة والعامة والحكومية، للتخلص من العمالة وقتما يشاءون دون التزام بأي حقوق للعامل باستثناء تعويض مالي هزيل.

ولابد من ضبط ظاهرة وكالات الاستخدام "مقاولي الأنفار" التي تفشت في السنوات الأخيرة لتصبح موردة أنفار في كل الشركات والقطاعات، حكومية وخاصة، ووسيلة لضياع حقوق العمال في الأمان الوظيفي والأجر وشروط العمل بينها وبين الشركات التي تورد لها العمالة، وأول خطوات ضبط تلك الظاهرة النص في القانون على "حظر توريدها عمالة للشركات إلا في الأعمال المؤقتة والعرضية والموسمية وبنسبة لا تزيد على 10% من حجم العاملين بالشركة، وليس في النشاط الأساسي للشركة"، والنص أيضاً على "حظر تقاضيها أية مبالغ من العامل بعد تشغيله في شركة ما".

وتحدثت رحمة عن النصوص الخاصة بالأجور في مشروع القانون، باعتبار الأجور هي القضية الرئيسية في علاقات العمل، وأكدت ضرورة أن ينص المشروع على:

تحديد الحد الأدنى للأجور والذي يكفي للوفاء بالاحتياجات الأساسية للعمال وأسرهم.. وإكسابه صفتي العمومية والإلزام في كل القطاعات.. وزيادته سنوياً بما يعادل نسبة التضخم. واحتساب نسبة العلاوات السنوية الدورية (7%) من الأجر الشامل وليس الأجر الأساسي أو التأميني. والنص في القانون على حق العمال في الأرباح وطريقة احتساب الأرباح وآلية اقتضائها.

كما أكدت على ضرورة حذف ما يتعلق بتحديد منظمة نقابية بعينها (اتحاد نقابات العمال الحكومي) لتمثيل العمال في المجلس القومي للأجور، حيث أن أي منظمة نقابية بعينها لا يجوز لها أن تمثل عمال كل القطاعات في عموم الوطن في شأن يخصهم جميعاً.

وحول النصوص الخاصة بالإضراب عن العمل، أكدت رحمة أنه لابد من حذف النصوص التي تنتقص أو تضع شروطاً تعجيزية أمام العمال في ممارستهم لهذا الحق الذي أقره الدستور والاتفاقيات الدولية، فضلاً عن أنه السلاح الوحيد في يد العمال حال تعثر التفاوض مع الطرف الأخر الذي يملك السلطة والمال والنفوذ.

وأوضحت أن منح رئيس الوزراء حق تحديد المنشآت الحيوية التي يحظر فيها الإضراب تتيح له التوسع في تلك المنشآت بما لا يتفق مع الواقع وينتقص من حقوق العمال، مشيرة إلى أن تقرير لجنة الخبراء بشأن تطبيق معايير واتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن الحالة المصرية قد تحفظ على "تقييد حق الإضراب في مؤسسات خدمية لا تعد أساسية وفقاً للتعريف الدقيق لهذا المصطلح". كما رأى قسم التشريع بمجلس الدولة أنه يتعين تحديد مفهوم تلك المنشآت أو بيان معايير تحديدها بموجب القانون، دون الاكتفاء بقرار يصدر من رئيس الوزراء، نظراً لمساس هذا بأصل الحق.

واقترحت رفعت أن ينص المشروع على "حق الإضراب في المنشآت الخدمية بما لا يتعارض مع تسيير الخدمات، الأمر الذي يسمح بقيام العمال بإضرابات جزئية أو تباطؤ"

كما أكدت رفعت أن العمال لا يضربون بصورة مسرحية أو إعلامية بل لحين تحقيق مطالبهم، ولهذا من المعيب أن يتضمن مشروع القانون شرط الإخطار بتاريخ بداية الإضراب ونهايته، كما أنه لا يجوز حظر الإضراب أثناء مدة سريان الاتفاقية الجماعية، فقد تنشأ ظروف ضرورة تعديل الاتفاقية وبالتالي إعادة التفاوض أو الإضراب (مثال: حالة التضخم المفاجئ وقفزة الأسعار الضخمة مع الهبوط الحاد في قيمة الأجور الشرائية بعد قرار تعويم العملة ورفع أسعار المحروقات أواخر 2016)

وركزت معظم المداخلات حول مشاكل العمال غير المنتظمة في الجهات الحكومية والخاصة والقطاع العام، وخاصة بالنسبة لحقوقها في العمل والتأمينات، ورغم طرح العديد من الاقتراحات فقد أكد التوجه العام للمناقشات على أن إنشاء نقابات حقيقية تتبنى مطالب العام وتستطيع التفاوض باسمهم وتنظم تحركهم للمطالبة بالحقوق هو العامل الحاسم في ظروف تزاوج السلطة والمال، وتحول سوق العمل بالكامل إلى سوق خاص، بما فيه سوق العمل في الجهات الحكومية وما تبقى من القطاع العام شكلاً، مع انعدام الإمكانات والكفاءة لوزارة القوى العاملة بما يجعلها طرفاً غير فاعل في علاقات العمل.

 

البوم صور: 

ندوة "مشروع قانون العمل" تطرح رؤية العمال لحقوقهم الأساسية 2019