أربعة سنوات من الثورة والحريات النقابية محلك سر

الأحد, مايو 31, 2015 - 15:25

لا شك أن العام 2006 سوف يسجل فى تاريخ الطبقة العاملة المصرية بحروف من نور، وذلك لما شهده من تحركات عمالية وصفت بالأضخم والأكبر منذ سنوات طويلة .. فقد شهدت معظم الشركات والمصانع الكبرى فى مصر إضرابات واعتصامات لعمال فاض بهم الكيل وتلخصت مطالبهم فى بعض المطالب الاقتصادية التى تتعلق بالأحوال المادية من أجور وأرباح وحوافز وغيرها، إضافة إلى مطلب سحب الثقة من اللجان النقابية داخل تلك الشركات ..

فلا يستطيع احد أن يتغاضى عن دلالة توقيت تلك التحركات العمالية التى شهدتها مصر فى العام 2006 ،فقد جاءت عقب الانتخابات النقابية، لتكشف القناع عن أعضاء اللجان النقابية المفترض أنهم يمثلون العمال فأثبتت التحركات العمالية أن هذه الانتخابات لم تكن نزيهة .. حيث أكد الجميع على أن هذه الانتخابات هى الأسوأ فى التاريخ العمالى والنقابى المصرى ..

فلم تمر عدة أسابيع من فض مولد الانتخابات النقابية حتى انفجر عمال غزل المحلة البالغ عددهم أكثر من 23 ألف عامل وعاملة، معلنين الإضراب العام مطالبين بحقهم فى الشهرين أرباح طبقا لما جاء فى قرار رئيس الوزراء رقم 467 الذى نشر فى جريدة الوقائع المصرية بتاريخ 22 مارس 2006، استطاع عمال المحلة انتزاع حقوقهم بعد ثلاثة أيام من الإضراب الذى هز أرجاء مصر المحروسة، ورضخت الحكومة لمطالب عمال غزل المحلة فى النهاية وعُممت المكاسب العمالية على جميع شركات الغزل والنسيج الأمر الذى أدى إلى إشعال فتيل الإضرابات والاعتصامات فى العشرات من شركات قطاع الأعمال العام الأخرى ..

ولأن عمال غزل المحلة فى احتجاجهم قد رفعوا شعار سحب الثقة من اللجنة النقابية إضافة إلى مطالبهم الاقتصادية، استطاع العمال بالفعل جمع أكثر من 15 ألف توقيع من أعضاء الجمعية العمومية المقدر ب 23943 عضوا، وهو إجراء قانونى نص عليه القانون 35 المسمى بقانون النقابات العمالية على الأخص المادة 26 الفقرة (ب) ..

 وتوجه وفد من عمال الشركة لتسليم تلك التوقيعات للنقابة العامة للغزل والنسيج التابعين لها، مطالبين بإجراء انتخابات نقابية جديدة، إلا أن النقابة العامة التابعة لاتحاد العمال الحكومى تسلمت تلك التوقيعات ورفضت قرار عمال الشركة بسحب الثقة من لجنتهم النقابية !!

وبحول نهاية عام 2007 اضرب حوالى 55 ألف من موظفى الضرائب العقارية، ونظموا اعتصاما حاشدا أما مقر مجلس الوزراء المصرى مطالبين بمساواتهم بزملائهم الذين يعملون فى مصلحة الضرائب العامة .. ومن رحم ذلك الاعتصام الذى استمر 12 يوماً قبل الاستجابة لمطالبهم، خرجت فكرة إنشاء أول نقابة مستقلة فى مصر لموظفى الضرائب العقارية .. معلنين انفصالهم عن النقابة العامة للعاملين بالمالية والضرائب والجمارك التابعة لاتحاد نقابات عمال مصر والتى وقفت بقوة فى مواجهة إضرابهم ..

وسرعان ما امتدت موجة الإضرابات العمالية وانتقلت من القطاع العام إلى القطاع الخاص، ومن المناطق الصناعية القديمة إلى المدن الصناعية الجديدة، وانتقلت إلى قطاعات لم يكن الإضراب جزء من ثقافتها مثل المعلمين والأطباء والموظفين .. حيث خرجت من رحم احتجاجات المعلمين ثانى نقابة مستقلة فى مصر، ومن رحم احتجاجات العاملين فى القطاع الصحى النقابة المستقلة للفنيين الصحيين ..

وفى ظل هذه الأجواء حيث التحركات العمالية تأتى دائماً من خارج التنظيم النقابى الحكومى، بل وكثيراً ما تكون فى مواجهته.. انطلقت حملة دار الخدمات النقابية والعمالية للمطالبة بإلغاء القيود القانونية على الحق فى تكوين النقابات العمالية، والإعلان عن الانتهاء من صياغة قانون جديد للنقابات العمالية أطلق عليه "قانون الحريات النقابية " والذى اشتمل القانون على العديد من المبادئ الأساسية التى تتماشى وحق العمال فى تكوين نقاباتهم مثل ضمان إطلاق حرية العمال فى تكوين نقاباتهم المستقلة بالشكل الذى يريدونه ويمنع تدخل الجهة الإدارية فى شئونها، أن تأتى مجالس إدارات المنظمات النقابية عبر انتخابات حرة ونزيهة، إنشاء المنظمة النقابية والاعتراف بها دون إذن مسبق وبمجرد إيداع أوراق التأسيس، ضرورة التأكيد على الشخصية الاعتبارية للمنظمة القاعدية ( اللجان النقابية ) ومنحها كافة الصلاحيات كى تستطيع القيام بدورها فى التفاوض والتقاضى والتحكيم وخلافه، يكفل القانون حق الانضمام أو الانسحاب الإختيارى للعمال متى شاءوا ذلك، يكفل القانون حماية خاصة للقيادات النقابية، يكفل حرية الأفراد فى مواجهة نقاباتهم، عدم جواز فرض الوحدة النقابية بقانون، حل النقابة لا يجوز أن يكون بقرار إدارى ولكن بحكم قضائى أو قرار إرادى من العمال أنفسهم، والرقابة على أموال النقابات تكون رقابة ذاتية وليست حكومية .

واستمرت الإضرابات العمالية والاحتجاجات الاجتماعية تضرب كافة أرجاء البلاد، تتراجع لبضعة أشهر قبل أن تنطلق مرة أخرى، حتى جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ..

 

عمال فى قلب الثورة :

استطاعت إرادة الشباب المصرى، بصمودها ونبل أهدافها ومن حولها كافة فئات الشعب، أن تهزم سنوات القهر والاستبداد والفساد، استطاع الشعب المصرى أن يثبت للعالم أنه قادر بالفعل على صنع مستقبل أفضل تسوده المساواة والحرية والعدل الاجتماعى، ثمانية عشر يوما أسقطت الرئيس المصرى فى ثورة 25 يناير 2011..

شارك عمال مصر بكل قوة فى تحركات الشارع المصرى، لتبدأ الشرارة الأولى من محافظة السويس التى شهدت أعنف المواجهات بين الشعب والنظام ،حيث خرج عمال شركة دانيلى للإنشاءات يوم الأحد 16 يناير 2011، اى قبل اندلاع الثورة المصرية بتسعة أيام، خرج العمال متظاهرين أمام مصنع حديد عز بالمنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس الذى يمتلكه احمد عز احد ابرز رجال نظام مبارك، فاضحين سياسات حكومة رجال الأعمال .. ويستمر العمال فى تظاهراتهم، حتى يلتقوا بموعد ثورة الشباب فى 25 يناير 2011، ليخرجوا إلى الشوارع بالآلاف من مصانع وشركات المنطقة الصناعية محتلين ميادين الثورة ومعلنين مبادئها.

 ثم تأتى جمعة الغضب 28 يناير 2011 وتتصاعد الأحداث وتقفز الثورة المصرية قفزة إلى الأمام بكسر الذراع الأمنى للنظام المتمثل فى وزارة الداخلية والسيطرة شبه التامة على الشوارع المصرية . وأمام ذلك تتعطل المواقع العمالية، ليفقد العمال بذلك سلاحا هاما كان كفيلا بحسم الأمور مبكرا وهو سلاح تواجدهم فى أماكن عملهم ومواقعهم ككتل بشرية منظمة، إلا أن ذلك لم يمنعهم من قيادة الاحتجاجات الشعبية فى شوارع السويس والمحلة والإسكندرية وحلوان وكافة محافظات مصر تقريبا .

فى يوم 30 يناير 2011 وفى خضم أيام الثورة المصرية وبمبادرة من دار الخدمات النقابية والعمالية اجتمعت النقابات المستقلة التى تم إنشاءها قبل الثورة وهى نقابة العاملين بالضرائب العقارية – نقابة أصحاب المعاشات- نقابة الفنيين الصحيين- نقابة المعلمين المستقلة مع الهيئات والمجموعات المستقلة الممثلة للعاملين فى المواقع الصناعية- معلنين عن الشروع فى بناء الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة. وتشكيل هيئته التأسيسية اعتباراً من اليوم الأحد الموافق 30 يناير 2011 ..

ثم نأتى إلى أخر ثمانية وأربعين ساعة من موعد النصر، وبمجرد أن عاد العمال المصريون إلى مواقع عملهم ليظن البعض أن الأمور قد هدأت، ويحاول النظام أن يسترد ذراعه الاقتصادى بعد نزول الجيش واسترداده ذراعه الأمنى، ليعلن العمال فى مئات المواقع العمالية إضرابهم عن العمل فى عصيان مدنى، ليدفعوا بذلك بدماء جديدة إلى أوردة الثورة المصرية ويربكوا حسابات النظام الفاسد الذى وجد نفسه محاصرا بين شباب وشابات مصممين على السيطرة على الشوارع وعمال يعلنون عصيانهم فى المواقع والشركات فيعلن استسلامه..

حيث كانت البداية صباح يوم الاثنين 7 فبراير 2011 بتظاهر الآلاف من موظفى الشركة المصرية للاتصالات فى أكثر من محافظة أمام السنترالات للمطالبة بما اعتبروه مستحقات مالية لهم، فقد تداول الموظفون منشورات تندد بالإدارة وتطالب بتحقيق العدالة،وردد المتظاهرون هتافات جماعية تندد بإدارة الشركة وتطالب برحيلهم بسبب التفاوت الكبير فى الرواتب بين القيادات العليا وصغار الموظفين واستقدام كفاءات لا ترقى لمستوى العمل فى الشركة مقابل رواتب عالية، وطالب الموظفون بسحب الثقة من فرغلى بكرى، رئيس نقابة العاملين بالشركة .. واتسع نطاق الهتافات التى رددها موظفو الشركة، لتخرج من حيز المطالب الخاصة إلى المطالبة بإسقاط النظام أسوة بهتافات ميدان التحرير .

ثم نصل إلى أيام الحسم .. الأربعاء والخميس الموافقان 9و10 فبراير 2011، وقبل خطاب تنحى مبارك ب48 ساعة، فيدخل على خط الثورة أهم القطاعات، حيث أضرب صباح يوم الأربعاء 9 فبراير أربعة جراجات تابعة لهيئة النقل العام بمحافظة القاهرة، وهى المظلات والسواح والمطرية والأميرية، وفى مساء نفس اليوم ينضم إليهم سائقي جراجات المظلات والترعة وجسر السويس وغيرهم .. وفى نفس اليوم بدأ المئات من عمال شركة التمساح، إحدى شركات هيئة قناة السويس بالإسماعيلية، اعتصاما مفتوحا بمقر الشركة بمنطقة الجمرك بالإسماعيلية مطالبين بتوحيد الأجور وضم الشركة لهيئة قناة السويس وتحسين العلاج والحوافز وغير ذلك من المطالب التى سبق أن نادى بها عمال الشركات السبعة التابعة للهيئة فى محافظات القناة (الإسماعيلية وبورسعيد والسويس) وعددهم 7 آلاف عامل تقريبا..

وفى مدينة السادات بمحافظة المنوفية اعتصم أكثر من 750 عامل من عمال شركة شويبس للمياه الغازية .. كما اعتصم أيضا بمدينة السادات عمال شركة النيل للغزل والنسيج أمام مقر الشركة مطالبين بزيادة المرتبات، لتنتشر الإضرابات العمالية فى مدينة السادات حتى تصل المدينة الصناعية التى بها أكثر من 500 شركة ومصنع إلى حالة الإضراب الشامل ..

 

إعلان الحريات النقابية أول الغيث

فى الثانى عشر من مارس 2011 .. فى يوم من أيام الربيع المصرى.. وفى مؤتمر صحفى جلس على منصته جوان سومافيا المدير العام لمنظمة العمل الدولية أعلن الدكتور أحمد حسن البرعى وزير القوى العاملة - وقتها - الذى كان قد تقلد منصبه تواً -عن إصدار إعلان الحريات النقابية فى مصر ..حيث كان الإعلان خطوة أولى عاجلة لمعالجة الأوضاع النقابية التى بلغت حدا من الاختلال والتناقض لا يحتمل معه السكوت أو الانتظار ..

 ورغم أن هذا الإعلان “الأولى" كان- ولم يزل- غير كافٍ لمعالجة الاختلال والاحتقان على الساحة العمالية.. إلا انه كان من شأنه تحريك المياه الراكدة- بكل معنى الكلمة-.. حيث تمكن العاملون فى مصر من تأسيس مئات النقابات المستقلة..

وفى شهر أغسطس 2011 اصدر وزير القوى العاملة احمد حسن البرعى قراره رقم (187) لسنة 2011
بحل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وذلك تنفيذا للأحكام القضائية الصادرة ببطلان انتخابات اتحاد العمال الحكومى، وتشكيل لجنة إدارية لإدارة شئون الاتحاد حتى إجراء الانتخابات العمالية
 في جميع اللجان التابعة للاتحاد ونقاباته العامة وتشكيل مجلس منتخب للاتحاد تحت إشراف قضائي وفقا لحكم المادة 41 من القانون 35 لسنة 1976 وتعديلاته.

فى 2 نوفمبر 2011 ينتهى الحوار المجتمعى الذى دعت إليه وزارة القوى العاملة من إصدار النسخة النهائية لقانون جديد للحريات النقابية، بعد أن وافقت عليه "33" منظمة أهلية ونقابية وكافة أطياف المجتمع، فى الوقت الذى رفض فيه اتحاد العمال الرسمى مشروع القانون .. وبالفعل يتم التصديق عليه من مجلس الوزراء المصرى برئاسة الدكتور عصام شرف، ويم رفعه إلى المجلس العسكرى للتصديق عليه وهو ما لم يحدث حتى الآن !!

وبنتهى العام 2011 مر ولم يزل قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976- الذى عفا عليه الزمان- قائماً كما هو، ولم يزل ملف الحالة المصرية مفتوحاً أمام لجنة تطبيق الاتفاقيات والتوصيات فى منظمة العمل الدولية، منتظراً الإجابة على الأسئلة الموجهة إلى الحكومة المصرية بشأن وفائها بالتزاماتها فى شأن استحقاقات معايير العمل الأساسية..

فيمر العام ولم تزل ممارسة الحريات النقابية- التى أعلنت مبادئها- تواجه - على الأرض- صعوبات بالغة، وتتعرض لانتهاكات فظة من قبل المنظومة الجهنمية لتحالف مؤسسة "الاتحاد العام لنقابات العمال"، والإدارات الحكومية- التى لم يزل الكثيرون من رجالها باقون فى مواقعهم دون تغيير، مع عدد من رجال الأعمال والشركات الخاصة.. فلم تزل بعض الإدارات الحكومية وإدارات شركات قطاع الأعمال العام تقتطع الاشتراك إجباريا من العاملين بها وتقوم بتوريده إلى النقابات العامة للاتحاد العام لنقابات العمال بينما يتعسف أغلب المؤسسات الحكومية فى قبول طلبات العمال وقف الخصم أو إجرائه لحساب النقابات المستقلة، ويشترطون لذلك إجراءات تعجيزية.. لم تزل العديد من الشركات والمنشآت ترفض التعامل مع النقابات المستقلة، والتفاوض معها، وتتخذ إجراءات عقابية فى حقها.. نقابيون يتم فصلهم من عملهم، أو نقلهم إلى أماكن نائية.. أو مجازاتهم والتنكيل بهم.. فلا يجدون لهم سبيلاً إلى الحماية فى ظل أوضاع قانونية شديدة الالتباس.. حيث تتعلل إدارات الشركات "العامة والخاصة"، وتتمسك بانحسار الحماية القانونية عن النقابيين الذين لا تخضع نقاباتهم لأحكام القانون 35 لسنة 1976.

وبينما انتصرت الثورة المصرية لمطالب الحريات النقابية ومكنت الحركة العمالية من جنى بعض ثمار كفاحاتها الطويلة بإعلان مبادئها.. شهدت الشهور اللاحقة- على الجانب الآخر- ما يمكن اعتباره خطوة إلى الخلف بصدور المرسوم العسكرى بالقانون رقم 34 لسنة 2011 بما تضمنه من تجريم الإضراب (تعطيل العمل) الذى كان العمال المصريون قد ناضلوا ببسالة من أجل انتزاع حقهم فيه، ودفعوا ثمنه كاملاً سجناً وتشريداً ودماءً عبر سنواتٍ وعقود.

حيث أن مرسوم القانون رقم 34 لسنة 2011 قد تم تطبيقه فى أكثر من مرة .. كما اختصت الإضرابات العمالية بقدر لا يستهان به من الهجوم الحكومى والإعلامى - الذى لم يخلُ من التضليل والتشويه - فى ظل الصخب والضجيج وتدافع الأفكار والمفاهيم خلال هذا العام الانتقالى العصيب - على الأخص - بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الجنزورى وانعقاد البرلمان الجديد بغلبة "الإخوان المسلمون" الذين اتجهوا هم أيضاً إلى التنكر لحق الإضراب.

ففى أول تطبيق وإعمال للمرسوم العسكرى بقانون رقم 34 لسنة 2011 قضت المحكمة العسكرية فى القضية رقم 2535 لسنة 2011 جنح عسكرية المتهم فيها خمسة من العاملين بشركة بتروجيت بحبسهم سنة مع إيقاف تنفيذ العقوبة لقيامهم وآخرين- وفقاً للحكم- "أثناء حالة الطوارئ بتنظيم وقفة أمام وزارة البترول ترتب عليها إعاقة تلك الجهة عن أداء عملها، كما تمت محاكمة 11 من العاملين بحى غرب الإسكندرية بمقتضى المرسوم العسكرى بالقانون رقم 34 لسنة 2011 حيث صدر الحكم غيابياً فى حقهم بالحبس لمدة سنة.

 

2012 / 2013 سقوط الأقنعة

ويمر العامان 2012/2013 على الطبقة العاملة المصرية حاملين معهم تغيرات جذرية فى الحياة السياسية المصرية، فينقسم العامان إلى نصفين من المفترض أنهم على طرفى نقيض، ليظن المتابعون لأحوال العمال تحسن أوضاع الحريات النقابية، إلا أن الواقع والممارسة الفعلية على الأرض يؤكدان عكس ذلك .. فيقضى العمال عام تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى فى انتظار تحقيق الوعود التى قطعها الرئيس على نفسه بتحقيق العدالة الاجتماعية، فتمر الشهور الأولى من العام وكل ما يراه العمال من الرئيس وجماعته هو انشغالهم فى ملف تمكين وسيطرة الجماعة وأخونة مؤسسات الدولة، غير عابئين بالمشهد العمالى الذى شهد مفردات جديدة لم يشهدها تاريخ الطبقة العاملة المصرية .. فصل .. تشريد .. ضرب ..سحل .. سجن .. موت .. انتحار ..

فعلى مستوى البنية القانونية تظل القوانين المقيدة للحريات النقابية على حالها، بل طرحت الحكومة مشاريع قوانين معادية للحريات تضاف لترسانة القوانين التى ورثناها عن العهد البائد.

ويستمر قانون الحريات النقابية حبيس الأدراج، فعلى الرغم من مشاركة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم الحرية والعدالة فى الشهور الأولى التى أعقبت قيام الثورة المصرية فى العام 2011 فى مناقشة قانون الحريات النقابية، وإعلانهم الدائم وقتها إنهم مع حقوق العمال فى إنشاء نقاباتهم المستقلة بحرية تامة، إلا إنه وبالتدريج بدأ التراجع عن هذه الوعود بمجرد أن بدأت تدوم لهم السيطرة على مقاليد الأمور.. فعلى الرغم من فوزهم بالأغلبية فى البرلمان المنحل أوائل عام 2012، إلا أن قانون الحريات النقابية الذى تمت عرقلته فى أدراج المجلس العسكرى لشهور طويلة، عاد ليتم عرقلته مرة أخرى فى دهاليز مجلس الشعب ذو الأكثرية الإخوانية ليكشف عداء الإخوان المسلمين للحريات النقابية وحق العمال فى إنشاء نقاباتهم، وهو الأمر الذى مارسه العمال بشكل عملى فى إنشاء نقاباتهم المستقلة، بل واستمرت عرقلة القانون حتى بعد فوز الرئيس الإخوانى محمد مرسى برئاسة الجمهورية وهو الذى كان بيده إصداره بمرسوم بقانون لكنه لم يفعل، وتستمر عمليات المراوغة فى إصدار القانون حتى الآن !!

 

أما على ارض الواقع العمالى فتستمر عمليات توجيه الضربات للنقابات المستقلة، فقد شهد العام 2012 فصل وتشريد العشرات من قيادات النقابات المستقلة .. والتى كان من أبرزها قرار النيابة العامة بمدينة المحلة الكبرى، حبس ثلاثة من قيادات النقابة المستقلة للعاملين بالبريد على ذمة التحقيق رقم 3240 لمدة أربعة أيام ودفع كلاً منهم 500 جنيه كفالة لتفادى البقاء فى الحجز، وذلك على خلفية إضرابهم فى شهر مارس 2012 .. وقضت محكمة جنح عابدين بحبس تسعة من العاملين بشركة المقاولين العرب بالحبس لمدة شهر وغرامة قدرها ألف جنيه لكل منهم، فى القضية رقم 833 لسنة 2012 جنح عابدين، وذلك على خلفية إضرابهم الذى كان فى شهر مارس 2012، وقامت قوات الشرطة بفض اعتصامهم بالقوة واعتقال 8 من العمال أفرج عن آخرهم يوم 23 مارس 2012 وبعد الإفراج عنهم فوجئوا بهذا الحكم الغيابى.. كما قامت إدارة الشركة الوطنية للصناعات الحديدية بمدينة 6 أكتوبر إحدى شركات مجموعة أوراسكوم بفصل 11 عامل هم أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة المستقلة بتهمة التحريض على الإضراب, كما قامت إدارة منجم السكرى بفصل 29 عاملا من بينهم أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة المستقلة بالمنجم منهم 7 من أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة المستقلة .. وهو ما فعلته أيضا إدارة الشركة المصرية للصناعات الطبية والإلكترونية بفصل أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة المستقلة للشركة بمجرد علمهم بإيداع أوراق النقابة، مهددين باقى العمال بنفس المصير إذا لم يقوموا بتقديم استقالاتهم من عضوية النقابة، وهو الأمر الذى استفز عمال الشركة فقاموا بوقفة احتجاجية كان من نتائجها تراجع الإدارة عن فصل كل أعضاء مجلس النقابة، مكتفية فقط باستمرار فصل رئيسها محمد جمال وأمينها العام أحمد فتحى.

كما قامت إدارة شركة كادبورى للشيكولاتة بالإسكندرية، بفصل خمسة من قيادات النقابة المستقلة للعاملين بالشركة.. وقامت إدارة الشركة الوطنية للصناعات الحديدية بمدينة أكتوبر بفصل تسعة من قيادات النقابة المستقلة بالشركة، وذلك بعد إيقافهم عن العمل بتهمة تحريض العمال على الإضراب..و قام رئيس مباحث قنا- أحمد عبد الله باقتحام مقر النقابة المستقلة للعاملين بهيئة السكك الحديدية وتهديد أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة بالاعتقال، بحجة تحريض العمال على الإضراب وتعطيل العمل، مؤكدا لرئيس النقابة بأنه لديه تعليمات من جهات عليا بعمل تحريات عنهم جميعا وخاصة رئيس النقابة..

ويأتى العام 2013 حاملا معه المزيد من سياسات التنكيل بالنقابات المستقلة، حيث فوجئ العاملون بمنطقة بريد أسيوط ودون علمهم، بصدور حكم بالحبس ثلاثة أشهر ضد خمسة من العاملين،حيث صدر الحكم غيابيا من محكمة ابنوب بمحافظة أسيوط .. وقامت قوة من مركز شرطة مدينة قفط بمحافظة قنا، بإلقاء القبض على سبعة من عمال مصنع hu لتعبئة أنابيب البوتاجاز من بينهم أعضاء النقابة المستقلة .. كما فوجئ عمال مجموعة مصانع فرجللو بمدينة العامرية الصناعية بمحافظة الإسكندرية بقيام إدارة المجموعة بوقف 27 عاملا من عمال الشركة وتحويلهم إلى التحقيق بتهمة إثارة الشغب، منهم رئيس النقابة المستقلة بالشركة واثنين من أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة.. كما قامت إدارة شركة ايديال ستاندرد للأدوات الصحية بمدينة العاشر من رمضان بفصل 29 عاملا منهم أعضاء اللجنة النقابية المستقلة بالشركة ،وقامت إدارة شركة اكوا دلتا للمياه المعدنية بفصل سبعة من أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة المستقلة، وهو ما فعلته إدارة شركة جلوب بمدينة السادات التى قامت بفصل 11 من العمال هم أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة المستقلة .. وفوجئ صباح يوم 13 مايو 2013 القائمون على مقر دار الخدمات النقابية والعمالية بمدينة نجع حمادى (المقر المؤقت للإتحاد الاقليمى لنقابات جنوب الصعيد المستقلة )، بقيام مجهولين بسرقة محتويات المقر والاستيلاء على أوراق النقابات المستقلة الأعضاء فى اتحاد عمال مصر الديمقراطى، والاستيلاء على لاب توب وجهاز كمبيوتر وجهاز الداتا شو، وبعثرة كافة الأوراق والمستندات..

 

 

 

محاولة تصحيح المسار

وينتفض العمال مع سائر فئات الشعب المصرى ضد حكم الإخوان فى 30 يونيو 2013 فى ثورة تصحيح لمسار الثورة الأم 25 يناير 2011 .. ويتم عزل الرئيس مرسى وجماعته من الحكم، ليتفاءل العمال خيرا .. إلا أن المتابع لأحوال العمال فى النصف الثانى من العام 2013 يجد أن الأحوال بقيت كما هى بسوئها .. فتحت دعاوى محاربة الإرهاب وجماعات الإسلام السياسى تستمر الانتهاكات كما هى بل وتزداد سوءا ..

فيمر العام 2013 على الطبقة العاملة المصرية ليشهد كم من الانتهاكات العمالية غير مسبوق فى تاريخ عمال مصر، سواء على مستوى الكم أو على مستوى الكيف .. فعلى مستوى الكم ترتفع وتيرة المواجهات الأمنية للاحتجاجات العمالية المطالبة بالحد الأدنى من الحقوق المشروعة " الحق فى العمل " " الحق فى الأجر العادل " وغيرها من الحقوق الطبيعية لتتحول إلى أداء شبه يومي، وترتفع وتيرة الملاحقات القضائية للقيادات العمالية ..

وعلى مستوى الكيف فلم تتعامل الحكومات المتعاقبة مع الحركات الاحتجاجية للعمال بالشكل الذى يليق بحكومة جاءت فى أعقاب ثورات شعبية، ولكن تم مجابهة الحركة الاحتجاجية بتشويه الإضرابات العمالية وتشويه صورة قيادتها من خلال الصحف المملوكة للدولة، إضافة إلى إدانة الإضرابات العمالية من على منابر المساجد بإدعاء حُرمانية الإضراب والاعتصام، إضافة إلى مباركة النظام الحاكم لظاهرة تأجير البلطجية من قبل أصحاب الأعمال للاعتداء على العمال المضربين بالرصاص الحى ..

 

2014 عام اغتيال الحريات النقابية

جاء عام 2014 محملاً بكل الآلام التى خلفها وراءه عام 2013، ذلك العام الذى سالت عبر أيامه دماء كثيرة، راهن البعض على أن عام 2014 سوف ترتفع وتيرة المشاركة السياسية بحكم أنه سيكون عام الاستحقاقات أو بالأحرى تنفيذ الاستحقاقات التزاماً بخريطة الطريق التى تم إعلانها، بعد إعلان الإطاحة بحكم الإخوان فى 3 يوليو 2013 ولكن حدث عكس ذلك تماماً..

فعلى جانب الحريات النقابية شهد عام 2014 اعتداءات بالغة ما بين ضغط وتضييق وتدخل فظ من قبل وزارة القوى العاملة فى شئون النقابات وإجراءات تعسفية فى مواجهة القيادات العمالية، وكان العنوان الأبرز لهذه الانتهاكات هو إعادة الاعتبار للاتحاد العام لنقابات عمال مصر- الذراع النقابى لنظام مبارك.

 وفى إطار عودة رجالات ما قبل ثورة يناير تشهد شركات قطاع الأعمال العام المملوكة للدولة مخططات ممنهجة للتنكيل والتخلص من القادة العماليين فى تلك الشركات، فترتفع وتيرة حرب شرسة من قبل رؤساء مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال العام، ضد قيادات وممثلى العمال الذين قادوا حركات احتجاجية للمطالبة بإصلاح تلك الشركات، ومحاسبة المسئولين عن تخسيرها والمطالبة بتطويرها وإعادة الاعتبار لتلك الشركات التى كانت تقود مسيرة التنمية المصرية قبل بدء برنامج الخصخصة المشئوم أوائل التسعينات من القرن الماضى.. حيث تتزامن عمليات التنكيل بالقيادات العمالية وكأنه مخطط يقوده رؤساء مجالس إدارات الشركات القابضة التسعة الممثلة لذلك القطاع بلا استثناء، هؤلاء الباقون فى مناصبهم منذ عشرات السنيين وكأنه لم تكن هناك ثورة قد قامت للإطاحة بكافة رموز النظام السابق، وكأنه لم تكن هناك دماء ذكية قد سالت من أجل محاسبة الفسدة الذين باعوا شركات القطاع العام بأبخس الأثمان، الذين حولوا وعن عمد تلك الشركات إلى خرابات ينعق فيها البوم من اجل خصخصتها والسمسرة فى صفقات بيعها..

فلم تخلو شركات قطاع الأعمال العام والتى لا يتواجد بها نقابات مستقلة من استمرار التنكيل بالقيادات العمالية المطالبة بحقوق العمال، حيث قام رئيس مجلس إدارة شركة الحديد والصلب بتحويل محمد عمر أحد القيادات العمالية إلى الشئون القانونية بتهمة عدم استجابته لقرار تحويله إلى القومسيون الطبى على غير رغبته كما ينص القانون، على الرغم من أن عمر هو أحد أعضاء اللجنة النقابية بالشركة ولا يحق لإدارة الشركة التحقيق معه إلا عن طريق النقابة العامة .. وفى ذات السياق قامت الإدارة بتحويل محمد الأسوانى الذى يعمل فى قسم الصيانة إلى التحقيق بتهمة توزيع منشورات واستدعاءه من قبل أمن الشركة بتهمة سرقة كيسة كمبيوتر!!

 وفى ذات السياق وفيما وصف بأنه فضيحة نقابية من اتحاد العمال الحكومى، قررت النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية فصل "محمد عمر" من عضوية النقابة انتظارا لعرض القرار على الجمعية العمومية، ليتماشى قرار فصل محمد عمر من النقابة مع قرار إيقافه عن العمل الذى صدر من رئيس مجلس إدارة الشركة فى 25 أغسطس الماضى بدعوى تحريضه عمال الشركة على الاعتصام!!

لتؤكد النقابة العامة بذلك اصطفافها مع إدارة الشركة للتنكيل بالقيادات العمالية الشريفة داخل شركة الحديد والصلب.. وفى تطور خطير قام يوم 4 مايو 2014 شخصان مجهولى الهوية بمحاولة اغتيال "محمد عمر"، حيث فوجئ محمد عمر فى تمام الساعة الثامنة صباحا وهو فى طريقه إلى الورشة التى يعمل بها والتى تقع فى مكان نائى بالشركة، بأحد الأشخاص يخبئ وجهه بكوفية يقوم بضربة بعصا حديدية على رأسه بكل قوة، ويجرى ناحية شخص آخر كان فى انتظاره يركب موتسيكل بدون لوحات معدنية ويفرا هاربين،

وفى شركة غزل المحلة واستمرارا لمخططات تصفية الحسابات مع القيادات العمالية فى شركات قطاع الأعمال العام، قامت إدارة الشركة بفصل القياديان العماليان ناجى حيدر وجمال جاد .. وذلك بدعوى تحريضهم عمال الشركة على الإضراب وتعطيل العمل، على خلفية إضراب عمال الشركة لمدة أربعة أيام متتالية يوم 13 يناير2015 .. كما أصدرت إدارة الشركة بعدها بشهرين قرار بإنهاء خدمة القيادى العمالى كمال الفيومى، وذلك بدعوى تحريضه العمال على الإضراب وتعطيل الإنتاج.. ليلحق الفيومى بزميليه "ناجى حيدر وجمال جاد" التى كانت إدارة الشركة قامت بفصلهم ..

أما على مستوى البنية القانونية مر العام 2014 لتظل القوانين المقيدة للحريات النقابية على حالها، وكأن ثورة لم تقم، وكأن شهداء لم يسقطوا للمطالبة بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية..فقد مر العام وما زال قانون الحريات النقابية حبيس الأدراج، وهو القانون الذى تعهدت الحكومات المصرية المتعاقبة منذ قيام الثورة المصرية فى يناير عام 2011 بالانتهاء منه وإصداره !!

 

تدخلات إدارية فى شئون النقابات المستقلة

ويمتاز العام 2014 عن سابقيه بتدخلات مباشرة من قبل وزارة القوى العاملة فى شئون النقابات المستقلة، فعلى مدار ثلاثة أشهر تستمر عرقلة اعتماد قرارات الجمعية العمومية للنقابة العامة للعاملين بضرائب المبيعات من قبل وزارة القوى العاملة ووزيرها كمال أبو عيطة، وذلك أيضا لتصفية حسابات شخصية من قبل الوزير مع أعضاء مجلس إدارة النقابة العامة .. حيث أن الوزير كان يشغل منصب رئيس الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة قبل شغله منصب الوزير، وكانت النقابة عضوا فى هذا الاتحاد وقامت بالانسحاب من الاتحاد .. وهو ما لم يعجب الوزير الذى كان منحازا لأعضاء مجلس الإدارة السابق .. وفى تدخل فج أخر فى شئون النقابات المستقلة من قبل وزارة القوى العاملة، أصدرت الوزارة قرار ينص على تجميد الحساب البنكى لاتحاد عمال مصر الديمقراطى، بحجة أن هناك صراع بين أطراف مختلفة داخل الاتحاد .. إلا أن الحقيقة كانت بدافع انحياز وزيرة القوى العاملة لبعض الأشخاص المحسوبين عليها داخل الاتحاد على حساب قرارات المجلس العام للاتحاد، وهو ما أثبتته أعمال الجمعية العمومية للاتحاد بعد ذلك..

وفيما وصف بأنه تدخل غير مبرر فى شئون النقابات المستقلة من قبل الجهة الإدارية وهى وزارة القوى العاملة والهجرة، أصدر فى يوم 15 فبراير 2014 وزير القوى العاملة كمال أبو عيطة قرار بحل مجلس إدارة النقابة العامة للعلوم الصحية وتجميد الحساب البنكى الخاص بالنقابة، وذلك بدعوى وجود مخالفات مالية قد ارتكبها مجلس إدارة النقابة ..

وفى الأسبوع الأخير من العام 2014 صرحت وزيرة القوى العاملة د/ ناهد العشرى فى العديد من الصحف اليومية بتصريحات ضد النقابات المستقلة، متهمة إياها بأنها السبب فى ضعف الحركة النقابية، وبأنها إرث قد ورثته من وزارة الدكتور احمد حسن البرعى الذى اصدر فى 12 مارس 2011 قرار إعلان مبادئ الحريات النقابية الذى سمح بإنشاء النقابات المستقلة .. وتماشيا مع تلك التصريحات قامت الوزيرة بإصدار قرارها بوقف منح النقابات المستقلة الجديدة الخطاب البنكى والذى كان يسمح للنقابة بفتح حساب بنكى باسمها..

أما على مستوى الملاحقات الأمنية والقضائية لقيادات النقابات المستقلة، فيأتى العام 2014 ليشمل استمرار الملاحقات القضائية للعشرات من أعضاء الإتحاد النوعى لنقابات هيئة البريد المصرى المستقلة فى اغلب محافظات الجمهورية، بل وتقوم قوة أمنية بمهاجمة اعتصام عمال بريد محافظة الإسكندرية وإلقاء القبض على أربعة من العاملين ..

كما قامت قوات الأمن بالقبض على أربعة من عمال شركة شبكات الغاز من منازلهم بمحافظة الإسكندرية، وذلك فى محاولة للضغط على عمال الشركة المضربين عن العمل بوقف إجراءات تصفية الشركة .. وقامت إدارة شركة بورسعيد الوطنية للصلب بإصدار قرار بإيقاف 16 عاملا عن العمل من بينهم أعضاء المجلس التنفيذى للنقابة المستقلة.. وقضت محكمة جنح عابدين، بالحبس سنتين مع الشغل لـ13 عاملا من العاملين بمساجد وزارة الأوقاف بتهمة التظاهر أمام وزارة الأوقاف بوسط القاهرة، ووضعهم تحت المراقبة الشرطية لنفس المدة..كما قامت قوات الأمن بفض اعتصام عمال شركة الإسكندرية للغزل والنسيج (عبود) بالقوة، وإطلاق الخرطوش وقنابل الغاز على العمال المعتصمين مما أدى إلى إصابة خمسة عمال، بينهم العامل (محمد كمال محمود) والذي تلقى طلقة رصاص حي في قدمه ..وقد قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على 4 عمال وضمت إليهم بعض العمال المصابين وأجبرتهم خلال التحقيق على الإقرار بأن الإصابات التي لحقت بهم كانت من جراء اشتباكات وقعت بين عائلتين بمنطقة محرم بك بالإسكندرية، وليس من قبل قوات الأمن، على أن تكون هذه الأقوال ثمن لإطلاق سراحهم وقفل التحقيق فيما يخص واقعة اتهامهم بقطع الطريق وتعطيل الإنتاج !!

كما فوجئ العاملين بمكتبة الإسكندرية بإحالة 18 عاملا من زملائهم من قبل نيابة باب شرق الإسكندرية إلى المحاكمة بتهمة التظاهر عن واقعة احتجاج العاملين فى شهر أكتوبر عام 2011.. حيث تشمل قائمة الاتهام خمسة من أعضاء المكتب التنفيذى للنقابة المستقلة بالمكتبة من بينهم رئيس النقابة اشرف صقر وشريف المصري نائب رئيس اتحاد عمال مصر الديمقراطي ..

و قام رئيس مجلس إدارة شركة النهر الخالد للملابس الجاهزة بمنطقة الاستثمار بمحافظة بور سعيد بإصدار قراره بإيقاف محمد عويس أمين عام النقابة العامة المستقلة بمنطقة استثمار بور سعيد ونائب رئيس اتحاد عمال مصر الديمقراطى عن العمل وتحويله إلى التحقيق ..وذلك بدعوى التهجم عليه بمكتبه ومحاولة الاعتداء عليه !!

وفى العام 2015 تتلقى الحريات النقابية ضربة بالمخالفة حتى لنصوص الدستور المصرى، حيث أصدرت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، حكمًا بشأن إضراب الموظفين داخل مقار العمل، حيث عاقبت 3 موظفين بإحالتهم للمعاش، وتأجيل ترقية 14 آخرين لمدة عامين، بدعوى إضرابهم عن العمل وتعطيل سير المرفق عن أداء مصالح المواطنين..

كما أكدت هيئة مفوضى الدولة برئاسة المستشار عمر السمنى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرة الرابعة عليا، أن قانون العقوبات جرم الإضراب عن العمل بينما أجازته الاتفاقية الدولية. قانون العقوبات جرم إضراب العاملين وتضمن التقرير الذى أعده القاضى محمد علاء زعزع مفوض الدولة، أن المشرع فى قانون العقوبات جرم إضراب العاملين بالدولة عن العمل بموجب نص المادة (124) غير أن الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب المادة (8) منها قد أجازت هذا الإضراب بل واعتبرته حقاً للعامل، بعد صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنة 1981 بالموافقة على هذه الاتفاقية، الأمر الذى أصبح معه لهذه الاتفاقية قوة القانون، ولم يصدر قانوناً بإلغاء نص المادة (124) سالفة الذكر صراحةً. وأوضح مفوض الدولة أن حق الإضراب قد نُص عليه فى الاتفاقية سالفة البيان على أن يمارس وفقاً لقوانين الدولة، فإنه فى ضوء عدم تنظيم المشرع المصرى لحق العامل فى الإضراب لا يجوز القول بحظر هذا الحق لحين صدور ذلك التشريع، وإنما يخضع فى مباشرته لرقابة القضاء فى ضوء الظروف والملابسات المحيطة بممارسته، مستهدياً فى ذلك بالشريعة العامة لضوابط ممارسة الحق وفقاً للمادة (5) من القانون المدنى والتى حددت الحالات التى يكون فيها استخدام الحق غير مشروع، وذلك لحين صدور التشريع المُنظم له، ومن ثم فإنه لكى يكون ممارسة الموظف العام لحقه فى الإضراب مشروعاً لابد من توافر عدة شروط له، هى أن يكون جزئياً لا كلياً، وألا يترتب عليه تعطيل عمل المرفق العام !!

حيث تلقفت ذلك الحكم القضائى العديد من الإدارات الحكومية مثل هيئة الأوقاف وهيئة البريد وقامت بنشره وتعليقه فى المصالح الحكومية مهددة اى عامل لديها بالإحالة إلى المعاش فى حالة ممارسة حقه فى الإضراب..

وعلى الرغم من صدور قرار بحل اتحاد العمال الحكومى فى 4 أغسطس 2011 بناء على العديد من الأحكام القضائية، وتشكيل لجنة إدارية لإدارة شئون الاتحاد حتى إجراء الانتخابات العمالية، إلا أن الحكومات المصرية المتعاقبة تصر على بقاء تلك اللجنة الإدارية جاثمة على صدور العمال، وتصدر بشكل سنوى قراراتها بمد اجل الدورة النقابية ـ والتى كان أخرها فى شهر مايو 2015 للمرة الرابعة على التوالى بصدور قرار جمهورى من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسى بمد الدورة النقابية عام أخر ..

 وكما هو معتاد تتهافت قيادات ذلك الاتحاد الحكومى على تقديم فروض الولاء والطاعة لاى نظام حاكم بهدف الحفاظ على كراسيهم، فتصدر اللجنة الإدارية للاتحاد فى 28أبريل 2015 وثيقة وقف الإضرابات العمالية مجانا للنظام الحاكم، وهو ما أثار حفيظة وغضب العمال الذين ما زالوا يعانون الأمرين !!

يأتى ذلك فى الوقت الذى تؤكد تقارير الأجهزة الرقابية على أعمال مجلس إدارة الاتحاد العام ونقاباته العامة إهدار عشرات الملايين من الجنيهات من أموال العمال، والتى أكدت عليها انسحاب ممثل الجهاز المركزى للمحاسبات من الجمعية العمومية التى دعت إليها اللجنة الإدارية بغير حق وغير صفة يوم 26 مايو 2015، ورفض         ممثل الجهاز المركزى التصديق على ميزانية الاتحاد الحكومى !!

وفى خضم كل ذلك يعلن عمال مصر على استمرارهم فى المقاومة، فتطلق دار الخدمات النقابية والعمالية يوم 12 مارس 2015 بمناسبة مرور أربعة أعوام على إعلان الحريات النقابية حملة الخمسين يوما للحريات النقابية، لترد على هذا الواقع النقابى المتردي، والتى انتهت فى 1 مايو 2015 بإصدار وثيقة مايو 2015 بالتعاون مع اتحاد عمال مصر الديمقراطى التى وقع عليها العشرات من الكيانات النقابية المستقلة، حيث شملت الوثيقة مطالب عمال وهى :

    إلغاء كافة القيود القانونية على حق العمال فى تكوين نقاباتهم المستقلة.

    إصدار قانون المنظمات النقابية وفقاً للنسخة الأخيرة المقدمة من وزارة القوى العاملة والهجرة.

    كفالة حق النقابات فى الوحدة والانفصال.. وحق العمال فى وحدات قطاع الأعمال العام وكافة الوحدات فى الاستقلال بنقاباتهم وإجراء انتخاباتها مع الاحتفاظ بكافة حقوقهم.

    حق العمال جميعاً فى أموال وأصول ومؤسسات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.

    حق العمال المفصولين من عملهم بسبب نشاطهم النقابى أو تمثيلهم العمال فى العودة إلى أعمالهم واقتضاء حقوقهم.

    تفعيل آليات المفاوضة الجماعية على كافة المستويات وعلى أسس ديمقراطية.

    حق العمال فى مناقشة القوانين التى يخاطبون بأحكامها وإبداء الرأى بشأنها من خلال آليات ديمقراطية وعلى الأخص مشروعى قانون العمل، وقانون التأمينات الاجتماعية..واللائحة التنفيذية لقانـــــــون الخدمة المدنية (مع إتاحة الفرصة لإدخال بعض التعديلات عليه حال مناقشته لإقراره من قبل البرلمان)

     مشاركة العمال فى مناقشة ملف إصلاح وتطوير شركات قطاع الأعمال العام، وتسوية أوضاع الشركات المعلقة المتوقفة أو التى صدرت بشأنها أحكام قضائية.

     كفالة حقوق العمالة غير المنتظمة والعمالة فى القطاعات غير الرسمية من خلال آليات عادلة ومنضبطة لإدماجهم وحماية حقوقهم.

     إصدار قانون موحد بشأن الحد الأدنى للأجور، والعلاوة الدورية السنوية.

     إعمال قاعدة الأجر المتساوى للعمل متساوى القيمة والتوجه المنتظم نحو المساواة بين العاملين .

      توفير مظلة علاج ورعاية صحية ملائمة وحقيقية لكافة العاملين بأجر فى سائر القطاعات تشمل العلاج من كافة الأمراض ودون حد أقصى وبغض النظر عن طبيعة الوظيفة والأجر ومدة العمل.

      الإعلان عن خطة قومية للتشغيل ومواجهة البطالة، وتعويض المتعطلين ببدل بطالة مناسب.

      كفالة حد أدنى كريم لأصحاب المعاشات.

 

وتستمر مسيرة نضال الطبقة العاملة ويخوض العمال المصريين معركة تلو أخرى مُصرين على انتزاع حريتهم النقابية، وتحرير قانون الحريات النقابية من أدراج ودهاليز الحكومات المتعاقبة.. ما زال عمال مصر مصرون على استكمال مهام وأهداف ثورتهم المجيدة مهما كانت المصاعب .. معلنين بأعلى صوت أن الحرية لا تمنح ولكنها تنتزع ..