اتحاد تضامن النقابات العمالية، محطات علي الطريق

مقالات
الأحد, ديسمبر 17, 2023 - 15:46

مما لاشك فيه أن عملية انشاء وتاسيس اتحاد تضامن النقابات العمالية كانت عملية صعبة وعسيرة ليس بسبب المناخ السياسي العام الضاغط فاقد الحرية (لاسيما بعد 30يونيو وما شهدته من احداث) فقط وانما لأنها تجربة قديمة متجددة فخلال الفترة من 2011 وحتي ماقبل 2022 خاض العمال وقيادات النقابات المستقلة عدد من التجارب أسفرت عن اتحادين مستقلين - اجرائيا - لكنهما لم يستمرا كثيرا حيث عصفت الخلافات بالتجربة الأولي وانتهت بعد صراع طويل إلى الذبول و التلاشي ولحقت بها التجربة الثانية لأسباب مشابهة جعلت الاتحاد الجديد يفقد أهم شروط ومبادئ العمل النقابي الممثل من الاستقلالية والديمقراطية والتمثيل الحقيقي فباتت التجربة عبئا مستقبليا ثقيلا يهدد أى رغبة وليدة في تكرارها أو التطلع إلى خوضها مرة أخري بالنظر إلى ما جرى في الماضي القريب.

في هذا السياق خاضت الحركة النقابية المستقلة بمشاركة دار الخدمات النقابية والعمالية معاركها  الأساسية والتي جاءت أهم محطاتها في العام 2017 وما قبلها في معركة قانون المنظمات النقابية حيث تم تشكيل تكتل النقابات الديمقراطية بالاضافة الي لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمل - والتي شكلت في العام 2016 - الذي حمل علي عاتقه طوال فترة مناقشة مشروع القانون الاشتباك معه والدفاع عن الحريات النقابية بوصفها الأساس الذي لاغنى عنه للحركة النقابية والحلم الذي طال انتظاره فعمد التكتل الديمقراطي ومن خلفه دار الخدمات إلى التواصل مع كافة الأطراف المؤثرة التي تلعب دورا في اصدار التشريع سواء داخليا أو خارجيا (منظمة العمل الدولية – الاتحادات النقابية الدولية – أعضاء مجلس النواب - الشخصيات العامة وقادة الاحزاب السياسية) تلك الحملة التي استمرت حتي انتهت بصدور قانون المنظمات النقابية وحماية حق التنظيم 213 لسنة 2017 والذي أعطى للمرة الاولى صراحة الحق للعمال في انشاء وتأسيس نقاباتهم بحرية ومنح القانون أيضا الشخصية الاعتبارية للمنظمات النقابية القاعدية ومنها حق الانضمام أو الانسحاب من المنظمات النقابية الأعلى (النقابات العامة والاتحادات) وتشكيلها وان كان القانون قد بالغ كثيرا في الأعداد الواجب توافرها لتأسيس هذه المنظمات وهى المعركة أو المحطة التالية التي خاضتها النقابات المستقلة ونجحت نسبيا في تخفيضها وتعديل القانون في عام 2019 ليصبح قانون المنظمات النقابية وحماية حق التنظيم 213 لسنة 2017 والمعدل بالقانون 142 لسنة 2019

ولا شك أن النجاحات التي حققتها الحركة النقابية المستقلة والنقابات التي حافظت علي تأسيسها على سند من اعلان الحريات النقابية الذي صدر في مارس 2011 والنقابات التي أعادت توفيق أوضاعها أو التي أنشأت بعد صدور القانون في عام 2017 شكلت نواة جديدة ازدادت يوما بعد يوم رغم ما واجهته النقابات من اشكاليات كبيرة في عمليتي توفيق الأوضاع واجراء الانتخابات النقابية 2018-2022 او 2022-2026 ورغم كل ذلك وبعد كافة الانتهاكات التي واجهتها النقابات المستقلة نجح عدد كبير منها في التواجد والاستمرار علي الساحة النقابية بلغ ما يقارب 75 منظمة نقابية من بينهم النقابة العامة للعاملين بهيئة الاسعاف المصرية ونقابة الضرائب العقارية التي لولا تعنت وزارة العمل في توفيق اوضاع الكثير من لجانها النقابية لاصبحت نقابة عامة بين عشية وضحاها. فضلا عن نقابات جديدة تاسست بعد صدور القانون .

وقد كانت هذه الاوضاع تشير إلى أن مرور هذه السنوات العجاف لم يفت في عضد الحركة النقابية المستقلة وان قيادات نقاباتها رغم مرور هذه السنوات ما زال الكثيرون منهم يناضلون من اجل نقابات حقيقية مستقلة ممثلة وديمقراطية قادرة علي مواجهة التحديات التي تواجه الطبقة العاملة والتي باتت واضحة وضوح الشمس من فصل وتصفية للشركات وافتئات مستمر علي حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. وأزمات اقتصادية متلاحقة يحظى العمال بتحمل النصيب الأوفر فيها من المعاناة.

ومع قرار العمال وقياداتهم النقابية المستقلة وتطلعهم إلى إنشاء وتأسيس اتحاد جديد بدأت مرحلة جديدة فمنذ اللقاء الأول في اكتوبر 2022 قرر الحاضرون ان يؤسسوا اتحادا جديدا يتحمل اعباء المرحلة ويصبح صوتا  معبرا عن العمال في غياب الصوت الحقيقي واحتكار الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الحديث باسم العمال.

وخلال أكثر من عشرة اجتماعات تحضيرية وتشاورية وبعد دراسة التجارب السابقة وأسباب الفشل وعوامل النجاح المتاحة وضع الاعضاء المؤسسون لمشروع الاتحاد الجديد مهاما محددة وميثاقا لا يجوز الحياد او الانحراف عنه تمثل في :

  • * تمسك الحاضرون جميعا بمبادئ الحرية النقابية وحق العمال المصريين جميعا في بناء منظماتهم النقابية بحرية.
  • * عزم الحاضرون جميعا على مواصلة العمل من أجل ازالة كافة المعوقات التي تعترض ممارسة هذا الحق وعلى الأخص تمكين جميع المنظمات النقابية من ايداع اوراقها واكتسابها الشخصية الاعتبارية .
  • * حرص جميع الحاضرين من ممثلي المنظمات النقابية على استقلالية النقابات واستقلالية الاتحاد تحت الانشاء والاستماع الي كافة الآراء ووجهات النظر بروح من الديمقراطية تستبعد اقصاء اي طرف وتطوير نقاط الاتفاق والمواقف المشتركة بين الأعضاء.

وتحت هذه الاطر التي وضعها المؤسسون سارت عملية انشاء الاتحاد فأعقبها ثماني اجتماعات ناقشت باستفاضة مشروع لائحة النظام الاساسي للاتحاد والتي حظيت بالنصيب الاوفر من اجتماعات التاسيس حيث كانت عاملا مشتركا في كافة النقاشات حتي الانتهاء منها تمهيدا لعرضها علي الجمعية العمومية لاقرارها والتي تضمنت قواعد تمثيل اللجان النقابية والنقابات العامة قطاعيا ووفقا لعدد اعضاء الجمعية العمومية لكل منظمة نقابية وتمثيل القطاعات في المجلس التنفيذي للاتحاد وكذا قيمة الاشتراكات التي تؤديها المنظمات النقابية وفقا لعدد عضويتها بالجمعية العمومية للاتحاد والعديد من الموضوعات الاخري التي تضمنتها اللائحة 

حيث مثل القطاع الحكومي 9 منظمات نقابية ومثل القطاع الخاص 3 منظمات نقابية ومثل قطاع العمالة غير المنتظمة 8 منظمات نقابية بينما مثل قطاع الاعمال العام منظمة نقابية واحدة .بإجمالي عضوية في الجمعية العمومية بلغ 38 عضوا وفقا لنسب التمثيل التي ناقشها الاعضاء المؤسسون وتوافقوا عليها وتضمنها مشروع لائحة النظام الاساسي .

ولن نقول أننا هنا قد وصلنا إلى المحطة الاخيرة بل اننا قد بدأنا مرحلة جديدة من الأمل في تجربة جديدة ومشروع اتحاد حقيقي يعبر بصدق ويتمسك بالحرية النقابية والاستقلالية المطلوبة للقيام بالدور الذي تطلع اليه وناضل وضحى من أجله اجيال من العمال ما زال يحدوهم الامل في ان يكون لهم صوت يعبر عنهم ويدافع بصدق عن حقوقهم .

حسين المصري

مسئول برنامج التدريب بدار الخدمات النقابية والعمالية

إضافة تعليق جديد