البرلمان يقر قانون العمل الجديد وسط غياب الحوار المجتمعي
أسدل مجلس النواب الستار على مشروع قانون العمل الجديد، بإقراره نهائيًا خلال جلسته العامة المنعقدة يوم الثلاثاء 15 أبريل 2025، وذلك بعد أن أدخلت الحكومة تعديلات على عدد كبير من مواده، أعيدت مداولتها داخل الجلسة، ووافق عليها المجلس دون عقد أي لجان استماع أو إجراء مشاورات حقيقية مع ممثلي العمال أو النقابات المستقلة.
ورغم تأكيد المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، أن إعادة المداولة على بعض المواد تعكس "حرص الحكومة والمجلس على التدبر والمراجعة"، إلا أن تمرير القانون جاء في غياب كامل للحوار المجتمعي، ووسط تجاهل لملاحظات الأطراف المعنية، وعلى رأسها العمال، والنقابات المستقلة، ومنظمات المجتمع المدني، مما أثار انتقادات واسعة بين النشطاء والنقابيين والحقوقيين.
وشملت التعديلات التي أُجريت في الجلسة النهائية تعديل تعريف "العامل"، بما يضمن عدم حصره في وجود عقد مكتوب، وهو ما بررته الحكومة بتفادي الإضرار بالعمال الذين لا يملكون عقودًا رسمية. كما تمت مراجعة بعض المواد المرتبطة بأنماط العمل الجديدة، مثل "العمل عن بعد"، و"العمل عبر المنصات الرقمية"، و"العمل المرن"، حيث تم حذف بعض العبارات التي قُيّدت بها هذه الأنماط، مثل اشتراط موافقة صاحب العمل على أماكن تأدية العمل عن بعد.
ووافق المجلس أيضًا على تعديل اختصاصات المجلس القومي للأجور، ليصبح من مهامه وضع الحد الأدنى للعلاوة الدورية، إلى جانب تحديد الحد الأدنى للأجور والنظر في طلبات أصحاب الأعمال الخاصة بالإعفاء أو التخفيض من صرف العلاوة في ظل الظروف الاقتصادية الطارئة. كما تم تعديل المادة 103، ليُصبح انعقاد المجلس القومي للأجور مرة كل 6 أشهر على الأقل، بدلاً من 3 أشهر كما كان مقترحًا في النص الأصلي، وذلك بناءً على طلب الحكومة التي رأت أن المدة الأقصر غير عملية بالنظر إلى حجم المجلس وتكوينه.
ورغم هذه التعديلات، يرى مراقبون ونقابيون أن القانون لم يقدم جديدًا حقيقيًا، إذ احتفظ في جوهره بغالبية مواد القانون القديم، لا سيما المواد التي طالما أثارت الجدل وتسببت في انتهاكات واسعة لحقوق العمال، منها ما يتعلق بسهولة فصل العامل، وتعقيد إجراءات الإضراب، واستمرار أوضاع العمل غير المستقرة دون حماية كافية.
كانت دار الخدمات النقابية قد أصدرت في فبراير الماضي ورقة بحثية بعنوان "موقفنا بشأن الصياغة النهائية لمشروع قانون العمل الجديد"، تناولت فيها أبرز ملاحظاتها على القانون، مؤكدة أن التعديلات التي أُدخلت لا تعالج المشكلات الجوهرية التي يعاني منها العمال، بل تُبقي على نفس السياسات القديمة بصيغ جديدة.
أما أهم النقاط الخلافية التي رصدتها الورقة فشملت:
- غياب الأمان الوظيفي، واستمرار مواد تسمح بفصل العمال وفقًا لرؤية صاحب العمل دون ضوابط واضحة.
- تقليص نسبة العلاوة الدورية من 7% إلى 3% فقط، ما يؤدي إلى تآكل دخل العمال في ظل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
- فرض قيود مشددة على ممارسة الحق في الإضراب، بما يحرم العمال من أحد أبرز أدواتهم في الدفاع عن حقوقهم.
- استبعاد عاملات المنازل من نطاق تطبيق القانون، وهو ما يُعد تمييزًا صارخًا ضد فئة واسعة من العاملات.
- تقنين أوضاع وكالات الاستخدام، التي تمثل خطرًا على استقرار العمال وتؤدي إلى استقطاع جزء من أجورهم.
وبينما كانت تُرفع الأيادي داخل قاعة البرلمان لإقرار القانون، كانت أصوات العمال في الخارج تُطرح في التساؤل: لمن كُتب هذا القانون؟ ولماذا لم يُمنح أصحاب الشأن فرصة للمشاركة في صناعته؟
إن دار الخدمات النقابية تؤكد أن تمرير قانون بهذه الأهمية دون حوار حقيقي أو مشاركة فعلية من العمال، يعكس خللًا في فلسفة التشريع ويطرح علامات استفهام حول مدى التزام الدولة بحقوق من يعملون في صمت، ويحمون الاقتصاد بعرقهم اليومي.
إضافة تعليق جديد