العمالة غير المنتظمة .. وضرورة التنظيم

الاثنين, نوفمبر 3, 2014 - 05:48

 

 تحت عنوان: " قطاع العمالة غير المنتظمة .. اشكاليات وحلول "، نظمت يوم 30 اكتوبر 2014  دار الخدمات النقابية والعمالية مائدة مستديرة حضرها العشرات من ممثلى النقابات المستقلة التى تم تكوينها خلال السنوات القليلة الماضية فى قطاع العمالة غير المنتظمة .. نقابات الباعة الجائلين ، المقاولات والبناء والاخشاب ، السائقين، وعمال شركات توريد العمالة ..

حيث قامت دار الخدمات  بتقديم ورقة عمل مبدئية تناولت على الاخص إشكاليات الغطاء التأمينى للعمالة غير المنتظمة ، ومعالجة تهميش ملايين المصريين  الذين يعملون فى تلك القطاعات خارج البنى القانونية والنظم الاقتصادية والاجتماعية الرسمية القائمة ، والذى يمثل شأناً بالغ الخطورة على استقرار المجتمع المصرى وقدرته على التوازن فضلاً عن التقدم.. اشارت الورقة انه غنىٌ عن الذكر أن عجز هؤلاء الملايين عن الاندماج داخل البنى والنظم القائمة لا يعنى- فى واقع الحال- سوى قصور هذه النظم الاقتصادية والاجتماعية والقانونية القائمة والحاجة الملحة إلى تطويرها بما يلائم التغيرات الفعلية للنشاط الاقتصادى والاجتماعى على الأرض والحاجات الفعلية للبشرالذين يعيشون على هذه الأرض.

كما اشارت ورقة العمل الى اتساع  دائرة العمل غير المنتظم فى مصر خلال العقدين الأخيرين لتشمل أعداداً أوسع من العاملين ،وتبدلت أشكال العمل تبدلاً كبيراً خلال العقدين الماضيين، واتسعت دائرة العمل غير المنتظم فى مصر شيئاً فشيئاً لتشمل أعداداً أوسع وتبتلع أقساماً جديدة وقطاعت صناعية متنوعة حتى بلغت نسبتها ما يقارب ثلاثة أرباع قوة العمل المصرية- وفقاً لبعض التقديرات- حيث يصعب الاعتماد هنا على الاحصائيات الرسمية أو  القياسات العلمية المنضبطة ما دمنا إزاء وقائع خارج الأطر المنظمة.. غير أن هذه الوقائع واسعة الانتشار وعميقة الأثر الاجتماعى يمكن "رؤيتها بالعين المجردة" لدى ملاحظة القطاعات كبيرة الحجم المهمشة خارج الأطر الاقتصادية والاجتماعية المنظمة.

وتتوزع العمالة غير المنتظمة على عدة قطاعات رئيسية أبرزها ما يعرف بقطاع المقاولات- الذى يضم أعمال البناء والتشييد والحرف المتكاملة معها- ، والباعة الجائلين، والعمالة الزراعية الموسمية.. فضلاً عن قطاعات العمالة غير المنظمة فى الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وما يعرف بصناعات "بير السلم".. حيث تمثل هذه القطاعات حوالى 40% من الاقتصاد القومى

ويبلغ عدد هؤلاء العاملين- وفقاً لأكثر التقديرات تواضعاً ثمانية مليون عامل..غير أن الإحصاء الرسمى ما زال يسقط  قطاعت أخرى لا يمكن إغفالها وعلى الأخص منها النقل البرى الذى بات جانباً كبيراً منه غير رسمى، والمناجم والمحاجر (شق التعبان/ المنيا).. فضلاً عن أن نسبة من عمالة القطاع الاقتصادى الرسمى (الخاص)- على الأخص فى صناعات السياحة والبترول والخدمات- هى عمالة غير منتظمة (موسمية، غير مسجلة.. ) بكل ما للمصطلح من معنى.

 

وقد بدات اعمال المائدة المستديرة التى اعتمدت اعتمادا كليا على سماع اهم المشاكل التى تواجه كل فئة من تلك الفئات التى تمثل قطاع العمال من خلال ممثلين لها .. حيث عرض الباعة الجائلون اهم المشاكل التى تواجهم عملهم خلال الفترة الماضية بشكل خاص والتى جاء على راسها :

  • ضرورة مواجهة تلك الحملة الاعلامية التى تشنها اجهزة السلطة التنفيذية لاظهار الباعة الجائلين وكانهم مجموعات من البلطجية والخارجين على القانون لمجرد انهم يطالبون بتوفير اماكن ثابتة لهم ، ويدافعون عن لقمة عيشهم ..
  • ضرورة الاسراع فى تنظيم  الباعة الجائلين والذين يصل عددهم الى ما يقرب الثلاثة ملايين عامل على مستوى الجمهورية فى نقابات تمثلهم وتدافع عنهم ، تمهيدا لانشاء اتحاد نوعى للباعة الجائلين على مستوى الجمهورية يستطيع الجلوس الى الجهات المعنية للنفاوض حول مشاكلهم ..
  • ضرورة اعداد مقترحات حلول لمشكلة  توفير اماكن للباعة الجائلين تشمل كافة تجمعاتهم والجلوس الى المسئولين لمناقشتها والتوصل الى حلول جذرية ، حيث اكد الحاضرون والذين كانوا يمثلون نقابات الباعة الجائلين بالقاهرة الكبرى ان هناك العديد من الساحات والامكان العامة من الممكن التفاوض مع المسئولين حولها ، بديلا عن مقترحات المسئولين باقتراح اماكن بعيدة عن اى عمران سكنى وهو ما يرفضه الباعة الجائلون ..
  • ضرورة اعداد شكل قانونى لحل مشكلة  توفير الغطاء التامينى للباعة الجائلين ..

                                                                        

اما عن العاملين فى قطاع المقاولات والبناء والتشييد والصيد والسائقين فقد تحدث ممثلوهم من العديد من النقابات المستقلة مشيرين الى ان  العاملين فى أعمال البناء والتشييد والصناعات المتكاملة يشكلون النسبة الأكبر من العمالة غير المنتظمة فى مصر.. وان الازمة التى يعانون منها هى عمل نظام تأمينى يتلافى عيوب النظام القائم .. حيث انه تم تطوير نظام تأمينى خاص لبعض فئات العمالة غير المنتظمة .. بناءً على اقتراح الهيئة العامة للتامينات الاجتماعية بجلسته المنعقدة يوم 9/10/1988 صدر قرار وزير التأمينات الاجتماعية رقم 74 لسنة 1988 بشأن التأمين على عمال المقاولات والمحاجر والملاحات.

ثم صدر قرار وزير المالية رقم 554 لسنة 2007 الذى خصص الباب السابع منه للتأمين على العمال أصحاب الأجور الحكمية ليشمل العاملين فى القطاعات الثلاثة السابقة مضافاً إليهم العاملين فى البناء والتشييد.

وأخيراً صدر قرار وزير المالية رقم 517 لسنة 2009 بتعديل بعض أحكام القرار السابق ليشمل عدداً واسعاً من المهن كما يضيف إلى قائمة المشمولين بهذا النظام أيضاً العاملين فى البترول، والنقل البرى.

ويمكن القول أن هذا النظام يتجاوز عن علاقة العمل المباشرة التى تربط المؤمن عليه (شخصياً) بصاحب العمل، ويقوم بدلاً من ذلك على علاقة عمل جماعية افتراضية بين أصحاب العمل من المقاولين أو أصحاب المحاجروالملاحات وبين العاملين فى هذه القطاعات (من العمالة غير المنتظمة).. وتتحدد قيمة الاشتراك التأمينى بناء على أجر افتراضى ، ثم يتم اقتضاء الاشتراك من الجانبين بصورة منفصلة تماماً ووفقاً لآليات مختلفة.

غير أن هذا النظام لم يؤدِ فى واقع الحال سوى إلى زيادة موارد الصناديق بما يعادل أربعة وسبعين مليار من الجنيهات (74 مليار جنيه).. بينما ظل العمال بغير حماية تأمينية.. للأسباب الآتية:

  • تم تطبيق هذا النظام كما لو أن الهدف الرئيسى منه هو جباية الأموال وليس توفير غطاء تأمينى للعمالة غير المنتظمة- على الأخص- وأن تحصيل حصة أصحاب الأعمال من المقاولين وغيرهم من مؤجرى المحاجر والملاحات ..الخ،  يتم على طريقة جباية الضرائب باقتطاعها من المنبع (على المستخلصات) ووقف المستخلصات النهائية حال الامتناع عن السداد.. الخ.. فضلاً عن أن احتساب قيمة الأجور على حجم المقاولة أو القيمة الإيجارية للمحجر أو الملاحة يجعلها تشابه الضرائب إلى حد كبير.
  • أولت الحكومة جل اهتمامها لتحصيل حصة أصحاب الأعمال التى تجرى جبايتها بصورة منفصلة عن العمال أنفسهم، فيما لم يتم تفعيل الآليات المفترضة لاستكمال الجانب الآخر من النظام (المؤمن عليهم).. حيث يفترض أن يتقدم العامل إلى مكتب الصندوق المختص بطلب الاشتراك الذى يحصل بموجبه على بيان حالة لقيده فى سجلات وزارة القوى العاملة والحصول على شهادة بدرجة مهارته التى يتحدد الأجر التأمينى وفقاً لها، ثم يقوم مكتب التأمينات بتوقيع الكشف الطبى عليه لتحديد مدى صلاحيته لمزاولة المهنة.
  • عند التأمين على العامل يفترض أن يقوم بسداد حصته فى الاشتراك شهرياً فإذا تخلف فى أحد الشهور عد غير عامل خلال هذا الشهر وتم اسقاطه من المدة التأمينية.

غير أن ما يحدث فعلياً هو أن مكاتب الهيئة (الصندوق) ليست لديها آية آليات تتعلق باتمام عمليات التأمين على العمال.. بل أن الكثيرون من موظفيها يجهلون الأمر حتى أنهم حال تقدم أحد العمال إليهم بطلب الاشتراك يطلبون إليه أن يسدد كلا الحصتين (حصة العامل وصاحب العمل).. هكذا..!!

وفضلاً عن ذلك.. يصعب على العمال أنفسهم بصورة فردية ومنفردة أن يتعرفوا على النظام الذى يتم اشتراكهم وفقاً له.. ويجهل معظمهم حقوقه إزائه، وبسبب من الثقة الغائبة فى الحكومة وأجهزتها التى تجعلهم هم أيضاً يعتبرون كل ما تقتضيه منهم مال ضائع.. فإنهم لا يقدمون على طلب الاشتراك

 

هذا وقد توافق المشاركين على ان هناك اشكاليات عامة تخص قطاع العمالة غير المنتظمة ياتى على راسها التامين الاجتماعى والتامين الصحى للملايين الذين يعملون فى ذلك القطاع ، اضافة الى مشاكل خاصة تخص كل فئة من تلك الفئات يجب دراستها ومناقشنها كل على حدة فى ورش عمل منفصلة للوصول الى حلول جذرية لتلك الاشكاليات نابعة من ممثلى عمال تلك الفئات العمالية ..

كما طالب الحضور بضرورة ادارة حوار مجتمعى شامل بشأن تطوير الحماية الاجتماعية والغطاء التأمينى للعمالة غير المنتظمة من خلال بناء قانونى متكامل.. موصين بتشكيل لجنة مركزية عامة تشارك فيها الأطراف الاجتماعية المختلفة من الحكومة (وزارة القوى العاملة والتأمينات) وممثلى أصحاب العمل والنقابات العمالية والمنظمات الممثلة للعمالة غير المنتظمة توكل إليها المهام الآتية على الأخص:

-        إجراء حصر للعمال الذين باتوا غير قادرين على العمل، وتطوير نظام لاقتضائهم معاشات شهرية من حصيلة الموارد المتراكمة فى الصندوق بغض النظر عن عدم اشتراكهم مسبقاً فيه (اعتبار اشتراكهم افتراضى أيضاً).

-        تطوير آليات مشتركة مع النقابات والمنظمات العمالية لقيد العمالة غير المنتظمة فى مكاتب العمل والتأمينات وتنظيم عملية اشتراكهم فى الصندوق.

-        إعادة تقدير قيمة الأجور، ونسبة الاشتراكات الشهرية المدفوعة عنها وفقاً لحساب اكتوارى جديد يأخذ فى اعتباره مصلحة المؤمن عليه أولاً وحقه فى الحماية الاجتماعية بدلاً من مراكمة الأموال فى صناديق التامين دون اى فائدة ..

كما توافق الحضور على تكوين هيئة دائمة ممثل بها كافة القطاعات تكون لها قدرة التفاوض حول كافة مشاكل قطاعات العمالة غير المنتظمة ..

 

دار الخدمات النقابية والعمالية

3  نوفمبر 2014