العمال وعام من الثورة

مقالات
الأربعاء, يناير 25, 2012 - 23:53

 

الأربعاء 25 يناير 2012 

فى 7 ديسمبر 2006 أعلن عمال غزل المحلة إضرابا عن العمل مطالبين بتنفيذ قرار رئيس الوزراء الأسبق بصرف حوافز الأرباح بحد أدنى شهرين عوضا عن مائة جنيه سنويا، وكان نجاح الإضراب فى تحقيق مطلبه إيذانا ببدء أكبر موجة إضرابية شهدتها مصر منذ نشأة الحركة العمالية فى أواخر القرن التاسع عشر، وعلى مدى الخمس سنوات منذ ديسمبر 2006 حتى يناير 2011  تصاعدت الاحتجاجات العمالية وتوالت حتى بلغت فى هذه الفترة أكثر من ثلاثة آلاف إضراب شملت القطاعات الاقتصادية والخدمية، شارك فيها أكثر من مليونى عامل. وتنوعت أشكال هذه الاحتجاجات ما بين إضراب عن العمل إلى اعتصام داخل المصنع أو مظاهرة أمام إدارة الشركة أو المؤسسة، ثم طور العمال من شكل احتجاجهم إلى الخروج إلى الشوارع الحكومية وأصبح رصيف مجلس الشعب ورصيف مجلس الوزراء عنوانا للاعتصامات العمالية حيث افترشه آلاف العمال، فمنهم من قضى أسبوعا ومنهم من تجاوز احتلاله للرصيف شهرا، وكانت كل هذه الاحتجاجات تعبر عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها العمال وأكثر كانت معبرة عن سد قنوات الحوار والتواصل بين الحكومة ورجال الأعمال وبين العمال، فكل الذين أضربوا عن العمل ذهبوا للإضراب بعد أن استنفدوا كل سبل المطالبة دون مجيب، وكشفت هذه الاحتجاجات زيف الخديعة الكبرى التى سوقها النظام على مدى أكثر من 50 عاما والمسماة بالتنظيم النقابى، فهذه الإضرابات كشفت بكل وضوح أن عمال مصر محرومون من تنظيم نقابى حقيقى يدافع عن مصالحهم، وأن التنظيم النقابى الكائن بتسعين شارع الجلاء هو تنظيم حكومى بامتياز يخضع لأوامر السلطة ولا تهتم قياداته إلا بتحقيق امتيازاتهم الشخصية.

إذا جاء يوم 25 يناير والعمال المصريون كانوا قد كسروا جدار الصمت ورفعوا رايات مطالبهم وعلت هتافاتهم للمطالبة بحقوقهم المشروعة، فكان طبيعيا أن يلحق العمال بالثورة منذ اندلاعها. فنزل العمال مع المتظاهرين فى ميادين التحرير، وجاء يومى 9 و 10 فبراير ليشهدا المشاركة الفعالة للعمال فى الثورة حيث اندلع فى يوم 9 فبراير أكثر من 40 إضرابا عن العمل شارك فيها أكثر من 60 ألف عامل، وفى يوم 10 فبراير تصاعدت الإضرابات العمالية وشهد تنظيم أكثر من 200 ألف عامل لأكثر من 60 إضرابا، كانت منها إضرابات فى منشآت حيوية مثل الشركات التابعة لهيئة قناة السويس، وإضراب أعضاء هيئة التمريض ببعض المستشفيات، وإضرابات شركة الكوك وبعض شركات النسيج، وعمال مصانع المنطقة الاستثمارية بالسويس والعمال المؤقتين بشركة مترو الأنفاق.. وتعالت الأصوات المطالبة بتنظيم إضراب عام حتى رحيل مبارك، وبعد نجاح الثورة بالإطاحة بالرئيس المخلوع حسنى مبارك نشطت الحركة العمالية للعمل على ثلاثة محاور:

أولا: إنشاء النقابات المستقلة.

ثانيا: إصدار قانون الحريات النقابية.

ثالثا: المطالبة بتفكيك اتحاد العمال الحكومى والتحقيق مع قياداته فى مصادر ثرواتهم.

بعد إصدار وزير العمل السابق د/ أحمد حسن البرعى إعلان الحريات النقابية فى يوم 12 مارس بحضور خوان سومافيا مدير منظمة العمل الدولية نشطت حركة إنشاء النقابات المستقلة، ورغم نجاح العمال فى إنشاء أكثر من 300 نقابة مستقلة وعشرات الاتحادات النوعية والجغرافية، إلا أن هذه النقابات افتقدت للأركان الأساسية اللازمة لبناء النقابات، فعانت النقابات الوليدة رغم تسجيلها بوزارة القوى العاملة من عدم الاعتراف بشرعيتها من رجال الأعمال ورؤساء المؤسسات الحكومية، كما عانت النقابات المستقلة من ضعف التمويل وأيضا قلة الكوادر العمالية القادرة على إدارة هذه النقابات وتمثيل أعضائها تمثيلا صحيحا وهى مهام تعمل القيادات العمالية على إنجازها.

وفى المحور الثانى أعدت وزارة القوى العاملة مشروعا لقانون الحريات النقابية وأجرت حوارا مجتمعيا شارك فيه ممثلو جميع القوى الفاعلة فى الحركة العمالية على مدى ثمانى جلسات حتى أنجز المشروع وتم التصديق عليه فى مجلس الوزراء والدفع به للمجلس العسكرى الذى رفض إصداره لتبقى الحريات النقابية مشروعا معلقا فى ذمة المجلس العسكرى.

وعلى مستوى المحور الثالث.. رغم أن قيادات الاتحاد الحكومى ناصبت ثورة 25 يناير العداء منذ اندلاعها، وذلك بإصدار البيانات والتوجهات المعادية للثورة والمؤيدة للرئيس المخلوع ونظامه.

وبعد ذلك تورط قياداته فى موقعة الجمل يوم 2 فبراير بقت هذه القيادات على كراسيها ترتب أوضاعها وتدبر المكائد ضد الثورة ورغم أن مطلب حل الاتحاد لم يكن مطلب العمال فقط بل كان على رأس مطالب الحركات الثورية والقوى السياسية والتى رفعتها فى ميادين التحرير ضمن مطالب الثورة، إلا أن وزارة الدكتور عصام شرف تأخرت كثيرا حتى أصدرت يوم 4 أغسطس قرارا بحل مجلس إدارة اتحاد العمال تنفيذا لأحكام كانت قد أصدرتها المحكمة الإدارية العليا ببطلان الانتخابات النقابية التى أجريت عام 2006، وامتنع نظام مبارك عن تنفيذ تلك الأحكام فجاء قرار حل الاتحاد لتسود حالة من الفرح بين صفوف العمال وأيضا حالة من الاستغراب حيث جاء تشكيل اللجنة المؤقتة لتسيير أعمال الاتحاد مخيبة للآمال، فقد رأس هذه اللجنة د/ أحمد عبدالظاهر وهو واحد من قيادات الاتحاد الحكومى وأمين عمال الحزب الوطنى فى محافظة الجيزة، كما ضم التشكيل أعضاء من قيادات الاتحاد الحكومى المنتمين أيضا للحزب الوطنى ولم تمر شهور حتى استطاع د/ عبدالظاهر الانقضاض على اللجنة المؤقتة وإنشاء لجنة جديدة مكونة من 31 عضوا أغلبهم من قيادات الاتحاد الحكومى، بالإضافة لثلاثة أعضاء من الإخوان المسلمين ارتضوا أن يعملوا مع فلول نظام مبارك كتفا بكتف على أمل أن يساعدهم ذلك فى تحقيق هدفهم بالاستيلاء على الاتحاد الحكومى وتسخير مؤسساته لخدمة أهدافهم.. فعادت الأمور مرة أخرى ليفرض فلول نظام مبارك سيطرتهم على التنظيم النقابى الرسمى ضاربين بقرار مجلس الوزراء عرض الحائط.

نستخلص من كل ذلك أن الحركة العمالية المصرية بعد عام من الثورة ما زالت تناضل من أجل تحقيق ذات المطالب التى ناضلت من أجل تحقيقها على مدى العقود الماضية خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أن تحديد الحد الأدنى للأجر مازال أيضا وعدا معلقا، ويضع هذا الاستخلاص إجابة عن السؤال الذى يطرح الآن على قيادات الحركة العمالية. ماذا سيفعل العمال يوم 25 يناير؟ إجابة سهلة وواضحة سوف ينزل العمال إلى ميادين الحرية رافعين ذات المطالب: إصدار قانون الحريات النقابية، إلغاء قانون تجريم الإضرابات العمالية، وضع حد أدنى وحد أقصى للأجور.

إضافة تعليق جديد