النقابات المستقلة وحلم الحرية

مقالات
السبت, يوليو 23, 2016 - 13:51

مقال نشر فى الملف المصرى الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية العدد 23 يوليو 2016

مقدمة :

لقد خاضت الحركة العمالية فى مصر ومنذ إرهاصاتها الأولى نضالاً طويلاً من أجل تنظيمها النقابى الديمقراطي المستقل، واستطاعت عبر هذا النضال انتزاع النقابات التى كانت عضويتها اختيارية، وتأتى قيادتها عن طريق الانتخاب الحر المباشر، كما كانت تضع لوائحها بنفسها، وقد خاضت معارك كثيرة بطولية ضد المحاولات المختلفة لفرض الوصاية عليها، بداية من رفضها الاتحاد العام للنقابات الخاضع لسيطرة حزب الوفد الذى وضع على رأسه أحد قياداته البارزين (عبدالرحمن باشا فهمى)، ومروراً برفض وصاية النبيل عباس حليم الذى نزل إلى الحلبة فى بداية الثلاثينات كزعيم لاتحاد نقابات العمال، حيث قام العمال بتكوين (لجنة تنظيم الحركة النقابية) التى نجحت فى مواجهة محاولات الوصاية وتحرير  النقابات من سطوتها، كما نجد القادة النقابيين فى الأربعينات يرفضون الانضمام إلى رابطة عمال القاهرة التى أصر فؤاد سراج الدين (وزير الداخلية والشئون الاجتماعية فى ذلك الوقت) أن يكون زعيماً لها مدى الحياة فماتت الرابطة فى مهدها.

وبرغم محاربة الدولة والسلطة للنقابات فى ذلك الوقت، عن طريق إضطهاد النقابيين وتشريدهم ومحاربتهم فى رزقهم، وأحياناً المداهمات البوليسية للمقرات وإغلاقها، إلا  أن النقابات كانت لا تخضع إلا لجماهير العمال أنفسهم، وظل الاعتراف بشرعية النقابات على رأس المطالب التى ناضلت من أجلها الحركة العمالية طويلاً، إلى أن صدر أول قانون يعترف بالنقابات وهو القانون رقم 85 لسنة 1942، إلا أنه لم يكن خاتمة المطاف فقد حرص هذا القانون على أن يحرم بعض الفئات من تكوين نقاباتها مثل الفلاحين وعمال الحكومة وعمال وموظفى الخدمات وخدم المنازل، كما حرم الطبقة العاملة من حقها فى تكوين اتحاد عام للنقابات، وهكذا واصلت الحركة النقابية نضالها من أجل استكمال حقوقها والدفاع عن استقلاليتها.. حيث كان أخطر ما فى القانون هو فرضه السيطرة الإدارية على تكوين النقابات، بحرمانها من ممارسة نشاطها إلا بعد إيداع أوراقها فى مصلحة العمل وموافقة المصلحة على تسجيلها، وكانت الطبقة العاملة تسعى إلى انتزاع حقوقها المعطلة فى القانون بممارستها فعلياً فى الواقع وبالتحايل على القانون الجائر، فالفئات المحرومة من حقها فى تكوين نقاباتها، كانت تُكوَّن منظماتها تحت أسماء الروابط والمؤتمرات التى كانت تسجل كجمعيات خيرية ولكنها كانت تقوم بتحركات كفاحية مثل إضراب الممرضين، واعتصام عمال السكة الحديدية والتلغراف.

وجاءت سلطة يوليو لتعيد صياغة دور التنظيم النقابى فى ظل رأسمالية الدولة ليصبح واحداً من مؤسساتها وأجهزتها الحكومية وقد عبر الميثاق عن هذا المفهوم بقوله (إن النقابات لم تعد طرفاً مقابلاً للإدارة وعليها الاهتمام برفع الكفاية الإنتاجية للعامل وتنظيم الاستفادة الجسدية صحياً ونفسياً وفكرياً).

والواقع أن هذه الصياغة لم تأت إلا تتويجاً لممارسات سلطة يوليو فى ضرب الحركة العمالية ومحاولة السيطرة على تنظيمها النقابى والتى بدأت مع أيامها الأولى بالتصدى الفاشى لأحداث كفر الدوار والحكم بالإعدام على القائدين العماليين خميس والبقرى.

ومنذ البداية.. رفضت السلطة الجديدة تكوين اتحاد عام للعمال، وعندما وافقت عليه تحت تأثير الحركة فى الأوساط العربية والعالمية قامت بتعيينه من رجالها المخلصين فى يناير 1957، وقبل أن يمضِ العام  قامت بإصدار القانون رقم 7 لسنة 1958 والذى اشترط فيمن يتقدم للترشيح لمجالس إدارات المنظمات النقابية أن يكون عضواً عاملاً فى الاتحاد القومى (التنظيم السياسى الحكومى الذى أصبح الاتحاد الاشتراكى بعد ذلك).

 

التطور القانونى لحق التنظيم النقابى:

بينما كان العشرات من القادة النقابيين فى السجن، تم إصدار قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 بما تضمنه من أسس وآليات تنظيم العمل النقابى التى لم تكن فى واقع الحال سوى المصادرة القانونية للحق فى تكوين المنظمات النقابية ..فبموجب البناء القانونى الذى بدأ فى ذلك الحين واستكمل أبعاده على مدار العقود اللاحقة لم يعد للعمال حرية وحق تكوين النقابات ..حيث أصبح هناك تنظيم نقابى واحد بقوة القـانون ..هرمى-بقوة القانون أيضاً-تتركز سلطته فى أعلاه ، وتستلب تماماً من قواعده على النحو الذى يجعل من الســهل السيطرة عليه.

ولم تكن هذه الصيغة "العبقرية"لمصادرة العمل النقابى بتركيز سلطاته ، وإلحاقه بالتنظيم السيــاسى الواحد-أو بالأحرى بالدولة-اكتشافاً خاصاً بالنظام الناصرى ..فقد جرى اقتباسها بحذافيرها تقريباً عن النظام السوفيتى ، وإن تم إدخال بعض التعديلات-التى تتفق مع ثقافتنا عليها!!-

وهكذا ..تحولت الوحدة التى حلمت بها الطبقة العاملة طويلاً إلى إلحاق ، وتحول الاتحاد الذى كافح الأولون من أجله مقدمين التضحية تلو الأخرى إلى قيد من حديد على حق التنظيم خارجه ..لم يأتِ الاتحاد إذن تتويجاً لهذا الكفاح ، ولا استجابة للمطلب التاريخى ، وإنما كان وسيلة السيطرة التى اكتشفها أو اقتبسها النظام الناصرى ..حيث السيطرة على اتحاد واحد ، و59 نقابة عامة أسهل بكثير بغير شك منها عندما يتعلق الأمر بحوالى 1400 نقابة مصنعية كانت قائمة فى ذلك الحين ..وهكذا ..اختفت النقابات المصنعية التى تحولت إلى لجان نقابية تتبع النقابات العامة وتفتقد لأى شخصية اعتبارية  ..وأصبحت العضوية النقابية هى عضوية العامل فى النقابة العامة التى يسدد لها مباشرة اشتراكه المستقطع مباشرة من على شريط صرف الأجر.

واستكمالاً للهيمنة استُن القانون رقم 62 لسنة 1964 الذى جعل من النقابات جزءاً من النظام الاشتراكى يتحدد دورها فى العمل على زيادة الإنتاج وتخفيض التكلفة وترشيد الاستهلاك، وللمزيد من إحكام القبضة تولى هذا القانون أيضاً إلغاء النقابات الفرعية فى بعض المحافظات ، وتخفيض عدد النقابات العامة من 59 إلى 27 نقابة عامة-تقلصت إلى ثلاثة وعشرين الآن.

ثم وصل بنا الحال أخيراً إلى القانون الحالى رقم 35 لسنة 1976 وتعديلاته بالقانون رقم (1) لسنة 1981 الذى يحظر تكوين أكثر من اتحاد عمال واحد ، كما يحظر تكوين أكثر من نقابة عامة واحدة لكل صناعة ، أو عدد من الصناعات المتماثلة أو المشتركة (المادة 13،16 من القانــون ) .. ويتخذ التنظيـم النقابى الواحد-وفقاً لهذا القانـون- شكلاً هرمياً (المادة 7 من القانون) حيث تتركز سلطته فى أعلاه ، وقد تتابعت التعديلات على هذا القانون بالقانون رقم (1) لسنة 1981 ، والقانون رقم 12 لسنة 1995 لننتهى إلى اختفاء ملامح الشخصية الاعتبارية للجنة النقابية المصنعية تماماً بما فى ذلك حقها فى إقامة الدعاوى الجماعية لأعضائها .. ولتختفى الجمعية العمومية المكونة من عمال المنشأة تماماً فلا تنعقد بحكم القانون سوى مرة واحدة كل خمس سنوات لتنتخب أعضاء مجلس إدارة اللجنة النقابية الجدد ، ثم تنفض غير قادرة على ممارسة أى لون من ألوان النفوذ أو الرقابة أو المحاسبة على من انتخبتهم ..حيث لم تُسجل حالة واحدة  نجحت فيها الجمعية العمومية المصنعية " المكونة من عمال المصنع" فى سحب الثقة من لجنتها النقابية أثناء الدورة النقابية رغم تعدد المحاولات وكثرتها.

لقد تطور الحال بقانون النقابات إلى الحد الذى وصلت إليه تعديلاته بالقانون رقم 12 لسنة 1995 فيما تضمنته من مواد تم تفصيلها بالمقاس - على نحو يندر تكراره - على شخوص " القيادات النقابية الرسمية ". u فقد أصبح من حق هؤلاء الاحتفاظ بمواقعهم النقابية بعد إحالتهم إلى التقاعد بشرط التحاقهم بعمل داخل التصنيف النقابى الذى تضمه النقابة العامة التابعين لها ( المادة 23 من القانون ) .. حيث يتم التحايل - بطبيعة الحال - على هذا الشرط بعقود عمل وهمية مع بعض  شركات القطاع الخاص - أو حتى مع أى ورشة أو " طابونة " صغيرة مملوكة للأقارب والأصدقاء .. وحيث أسفر هذا التعديل فى الواقع العملى عن استئثار المحالون إلى التقاعد بنسبة هائلة من مقاعد المستويات العليا للتنظيم النقابى .

.. وغنى عن الذكر أن أحداً لا يمكنه تحقيق هذا الشرط بعيد المنال ( العثور - بعد التقاعد - على فرصة عمل فى سوق العمل المكتظ ) سوى هؤلاء النقابيين " الرسميين " .. بينما يفقد العامل " العادى " حقى الانتخاب والترشيح بانتهاء  عمله  .. هذا إذا تمكن - أو إذا حرص أصلاً - على استمرار عضويته ذاتها !!

.. وفضلاً عن ذلك  .. عمد هذا التعديل الأخير للقانون إلى تحرير هذه " القيادة الرسمية " من عبء وصعوبة الاختيار بين طموحاتها الوظيفية واستمرارها فى مواقعها النقابية .. حيث أجاز للعضو الذى أحتل موقعاً  نقابياً فى الدورة السابقة الاستمرار فى عضويته عند شغله لواحدة من وظائف الإدارة العليا ( مثل المديــــر العام التكرارى ) [ المادة 36 ] !! ...حيث لم تكن هذه هى الحالة الوحيدة التى ينص فيها القانون على استثناء شاغلى المناصب النقابية لدورة سابقة وإعطائهم امتيازاً خاصاً على الكافة- وليس من عجب - فالتعديل برمته لم يأتِ إلا استجابة لرغبات هذه " القيادات العليا " ومحاولة لتقنين استمرارها فى مقاعدها ، وإزالة كافة المعوقات القانونية من طريقها.. حيث يحصن القانون مواقع هذه القيادات من كل تغيير !! فينص - فى المادة 36 أيضاً - على أنه يشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية المستويات العليا من التنظيم أن يكون قد أمضى فى عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية الأدنى دورة سابقة .. مقيماً بذلك سداً منيعاً بين المستوى القاعدى من التنظيم الذى لا تؤمن فيه عواقب الانتخابات - رغم كل شئ - وبين المستويات العليا التى ينبغى ألا يصيبها  التغيير مهما حدث !!

هكذا..أصبحنا أمام صرحاً قانونياً متكاملاً يصعب اختراقه من أية ثغرة ..

محاولة التحرر:

فى بداية السبعينيات بدأت الحركة العمالية المصرية حراكاً جديداً من أجل استعادة منظماتها النقابية من قبضة السلطة التى أحكمت قبضتها على النقابات منذ إنشاء الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عام 1957، وكان على رأس مطالب الحركة العمالية منذ ذلك الوقت حق العمال فى إنشاء نقاباتهم بحرية وأن تكون هذه النقابات مستقلة عن الحكومة والأحزاب.

وفى الانتخابات النقابية التى أجريت عام 1976 أصدر عدد من المرشحين أغلبهم ينتمون لليسار المصرى برامجهم الانتخابية وتصدر مطلب تحرير النقابات قائمة المطالب فى تلك البرامج، وهو ما شهدته الانتخابات النقابية المتتالية حتى آخر انتخابات أجريت عام 2006.. إذاً فمطالبة العمال بحقهم فى إنشاء نقاباتهم بحرية وتمسكهم باستقلالية نقاباتهم لم تولد عند نشأة نقابة الضرائب العقارية فى منتصف عام 2008 كأول نقابة مستقلة، بل جاء إنشاء نقابة الضرائب العقارية خارج الاطار التنظيمى للاتحاد الرسمى كترجمة لنضال العمال المصريين منذ سبعينيات القرن الماضى.

فى أعقاب نجاح ثورة 25 يناير بالاطاحة بالرئيس حسنى مبارك وتحديداً فى 12 مارس 2011، أصدر وزير القوى العاملة حينذاك د/ أحمد حسن البرعى إعلان الحريات النقابية، ذلك الإعلان الذى فتح الباب أمام العمال لإنشاء نقاباتهم خارج إطار الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، فاندفع عشرات الآلاف من العمال وموظفى الدولة فى إنشاء نقاباتهم، وهكذا شهدت مصر وبعد مخاض طويل ميلاد المئات من النقابات المستقلة. وفى أغسطس من العام نفسه قرر مجلس الوزراء الأسبق تنفيذ الأحكام القضائية بحل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر فى جلسته رقم 20 المنعقدة بتاريخ 4/8/2011 التى قضت ببطلان نتائج انتخابات المنظمات النقابية العمالية التى أجريت فى عام 2006، والتى امتنعت الحكومات السابقة عن تنفيذها وهو ما ترتب عليه حل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وتعيين لجنة إدارية لإدارة شئونه، وفى سبتمبر وافق مجلس الوزراء على قانون الحريات النقابية، والذى جرى إعداده من خلال حوار مجتمعى شارك فيه ممثلى العمال ورجال الأعمال والحكومة، ولم يعترض عليه غير النقابيين القدامى من أعضاء اللجنة الإدارية المنوط بها إدارة شئون الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وتم رفع مشروع القانون إلى المجلس العسكرى صاحب سلطة التشريع فى ذلك الوقت، وما زال مشروع القانون قابعاً فى أدراجه.

عقب الانتخابات البرلمانية التى أجريت فى أواخر عام 2011 وإجراء تشكيلات لجان المجلس قام كل من النائبين أبو العز الحريرى والدكتور/ عمرو حمزاوى بتقديم مشروع قانون الحريات النقابية إلى مجلس الشعب بناءً على طلب عدد من القيادات العمالية وقيادات النقابات المستقلة وفى مواجهة هذا المشروع تقدم عدد من نواب الإخوان  المسلمين بمشروع قانون آخر إلى المجلس لا يختلف فى جوهره كثيراً عن قانون النقابات القائم (35 لسنة 76 وتعديلاته)، وجاءت المناقشات فى لجنة القوى العاملة بالمجلس لمشاريع قوانين النقابات العمالية لتكشف بشكل جلى موقف الإخوان من الحريات النقابية، فالإخوان الذين كانوا يعلنون إيمانهم بالحريات النقابية فى عهد مبارك والذين شاركوا فى وضع مشروع قانون الحريات النقابية هم الآن أنفسهم الذين يضعون العراقيل ضد إصدار قانون للنقابات يعطى الحق للعمال فى إنشاء نقاباتهم بحرية، ويعلنون تنصلهم من موافقتهم السابقة على مشروع القانون، جاء حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب ولجنة القوى العاملة بالمجلس كانت لا تزال تناقش مشروع قانون الحريات النقابية.

فى عام 2012 وعقب انتخاب د/ محمد مرسى رئيساً للجمهورية، أصدر الرئيس الجديد قرار بقانون رقم 97 لسنة 2012 والذى قضى بإلغاء المادة 23 والتى كانت قد أدخلت على القانون 35 لسنة 1976 فى تعديلات 12 لسنة 1995، وكان الهدف واضحاً من ذلك القرار بقانون، فقد أراد الإخوان الإطاحة بكل القيادات النقابية التى تجاوزت أعمارهم سن الستين وهو حق أريد به باطل، وتصعيد قيادات إخوانية أو متحالفة معهم. وهكذا وضح هدف الاخوان فى السيطرة على التنظيم النقابى وتطويع مؤسساته لخدمة أهداف الجماعة وتحويل التنظيم النقابى من ذراع نقابية لنظام مبارك إلى ذراع نقابية لتنظيم الإخوان!.

وفى جلسته المنعقدة فى 22 مايو 2016 وافق مجلس النواب برئاسة الدكتور على عبد العال على مقترح بقانون بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية، وهو المقترح الذى تقدم به عدد من النواب –وعددهم 88 نائباً من بينهم أعضاء لجنة القوى العاملة- خلال الأسبوع الأول من ذات الشهر، ومفاده (إلغاء القرار بقانون رقم 97 لسنة 2012، ومـد الدورة النقابية ستة أشهر اعتباراً من 28/5 وحتى 28/11/2016 أو صدور قانون النقابات أيهما أقرب) وجاءت تلك الموافقة بعد إحالة المقترح إلى لجنة القوى العاملة للبت فيه، حيث حظي بموافقة جميع أعضاء اللجنة.

وبإقرار هذا القانون يتم استبدال نص المادة 42من القانون 1976 بالنص الآتى: (إذا خلا محل أحد أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية لأى سبب يحل محله المرشح التالى له عدد الأصوات، وإذا كان أعضاء مجلس إدارة المنظمة قد فازوا بالتزكية يستمر المجلس فى مباشرة نشاطه ما لم ينقص عدد أعضائه عن الثلثين، وفى هذه الحالة تدعى الجمعية العمومية خلال ثلاثين يوما لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال عدد أعضاء المجلس، وفى جميع الحالات تكون مدة العضو الجديد هى المدة الباقية من مدة سلفه)، وإضافة المادة 23 الى قانون 35 لسنة 1976ونصها: (يحتفظ العامل المتعطل بعضويته فى النقابة العامة إذا كانت قد انقضت عليه سنة على الأقل فى عضوية النقابة، ويعفى فى هذه الحالة من سداد اشتراك النقابة خلال مدة تعطله، ويجوز للعامل الذى أحيل للتقاعد بسبب العجز أو الإحالة إلى المعاش لبلوغ السن القانونية الاحتفاظ بعضويته فى النقابة العامة بشرط سداد اشتراك النقابة، ويجوز لمن أحيل إلى المعاش لبلوغ السن القانونية والتحق بعمل داخل التصنيف النقابى الذى تضمه النقابة العامة دون فاصل زمنى، الحق فى الانتخاب أو الترشح للمنظمات النقابية، وفى جميع الأحوال يستكمل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية مدة الدورة التى انتخب فيها)،بالإضافة إلى مادة ثالثة تقضى بـ (مد أجل الدورة النقابية الحالية لمجالس إدارات المنظمات النقابية العمالية لمدة ستة أشهر تبدأ من اليوم التالى لتاريخ انتهاء الدورة النقابية الحالية، أو لحين صدور قانون النقابات أيهما أقرب).

أما دواعى ومبررات التقدم بهذا المشروع بقانون والموافقة عليه كما جاءت بالتقرير الذي أعده النائب جبالي المراغى رئيس لجنة القوى العاملة وعرضه خلال جلسة البرلمان فهي: تدارك نفاذ أجل الدورة النقابية الحالية لمجالس إدارة المنظمات النقابية العمالية المشكلة وفقا لأحكام قانون النقابات العمالية تفاديًا لحدوث فراغ تشريعي كما يهدف إلى تقويم ما تم إفساده من قبل جماعة الإخوان من خلال القرار بقانون رقم 97 لسنة 2012 والذي ترتب عليه حرمان النقابيين من حقوقهم في الاحتفاظ بعضويتهم في المنظمات النقابية والاشتراك في الانتخاب والترشح لعضوية مجالس إدارتها، وهو قولة حق يُراد بها باطل، فإذا كان القرار بقانون رقم 97 لسنة 2012 الصادر بتعديل القانون رقم 35 لسنة 1976 إبان حكم الإخوان المسلمين مفصلاً وهادفاً لتمكينهم من السيطرة على التنظيم النقابى، فإن التعديل الذي أقرته لجنة القوى العاملة بالبرلمان – بإلغاء ما تضمنه القرار بقانون رقم 97 لسنة 2012 وإعادة القانون رقم 35 لسنة 1976 إلى ما كان عليه- هو الأخر مُفصلاً وهادفاُ لتمكين عدد من أعضاء اللجان الإدارية (المسماة مجالس إدارات المنظمات النقابية) - الذين شــــارفوا على التقاعد - من الاستمرار في مواقعهم بعد بلوغهم سن الستين.. وهو ما يفسر العجلة في تعديل قانون المفترض أننا بصدد إلغاؤه بالكامل وإصدار قانون جديد.

رغم انتصار دستور 2014 للحريات النقابية وحق العمال فى إنشاء نقاباتهم بحرية والتأكيد على استقلالية النقابات فى المادة 76u ، جرت الأحداث عكس ذلك تماماً فقد بات واضحاً أن السلطة الحالية لا ترحب بوجود النقابات المستقلة وأنها تفضل العودة إلى الصيغة النقابية القديمة (تنظيم نقابى واحد يخضع تماماً للسلطة الحاكمة) فعملت على محاصرة النقابات المستقلة.

فى 25 نوفمبر 2015 أصدر مجلس الوزراء كتاباً دورياً للسادة الوزراء بتوجيهات رئيس الجمهورية والذى جاءت فقرته الثانية كالتالى: "قيام الوزارات المعنية بالتنسيق مع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر لمساندته فى مواجهة النقابات المستقلة والعناصر الإثارية"، وتحت رقم 6 لسنة 2016 صدر عن وزارة الداخلية مصلحة الأحوال المدنية كتاب دورى بشأن إيقاف اعتماد أختام النقابات المستقلة ممهوراً بتوقيع اللواء إيهاب عبد الرحمن مساعد الوزير لقطاع مصلحة الأحوال المدنية.

لم تكتف الحكومة الحالية بالقيود التي فرضتها على النقابات المستقلة وتعطيل المواد الدستورية التي سمحت بالحق في التنظيم، لكن ومع بداية عام 2016 طالعنا وزير القوى العاملة السابق جمال سرور في فبراير 2016 بأنه يعد مشروع قانون جديد لا يعترف "بالنقابات المستقلة". (جريدة المصري اليوم، 4 فبراير 2016)، كما ذكر الأمر نفسه محمد سعفان الوزير الحالي الذي حل مكان سرور في أخر تعديل وزاري في مارس 2016 بأنه لا يعترف بتلك الكيانات في تبرير لرفضه لقاء وفد النقابات المستقلة (تقرير هيومان رايتس واتش، 2016).

لم يقف الصراع بين النقابات المستقلة والحكومات المتعاقبة عند هذا الحد بل تعداه إلي صراع تشريعي في انتكاسة خطيرة لمواد الدستور التي تكفل الحق في حرية التنظيم حيث تقوم لجنة التشريعات في البرلمان المصري بإعداد مشروع قانون جديد يقضي بحل جميع النقابات المستقلة وأرسلته للحكومة كما جاء في تصريح العضو البرلماني جبالي المراغي والذي يشغل أيضا رئيس اللجنة الإدارية التي تقوم بإدارة شؤون الاتحاد العام لعمال مصر ورئيسا للجنة القوى العاملة في البرلمان (جريدة الوطن، 11 فبراير 2016).

ولم ينتظر النظام صدور تشريعات يقضى بها على النقابات المستقلة ويعيد الصراع إلي نقطة الصفر بين العمال والدولة، فسارع بتحريك عناصره للقيام برفع دعاوي قضائية لدى المحكمة الإدارية لتقويض المكتسبات التي نالتها النقابات المستقلة في مسيرة نضالها، فقام رئيس "النقابة العامة للعاملين بالمالية والضرائب والجمارك"، التابعة للاتحاد العام مؤخرا برفع دعوى لدى المحكمة الإدارية، طالب فيها بحل النقابات المستقلة، وسيتم إصدار حكم في 26 يونيو المقبل.

هذا بجانب ما ذكرته وزارتي التضامن والقوي العاملة عن التدقيق في أموال النقابات المستقلة بعد "رصد اتصالات بين تلك النقابات وعدد من الكيانات والمنظمات الدولية المانحة لتأجيج الاحتجاجات داخل الأوساط العمالية" وفقا لما جاء في بيان الوزارتين المنشور في جريدة الأهرام في 17 ابريل الماضي.

 

الحركة النقابية وتحديات المستقبل

تفتحت الآمال بعد ثورة 25 يناير وظن العمال أن حلم التحرر وفك القيود التى كبلت الحركة العمالية قد حان، إلا أن الأحداث التى جرت خلال العامين الماضيين من حصار للنقابات المستقلة وتوجيه الضربات المتتالية لها، وعلى جانب آخر إعادة الاعتبار للاتحاد الحكومى والتصميم على العودة إلى الصيغة القديمة تنظيم نقابى واحد بيروقراطى منفصل تماماً عن العمال تابع للحكومة، وكأننا لم نعى درس الماضى، وهو ما يخلق العديد من التحديات فى مواجهة السعى التاريخى للحركة العمالية باستعادة منظماتها النقابية. ولعل أبرز تلك التحديات:

  1. تشبث السلطة بفكرة التنظيم النقابى الواحد الذى يعمل طبقاً لتوجهاتها.
  2. البنية التشريعية القائمة التى تصادر حق العمال فى إنشاء نقاباتهم بحرية وتتصادم مع المادة 76 من الدستور التى تكفل ذلك الحق.
  3. رغم الرفض العمالى للتنظيم النقابى التابع للسلطة ما زال هذا التنظيم قائماً بكل هياكله، مما يعطى لقياداته القدرة على المناورة والمناوئة فى مواجهة الحركة العمالية.
  4. عدم تقدير رجال الأعمال لدور النقابة فى استقرار مجتمع العمل.
  5. غياب مفهوم الحوار الاجتماعى داخل المجتمع المصرى وأهمية تفعيله خاصةً فى علاقات العمل.
  6. أدى حرمان عمال القطاع الخاص - وهم القطاع الأكبر حجماً الآن- من إنشاء لجان نقابية بمصانعهم إلى غياب الفكرة والمفاهيم النقابية عن هؤلاء العمال، والذى تتكون الأغلبية منهم من الشباب.
  7. سيطرة الثقافة العمالية التى سادت خلال الـ 60 عام الماضية حول الدور الخدمى للنقابة والتى جاءت على حساب الدور الحقيقى للنقابة كمنظمة ينشأها العمال من أجل العمل على تحسين شروط عملهم.
  8. افتقاد الحركة العمالية لعدد كافٍ من الكوادر العمالية القادرة على التعبير عن طموحاتها والتى تملك القدرة على إنشاء وبناء نقابات ديمقراطية.
  9. إشكالية العلاقة بين الحركة العمالية والأحزاب السياسية والتى تتمثل فى حالة الانفصال بين الحركة العمالية والأحزاب السياسية.

كمال عباس

                                                                          المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية

 

u نستخدم مصطلح " النقابيين الرسميين " للدلالة على النقابيين الذين يتربعون على كراسيهم ويحتكرونها  عدة دورات  ولفترة طويلة ويشكلون الجسم الأساسى للتنظيم الحالى ...ومع  استمرارهم  تحول هؤلاء إلى مجموعة متميزة منفصلة تنسجم مصالحها وأفكارها مع الشكل البيروقراطى للتنظيم النقابى ، تقف  بشدة ضد مقرطته واستقلاليته وأى دعوة للتغيير أو التطوير ، ذات طبيعة محافظة ومهادنة فى العمل النقابى،  تتبنى الخط السياسى الحكومى وتربطها بالإدارات علاقات وثيقة ، وهى استناداً إلى ذلك تطرح نفسها على العمال بوصفها القيادات القادرة على حل المشاكل مع الإدارة  ، حيث تتمتع داخل المصنع وخارجه بالنفوذ الكافى لحل المشاكل .

u المادة 76 من الدستور تنص على : "إنشاء النقابات والاتحادات علي أساس ديمقراطي حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية, وتمارس نشاطها بحرية, وتسهم في رفع مستوي الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم, وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات, ولا يجوز حل مجالس إداراتها إلا بحكم قضائي ولا يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية".

 

إضافة تعليق جديد