الهبوط إلى القاع .. تقرير حالة الحريات النقابية لعام 2023

الأحد, يناير 21, 2024 - 19:09

 

 

 

محتوى التقرير:

  • مقدمة عامة
  • خطة العمل بالتقرير
  • لماذا يغيب الصوت العمالي وسؤال الفقر؟!
  • حريات نقابية مشوبة بالانتهاكات
  • الاحتجاجات العمالية
  • الأمن والسلامة
  • القوانين والتشريعات في مواجهة العمال
  • وثيقة الملكية والقطاع العام المفترى عليه
  • الاستخلاصات

 

مقدمة عامة

منذ سنوات تنصاع مصر لتعليمات صندوق النقد الدولي، وتستعين بقروضه، في مقابل اتخاذها مجموعة من الإجراءات القاسية، انعكست على ارتفاع الأسعار عمومًا، وانخفاض قيمة الجنيه المصري خصوصًا، حتى وصلت قيمة العملة الأمريكية مقابل الجنيه، أكثر من 3 أضعاف خلال شهور قليلة، ولكن الوضع نفسه لم ينعكس على أجور العمال، فالزيادات المقررة تكاد تكون طفيفة، ولا تناهز سرعة هبوط الجنيه إلى القاع، وهو ما انعكس على أحوال العمال المعيشية.

وفي خضم أزمة اقتصادية ضخمة، تظهر سوءاتها يومًا بعد يوم، وتنعكس على مستوى معيشة العمال، أصبح قياس قرب العامل أو بعده عن الفقر والجوع لزامًا، وجزءً أساسيًّا من البحث عن حقوقه الطبيعية.

ومع ذلك أصبح البحث عن تلك الحقوق ذريعة لإنزال العقاب على العمال، ماليًّا، وربما جنائيًّا، وتعد قصة "يسري معروف" العامل والنقابي وعضو لجنة الخمسين نموذجًا على مآلات العمال في حال تجرأوا على المطالبة بحقوقهم.

عبر إحدى مجموعات العاملين بالشركة على "الفيسبوك"، تجرأ النقابي والعامل بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات "يسري معروف"، وكتب منشورًا تساءل فيه عن السبب وراء خصم مبلغ العلاوة التي أقرها رئيس الجمهورية بعد صرفها، والحرمان من بعض الميزات المالية الأخرى للعمال، فكان الرد بخصم 5 أيام من أجره، مع ما يترتب على ذلك أيضًا من حرمانه من العلاوة، بحجة الإساءة للشركة، ومخالفة التعليمات.

في حالات أخرى قد ينتهي بك الأمر خلف الأسوار، باتهامات جنائية – سياسية، وقد يكون حظك الأسوأ فتحاكم عبر محاكم عسكرية، استثنائية، لا استئناف عليها.

وكما أن الحديث عن الحقوق المالية -في ظل أزمة اقتصادية ضخمة- أمر يوقع العقاب بصاحبه، فالحديث عن الحريات محلك سر، بعد أن أغلقت آخر طاقة نور له، وهي برنامج تعزيز علاقات العمل ومؤسساتها في مصر، ولم يتم العمل به سوى عامين، ثم توقف تمامًا عن العمل منذ أكتوبر 2022، وهو موعد انعقاد آخر اجتماع للجنة الثلاثية الخاصة بالبرنامج.

وفي حين استفاد أصحاب 66 شركة خاصة من قطاع الغزل والنسيج، من أحد محاور برنامج تعزيز علاقات العمل، والمعروف باسم "العمل الأفضل"، لم يتم الالتزام بمعايير العمل الأساسية التي ينص عليها البرنامج، والتي منها السماح بإنشاء نقابات عمالية مستقلة في تلك الشركات.

كما توقفت لجنة الشكاوى عن عقد أي جلسات لها، للنظر في مظلوميات العمال والنقابات المستقلة، في إعلان غير صريح للحرب على كيانات النقابات المستقلة، وإنهاء مشروعها من الأساس، خصوصًا منذ تعيين وزير العمل حسن شحاتة.

وبرنامج تعزيز علاقات العمل، هو برنامج طرحته منظمة العمل الدولية، للتعاون بين النقابات العمالية من جهة، ورجال الأعمال ووزارة العمل من جهة أخرى، بهدف خلق علاقات عمل متوازنة، تعتمد على إطلاق الحريات النقابية، وتعزيز الحوار المجتمعي الشامل.

غياب الحوار، وتجاهل أصوات العمال عمومًا، سياسة تنتهجها الدولة منذ سنوات، ومشهد أثبتته جلسات الحوار الوطني، التي دعا إليها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، في إبريل من عام 2022، وانتهت توصيات المرحلة الأولى منها إلى بعض المخرجات خالية من أي مطالب للنقابات المستقلة.

حينها حرص وفد النقابات المستقلة على حضور تلك الجلسات، تمسكًا بمبدأ المفاوضة وحق المشاركة والتعبير، إذ بادر أكثر من 15 متحدثًا عن النقابات بعرض وجهات نظرهم، التي تشترك جميعها في المطالبة بفتح المجال العام، والسماح بإنشاء نقابات، وتطبيق القوانين، التي ما زالت حبرًا على ورق.

والحق يُقال إنه تم السماح للوفد بالحديث وعرض كل وجهات النظر، ثم كانت المفاجأة، حين صدر البيان الختامي خاليًا من أي حديث أو توصيات تخص مطالب العمال، والاكتفاء بالمطلب الوحيد الذي تبناه اتحاد العمال "الحكومي"، والقاضي بإقرار قانون العمل، في تجاهل تام لأصوات الممثلين الحقيقيين عن العمال، والمستقلين عن الاتحاد التابع للسلطة، وهو الموقف الذي تعتمده السلطة منذ سنوات طويلة في التعامل مع مبدأ الحريات النقابية، والحوار المجتمعي عمومًا.

ونتيجة غياب الصوت العمالي كان من الطبيعي تأخر إقرار القوانين الخاصة بتنظيم علاقات العمل، فما زال قانون العمل، حبيس الأدراج، لسبب لا يعلمه إلا الله، ووزارة العمل، وذلك على الرغم من المناقشات، والمراحل التي مرّ بها، كما أن التعديلات على قوانين النقابات، والتأمينات المطلوبة على وجه السرعة محلك سر.

غياب الحقوق والحريات، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، قد يخلق موجات احتجاجية ضخمة، أو يخفت من حدتها، وللمبررات نفسها، وهو ما انعكس على مظاهر احتجاجات 2023.

استمرت الاحتجاجات العمالية للعام 2023، ولكنها كانت أقل من العام الماضي بشكل ملحوظ رغم مبررات اشتعالها، فالضغط الاقتصادي على أرباب الأعمال، وارتفاع سعر الفائدة في البنوك، في مقابل تقلص هامش الربح، فضلًا عن نقص العملة، والمواد الخام، جميعها عوامل دفعت الكثير من أصحاب العمل إلى التهديد بسلاح تقليص العمالة، أو حتى التصفية، في مواجهة أي تذمر، أو احتجاج، وهو ما أثر قطعًا على عدد الاحتجاجات، وكذلك المماطلة وعدم الاستجابة لأغلب مطالبها، وعليه أصبح العمال بين سندان صعوبة العيش الكريم ومطرقة الفصل أو التصفية.

الأزمة نفسها ومشاهدها السابقة، هي ما قادت طفلين إلى حتفهما، وأصابت أربعين آخرين، اضطروا للالتحاق بالعمالة اليومية "غير المنتظمة"، والذهاب إلى أعمالهم في المزارع عبر طرق محفوفة بالخطر، لتنقلب بهم سيارة ربع نقل كانت تقلهم.

حينها تعرض جميع الأطفال لإصابات بالغة تراوحت بين كسور بالعظام ونزيف داخلي وغيبوبة تامة، علمًا بأن جميع الأطفال تتراوح أعمارهم بين (7 سنوات و18 سنة)، إناثًا وذكورًا.

وتعد تلك الحوادث من الكوارث المتكررة، والتي غالبًا ما يكون ضحاياها من الأطفال، فقبل شهور قليلة منها، كان الحادث الشهير للطفلة "شروق" ضحية معدية القطار، التي كانت تعمل بمقابل 50 جنيهًا يوميًّا، أي ما يعادل دولار وبضعة سنتات، لشراء جاكيت لأخيها الأصغر يقيه شر البرد.

ومع ذلك لم تتحرك الجهات المسؤولة لمنع نزيف الضحايا المتكرر من الأطفال، ومراجعة أصحاب العمل بشأنها.

غني عن التعريف أن التدهور الاقتصادي يتناسب طرديًّا مع معدلات عمالة الأطفال، أو على الأقل التسرب من التعليم، وقد أشارت الإحصاءات الرسمية قبل غيرها، إلى ارتفاع تلك المعدلات، دون أن تقدم تلك الجهات حلولًا واضحة، أو خارطة طريق من شأنها وضع حد لتلك الكوارث.

التعثر (النقابي – الاقتصادي) غير المسبوق، أصبح فيه الحديث حول الخبز، واللبن، ملازمًا للنقاش الدائر حول إمكانية إنشاء نقابات عمالية حقيقية، مستقلة تملك إرادتها -وحريتها إلى وقاية أفرادها شر الفاقة.

والفاقة في اللغة تبدأ من الفقر، ومن التدهور في السلة الغذائية، وحتى الجوع الحقيقي؛ وفي حين يأكل الناس يوميًّا، يقاس الفقر سنويًّا، إلى جانب أن للتهديد بالجوع وجودًا غير ممسوك، وإن كان محسوسًا، في أوضاع عمالنا للعام 2023.

وفي أوضاعهم أيضًا نعدكم بألَّا نختصر الحال العمالي في الحريات النقابية، والانتهاكات المباشرة، بل سيتضمن التقرير عرضًا لواقع حال العمال وأمنهم داخل وخارج بيئة العمل، والخروج من محاولات التعامل معهم كأرقام، إلى أفراد حقيقيين، وأسر كاملة لها احتياجاتها، وحقوقها الكاملة في الحصول على تلك الاحتياجات.

وذلك في ظل تخلي الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية، وتقليص الدعم الاقتصادي للأفراد بشكل غير مسبوق.

دار الخدمات النقابية

21/1/2024

 

 

خطة العمل بالتقرير

.. تطبيقًا لمنهج العمل بـ"دار الخدمات النقابية والعمالية" في إعداد تقارير الرصد والتوثيق لحالة الحريات النقابية اعتمدت الدار بالتقرير الماثل "المنهج الوصفي التحليلي" مستخدمة في ذلك العديد من أدوات وآليات الرصد والتوثيق، جاءت أهمها وأولها الشهادات الحيَّة التى أدلى بها العمال من واقع ما تعرضوا له من انتهاكات وأضرار داخل مواقع العمل.

ونرى أن الرصد من خلال المقابلات الشخصية المباشرة مع العمال يعبر بشكل أكثر دقة عن وصف المعاناة التى يتعرضون لها، كما يوضح الواقع تفصيلًا مدى ما يفتقده العمال من حقوق. ورغم دلالة مؤشرات دراسات الحالة فإنها لا تعتبر بمثابة قوة الأرقام والإحصاءات التي اعتمد عليها التقرير في تحليله للأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأبعادها، لذلك نستخدم الأرقام والإحصاءات الدالة على صحة شهادات العمال في قطاعات العمل المختلفة لتحليل الوضع الاقتصادي – المعيشي للعمال خلال عام 2023، فضلًا عن رصد الاحتجاجات العمالية، وحالة الحريات النقابية، وأوضاع النقابات المستقلة.

الفترة الزمنية التي تناولها التقرير فى الرصد والتوثيق وتحليل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن من 1/1/2023 الى 30/12/2023

 

قطاعات العمل التي يغطيها التقرير:

القطاع الحكومي / القطاع الخاص / القطاع غير الرسمي

وتم تقسيم الانتهاكات وفقًا للنشاط الاقتصادي، والقطاعات التي ينتمي إليها العمال، وطبيعة الانتهاكات، والموقف القانوني المُتخذ حيال كل انتهاك.

 ووفقًا لذلك تقسم الانتهاكات التي تم رصدها لما يلي:

  • أهم الاحتجاجات والسمات العامة لها بالترتيب الزمني.
  • عرض للانتهاكات وفقًا لأعدادها.
  • عرض الانتهاكات وفقًا لنوع الانتهاك.
  • عرض الانتهاكات وفقًا لطبيعة النشاط الاقتصادي.

 

منهجية العمل بالتقرير

 اعتمدت الباحثة فى إعداد التقرير "المنهج الوصفي التحليلي"، وفى هذا الإطار استندت إلى عدد من المصادر والمعلومات تمثلت في التالي:

  • حالات الانتهاكات الفردية والجماعية التي تعرض لها العمال في أماكن عملهم وقامت الدار بمتابعتها وتنظيم حملات بشأنها.
  • الشكاوى والبلاغات التي تتلقاها "دار الخدمات النقابية والعمالية" من المضارين مباشرة.
  • طلبات المساعدة القانونية التي يتلقاها المكتب القانوني بالدار.
  • متابعة ورصد لأهم ما تصدر بالصحف والمواقع الإلكترونية والمقالات والدراسات المهتمة بالشأن العمالي على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

معايير تم اعتمادها في الرصد الإحصائي:

  • تم احتساب "الانتهاك الجماعي" بوصفه انتهاكًا فرديًّا لكل عامل على حدة.
  • في حالة تعرض العامل لأكثر من انتهاك يتم رصد الانتهاك مرة واحدة فقط، مع الإشارة لتعدد الانتهاكات التي تعرض لها العامل بشكل تفصيلي خلال العرض الوصفي للانتهاكات بمواقع العمل المختلفة.
  • لم تُحتسب أي حالة وفاة أو إصابة عمل إلا إذا كانت ناتجة عن الإخلال بقواعد السلامة والصحة المهنيَّة.
  • تحتسب حالات القبض أو الحبس الاحتياطي فقط إذا كان ذلك على خلفية المطالبة بالحقوق العماليَّة.

 

رصد الانتهاكات:

بلغ إجمالي حجم الانتهاكات التي تعرض لها العمال والعاملات خلال عام 2023 في مصر وفقًا لهذا التقرير نحو(6241) انتهاكًا، تركزت الأغلبية العظمى منها في القطاع الخاص يليه قطاع الأعمال العام، ثم القطاع الحكومي، حيث تنوعت الانتهاكات بين (نقل العمال تعسفيًّا من أماكن عملهم كعقاب/ تقييد الحرية وتوجيه تهم جنائية / الفصل / تهديد بالفصل / تهديد بالأمن الوطني / امتناع عن دفع الأجر/ استدعاء الشرطة / إيقاف عن العمل / طرد العمال خارج مقار العمل / إنذار بالفصل / العنف اللفظي والبدني / التحقيق مع العمال / الجزاء المالي للتعبير عن الرأي).

 

فريق العمل القائم على إعداد التقرير

  • الباحثة الرئيسية
  • المكتب القانوني بدار الخدمات
  • فريق عمل الرصد والتوثيق بدار الخدمات
  • نشطاء عماليون ونقابيون

 

 

 

لماذا يغيب الصوت العمالي وسؤال الفقر؟

ماهية أحوال العمال معيشيًّا، والحدود بينها وبين الفقر؟، هو سؤال مهم سعينا لتضمينه في تقريرنا إجمالا، وبشكل خاص، في فصلنا هذا.

بالرغم من أن العامل سببٌ رئيسيٌّ في أي خطوة تعني بالنمو الاقتصادي للمجتمعات، فالعناية بأحواله، ومتطلباته، ليست بالقدر نفسه من الأهمية لدى المهتمين بالنمو الاقتصادي، حيث لا يتم احتساب ميزاته المادية على قدر ما يمنح العمل من عمره، أو حسابات التضخم، التي تبتلع أجره بالكامل، وتقضي على أي قوة شرائية ممكنة لتلك الأجور الزهيدة.

في الواقع يعيش العمال أزمة الأجور منذ عقود، التي لا تحتسب على قدر احتياجاته، وإنما بحسب مزاجية صاحب العمل، وأعلى ربح ممكن له، فالحد الأدنى للأجور الذي بدوره وصل إلى 4 آلاف جنيه، أي ما يوازي 80 دولارًا شهريًّا (حسب سعر الدولار غير الرسمي)، يطبق فقط في القطاع العام الذي يمثل أقل من ثلث مجموع القوى العاملة في مصر.

جديرٌ بالذكر أن الحد الأدنى للأجور، يتم احتسابه مشمولًا بالمقتطع التأميني التي يفترض أن يدفعه صاحب العمل لا العامل.

أما الوضع في القطاع الخاص فحدث ولا حرج، حيث لا يسمح للعمال بإنشاء النقابات التي تحميهم ولا تراقب الوزارة عليه، ما يخلق وضعًا جائرًا يجعلهم من الفقراء، أو على الأقل من المهددين بالجوع، الذين يعملون لساعات طويلة، بلا عائد يقيهم العوز.

للوقوف على حجم الأزمة التي يعيشها العمال، وفروق العملة، والتضخم، يمكننا الاستعانة بالعام 2013 كسنة قياس، إذ كان الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه مصريًّا، وكان يعادل 172 دولارًا تقريبًا، حيث كان الدولار أقل من 7 جنيهات، وعليه فالزيادة في الحد الأدنى التي تروج لها الحكومة أصبحت تعادل 80 دولارًا، ليست زيادة حقيقية، بل أوهام تفضحها نسب التضخم التي تآكلت معها الدخول.

فيما يخص أصحاب المعاشات، فالأمر بالغ العوار، على سبيل المثال من المفترض أن تزيد المعاشات بشكل يرتبط بنسب التضخم، وبقانون واضح، لا قرار سنويًّا من السلطة التنفيذية، إذ تقتصر الزيادة على نسبة الـ 14%، في حين أن نسب التضخم تصل إلى أكثر من 35%.

ومن المعروف أن صندوق التأمينات قد تعرض للنهب منذ سنوات، في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزيره بطرس غالي، الذي ضارب بأموال المعاشات في البورصات العالمية، وضمها لميزانية الدولة.

حتى كان قرار الحكومة منذ أعوام برد أموال التأمينات على دفعات، وفي طريقها لهذا الرد تستعمل كل الوسائل في التضييق على الصندوق، ولا تجعل من أصحابه، أي أصحاب المعاشات ينعمون بأي من نجاحاته.

ويحقق الصندوق فوائض بشكل مستمر، على سبيل المثال حقق الصندوق في 2021 فائضًا بنحو 6.28 مليار دولار، حيث بلغت مصروفاته الإجمالية 16.5 مليار دولار، في حين بلغت إيراداته نحو 22.79 مليار.

كما نجد التكريس لوضع فجوة معاشات مثل فجوة الأجور، وجاء ذلك في أسوأ صوره بتقسيم القانون أصحاب المعاشات إلى درجات، حيث عِلية القوم أصحاب المادة 27 من رئيس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس النواب ونوابه والمحافظين ونوابهم يحتسب معاشهم بالمعامل الاكتواري 1/10، بينما يحتسب للموظفين والعمال العاديين على أساس 1/45، رغم دفعهما للنسبة نفسها من الاشتراكات.

وعبر قانون التأمينات نفسه رقم 148 لعام 2019، نفضت الدولة يديها من أبناء العمالة غير المنتظمة تمامًا، وحرمتهم من الحصول على أي معاش مستقبلًا، عبر إلزامهم بدفع مبلغ شهريًّا، وهو ما يعجز عنه أغلبهم، حيث لا دخل، ولا عمل مستقر. الحد الأدنى لأجر الاشتراك 2000ج يقوم المشترك بدفع 9% أي يبلغ إجمالي الحد الأدنى لما يجب أن يقوم المشترك بدفعه 200ج في يناير 2024.

وقد زاد الطين بلة محاولات الدولة التخلي عن مسؤولياتها، عبر رفع الدعم، وتقليص المساعدات الخاصة بها للمواطنين الأكثر فقرًا، والمتمثلة في صندوق "تكافل وكرامة".

وخلال عام 2023 أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قرارًا بتحديد الفئات المستفيدة من معاش "تكافل وكرامة" تنفيذًا لقرار كان الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدره أوائل مارس 2023 يقضي بزيادة قيمة هذا المعاش المخصص لأفقر فقراء البلاد بنسبة 25%.

وطبقًا للقرار المنشور في الجريدة الرسمية، بلغ معاش الأسرة المستفيدة من برنامج "تكافل" 406 جنيهات شهريًّا، وبلغ معاش المطلقة أو الأرملة أو زوجة السجين 437 جنيهًا، ومعاش المعاق أو المُسنّ الذين يستفيدون من برنامج "كرامة" نحو 562 جنيهًا شهريًّا، وهي أرقام تجعل متقاضيها من الجوعى، الذين لا يستطيعون تلبية أي بند من بنود الحياة الأساسية بما فيها الطعام، والحقيقة أنه حتى مع هذا المبلغ الزهيد فحجم تغطية الصندوق للفقراء لا يتجاوز 50% منهم.

 

الشكل التالي يوضح نسبة المستفيدين من برنامج التحويلات النقدية وفقًا لشرائح الدخل العشرية (بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك 2018) والتي لا يزال معمولًا بها حتى عام تقريرنا . [1]

 

 

وفقًا للبيانات فإن إجمالي عدد المستفيدين من البرنامج هم 15% من سكان الجمهورية أي ما يقارب 15 مليون نسمة، وبافتراض أن جميعهم من شريحة الفقراء أو أفقر 30% دخلًا من السكان فهذا يعني أن ما يقارب 50% من الفقراء على أحسن تقدير غير مغطى في هذا البرنامج.

كما أن الموارد المحدودة للصندوق تجعل مساهماته شكلية أكثر منها حقيقية، في المقابل ترفض الدولة أي دعم سلعي، إذ يربطها ذلك بمستوى التضخم الحقيقي، ويضعها أمام مسؤوليات قررت التخلي عنها منذ سنوات، ما يجعل العمال خارج تلك الفئات، وتلك التغطية الضئيلة بالأساس.

 

الشكل التالي يوضح تطور ذلك التخلي الرسمي عبر سنوات : [2]

 

نظرة على واقعية مؤشرات قياس الفقر الرسمية

على سيرة الفقر، والعمال، لا بد من التنويه عن الفجوة بين مؤشرات قياس الفقر الرسميَّة، والقياسات الواقعيَّة، فالقياسات الرسمية لا تعبر عن معاناة الأفراد بشكل دقيق أو عادل.

 يعبر كتاب "في البحث عن مؤشرات اقتصادية بديلة"، عن منطق قياس الفقر بشكل رسمي، بالقول إن "الفكرة الأساسية في حساب خطوط الفقر سواء بالطرق المحليَّة أو الدوليَّة، هي وضع ثمن أو قيمة ماليَّة للحاجات الأساسية، يمكن وصفها بـ "سعر" حصول الفرد على أردأ أنواع (الطعام، المسكن، الملبس، الرعاية الصحيَّة، التعليم والمواصلات). كذلك أرقام خط الجوع، التي تعد سعر أو تكلفة أن تأكل فقط. ولكن ما الذي يحرك خط الفقر المصري؟ وهل هناك ارتباط بينه وبين معدل التضخم العام أو هل يصعدان بنسب متقاربة؟ الشكل التالي يحاول مقارنة نسبة صعود مؤشر التضخم العام وخط الفقر الرسمي في فترة يوليو 2009 إلى ديسمبر 2015، وهو النموذج الذي سنضع على أساسه قياسات الفقر للعام [3]2023.

 

نسبة التغير في خط الفقر الرسمي مقابل نسبة التضخم العام [4]

  

 

يظهر الشكل أن خط الفقر الرسمي دائمًا ما يصعد بمعدلات أعلى من خط التضخم العام، ووفقًا لذلك فإن مستوى الفقر الحقيقي أكبر من الأرقام الرسمية ويطال قطاعًا كبيرًا من العمال.

 وبحسبة بسيطة٬ ووفقًا لمعدل التضخم الرسمي٬ فإن مجموع حساب التضخم خلال الثلاث السنوات الأخيرة يبلغ 54%، وبالرجوع إلى خط الفقر القومي للعام 2020 فإن الدخل السنوي للفرد بالجنيه هو 10.3 ألف جنيه.

وعليه يكون الرقم التقديري للعام 2023 هو 15.862 ألف جنيه في حين أن الرقم الحقيقي هو 18.540 ألف جنيه، حيث يحتسب الرقم طبقًا لنسبة التضخم العام، ونسبة التضخم في أسعار الغذاء التي بلغت أكثر من 100%، وعليه فمعدل التضخم بينهما يصل تقريبًا 71%.

ما يعني أن أسرة تتكون من 3.5 فرد بحسب "جهاز التعبئة العامة والإحصاء"، تعيش على خط الفقر القومي، يكون دخلها السنوي في حدود 64.89 ألف جنيه مصري، أي شهريًّا ما يوازي 5500 جنيه تقريبًا، بينما حددت الدولة حد أنى شهري مبلغ 4 آلاف جنيه فقط لا غير وبأقل من معدلات الفقر القومي.

أما مبلغ 5500 جنيه فهو المبلغ الذي يجعلك من الفقراء أيضًا، وهو أيضًا دخل أكبر من أكثر من خمسين في المائة من العمال، خصوصًا الشباب منهم، حيث إن حداثة سنوات خدمتهم لا تؤهلهم لينضموا إلى قائمة الفقراء فقط لا الفقر المدقع، ما يجعلنا أمام مجموعة من الفقراء، والفقراء جدًّا، يعملون لأكثر من 8 ساعات يوميًّا، والكثير منهم دون ميزات، أو أوقات للراحة، أو للترفيه.

 

الجدول التالي يوضح أسعار السلع الغذائيَّة في ديسمبر مقارنة بالعام الماضي طبقًا لمجلس الوزراء للتعرف على معدل التضخم في أسعار الغذاء مقارنة بمستوى الأجور:

 

السلعة

السعر بالتقريب/2022

السعر بالتقريب/2023

كرتونة البيض 30 بيضة

85 جنيهًا

150 جنيهًا

كيلو أرز معبأ

18 جنيهًا

32 جنيهًا

كيلو الفول

30 جنيهًا

41 جنيهًا

كيلو الدقيق

20 جنيهًا

21 جنيهًا

الزيت ا لتر

50 جنيهًا

63 جنيهًا

كيلو الطماطم

5 جنيهات

12 جنيهًا

كيلو البطاطس

10 جنيهات

20 جنيهًا

كيلو البامية

22 جنيهًا

35 جنيهًا

كيلو لحوم حمراء

160 جنيهًا

317 جنيهًا

كيلو دجاج

48 جنيهًا

94 جنيهًا

كيلو السكر

18 جنيهًا

44 جنيهًا

كيلو لبن

20 جنيهًا

35 جنيهًا

 

 

ملاحظة: الأسعار قابلة للتغير بالنقص أو الزيادة لحظة النشر.

 

 

 

حريات نقابية مشوبة بالانتهاكات..

رصد لأبرز انتهاكات العام:

 

  1. أزمة برنامج تعزيز علاقات العمل مستمرة
  2. نقابات لم تر النور وقانون لا يجاز
  3. الانتهاكات النقابية
  4. الحبس الاحتياطي في مواجهة العمال

 

تعتبر ديباجة دستور منظمة العمل الدولية "الاعتراف بمبدأ الحرية النقابية" وسيلة لتحسين أوضاع العمال وإقرار السلام، والذي ضمنته العديد من الاتفاقيات، وكانت حرية الرأي والتعبير والحرية النقابية شروطًا أساسيَّة بها.

كما أن القانون المصري يحث في دستوره على ضمانة حرية الرأي والتعبير، ولكن كما يقول النقابي المعروف طه عثمان «القانون كخيط العنكبوت يقع فيه الضعفاء، ويعصف به الأقوياء».

في مسألة الحريات النقابية لا تقف الأزمة عند حق التنظيم فقط، وإعلانها، فهناك أكثر من مستوى، يتضمن محاولات إسكات الأصوات المطالبة بالحقوق العمالية، وهو أمرٌ ليس بالجديد، ولكن الزَّج بالعمال إلى السجن، بتهم تتعلق بالإرهاب، أو استغلال تهم مطاطة كـ"تكدير السِّلم العام، ونشر الأخبار الكاذبة"، وهي وسائل مستحدثة، صعدت إلى السطح منذ العام 2013.

على الجانب الآخر٬ فسمة العام 2023 تتشابه والأعوام العشر الأخيرة في تدهور مستوى الحريات، فما زال إنشاء نقابة مستقلة جديدة أمرًا يُجيزه القانون، ولا تُجيزه الجهات الإداريَّة بالدولة.

ومنذ قدوم الوزير الحالي حسن شحاتة أصبحت النية مبيتة، للقضاء على فكرة النقابات المستقلة، عبر وضع العراقيل، أمام إنشائها من الأساس، وإعاقة عمل المسجل منها.

كذلك توقفت لجنة الشكاوى عن ممارسة أعمالها، والنظر في الشكاوى المقدمة من النقابات المكتملة أوراقها، والوزارة تعطل تسجيلها، كما نقلت الوزارة مقرها إلى العاصمة الإدارية الجديدة، البعيدة جدًّا، عن مقار أغلب العمال في القاهرة، فما بالك بالمحافظات، وحيث لا يداوم الوزير المعني على الحضور يوميًّا إلى هناك، بينما يوزع إقامته بين العاصمة والمقر الإداري القديم للوزارة.

 

أزمة برنامج تعزيز علاقات العمل المستمرة:

إمعانًا في القضاء على عمل النقابات المستقلة، توقف عمل برنامج تعزيز علاقات العمل ومؤسساتها في مصر، والذي كانت الآمال معقودة عليه في تحسين الوضع العمالي النقابي، والذى تم إطلاقه في مارس 2020، ولم يتم العمل به سوى عامين، ومنذ آخر اجتماع للجنة الثلاثية المعنية بمتابعة البرنامج في أكتوبر 2022، لم يسمع أحد عنه أو منه.

 

ويعتمد البرنامج على 3 محاور أساسية:

  • تعزيز الحرية النقابية والمفاوضة الجماعيَّة وتنفيذها بشكل فعَّال في إطار القوانين والممارسات عن طريق إنفاذ قانون المنظمات النقابيَّة العماليَّة، وحماية حق التنظيم النقابي رقم 213 لسنة 2017 وتعديلاته الصادرة بالقانون رقم 142 لسنة 2019.
  • خلق بيئة مواتية لعلاقات عمل سليمة، من خلال تعزيز الحوار المجتمعي في مصر عن طريق دعم المجلس الأعلى للحوار المجتمعي في مجال العمل المنشأ بقرار رئيس مجلس الوزراء.
  • برنامج العمل الأفضل في مصر "العمل الأفضل" وهو البرنامج المعني بتمكين المنشآت العاملة في قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، والاستفادة بشكل أفضل من فرص توسع الأعمال التجارية بفضل تحسن علاقات العمل ومستويات الامتثال الأفضل لمعايير العمل الدولية وقوانين العمل الوطنية.

أهداف ثلاثة لم يتحقق منها إلا برنامج العمل الأفضل، حيث لم تبدِ الحكومة أي تعاون مذكور، تجاه تحقيق باقي الأهداف، وعليه توقفَ العمل بالبرنامج منذ العام 2022، بعد أن ضمنت الحكومة استمرار برنامج رجال الأعمال "العمل الأفضل"، وارتفع عدد المشاركين في البرنامج من 33 شركة إلى 66 شركة، في حين لم يتم السماح للعمال بإنشاء نقابة واحدة في نفس الشركات، كما كان متفقًا.

 

نقابات لم ترِ النور وقانون معطل..

في مؤتمر العمل الدولي الـ107 عام2017، وفي الاستنتاجات التي نوقشت فيها حالة مصر تم الاعتراف بوجود "قيود على حق العمال في تكوين النقابات والاتحادات والانضمام إليها بحرية؛ واستمرار تدخل الحكومة في الانتخابات والنشاطات النقابية".

حينها "تعهدت الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان ممارسة العمال لحقهم في تشكيل النقابات وإزالة القيود والعقبات". ردًا على ملاحظات لجنة الخبراء حول تطبيق الاتفاقيات والتوصيات (CEACR)  ولجنة تطبيق المعايير (CSA) التابعة لمنظمة العمل الدولية.

ومع ذلك تستمر مشكلات قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي رقم 213 لسنة 2017 - وهو القانون الذي أقره مجلس النواب في الخامس من ديسمبر 2017 - وتعديلاته بالقانون رقم 142 لسنة 2019 الصادرة في الخامس من أغسطس 2019، والذى جاء منطويًا على الكثير من المثالب التي تؤثر سلبًا على حق العمال في تكوين نقاباتهم، وممارسة أنشطتها بحرية.

إن هذا النسق الذي أبقى عليه القانون 213 لسنة 2017 وتعديلاته بالقانون 142 لسنة 2019 لم يزل يثير تناقضًا واضحًا حيث يفترض تأسيس منظمات نقابية جديدة كل عام، فكيف تحتسب الدورة النقابية لهذه المنظمات، وما زالت أوضاع بعض المنظمات النقابية التي لم تجر بها الانتخابات مؤخرًا مُعلقة حتى الآن، بسبب الارتباك في تطبيق القانون في هذا الصدد.

وإن كان التوافق قد تم مؤخرًا مع وزارة القوى العاملة على أن تنتخب الجمعيات العمومية لهذه المنظمات النقابية مجالس إدارات مؤقتة لحين إجراء الانتخابات النقابية العامة على أن تتمتع هذه المجالس بكامل الصلاحيات، إلا أن ذلك لم تزل تكتنفه بعض العقبات والتعقيدات البيروقراطية.

للاطلاع على اهم ملاحظات الدار على القانون رقم 213 لسنة 2017

راجع صفحة الدار www.ctuws.com

 

في الوقت نفسه فإن العديد من اللجان النقابية لم تسجل بعد رغم اكتمال أوراقها طبقًا للقانون واللائحة والتي منها:

  • النقابة العامة للعاملين في مصلحة الضرائب العقارية.
  • اللجنة النقابية للعاملين في شركة الإسكندرية للملابس الجاهزة
  • اللجنة النقابية المهنية للعاملين في خدمات الأسمنت بحلوان.
  • اللجنة النقابية للعاملين في شركة النيل للمواد العازلة (بيتونيل).
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بأسيوط.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بمحافظة البحيرة.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بالدقهلية.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بالغربية.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بالجيزة.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية ببورسعيد.
  • اللجنة النقابية المهنية للعاملين في النيابات والمحاكم في القاهرة الجديدة.
  • اللجنة النقابية المهنية للعاملين في الجودة بالقاهرة.
  • اللجنة النقابية المهنية للعاملين في السياحة ببورسعيد.
  • اللجنة النقابية للعاملين في إدارة شرق المنصورة التعليمية.

وفضلًا عن ذلك، تتعرض المنظمات النقابية التي تمكنت - بشق الأنفس - من التسجيل، للكثير من العقبات، وأبرز الأمثلة على ذلك اللجنة النقابية للعاملين بمكتبة الإسكندرية، التي ما أن استكملت إجراءات تسجيلها في نهاية سبتمبر الماضي، حتى فوجئت بفتوى صادرة عن إدارة الفتوى التابعة لمجلس الدولة تقضي بعدم شرعيتها، كونها موازية للجنة النقابية التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الرسمي"، مما ترتب عليه امتناع إدارة مكتبة الإسكندرية عن الاعتراف والتعامل مع المنظمة النقابية المستقلة.

ولم تكن هذه الفتوى الوحيدة التي تصدر عن إدارات الفتوى، حيث كانت إدارة الفتوى بوزارة التربية والتعليم أصدرت فتوى مماثلة استندت لها الإدارة الحكومية في فصل النقابي أحمد عبد المرضي، ما يخشى معه صدور فتاوى أخرى تعصف بالحق الذي أقره القانون.

جديرٌ بالذكر أن بعض نصوص القانون التي تكفل الحق في تكوين النقابات تعارضها بعض نصوص القانون الأخرى التي تثير اللبس، وأن التطبيق العملي على الأرض - وفقًا لخبرات الأعوام الخمسة الماضية - جعل منها في أحيان كثيرة حبرًا على ورق، حيث كثيرًا ما تصطدم المنظمات النقابية المستقلة بتعسف إداري وإنكار صريح للحقوق التي كفلها القانون.

نتيجة لكل هذه الأوضاع المقلوبة كان هناك أيضًا نقابات معطلة لم تجرِ انتخابات الدورة الجديدة:

  • اللجنة النقابية لخدمات السائقين في محافظة القليوبية.
  • اللجنة النقابية للعاملين في التربية والتعليم بقنا.
  • اللجنة النقابية للعاملين في إدارة قوص التعليمية.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بالفيوم.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بالإسماعيلية.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بمحافظة القليوبية.
  • اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بقنا.
  • اللجنة النقابية للعاملين في أندية هيئة قناة السويس.
  • اللجنة النقابية للعاملين في شركة يونيفرسال.
  • اللجنة النقابية المهنية للعاملين بمحاجر المنيا.
  • اللجنة النقابية لعمال مصنع سبأ بالمنطقة الاستثمارية ببورسعيد.

أما وزارة القوى العاملة فلم تحاول أبدًا إنهاء الأزمة واكتفت بإصدار دليل الإجراءات، فبناء على زيارة وفد من النقابات إلى وزارة العمل (وزارة القوى العاملة سابقًا)، أفادت إدارة البحث القانوني، والاتصال النقابي بالوزارة أن الوزارة اتخذت قرارًا بأن الجمعيات العمومية في اللجان النقابية هي صاحبة سلطة اختيار مجلس تسيير الأعمال، أو تجديد الثقة في المجالس القديمة وإخطار الوزارة فقط بنتائج أعمال الجمعية العمومية وفقًا لمنشور تسيير الأعمال، والذى سبق وأصدرته الوزارة في شهر سبتمبر 2022 ومع ذلك لم تنتهِ الأزمة مع المديريات أو الوزارة، وفي شهر أكتوبر 2022 تم إصدار دليل الإجراءات بالقرار الوزاري رقم 227 ولم يحل أزمة النقابات الراغبة في التأسيس.

كما هو واضح فإن مشكلة النقابات ليست في إصدار دليل الإجراءات الذي لم يُفعل حتى الآن ولكن في الالتزام به وتطبيقه.

 

الانتهاكات النقابية

  • نقابة سائقي الغربية المغضوب عليهم

خلال العام 2023 استمرت الانتهاكات النقابية ومحاولة المساس بصلاحيات، واستقلالية النقابات المستقلة مثل حالة نقابة سائقي الغربية، حيث اتخذت الجمعية العمومية لنقابة النقل البري بالغربية، قرارًا بالانسحاب من عضوية النقابة العامة للنقل البري.

من ناحية أخرى اتخذ رئيس مجلس إدارة النقابة العامة علي أحمد علي، وشهرته أشرف الدوكار بتاريخ 7 مايو2023 وهو اليوم التالي لعقد الجمعية العمومية للنقابة الفرعية، قرارًا بتجميد مجلس إدارة النقابة الفرعية وتعيين مجلس لتسيير أعمال النقابة الفرعية حتى إجراء الانتخابات النقابية المقبلة بالمخالفة للقانون وبدون قرار من مجلس إدارة النقابة العامة.

ما حدث يعد تعديًا على حق اللجنة النقابية في الانضمام لنقابات عامة أو الانسحاب منها - وفقًا لما ورد في المادة 4 من اللائحة التنفيذية للقانون - وتدخلًا سافرًا ضد إرادة الجمعية العمومية للجنة النقابية وانتهاكًا لشخصيتها الاعتبارية التي منحها لها القانون بموجب ما نصت عليه المادة 10 من قانون المنظمات النقابية وحماية حق التنظيم 213 لسنة 2017.

  • اقتحام نقابة المهندسين من قبل بلطجية لمنع تجديد الثقة بالنقيب

مشهد آخر تصدر أحداث العام 2023، ونموذج يكشف مستوى الحريات النقابية بمصر، تصدره عنوان اختاره موقع بي بي سي العربي الشهير "نقابة المهندسين في مصر: الاشتباكات تذكر البعض بموقعة الجمل".

وجاء المشهد المخزي في الشهر الخامس من العام "شهر العمال" وتحديدًا في 31 مايو، إذ كانت الجمعية العموميَّة الطارئة لنقابة المهندسين، شهدت اعتداءات وأحداث بلطجة مؤسفة، وذلك قبيل إعلان نتيجة التصويت بتجديد الثقة في نقيب المهندسين، طارق النبراوي.

واقتحم البلطجية مقر الجمعية العمومية وقاموا بكسر الصناديق وتمزيق أوراق التصويت، واتهم النقيب الحالي حزب مستقبل وطن بتدبير حادث الاقتحام بعد التعرف على أربعة من المقتحمين، وهم أعضاء بمجلس النواب عن الحزب، وجاء الاقتحام في ظل تقاعس واضح من قوات الأمن الموجودة بالمكان.

وشارك في الجمعية العمومية الطارئة للمهندسين ما يقرب من 24 ألف مهندس، وأظهر فرز أولي للأصوات تفوق نسبة الرافضين لسحب الثقة، ليتبع ذلك اقتحام عشرات الأشخاص قاعة الفرز، وتحطيم صناديق الاقتراع والاعتداء على بعض أعضاء النقابة المسؤولين عن إدارة عملية الفرز.

حينها وصفت "دار الخدمات النقابية" في بيان لها الأحداث بـ "التاريخيَّة" إذ قالت: "إن نقابة المهندسين شهدت أحداثًا جسامًا يمكن وصفها بالتاريخيَّة، حيث احتشد بها أكثر من ثلاثة وعشرين ألفًا من أعضاء جمعيتها العمومية - وفقًا لمختلف التقديرات - بغية التصويت على سحب الثقة من النقيب أو تجديدها".

وسحب الثقة هي آلية ديمقراطية نادرًا ما يتم تطبيقها في النقابات، ولكن لجأ إليها خصوم النقيب الحاليين المحسوبين على النظام، حيث إن سياسة النقيب الحالي لا تسير وفق رؤاهم، إلا أن نتيجة التصويت لم تستهوهم، فلجأوا إلى البلطجة كحل أخير.

وستظل صورة الأوراق المبعثرة من الصناديق عالقة بالذهن لوقت طويل، كرمزية على عدم احتمال واحترام الطرف الآخر للمعاني الديمقراطية، ونتائجها.

 

  

 

الحبس الاحتياطي في مواجهة العمال

الاسترسال في العوائق التي تواجه النقابات المستقلة خصوصًا، يجب ألَّا تنسينا سلاح الحبس الاحتياطي المُشهر في وجه العمال منذ سنوات، فالمسكوت عنه، وعن عواقب الحبس بتقييد الحرية: لا بد من الإشارة إلى أن إجراء الحبس يضع العامل وأسرته في موقف حرج اقتصاديًّا، ففضلًا عن تكاليف المعيشة داخل السجن، والزيارات المقررة التي تستنزف الكثير من الأموال، والمجهود البدني- النفسي، فبحسب قانون الخدمة المدنية، هناك إجراءات يتم اتخاذها بنص القانون ضد الموظف العمومي "موظف الحكومة"، وذلك فى حال صدور قرار بالتحفظ عليه، وحبسه احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، أو صدور حكم جنائي نهائي ضده، يكون هناك إجراءات قانونية أخرى أيضًا يتم اتخاذها ضده في أي حالة من تلك الحالات السابقة؛ بحسب قانون الخدمة المدنيَّة.

فبحسب قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، والذي نظم الإجراءات القانونيَّة التي يتم اتخاذها تجاه الموظف العمومي، إذا تم التحفظ عليه أو حبسه احتياطيًّا أو تنفيذًا طبقًا لحكم جنائي نهائي.

يتم وقف أي موظف حكومي عن العمل في حال حبسه احتياطيًّا أو حبسه طبقًا لحكم جنائي نهائي.

كما يتم حرمان الموظف الحكومي الذي تم حبسه احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، أو حبسه طبقًا لحكم جنائي غير نهائي، من نصف راتبه كإجراء احترازي، وفي حال كان الحكم الجنائي الصادر ضد الموظف الحكومي نهائيًّا، يتم حرمانه من كامل راتبه نهائيًّا.

بعد قضاء الموظف الحكومي فترة عقوبة الحكم الجنائي الصادر في حقه نهائيًّا دون أن يكون ذلك الحكم تضمن فصله من جهة عمله، تتم إحالته عقب عودته للعمل إلى الجهة والسلطة المختصة، والتى تقرر حجم المسؤولية التأديبية الواجب توقيعها عليه.

وجميعها أمور تعيق من حريته في إبداء رأيه، أو ممارسة نشاطه النقابي، خصوصًا في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، تحرمه من امتلاكه لأي مدخرات، تقيه وأسرته شر الفقر والحاجة.

وكما أن هناك حالات فردية كحالتي العاملين سامح زكريا، ومحمد هاشم، فهناك السجن على إثر احتجاج أو إضراب مباشر، كما في حالة إضراب عمال كريازي، وجميعها تنتمي إلى التهم نفسها غير الواضحة والمطاطة، ويتم التعامل مع نشاط النقابات المستقلة كجماعة محظورة على خلاف القانون، أو مع الإضراب كمهدد للسلم العام، وما إلى ذلك من تهم مُعلّبة، ومحفوظة.

 

  • تجديد حبس سامح زكريا العامل في هيئة الإسعاف

لا يزال العامل بهيئة الإسعاف "سامح زكريا" مسجونًا احتياطيًّا منذ العام الماضي، على ذمة القضية 2412 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا.

ربما من المناسب أن نروي جانبًا من قصة "سامح زكريا"، العامل البسيط، المجتهد، في مرفق الإسعاف، وقد كانت نتيجة اجتهاده في عمله اختياره ضمن فرق الارتكاز بهيئة الإسعاف، وهي الفرق المنوط بها حضور المؤتمرات الدولية وتأمين كبار المسؤولين بالدولة.

وبالطبع لا يتم اختيار أحد ضمن أفراد هذه الفرق إلا بعد إجراء بحث أمني دقيق للتأكد من أن هذا الشخص ليس له أي سوابق أو أنشطة مخالفة للقانون أو معارضة لنظام الحكم.

لم يكن سامح سياسيًّا مشهورًا أو ناشطًا من نشطاء المعارضة، بل كان شابًا يكافح في عمله ليتمكن من إعالة أسرته التي تعتمد عليه بشكل كامل، زوجته وأطفاله الثلاثة – أكبرهم في عمر الثامنة وأصغرهم في عمر الثانية – ووالدته المُسِنّة في الثمانين من عمرها.

حيث فوجئت أسرته بالقبض عليه يوم 22 أغسطس سنة 2022 من منزله دون أي مقدمات، اختفى بعدها أربعة أشهر كاملة لا يعرفون عنه شيئًا.

قبل أن يظهر للمرة الأولى في21 ديسمبر2022 في جلسة عرض فيها على النيابة ليتم تجديد حبسه على ذمة القضية رقم 2412 لسنة2022 حصر أمن دولة، حيث وجهت له النيابة تهم الانضمام لجماعة محظورة وتمويلها. ومنذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذا التقرير توالت جلسات تجديد حبسه احتياطيًّا دون إطلاق سراحه أو تقديمه للمحاكمة لتسوء حالته الصحيَّة داخل السجن.

وقد وصلت حالة "سامح" الصحيَّة لمرحلة خطيرة وتستحق الاهتمام العاجل، حيث كان قد أصيب بمرض نادر في طفولته، ويحتاج لمتابعة طبية دورية مستمرة، وهو مرض تسوس عظام الأذن (العظام الحاجزة للمخ)، والذي يهدد في حالة عدم السيطرة عليه بالإصابة بالشلل الوجهي.

وبسبب هذا المرض حدث تمزق تام بغشاء الأذن اليمنى (طبلة الأذن) وقد أجريت له ثلاث عمليات، قبل السجن، لتكحيت عظام الأذن وترقيع للغشاء، وحصل ارتشاح في أذنه اليسرى، ليتم تركيب أنبوب تهوية لوقايتها من العدوى وهو الأنبوب الذي أكد طبيب السجن بعد ذلك أنه تحرك من مكانه ليسبب تمزقًا في طبلة الأذن اليسرى.

وقد كان "سامح" يتابع حالته بشكل شهري مع طبيب الأنف والأذن قبل الحبس، ولكن توقفت المتابعة في السجن ليعاود المرض ظهوره مرة أخرى بشكل أكثر خطورة ويؤدي لانقطاع السمع بشكل كامل في أذنه اليمنى، ويهدد بفقدان حاسة السمع بشكل كلي. هذا بجانب تعرضه لخلل في توازنه ما أدى لسقوطه وحدوث قطع جزئي في غضروف الركبة قبل الحبس، تطور لقطع كلي بسبب ظروف الحبس.

 

  • القبض على العامل محمد هاشم

من 19 يناير وحتى 29 من الشهر نفسه، اختفى العامل بهيئة النقل العام محمد هاشم، بعد أن ألقت قوات الأمن القبض عليه من منزله، واقتياده، وهو ما يعد قانونًا إخفاءً قسريًّا وربما هو الجريمة الأكبر، والأخطر في حق العمال، وتشعرهم بالخوف من التعبير عن آرائهم.

وكانت قوات الأمن اقتحمت منزل هاشم، واستولت على أجهزة الكمبيوتر وماكينة التصوير الموجودة بالمنزل دون إيضاح أسباب القبض عليه.

وعند ظهوره تم عرضه على النيابة دون علم من محاميه، أو ذويه، وقد وجهت إليه تهمة الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها ونشر أخبار كاذبة، وسبق وأن ألقي القبض على هاشم منذ7 سنوات وتم حبسه احتياطيًّا لمدة أربعة أشهر قبل الإفراج عنه.

وكانت "دار الخدمات النقابية" قد أشارت في بيان حول الواقعة عن سوء الحالة الصحيَّة لهاشم، فهو مريض بالقلب والضغط المرتفع، وكان يستعد لإجراء عملية جراحيًّة في عينه.

ظل العامل يخضع للحبس الاحتياطي الذي يصل في القانون إلى السنتين، حتى تم إخلاء سبيله في 2 أكتوبر، إذ قررت نيابة أمن الدولة العليا إخلاء سبيل محمد هاشم بضمان محل إقامته على ذمة القضية 184 لسنة2023 حصر أمن دولة.

 

 

الاحتجاجات العمالية

خلال السطور التالية نقوم برصد أهم الاحتجاجات، والانتهاكات التي تعرض لها العمال خلال العام، كجزء من الانقضاض على الحقوق العمالية بما فيها الحريات، فضلًا عن سمات عامة تخص تلك الاحتجاجات:

يستمر التزاوج السياسي الاقتصادي في إحكام قبضته على عمال 2023، ولو تغيرت الوجوه والتشكيلات، خصوصًا في القطاع الخاص، إذ يزداد الأمر سوءً بالنسبة للعمال، بدءً من مشكلات الحد الأدنى للأجر التي لم يتم حسمها بالنسبة لهم، وحتى معدل الزيادات المالية، مرورًا بموقفهم من برامج الحماية الاجتماعية، التي أصبحوا خارجها كما سبق وأن فصلنا.

وفي حين يشير البيان المالي إلى أن أعداد المستفيدين من الدعم التمويني انخفض بمقدار 900 ألف فرد، تدعم الدولة في ميزانيتها الجديدة رجال الأعمال بما يوازي 28 مليار جنيه.

مشهد اقتصادي شديد التعقيد، ينعكس أثره مباشرة على الأيدي العاملة، ومشكلة الأجور الثابتة، يستدعي معه الحديث عن الاحتجاجات والإضرابات العمالية، التي يعاملها القانون بشيء من الالتباس، رغم التسليم بكونها عاملًا أساسيًّا في حفظ حقوق العامل من محاولات التعدي عليها من أصحاب العمل، وكونها طريقة لخلق التوازن المطلوب بينهما، والذي من شأنه حفظ السلم المجتمعي.

أما الموقف القانوني المفترض دعمه لحق الإضراب، فهو لا يعكس الوضع الحقيقي عند التطبيق، حيث تشوبه التعقيدات، إذ يجب إخطار كل من صاحب العمل والجهة الإداريَّة المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، وذلك بكتاب مُسجل بعلم الوصول.

وفي جميع الأحوال يتعين أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب، والمدة الزمنية المحددة له، وذلك وفقًا للمادة 192 من القانون.

ويحظر على العمال الإضراب أو إعلانه بواسطة منظماتهم النقابية بقصد تعديل اتفاقية العمل الجماعيَّة أثناء مدة سريانها، وكذلك خلال جميع مراحل وإجراءات الوساطة والتحكيم، وذلك وفقًا للمادة 193 من القانون.

كما يحظر الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية، وهي التي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين.

وكما نرى فإن الترتيب للإضراب بالشكل الحالي والإخطار قبلها بفترة، وحتى تحديد موعد للانتهاء أمرٌ مستحيلٌ عمليًّا، ويناقض كل مبادئ المفاوضة، والتصعيد النقابي، ما يضع العمال في خطر مخالفة القانون بشكل دائم، والفصل دون الحصول على مستحقات.

من جانب آخر فرضت الأزمة أيضًا طابعها الخاص على مستوى الاحتجاجات العمالية خلال العام 2023، حيث تراجعت أعدادها، وكذلك العائد منها، نتيجة ضغوط موضوعية، تتعلق بأصحاب العمل، خصوصًا المحليين، الذين تنعكس الأزمة الاقتصادية على أعمالهم خصوصًا أزمة الدولار كعملة أساسية في استيراد المواد الخام، فكانت فكرة التصفية، وتقليص العمالة مهددة لتلك الاحتجاجات، فضلًا عن تفشي استخدام القمع، كسمة عامة للسنوات العشر الأخيرة.

وحتى في حالة اندلاع الاحتجاج، أو الإضراب فعليًّا، كانت المفاوضة على المطالب أيضًا ذات طابع ضعيف، وأغلبها لا يحقق إلا القليل، خصوصًا في ظل غياب دعم نقابي من قبل اتحاد العمال، الذي يمثل الحكومة لا العمال، كما أن الأغلبية العظمى بشركات القطاع الخاص، ليس بها تنظيمات نقابية، فضلًا عن العوامل المرتبطة بالأزمة كما أسلفنا الذكر.

كما أن الذهاب إلى المحاكم للشكوى، إجراء مقيد بطول أمد التقاضي الذي يصل إلى سنوات، والتي تعد إحدى أهم العقبات التي تنال من حقوق العمال، وحريتهم، حيث يصبحون مهددين بالجوع والفقر، حتى وإن ثبت فصلهم تعسفيًّا، والمبدأ يقضي بـ "صاحب العمل لا يُرغم على عامل".

ونتيجة لذلك ما زلنا نطالب بإنشاء محاكم عمالية مختصة مهتمة بتسريع الإجراءات، واستثناء القضايا العمالية من بيروقراطية المحاكم، مع وجود صندوق يكفل للعامل المساعدة الماديَّة لحين الالتحاق بعمل جديد، وإلَّا أصبح اللجوء إلى المحاكم عقابًا له على التزامه بنصوص القانون.

أما مخاوف العمال المشروعة فيدعمها اقتصاد ضاغط، ونسب بطالة عالية، إذ ارتفع معدل البطالة في مصر خلال الربع الثالث من عام 2023، ليبلغ 7.1 بالمائة من إجمالي قوة العمل، وبارتفاع 0.1 بالمائة عن الربع السابق، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، كما ترتفع النسبة بين الإناث على الذكور، فضلًا عن انضواء الكثير منهن تحت مهن غير رسمية، وتعريض حياتهن للخطر، نتيجة غياب أي حماية اجتماعية.

 

احتجاجات 2023 نرصدها في التالي لبيان نتائجها التي تعد ضعيفة نسبيًّا للأسباب التي أوردناها، كذلك الانتهاكات التي تشوبها عادة:

 

  • أزمة عمال "النساجون الشرقيون".. "مش عارفين نعيش"

في 4 فبراير استمرت أزمة العاملين بمصنع موكيت ماك التابع لمجموعة "النساجون الشرقيون" لصناعة الموكيت والسجاد حيث انتهت الإجازة الإجبارية غير مدفوعة الأجر التي أقرتها الإدارة لمدة أسبوع.

وعادة تلجأ الشركات إلى إجراء إيقاف العمل، وإجبار العمال على الإجازة غير المدفوعة، كأداة لإسكاتهم عن مطالبهم، وذلك رغم عدم مشروعية هذا الإجراء.

من قبل كان عمال الشركة قد دخلوا في إضراب عن العمل احتجاجًا على تدني الزيادة التي أقرتها الإدارة للرواتب، والتي بلغت 500 جنيه، ليس هذا فقط، بل تم ربطها بالوصول إلى هدف معين من الإنتاج، وبالتالي لا يستطيع العمال الحصول عليها بشكل منتظم، أو حتى لا يحصلوا عليها على الإطلاق.

حينها طالب العمال بزيادة 1500 جنيه منفصلة عن حافز الإنتاج، بعد أن أعلنها العمال خلال إضرابهم "مش عارفين نعيش، والشركة بتكسب ملايين".

رفضت الإدارة مطالب العمال، وأصدرت قرارها بإغلاق المصانع كلها، بالإضافة إلى مصنع "موكيت ماك" صاحب الإضراب، وإجبار العمال على إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة أسبوع، تخصم من رصيد إجازات العمال، قبل أن تعود الإدارة إلى تعليق العمل بالشركة إلى أجل غير مسمى.

لاحقًا قررت الإدارة العليا للشركة عودة العمل بدءً من 6/2/2023 واعتبار الإجازة الإجبارية مدفوعة الأجر، كما تحدد عقد لقاء يجمع بين ممثلي العمال وإدارة الشركة بمقر الشركة للتفاوض حول مطالب العمال.

بعد أن توجه العمال إلى مكتب العمل بالعاشر من رمضان وقاموا بتحرير شكاوى ضد إدارة الشركة والمطالبة بتدخل وزارة القوى العاملة لحل مشكلاتهم.

بالتزامن توجه مجموعة أخرى من العمال إلى مقر وزارة القوى العاملة حيث قاموا بمقابلة مسؤولي الوزارة، وعرضوا عليهم مطالبهم.

ثم جاء المنشوران الرابع والخامس ليحل المسألة بشكل جزئي، ويستمر تعنت الإدارة، ومع ذلك قَبِل العمال بالقرارات الأخيرة، والتي منها ما جاء في منشورها الخامس، وفي مادته الأولى بمنح العاملين في كامل مصانع المجموعة إجازة مدفوعة الأجر تحتسب من رصيد الإجازات السنوية.

وكانت المفاوضات بين الإدارة والعاملين خلال الأيام الماضية قد أسفرت عن قبول العمال الزيادة التي أقرتها الإدارة وهي مبلغ 500 جنيه من أصل 1500 جنيه بقدر المطالبة.

ولكن وبعد شهور قليلة من تلك الأزمة عمدت الإدارة إلى نقل أربعة عمال من قياديي الإضراب إلى محافظات بعيدة، والعمال هم: ناجي محمد الميرغني، ياسر متولي بغدادي، محمد لطفي عبد السلام، وائل صلاح الدين، وجميعهم يسكن القاهرة، بينما تم نقلهم تعسفيًّا إلى محافظتي الأقصر، وقنا.

أي على بعد أكثر من 600 كيلو، وأكثر من عشر ساعات، في بيئة مختلفة تمامًا، وبعيدًا عن أسرهم، ما بدا كعقاب على قيادة الإضراب، وعليه لجأ العمال الأربعة إلى المحاكم العمالية، على أمل الحصول على حقوقهم.

 

  • عمال كريازي بين شقي الرحى

تشير أحداث عمال كريازي التي بدأت في فبراير 2023 إلى عمق الأزمة التي تعيشها الأيدي العاملة في مصر لسنوات طويلة.

فالعمال بين شقي الرحى، بشكل دائم، فمطالبتهم بالحقوق الأساسية أمرٌ يستدعي انقضاض أرباب العمل عليهم من ناحية، واستدعاء القانون المجحف بحقهم على الجانب الآخر، مستخدمين العنف، أو حتى تقييد الحرية، كل شيء، وأي شيء، إلا إرجاع الحقوق لأصحابها.

بدأت فصول الأزمة بإعلان العمال إضرابًا عامًا في أوائل العام تحديدًا في فبراير، في حين سارعت الإدارة لتقديم بلاغات بحق عدد من العمال، متهمة إياهم بالإضراب، والتحريض عليه وتعطيل العمل، ما أدى إلى حبس18 عاملًا.

لاحقًا لجأ العمال إلى فك الإضراب، للإفراج عن زملائهم، فضلًا عن الاتفاق مع الشركة على إقرار بزيادة الأجور بقيمة 1000 جنيه يصرف منها 500 جنيه حالًا، تضاف إلى الأجر الشهري، و500 أخرى يبدأ صرفها من مرتب يوليو من العام نفسه.

وكان عمال الشركة قد دخلوا في إضراب عن العمل في 8 فبراير 2023، بعد اكتشافهم أن الإدارة قد أخطرت القوى العاملة بأنها قامت بزيادة الأجور بقيمة 300 جنيه، خلال شهر نوفمبر 2022، وهو ما لم يحدث.

في الوقت نفسه طالب العمال بزيادة الأجور بقيمة ألف جنيه بما يواكب غلاء الأسعار المستمر؛ خاصة أن متوسط الأجور في المجموعة 2700 جنيه تقريبًا، بينما لا تتخطى أجور العاملين الذين أمضوا أكثر من عشرين عامًا بالعمل 4000 جنيه، أي مستوى أجور يقل عن حد الفقر، ولكن هل يصمد هذا الاتفاق؟ أو يتم تنفيذه؟

جاء شهر يونيو مقدمًا لنا الإجابة، حيث عاود عمال شركة تصنيع الأجهزة المنزلية "كريازي" إضرابهم عن العمـل في7 يونيو، احتجاجًا على عدم وفاء الإدارة بوعودها في صرف أرباح متساوية لكل العاملين، حيث قامت الإدارة في 5 يونيو بصرف نصف شهر أرباحًا لعمال الإنتاج، بينما صرفت لموظفي الإدارة شهرين وشهرين ونصف الشهر.

كان العمال خلال إضرابهم في فبراير قد طالبوا الإدارة بالمساواة في صرف الأرباح بين عمال الإنتاج، وموظفي الإدارة، وكانت الإدارة قد وعدت العمال بتنفيذ مطالبهم، وبالأخص المساواة في صرف الأرباح.

حينها فوجئ العمال عند صرف الأرباح باستمرار التمييز بين العمال وموظفي الإدارة، مما دفعهم إلى معاودة الإضراب مرة أخرى.

كما أن الإدارة لم تفِ بوعودها للعمال، ولم تعمل على زيادة الأجور بقيمة ألف جنيه، وإعادة التعاقد مع مستشفيات التأمين الصحي لعلاج العمال وأسرهم والذي قامت الإدارة بإلغائه منذ ما يقارب العامين، وتعديل طريقة احتساب العمل الإضافي.

من ناحية أخرى أصدر العمال بيانًا جددوا خلاله تمسكهم بالمطالب وهي:

  • المساواة بين العاملين في أرباح لا تقل عن شهر.
  • تعديل زيادة شهر يوليو لتكون 1000 جنيه بدلًا من 500 جنيه.
  • صرف مكافأة نهاية خدمة في حال بلوغ سن المعاش أو الوفاة بالخدمة، بحسب سنوات الخدمة، بحد أدنى خمس سنوات خدمة.
  • تحديد نسبة من زيادة أسعار المنتج لصالح العاملين لتعديل الأجور تلقائيًّا، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الجميع.
  • تعديل احتساب العمل الإضافي وبدل الورديات.
  • عودة صرف منح الزواج والولادة المتوقفة.
  • تحديد موعد ثابت لصرف منح المناسبات.

على أن تصدر الإدارة منشورًا بالموافقة على المطالب السابقة يقوم بالتوقيع عليه كل من:

  • رئيس مجلس إدارة الشركة.
  • ممثل النقابة.
  • مندوب من مكتب العمل.

وفي 18/6/2023 حدث تطور وتصعيد من جانب إدارة الشركة تجاه مطالب العمال، إذ قامت إدارة الشركة بإرسال خطابات فصل لعدد من العمال على خلفية مطالبتهم بتنفيذ الإدارة لوعودها بصرف باقي مستحقاتهم المالية التي وعدتهم بها في فبراير الماضي، متذرعة بمواد القانون التي تضع شروطًا تعجيزية على حق الإضراب، ومحولة إياهم للمحكمة العماليَّة.

وصل عدد المفصولين حينها إلى 60 عاملًا، وتهديد 800 آخرين بالفصل في حالة استمرار الإضراب، آنذاك اضطر العاملون إلى فك الإضراب، خوفًا من إنزال العقاب بهم، كحال زملائهم.

 

  • إسكندرية لتداول الحاويات والمليارات التي لا تعرف طريقًا للعمال

 في قصة شركة إسكندرية لتداول الحاويات العقاب بالجزاء مصير المطالبة بالحقوق، والوعود التي لا تنفذ من قبل المسؤولين، رغم المليارات التي تحصدها الشركة.

نبدأ من النهاية حين عاقب المسؤولون بالشركة العامل، وعضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور "يسري معروف"، بخصم 5 أيام من أجره، مع ما يترتب على ذلك أيضًا بحرمانه من العلاوة، بحجة الإساءة للشركة، ومخالفة التعليمات.

الإساءة إلى الشركة تمثلت في تساؤل طرحه العامل على جروب خاص بالعاملين على موقع "الفيسبوك" يتعلق بخصم علاوة الألف جنيه - الخاصة بالحد الأدنى للأجور - التي أقرها رئيس الجمهورية بعد صرفها، وعدم صرف علاوة الغلاء، ومبلغ 300 جنيه سبق وأقرها الرئيس أيضًا.

 فضلًا عن عدم انعقاد الجمعية العمومية للشركة، وبالتالي حرمان العاملين من أرباحهم السنوية المترتبة على انعقادها، واستبدالها بسلفة تصل إلى 40% من قيمة الأرباح، كذلك وضع حد أقصى لحصول العمال على نسبتهم من الأرباح حتى في حال ارتفاعها.

أما البداية فكانت في صباح 25 فبراير، حين نظم عمال شركة "إسكندرية لتداول الحاويات" وقفة احتجاجية اعتراضًا على مماطلة الإدارة في صرف باقي حصة العاملين من أرباح الشركة السنوية عن العام المالي 2021/2022.

وكانت الإدارة قد حددت الأرباح السنوية للعاملين عن الفترة المذكورة بـ 13% صرفت منها 10% وتبقى للعاملين 3% لم يتم صرفها، رغم وعود الإدارة المتكررة بصرفها في منتصف شهر يناير الماضي.

وتجمع 500 عامل، هم عمال الوردية الثالثة مع عمال الوردية الأولى، في الثامنة صباحًا انتظارًا لوصول "ياسر هيكل" العضو المنتدب التنفيذي، وطالبوه بصرف باقي حصة الأرباح المؤجلة للعاملين فورًا لمواجهة أعباء الحياة، وارتفاع الأسعار المتتالي، ووعدهم بالانتهاء من صرف باقي حصة الأرباح قبل نصف شعبان بالإضافة إلى إعانة غلاء بقيمة 4000 جنيه لكل عامل.

حينها قرر العاملون إنهاء وقفتهم الاحتجاجية انتظارًا لتنفيذ عضو مجلس الإدارة المنتدب لوعوده.

ولكن لا يزال للعمال مطالب لم تتحقق، منها التي عوقب عليها "يسري معروف"، وأخرى تتمثل في التالي:

  • تحرير عقود سنوية للعمال الجدد وعدم وجود ملامح تثبيت للعمال أو تصور لمستقبلهم وأمانهم.
  • وقف الدراسة التي تم عملها لزيادة الأجور فترة وجود اللواء ياسر هيكل واختفت بعد ذهابه.
  • معاناة وظلم العاملين بالورديات بعد حصولهم على الدرجة الأولى، إذ يتم إجبارهم على العمل صباحًا لتخفيض حوافزهم بدلًا من تكريمهم بزيادة الحافز مع زيادة الدرجة.

الجدير بالذكر؛ أن القوائم المالية لشركة "الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع"، كشفت عن ارتفاع أرباحها بنسبة 182% خلال أول 8 أشهر من العام المالي الجاري.

وسجلت الشركة، بحسب بيان مرسل للبورصة، صافي ربح بلغ 2.78 مليار جنيه منذ بداية يوليو حتى نهاية فبراير 2023، مقابل 987.12 مليون جنيه في الفترة نفسها من العام المالي الماضي.

وارتفعت إيرادات الشركة إلى 2.91 مليار جنيه بنهاية فبراير 2023، مقابل 1.55 مليار في الفترة نفسها من العام المالي الماضي.

 

  • إفكو السويس.. تعود من جديد

في مارس 2023 نظم عمال "إفكو مصر" لإنتاج الزيوت بالسويس اعتصامًا بمقر الشركة، للمطالبة بزيادة الأجور لمواجهة غلاء المعيشة.

وتبلغ قيمة استثمارات إفكو في جمهورية مصر العربية 1.6 مليار جنيه مصري، ومع ذلك فمستوى الرواتب يتراوح بين 3000 و5000 جنيه، بينما تبلغ رواتب المديرين عشرات الآلاف.

الأزمة ليست الأولى للعمال، فسبق وأن نظموا إضرابات في أعوام سابقة بالمطالب نفسها، وكان التدخل الأمني يقمعهم ويمنع تحقيقها، وتم توجيه اتهامات بالإرهاب للبعض منهم.

وفي سبتمبر عقدت الشركة مفاوضة جماعية مع العمال تضمنت بنودًا يلتزم بها كل الأطراف لتحسين شروط العمل، والحفاظ على الحُقوق المُكتسبة للعاملين بالشركة.

 

  • عمال "غزل المحلة" يمتنعون عن منحة رمضان

في مصنع عمال غزل المحلة امتنع 8 آلاف عامل بشركة مصر بالمحلة الكبري عن صرف منحة رمضان احتجاجًا على احتساب المنحة على أساسي أجر 2019 مطالبين أن تكون على أساسي 2022.

كانت إدارة الشركة قد قررت أن يتم صرف منحة رمضان لعام 2023 والمقدرة بشهر ونصف الشهر من شامل الأجر على أساسي أجر عام 2019.

كما طالب العاملون بصرف زيادة في الأجر بقيمة ألف جنيه، والتي قررها رئيس الجمهورية للعاملين بالجهات الحكومية غير أن إدارة الشركة أخبرت العمال أن القرار لا ينطبق على العاملين بالقطاع العام، أو قطاع الأعمال العام.

ما أثار غضب العمال ودفعهم إلى الامتناع عن صرف المنحة مطالبين بضرورة صرف المنحة على أجر2022 بالإضافة إلى ألف جنيه تنفيذًا لقرار رئيس الجمهورية.

مؤكدين أن إدارة الشركة تتلاعب بهم عبر إعلان قرار إداري بتنفيذ منحة أو زيادة، وعند التطبيق يتم التملص منها، أو عدم تطبيقها على كل المعنيين بها بالتساوي، ومشيرين إلى أن هذا أمر متكرر في الشركات الحكومية، أو قطاع الأعمال، نتيجة غياب القوانين المنظمة للأمر، والاعتماد على الأهواء، ودهاليز البيروقراطية الحكومية.

 

  • الكول سنتر في "العربي الإفريقي " وأزمة التوظيف من الباطن

في أبريل 2023 نشبت أزمة بين موظفي البنك العربي الإفريقي وإدارة البنك بعد دخول موظفي الـ "كول سنتر" المسؤول عن التواصل بين البنك وعملائه في إضراب عن العمل بسبب أزمة في زيادة الرواتب، وتجاهل البنك مطالب نحو 100 موظف لتوفيق أوضاعهم، وزيادة الرواتب بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الراهنة، رغم الوعود المتكررة من إدارة البنك بتسوية الأزمة.

الموظفون البالغ عددهم نحو 100 موظف تقريبًا وجدوا أنفسهم في أزمة حقيقية في التعامل سواء مع شركة راية المنتمين إليها، أو إدارة البنك "العربي الإفريقي" الذين يعملون وفق سياساتها.

موظفو الكول سنتر أو خدمة العملاء، هم في الأساس تابعون لشركة "راية"، وهي شركة تعمل مع البنوك من الخارج لإدارة الكول سنتر الخاص بها، بموجب عقد مع البنك، والموظفون يعملون بالشركة لكن سياسة العمل تكون وفقًا للبنك الذي يعملون فيه ويكون المسؤول عنهم موظف بالبنك.

وكان الموظفون قد تلقوا وعودًا بتوفيق أوضاعهم، وتعيينهم بالبنك، لكن هذا لم يحدث إلا في أضيق الحدود مما تسبب في أزمة كبيرة اندلعت بعد تكرار الوعود للمرة الثالثة.

كما أن إدارة البنك هددتهم بالفصل في حالة استمرار الاعتراض، رافضة أي زيادات في الرواتب أو تخفيف في عدد ساعات العمل، والتي زادت خصوصًا خلال شهر رمضان، بسبب قلة عدد الموظفين وظروف العمل، وقالوا لهم: أنتم فاكرين نفسكم Staff Bank أنتم شركة خارجية.. لا حقوق لكم، واللي مش عاجبه مع السلامة.

وتكشف حالة "العربي الإفريقي" أزمة التعيين غير المباشر، حيث تعمل بعض الشركات كوسيط في تعيين الموظفين، (شركات المقاولات أو وكالات الاستخدام) بأجور أقل وحماية اجتماعية معدومة، بينما يعمل الموظفون والعمال البسطاء في أسوأ ظروف عمل ممكنة، حيث لا عقد دائم يُمكنهم من الشكوى أو الحصول على حقوقهم.

وقد رصدنا على سبيل المثال أجور بعض موظفي شركات الاتصالات التي تتراوح بين 2000 و3000 جنيه، فيما تصل أجور عمال النظافة عبر الشركات الوسيطة إلى 300 جنيه فقط لا غير.

 

  • "جرين لاند" التزاوج المالي - السياسي وتأثيره على العمال

تزاوج المال بالسياسة وضعٌ يعيشُ تحت ضغطه العمال منذ سنوات، لا يُجدي فيه تدخل الدولة المنحازة إلى رجالها المنخرطين في العمل السياسي، ومصنع "جرين لاند" للمنتجات الغذائية، وصاحبه محمد حلاوة رجل الأعمال وعضو مجلس الشيوخ نموذجًا.

بدأت أزمة عمال مصنع "جرين لاند" في أبريل 2023، حين طالب عدد من العاملين بشركة جرين لاند بمجموعة مصانع "لاكتاليس حلاوة"، الدولة بالتدخل، عقب انتشار خبر فصل عددٍ من زملائهم عن العمل بدعوى تحريضهم على الإضراب والتوقف عن العمل.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمجموعة من العمال بشركة "جرين لاند" وهم يطالبون المسؤولين بالتدخل لحل مشكلتهم، مستنكرين قيام المسؤولين بالشركة بتحرير محاضر ضد العمال المطالبين بحقهم فى زيادة أجورهم، قائلين: "بنطالب أي جهة حكومية تيجي تحمينا من الراجل ده".

وتداول العاملون بالشركة قرارًا بفصل 49 من زملائهم جاء فى مضمونه أن قرار الفصل جاء فيه: "إنه نظرًا لقيامهم يوم 3 أبريل الجاري بالتوقف عن العمل، وتحريض باقي عمال الشركة بالتوقف عن العمل، مما نتج عنه خسائر كبيرة وتلف كميات كبيرة من الخامات وأخطاء جسيمة تستوجب الفصل".

حينها تدخلت الدولة وفتحت المفاوضة بين العمال والإدارة، إذ تم صرف رواتب شهر مارس المتأخرة، ولكن لم تتم الاستجابة لباقي المطالب، والتي تشمل عودة العديد من المزايا التي فقدوها أو تآكلت خلال السنوات الماضية منذ استحواذ «لاكتاليس حلاوة» على شركة جرين لاند في 2019، وتشمل الزيادات السنوية التي توقفت قبل أربع سنوات، بالإضافة إلى اشتراكات التأمين الصحي، ومكافآت رمضان التي تم تعليقها قبل عامين.

عاد العمال في مايو للإعلان عن الإضراب بعد معرفتهم بإضراب مماثل في مصنع «بيست تشيز» بمحافظة القليوبية، التابع أيضًا لمجموعة «حلاوة».

وفي المقابل قامت إدارة الشركة بتقديم شكوى إلى النيابة العامة ضد 82 من العمال، متهمة إياهم بالتحريض على الإضراب والتسبب في خسائر كبيرة من خلال التوقف عن العمل، وبعد أن عدلت عن قرارات الفصل التي سبق وأن أعلنتها، عادت إلى التحقيق مع 15 عاملًا على مدار ثلاثة أيام.

بعدها قامت الادارة بإيقاف 13 عاملًا عن العمل عندما حاولوا تسجيل خروجهم من المصنع في جهاز البصمة الذي لم يتعرف عليهم.

وحتى الآن يتم التعامل مع العاملين بالشركة عبر الترهيب، كما يتم تجاهل مطالبهم، أو تهديدهم بالفصل.

 

  • رئيس هيئة تعليم الكبار يهدد أعضاء اللجنة النقابية بالأمن الوطني

بعد حضور الأمن، ولغة العنف في التعامل مع النقابيين ومطالبهم، في أغلب المناسبات، تتكرر الواقعة في هيئة تعليم الكبار، حيث قام رئيس الجهاز التنفيذي بالهيئة العامة لتعليم الكبار بتوجيه تهديدات إلى أعضاء مجلس إدارة اللجنة النقابية للعاملين بالهيئة بإبلاغ الأمن الوطني عنهم، وتلفيق الاتهامات لهم والمطالبة بحبسهم.

الاجتماع الذي جمع محمد يحيى ناصف رئيس الجهاز التنفيذي بالهيئة العامة لتعليم الكبار بأعضاء مجلس النقابة في 14 أغسطس 2023، لم يكن الحلقة الأولى في حكايتنا.

الاجتماع الذي سبقه مجموعة من الاحتجاجات، والمطالبات من قبل العاملين، يعد متابعة لمجموعة من المطالب، التي كانت قد تقدمت بها النقابة إلى إدارة الهيئة في فبراير 2023، حيث تم الاتفاق على إرجاء مناقشتها إلى شهر يونيو، وهو ما لم يحدث من جانب إدارة الهيئة.

وفور بدء الاجتماع وسؤال أعضاء النقابة عن مصير مطالبهم التي تمثلت في زيادة مكافأة الامتحانات، وزيادة بدلات المتابعة الميدانية والمسائية، أسوة بالعاملين بوزارة التربية والتعليم، حتى انفجر رئيس الهيئة، وراح يكيل التهديدات بالإبلاغ عنهم لجهاز الأمن الوطني لإلقاء القبض عليهم واقتيادهم إلى السجن، في حالة تكرار مطالبهم مرة أخرى.

تهديد رئيس الهيئة أمرٌ رفضه أعضاء مجلس النقابة معلنين أن النقابة سوف تستمر في المطالبة بحقوق العاملين، وأن الأمن الوطني لا يعمل بتوجيهات من رئيس الهيئة، وأنهم ليسوا مجرمين أو إرهابيين حتى يتم تهديدهم بالأمن الوطني، وأن النقابة كانت وستظل حريصة على الهيئة وأموالها إلى جانب حقوق العاملين، وأبلغ دليل على ذلك ما تقدمت به النقابة من بلاغات سابقة عن قضايا الفساد ونهب أموال الهيئة، والذي يؤكد هذا الحرص ويمثل نهج النقابة منذ إنشائها وحتى الآن.

وأكد أعضاء النقابة تمسكهم بمطالبهم المشروعة ورفضهم التام بما قام به رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة من تهديدات، وأكدوا أن نقابة العاملين بهيئة تعليم الكبار ستظل على نهجها الذي انتهجته منذ نشأتها في الدفاع عن مصالح العاملين بالهيئة، وكذلك محاربة كل أشكال الفساد.

وعلى الفور؛ أعلنت 14 نقابة تضامنها الكامل مع نقابة "العاملين بالهيئة العامة لتعليم الكبار"، في مواجهة تعسف رئيس الجهاز التنفيذي بالهيئة، وتهديده بتقديم بلاغات في الأمن الوطني ضد أعضاء مجلس إدارة النقابة، وتلفيق الاتهامات لهم والمطالبة بحبسهم، لمطالبتهم بزيادة البدلات لمواجهة ارتفاع الأسعار.

كان المئات من المدرسين المتعاقدين مع هيئة تعليم الكبار –من كل محافظات الجمهورية - قد حصلوا على أحكام نهائية من القضاء الإداري يقضي بتثبيتهم، وتعديل الشكل التعاقدي من "متعاقدين" إلى "مثبتين"، وتعديل عقود عملهم لتصبح عقودًا دائمة.

ومنذ عام 2020 وحتى الآن لم تقم إدارة الهيئة بتنفيذ الأحكام القضائية، رغم موافقة كل من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ووزارة المالية على تعديل بنود التعيين، مما دفع المدرسات إلى تنظيم وقفة احتجاجية لمطالبة إدارة الهيئة باحترام أحكام القضاء وتثبيت المتعاقدين، خاصة أن منهم من استمر متعاقدًا ما يزيد على الخمسة عشر عاما متصلة بالمخالفة للقانون.

من المهم بمكان التذكير بأن "هيئة تعليم الكبار" لا يتجاوز أعداد معلميها 8 آلاف معلم، يقع عليهم عبء تعليم 18 مليون مصري، غير متعلمين، ويعاني أغلبهم الفقر، والبطالة، والاضطرار إلى الانضواء في ركب العمالة غير المنتظمة.

 

  • عمال شركة "رؤية" للمقاولات

في قضية شركة "رؤية" للمقاولات التابعة لشركة "بايونير" يتلاقى النفوذ السياسي مع النفوذ الاقتصادي، مرة أخرى، في الطريق إلى هضم حقوق العمال.

تعود ملكية الشركة إلى رجل الأعمال "وليد زكي" العضو البارز في الحزب الحاكم "مستقبل وطن" ورئيس نادي "فيوتشر" الرياضي.

في أغسطس 2023 تقدم 17 عاملًا بشكاوى لرئاسة مجلس الوزراء يتضررون فيها من قرارات إدارة الشركة بوقف صرف الزيادة السنوية المُقررة للعمال، وكذلك وقف صرف الأرباح السنوية لأكثر من أربع سنوات متتالية، فضلًا عن سحب كارنيهات التأمين الطبي من العمال، وامتناع الشركة عن صرف مكافأة غلاء المعيشة منذ عام 2018.

من جانبها اكتفت رئاسة مجلس الوزراء بتحويل شكاوى العمال إلى وزارة القوى العاملة، والتي قامت بتحويل الشكاوى إلى مكتب عمل مصر الجديدة التابع له مركز إدارة الشركة للتحقيق فيما جاء بشكاوى العمال.

والجدير بالذكر أن الشركة تضم نحو 350 عاملًا وموظفًا يتوزعون على ثلاثة مواقع رئيسية هي: (الساحل الشمالي، والقطامية، والعين السخنة)، وقد بدأت معاناة العمال والاعتداء على حقوقهم منذ دخول الشركة تحت مظلة مجموعة "بايونير" التي تنشط في مجال الأوراق المالية والتسويق، وذلك على الرغم من ظروف العمل الشاقة التي يعمل بها العمال لكنهم محرومون من إنشاء نقابة تعبر عن مصالحهم.

أما رد فعل الشركة فكان امتناعها عن صرف رواتب شهر أغسطس، عقابًا للعمال المشتكين.

وهنا يطرأ سؤال مهم طرحه أحد العمال لموقع "درب" الإخباري، تساءل فيها من أين ينفق العمال الذين يعانون مر المعاناة في مواقع بعيدة عن منازلهم لا تصلح للسكن الآدمي، حيث المياه غير صالحة للشرب، والشركة تكتفي بتوفير كرتونتين من المياه المعدنية على مدار الشهر للعمال كافة.

جدير بالذكر أن شركة رؤية للمقاولات والتطوير العقاري تُعد من الشركات الموجودة بالسوق منذ عام 2007، ويصل رأسمالها إلى أكثر من 2 مليار جنيه، ومع ذلك لا يتجاوز مستوى الرواتب لديها خط الفقر القومي.

 

  • عمال الصلب أمام القابضة للمطالبة بحقهم في صندوق الزمالة

لم يكتف المسؤولون بما جرى على عمال الحديد والصلب من تصفية، فامتنعوا عن صرف الحقوق المالية للعمال المحالين للمعاش قبل تصفية الشركة.

بادر العمال بالتجمع في 22 أغسطس 2023 أمام الشركة القابضة للصناعات المعدنية، حيث كان العمال قد نظموا وقفة مماثلة في 5 يوليو أمام الشركة القابضة للمطالبة بحقوقهم المالية في صندوق الزمالة دون تقديم الشركة أية حلول ممكنة للأزمة.

وبعد تجمع العمال طلبت إدارة القابضة من العمال تفويض شخصين فقط للحديث مع الإدارة حول مطالبهم، وهو ما حدث بالفعل قبل أن يعود المفوضون إلى العمال سريعًا ليخبروهم أن الشركة القابضة قالت إنها ليست طرفًا في الموضوع، وأن عليهم التوجه إلى وزارة قطاع الأعمال العام، ومناقشة الأمر مع الوزير، أو أي مسؤول آخر بالوزارة.

ورغم ذلك بادرت إدارة الشركة القابضة باستدعاء الشرطة التي طالبت العمال بالانصراف من أمام الشركة والذهاب إلى وزارة قطاع الأعمال لبحث شكواهم.

وكان المئات من العمال الذين أحيلوا للتقاعد منذ 1 مايو 2018، وحتى تصفية الشركة في 2021، ولم يحصلوا على حقوقهم المالية في صندوق الزمالة منذ خروجهم للمعاش، طالبوا مرارًا وتكرارًا بضرورة الحصول على حقهم وفقًا للائحة الخاصة بالصندوق والتي تقضي بصرف 140 شهرًا كحد أقصى عند بلوغ عضو الصندوق سن التقاعد وهو ما حدث مع كل الزملاء الذين خرجوا إلى المعاش حتى 1 مايو 2014.

لكن انتهج القائمون على الصندوق نهجًا جديدًا لمن بلغ سن المعاش بعد 1 مايو 2014، وحتى 1 مايو 2018، وهو منح العضو المحال للمعاش 70 شهرًا وصرف الباقي على دفعات، لحين ورود موارد مالية للصندوق، على حد تعبير مسؤولي الشركة القابضة قبل أن يتوقف الصندوق نهائيًّا عن صرف أية مبالغ للمحالين للتقاعد منذ 2018، وحتى تصفية الشركة.

كانت النقابة العامة قد قدمت للعمال عرضًا يقضي بأن يُصرف للعمال الذين كانوا بالعمل عند صدور قرار تصفية الشركة 26 ألف جنيه، وأن يُصرف للعمال الذين خرجوا للمعاش قبل التصفية 16 ألف جنيه، وهو الأمر الذي رفضه العمال واعتبروه إنهاءً لحقوقهم المالية لدى الصندوق.

من الجدير بالذكر أن الشركة القابضة للصناعات المعدنية قد قدمت وعودًا عديدة للعاملين بإنهاء الأزمة والتفاوض مع الوزارة قبل أن تعود لتُخبر العمال أنها لم تعدْ طرفًا في الموضوع وأن عليهم التوجه إلى وزارة قطاع الأعمال العام والمطالبة بمستحقاتهم من الوزارة مباشرة!!

يشار إلى أنه بعد 67 عامًا من تأسيس الشركة المصرية للحديد والصلب، التي تعد قلعة الحديد والصلب في مصر والشرق الأوسط، قررت الجمعية العامة غير العادية للشركة، تصفيتها بعد الموافقة على تقسيمها إلى شركتين، شركة الحديد والصلب التي تمت تصفيتها، وشركة المناجم والمحاجر التي من المفترض أن يدخل القطاع الخاص شريكًا فيها لتشغيلها خلال المرحلة المقبلة.

وبناءً عليه قرر مجلس إدارة شركة الحديد والصلب، في 30 من مايو 2021 إغلاق الشركة وتعليق العمل بها، ومنع العمال من الحضور تمهيدًا لاستلام المُصفى لها.

 

  • عمال يونيفرسال.. المأساة تتجسد

في مأساة شركة "يونيفرسال" ستجد أزواجًا اضطروا إلى طلاق زوجاتهم، نتيجة الحاجة والفقر، وآخرون لجأوا إلى الانتحار، فهانت عليهم حيواتهم بعد أن ذاقوا المهانة، ولم تتحرك أي من الجهات المسؤولة لنجدتهم، نظرًا لنفوذ عائلة صاحب الشركة السياسي.

وتعد "يونيفرسال" من الشركات العاملة في مجال الأجهزة المنزلية، التي تعتمد في الكثير من أعمالها على التصدير، وهو ما يحظى بدعم الدولة عبر العديد من الإجراءات، والتي منها تخفيض الضرائب، وبعض المنح المجانية، على أساس دعم الصناعة الوطنية، ومساعدة العمال، وخصوصًا أن أرباحهم بالدولار، ولا تتأثر بمشكلات العملة المحلية، ولكن تأتي رياح رجال الأعمال بما لا تشتهي السفن.

فالدولة التي تحمي رجال الأعمال، لا تعمل على مراقبة علاقات العمل بالشكل المطلوب، وفي حالة "يونيفرسال" يتأخر أصحاب العمل حتى في صرف الرواتب نفسها، والتي لا توازي الحد الأدنى للأجور المُعلن، وتعمل على فصل العمال مع أول محاولة للمطالبة بحقوقهم.

في أعقاب قيام شركة يونيفرسال بفصل مئات العمال خلال العام الماضي، والذين لم يحصلوا على حقوقهم المالية حتى كتابة هذا التقرير، عادت الشركة لتمتنع عن صرف رواتب العمال.

حينها لجأ أكثر من 2500 عامل من عمال الشركة إلى الإضراب المفتوح عن العمل احتجاجًا على تأخر صرف راتب شهر يوليو، والذي كان من المقرر أن يتم صرفه يوم 5 أغسطس، قبلها فوجيء العاملون بأن الإدارة تقوم بصرف 500 جنيه فقط من أجر يوليو. بينما كان من المفترض أن تقوم بصرف أجر شهر أغسطس كاملًا.

وتقوم سياسة الشركة على تأخير رواتب العمال، فمثلًا وفي هذه الواقعة تراكم على العمال أجر أربعة شهور ونصف الشهر.. وهي: -

  • نصف شهر من أجر سبتمبر 2020.
  • شهران من أجور 2022.
  • شهرا يوليو وأغسطس من 2023.
  • بالإضافة إلى حوافز ثلاث سنوات متصلة منذ 2021.
  • وبدل طبيعة عمل خمس سنوات متصلة منذ 2019.

وأعلن العمال المضربون أنهم مستمرون فى الإضراب حتى يتم صرف كامل مستحقاتهم المالية المتأخرة، وكذلك طالبوا الإدارة بإعلان جدول ملزم بمواعيد صرف الحوافز وبدل طبيعة العمل، بالإضافة إلى مطالبة الإدارة بتنفيذ حكم المحكمة بعودة أعضاء مجلس إدارة اللجنة النقابية، التى قامت إدارة الشركة بفصلهم على خلفية مطالبتها بتنفيذ بنود اتفاقية العمل الجماعية التي وقعها صاحب الشركة مع ممثلى العمال بحضور وزير العمل السابق محمد سعفان، والتى كانت تقضي بإلزام صاحب العمل بجدولة الأجور المتأخرة منذ 2019 وحتى الآن، وهو ما لم يلتزم به صاحب العمل، مما أدى إلى دخول العمال فى الإضراب من جديد.

من ناحية أخرى عرضت إدارة الشركة في 4 أكتوبر على العمال المضربين صرف الأجور المتأخرة (أربعة شهور ونصف الشهر) بواقع صرف ربع شهر مع كل راتب شهري بداية من شهر أكتوبر 2023، وقد قبل العمال بهذه المساومة في ظل ظروفهم الاقتصادية الطاحنة، ولكن هل تنتهي القصة عند ذلك؟!!

 

  • أجور عمال "السكر" في الأقصر وأسوان لم تزد منذ 12 عامًا

في أغسطس 2023 دخل عشرات العمال بمصنع سكر كوم أمبو في أسوان، إضرابًا مفتوحًا عن العمل، للمطالبة بزيادة أجورهم، فيما لحق بهم بعد يوم عمال مصنع سكر أرمنت في الأقصر عبر إضرابٍ مشابهٍ للأسباب ذاتها.

ويضم المصنعان 3580 عاملًا، ويتبعان شركة السكر للصناعات التكاملية، التابعة بدورها للشركة القابضة للصناعات الغذائية، وتمتلك شركة السكر ثمانية مصانع لإنتاج سكر القصب في الوجه القبلي.

بحسب «مدى مصر»، التي تناولت الإضراب، فإن رواتب العمال والموظفين الشاملة لم ترتفع منذ 2011، واقتصرت الزيادة على العلاوة السنوية وقيمتها "نحو150 جنيهًا للعامل، وفي عمال إجمالي علاوتهم 21 جنيهًا، لأن كثيرًا منهم أساسي راتبه 300 و500 جنيه، حسب درجاتهم الوظيفية وتاريخ تعيينهم" بحسب الإداريين هناك."

وتشمل مطالب عمال المصنعين 20 بندًا، أبرزها: «رفع البدل النقدي والوجبة، والحافز، وضم العلاوات إلى أساسي الراتب، وزيادة شهور الأرباح، وتحريك سلفة غلاء المعيشة المتوقفة منذ سنوات».

كما ضمت المطالب «توقيع عقود مؤقتة للعمالة الموسمية، وتجديد مستجدات الحالة الاجتماعية للعمال، والنظر في التعاقدات الطبية وتوفير العلاج للأمراض المزمنة، وتعديل بند إصابة العمل، وفترة نهاية الخدمة حسب المدة الفعلية للعمل، وعدم خصم 45% من مكافأتها.

وفي سبتمبر تفاوضت الحكومة عبر وزارة القوى العاملة مع العمال لمحاولة الوصول إلى حل وسط، كما لا تزال بعض المطالب لم تتم الاستجابة لها.

 

 

  • الـ"بي بي سي" ومتاهة تعويم الدولار

يعد غرق الجنيه وانخفاض قيمته بشكل كبير خلال السنة الأخيرة، وبالتالي القوة الشرائية للفرد، مبررًا للكثير من الاحتجاجات العمالية، خصوصًا العاملين بالمؤسسات الأجنبية، كما في حالة "بي بي سي عربي"، التي أضرب موظفوها لأكثر من مرة خلال العام 2023.

سبق وأن طالب صحفيو "بي بي سي" بالقاهرة بإعادة النظر في أجورهم، وهو ما لم يحدث منذ العام 2020، فلجأوا إلى الإضراب ليوم واحد في شهر يونيو، ثم ليومٍ آخر في يوليو، وحتى الإضراب الأضخم الذي استمر 10 أيام في أغسطس.

وتتمثل أزمة العاملين في الأجور وخصوصًا التمييز ضد العاملين المصريين، التي تعود إلى العام 2016، تزامنًا مع خطة الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها الحكومة المصرية، والتي قادت في النهاية لتخفيض قيمة العملة بنحو 50 في المائة (كان سعر صرف الجنيه أمام الدولار قبل ذلك العام في حدود ثمانية جنيهات، وتجاوز في ذلك العام حدود الـ15 جنيهًا)، وحينها خرجت مطالبات بتعديل هيكل الأجور أو التقاضي بالعملة الأجنبية بدلاً من العملة المحلية، أسوة ببعض المكاتب النظيرة في مناطق أخرى بالمنطقة.

تفاقمت الأزمة مع الانهيارات المتتالية التي شهدتها العملة المحلية خلال الأشهر الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك بقيت ردود الإدارة في لندن تتلخص في أن الأزمة بالقاهرة لا توازي أزمات مناطق أخرى، ولم تتدخل لحلحلة الأزمة، على الرغم من تجاوز سعر صرف العملة المحلية حينها حاجز الـ 30 جنيهًا للدولار، حتى اضطر العاملون للجوء إلى الإضراب، مطالبين باعتماد مبدأ المساواة في الأجور مع العاملين في المكاتب الأخرى.

وبعد تدخل نقابة الصحفيين المصريين، بقيادة النقيب خالد البلشي وتضامنها مع مطالب الصحفيين، أعلنت نقابة الصحفيين في 19 سبتمبر حل أزمة "بي بي سي" بالاتفاق على زيادة رواتب الصحفيين والعاملين بمكتب القاهرة بنسب تراوحت بين 75 و142 في المائة للرواتب الدنيا، وإضافة بدل انتقال متساوٍ لجميع العاملين.

 

  • لينين جروب.. الحكاية هي هي:

لا تبتعد كثيرا قصة شركة "نايل لينين" عن نظيرتها "يونيفرسال"، فالمهندس سعيد أحمد مالك الشركة، والذي يملك فيها استثمارات حجمها 85 مليون دولار، أي بضعة مليارات من الجنيهات، حيث تتركز استثماراته جميعًا على التصدير للخارج، يتوانى عن دفع رواتب تبدأ من 3200 جنيه للعامل، أي أقل من الحد الأدنى للأجور.

 مع مراعاة أن كامل عدد العمال يصل إلى 1700 عامل، أما مطالبهم فتمثلت في التالي:

  • صرف الـ 10% التي حددها القانون من الأرباح السنوية.
  • إعادة صرف بدل غلاء المعيشة المتوقف منذ يناير 2022.
  • توقف الإدارة عن خصم 50% من قيمة منح المناسبات على خلفية جائحة كورونا.
  • النظر في تعديل جدول الأجور بالنسبة لكل العاملين بما يتناسب مع ارتفاع نسب التضخم التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
  • تعليق لائحة الجزاءات في مكان واضح بالمصانع.
  • وكذلك صرف اشتراكات العمال باللجنة النقابية، والتي قامت الإدارة بتحصيلها من العمال ولم تقم بتوريدها للنقابة.

أما طلباتهم فقوبلت بصلف من صاحب المصنع، والذي رفض اطلاع النقابة بالمصنع على الميزانية عن السنة الماضية، حتى لا يطلعوا على الأرباح، كما يحق لهم قانونًا، وبدأ في رفض مطالب العمال، ووصل الأمر إلى إيقافهم عن العمل.

وفي هذا الشأن بادرت إدارة شركة "نايل لينين" جروب بإيقاف خمسة عشر عاملًا عن العمل في اليوم الثاني لإضراب عمال الشركة في سبتمبر، بزعم قيامهم بتحريض العمال على الإضراب وتعطيل العمل ووقف حركة التصدير والتسبب في خسائر الشركة.

تواصل الإضراب حتى أغلقت الشركة مقرها، وطردت العمال خارجها، حتى أعاد الأمن فتح المقار، وعاد العمال للإضراب داخل مقار عملهم كما هو معمول به.

في 27سبتمبر أعلنت اللجنة النقابية للعاملين بشركة نايل لينين جروب إنهاء الإضراب؛ وذلك بعد اتفاق تم بين النقابة والمدير المالي للشركة يقضي بأن:

  1. يقوم العمال بالعمل يومي الخميس والجمعة عوضًا عن أيام الإضراب السبعة.
  2. تقوم الادارة برفع الوقف عن 15 عاملًا.
  3. إلغاء الانذارات بالفصل التي وجهتها الإدارة لـ 131 عاملًا.
  4. يقوم المدير المالي بترتيب لقاء بين صاحب الشركة وأعضاء اللجنة النقابية لمناقشة زيادة بدل غلاء المعيشة؛ وكذا النظر في زيادة الرواتب بدءً من العام المقبل.

وحتى كتابة التقرير لم يتم الوفاء بأي من مطالب العمال.

 

  • المعلمون.. "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع"

خلال عام 2022 حذر البنك الدولي من تراجع حجم الإنفاق على التعليم في مصر، وقال إن هذا التراجع سيؤدي إلى نقص أعداد المعلمين والفصول.

وتعاني المدارس الحكومية في مصر نقصًا في عدد المعلمين جراء وقف التعيينات الجديدة في الوقت الذي ترتفع فيه أعداد طلاب المدارس الابتدائية باطراد.

يوجد حاليًا أكثر من 24 مليون طالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي في البلاد، نحو 90% منهم في المدارس الحكومية، ويوجد ما يقرب من نصف أولئك الطلاب في المرحلة الابتدائية.

البنك الدولي، أيضًا سبق وأشار إلى أن نقص المعلمين، واكتظاظ الفصول الدراسية أديا إلى انخفاض جودة التعليم، وفقًا للتقرير الذي استخدم مقياسين لتقييم جودة التعليم، وهما نسبة الطلاب إلى المعلمين، ونسبة الطلاب إلى الفصول الدراسية.

وتواجه المدارس الحكومية في مصر نقصًا شديدًا في أعداد المعلمين، وقدر وزير التعليم السابق طارق شوقي ذلك النقص بما يصل إلى 250 ألف معلم.

في حضور تلك الأرقام غير المبشرة كان تعيين معلمين جدد أمرًا ملحًا، وهو ما وافقت عليه الدولة أخيرًا وبعد سنوات من تشغيلها لمدرسين بعقود مؤقتة، وبنظام الحصة، حيث يكون ثمن الحصة ما يوازي 20 جنيهًا، ولا تصل لأكثر من 1200 جنيه شهريًّا.

مؤخرًا أعلنت الوزارة عن تعيينها 30 ألف معلم، وعلى مدار أربع سنوات، بعقد مؤقت لمدة عامين فقط، وبمرتب 3 آلاف جنيه، لا يوازي الحد الأدنى للأجور، ومع ذلك أقبل المعلمون على التقديم "راضين بقليلهم" كما يقول المثل المصري.

ولكن المفاجآت الحكومية كانت بالانتظار، في البداية ظهر شرط كشف الهيئة بالكلية الحربية، حيث يمارس المتقدمون اختبارات رياضية، في كيان عسكري بالأساس، ولتخصصات غير رياضية، وهو خلط غير مسبوق للمدنيين والعسكريين، واختلافات السياقات التي يعملون بها، وكان نتيجة ذلك استبعاد مجموعة من السيدات خصوصًا الحوامل، أو زائدي الوزن، وممارسة التمييز الواضح على أساس النوع.

اللافت أن شرط الاختبارات العسكرية أصبح معمولًا به، في كل التعيينات الحكومية في الوقت الحالي، ما يحول دون فكرة تكافؤ الفرص، حيث يتم منع قطاع من المواطنين من الحصول على الحق في العمل، لأسباب غير موضوعية.

لم تنته قصتنا عند هذا الحد، فبعد انتهاء الكشف وتقدم المقبولين لكل الاختبارات واكتمال مسوغات التعيين، تم استبعاد 14 ألف معلم بدون أسباب منطقية، فكانت النتيجة اعتصام مئات المعلمين والمعلمات أمام مقر وزارة التربية والتعليم بالعاصمة الإدارية الجديدة.

الجهات الأمنية بدورها، استخدمت العنف اللفظي والبدني في مواجهة السادة المعلمين، والقبض على 14 معلمًا منهم، وتوجيه تهم لهم بالإرهاب.

المتحدث باسم الوزارة، شادي زلطة، قال للمحتجين: «انتو ما نجحتوش، ممكن شكلكم ما عجبش بتوع كشف الهيئة»، قبل أن يطالبهم بالرجوع لمديريات التعليم بالمحافظات للتظلم أو تقديم التماسات ضد القرار، بحسب أربع معلمات شاركن في الوقفة لـ«مدى مصر».

بحسب موقع "مدى مصر" أعلنت مديريات التعليم في عدد من المحافظات، نتيجة المسابقة، في أكتوبر 2023، بإتاحة رابط لكل محافظة يستطيع من خلاله المعلمون معرفة موقفهم من اجتياز المسابقة بشكل فردي عبر الرقم القومي، وتلا ذلك نشر قوائم الناجحين في عدد من المحافظات، والتي أظهرت تأهل ما يقرب من 14 ألفًا من إجمالي ما يقرب من 28 ألف معلم سبق اجتازوا كل الاختبارات السابقة على مرحلة الكلية الحربية، بحسب تقديرات مصادر من المعلمين.

ذات مرة قال الرئيس المصري "يعمل أي التعليم في وطن ضايع" ويبدو أن الجهات الرسمية قد وافقت الأمر نفسه، حيث تتضاءل ميزانية التعليم عامًا بعد عام، أمام موجات التضخم من ناحية، وبخروجه من أولويات السلطة من ناحية أخرى، مما ينعكس على أوضاع المعلمين المزرية للغاية، وحتى نقابتهم المفروض عليها الحراسة، ولا تقوم فيها أي انتخابات منذ سنوات، ودون سبب جوهري حقيقي، سوى ضياع حقوق العمال، وفرصة توحيد مطالبهم.

 

 

 

 

  • رويترز على خطى الـ"بي بي سي"

شجع تحرك صحافيي هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في القاهرة لتحسين أوضاعهم المالية ونجاحهم في انتزاع مكاسب إيجابية بعد ثلاثة إضرابات، نظرائهم في مكتب وكالة "رويترز" على الاحتجاج وتكرار التجربة أملًا في تحسين أوضاعهم أيضًا.

وأرسلت "رويترز" في 23 نوفمبر إخطارًا للمشتركين بتوقف النشرة العربية لمدة 24 ساعة، كما أن وفدًا من نقابة الصحفيين زار مكتب رويترز بالقاهرة للتضامن مع مطالبهم.

نقيب الصحفيين خالد البلشي، أكد في مداخلة هاتفية لقناة القاهرة الإخبارية، أن الإضراب يرجع للأجور غير العادلة في «رويترز»، مشيرًا إلى أن الزملاء بالوكالة كانوا يتفاوضون على الأمر على مدار 5 أشهر، بلا فائدة تُرجى، حتى لجأوا إلى خطوة الإضراب.

جدول بالانتهاكات التي تعرض لها العمال خلال العام

 

نوع الانتهاك

عدد العمال

نقل العمال تعسفيًّا من أماكن عملهم كعقاب

4

تقييد الحرية وتوجيه تهم جنائية

32

فصل العمال

109

تهديد بالفصل

900

تهديد بالأمن الوطني

4

امتناع عن دفع الأجر

2517

استدعاء الشرطة

300

إيقاف عن العمل

28

طرد العمال خارج مقار العمل

1700

إنذار بالفصل

131

العنف اللفظي والبدني

500

التحقيق مع العمال

15

الجزاء المالي للتعبير عن الرأي

1

 

 

ملاحظات:

  1. الانتهاكات المتعددة للعامل الواحد تحسب انتهاكًا
  2. عدد الانتهاكات فردية حتى لو بمقر عمل واحد
  3. الانتهاكات جميعا نتيجة مطالب عمالية

 

 

 

الأمن والسلامة الغائبان

الحق في بيئة عمل صحيِّة وآمنة أحد الحقوق الأساسية، والأهم للعمال، فحصولهم على الأمان في مواجهة الكوارث، والتلوث، منتهى الأمل، خصوصًا في ظل طفرة الإنتاج والسعي الحثيث لتراكمه الضخم، الذي يجعل المتعاملين معه في دائرة خطر دائم.

وعلى قدر سعي القوانين لبيئة عُمالية آمنة إلا أنها تظل نصوصًا، ما دامت الرقابة غير مشددة، ونسب العمالة غير الرسمية تتجاوز الأربعين في المائة.

خلال عام 2023 جرت أحداث جماعية، وفردية، نذكر الأبرز منها كتجسيد لأزمة الأمن والسلامة المفقودة في بيئة العامل المصري:

 

  • كابوس عمالة الأطفال جريمة تحدث كل يوم

وفاة طفلين وإصابة 40 طفل عامل بالزراعة أثناء ذهابهم للعمل.

بشكل يكاد يكون روتينيًّا تتكرر حوادث العمال في المحافظات، وخصوصًا الأطفال، الذين لا يحظون بأي من سُبل الأمن، والسلامة، ويعملون خارج المظلة الرسمية، نظرًا لعدم مشروعية استغلالهم بالأساس، وفي ظروف شديدة الصعوبة لا تتناسب مع حداثة سنهم، فلا يكاد تقرير يخلو من ذكر الانتهاكات الواقعة عليهم.

على سبيل المثال في فبراير 2023 تُوفي طفلان، وأصيب 40 طفل، أثناء ذهابهم للعمل بمزارع على طريق وصلة أبو سلطان التابعة لمدينة فايد بمحافظة الإسماعيلية مع طريق السويس، حيث انقلبت بهم سيارة ربع نقل ما نتج عنه تعرض جميع الأطفال لإصابات بالغة تراوحت بين كسور بالعظام ونزيف داخلي وغيبوبة تامة ووفاة طفلين علمًا بأن جميع الأطفال تتراوح أعمارهم بين (7سنوات و18 سنة) " إناث وذكور".

الجدير بالذكر أن هذا الحادث لم يكن الأول ولا الأخير بالطبع، حيث لم يمر شهر إلا وتطالعنا المواقع الإخبارية عن حوادث الأطفال العاملين بمهن مختلفة وتأتي الأكثر شيوعًا بها حوادث انقلاب السيارات بهم أثناء الذهاب أو العودة من العمل.

وقد كشف المسح القومي لعمل الأطفال في مصر، الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والبرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال، عن وجود (1.6) مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 سنة، يعملون، ويمثلون (9.3%) من الأطفال "أي طفل من كل 10 أطفال" مدفوع إلى العمل.

كما ذكر أن ارتفاع معدل عمل الأطفال يأتي في المركز الأول في المناطق الريفية عنه في "الحضر"، ويبلغ ذروته في ريف صعيد مصر، ثم ريف الوجه البحري، ثم المحافظات الريفية الواقعة على الحدود، أما عن الحرف التي يمارسونها، جاء العمل بالزراعة، على رأسها، رغم خطورته، بنسبة (63%) ثم العمل في المواقع الصناعية كالتعدين والتشييد والصناعات التحويلية بنسبة (18.9%).

هذا في الوقت الذي ينص الدستور المصري 2014 في المادة (80) على حق الطفل في الرعاية الصحية والأسرية والتغذية، ومأوى آمن والحق في التعليم، كذلك التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي، وأكد حظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، وكذلك حظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر، كما نص قانون الطفل المصري رقم 126 لسنة 2008، في مادته "64" على أنه يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم 15 سنة ميلادية كاملة وفي المادة "65" حظر تشغيل الطفل في أي نوع من أنواع الأعمال التي يمكن بحكم طبيعتها أو ظروف القيام بها أن تشكل خطرًا عليه، كذلك عرفت الاتفاقيتان رقم 138 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، ورقم 182 لسنة 1999 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال، المعايير الأساسية لحقوق الطفل في العمل، رغم ذلك وبعيدًا عن المسوح الرسمية فعين المتجول بشوارع البلاد لا تُخطئ مئات الآلاف من الأطفال الذين يعملون في مجالات عمل مختلفة.

وسبق وأن طالبت "دار الخدمات النقابية والعمالية" بحظر تشغيل الأطفال وفقًا للسن المحدد لعمل الأطفال بقانون العمل رقم 12 لعام 2003، وقانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، والدستور المصري لعام 2014 أكثر من 6 ساعات يوميًّا تتخللها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، بحيث لا يعمل الطفل أكثر من 4 ساعات متصلة، مع حظر العمل فترات إضافية أو في أيام العطلات، وفي جميع الأحوال يُمنع العمل بين السابعة مساء والسابعة صباحًا.

  • كذلك تحديث البيانات المتعلقة بعمالة الأطفال في مصر للمساعدة في دراسة عمالة الأطفال بشكل أكثر واقعية.
  • توفير البيانات الخاصة بعدد الأطفال المنخرطين في العمل المنزلي، وتوفير نظام رقابة وإشراف لهذه المهنة.
  • توسيع مظلة الحماية الاجتماعية التي تضمن عدم لجوء الأسرة محدودة الدخل لعمل الأطفال وضمان عدم تسربهم من العملية التعليمية.
  • تعديل التشريعات التي تُجيز عمل الأطفال في مجال الزراعة.
  • توفير المراكز التعليمية المهنية البديلة للأطفال العاملين الذين تسربوا من التعليم.

ومن جانب آخر تعد حوادث الطرق، وتعويضاتها الضئيلة أحد مهددات حياة العمال، وسلامتهم، خصوصًا على الطرق خارج القاهرة، حيث لا تحظى بالتطوير والاهتمام الذي تحظى به العاصمة، وهناك ما لا يقل عن سبعة آلاف حادث وفاة سنويًّا أغلبهم من العمال.

 

  • أرواح العمال في مرمى المصانع غير المرخصة

تعد المصانع غير المرخصة أو ما يطلق عليها مصانع "بير السلم" خطرًا جسيمًا يطارد العمال، ففضلًا عن كونها لا تضمن أي حماية اجتماعية على المستويات كافة، فإن أغلبها يحمل معنى القنبلة التي يمكن لها الانفجار في وقت عشوائي.

فمثلًا تعتمد مصانع الزجاج في قرية أبو سنة مركز قليوب محافظة القليوبية وفي قرية الجراح مركز شرطة أجا محافظة الدقهلية وقرية منية سمنود الغربية وقرية شيماطس في مركز الشهداء محافظة المنوفية في تشغيل الأفران الخاصة بصهر كسر الزجاج من إعادة تدويرها في أدوات المائدة، وفوارغ النرجيلة على استخدام أنابيب الغاز، كما تنتشر أمراض الصدر والرئة، حيث يعتمد العمال في تشكيل الزجاج على النفخ من خلال الفم.

 مما يعرض حياة العمالة للخطر لعدم التزام هذه المصانع بوسائل السلامة والصحة المهنية.

وفي أبريل الماضي نشب حريق في مصنع صلاح سلطان في قرية شيماطس المنوفية أدى إلى وفاة ثلاثة عمال وإصابة آخرين.

وشيع المئات من أهالي مركز الشهداء بمحافظة المنوفية جثامين «محمد ع»، و«شعبان»، ضحايا حادث الحريق وسط حالة من الحزن الشديد وانهيار أسرتيهما.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى نشوب حريق داخل مصنع زجاج ملك «ص. م. س» 58 عامًا مقيم بدائرة مركز الشهداء، ودفعت قوات الحماية المدنية بسيارتها وتمكنت من السيطرة على الحريق وإخماده وأصيب 4 عمال بحروق، وجرى نقلهم إلى المستشفى المركزي وتحويلهم بعد ذلك إلى المستشفى التعليمي، وتُوفي اثنان منهم بعد ذلك متأثرين بإصابتهما.

وبسؤال باقي العاملين في مصنع كسر الزجاج قرروا أن سبب الحريق تسريب غاز من أسطوانة متروكة تستخدم في إشعال أحد الأفران.

 

  • مصر والسودان: وفاة 15 سائقًا على طريق الموت

"صحراء جرداء" هكذا وصف أحد السائقين الطريق الحدودية بين مصر والسودان، والذي وافته المنية في أغسطس الماضي، ضمن 15 سائقًا آخر توفوا نتيجة التكدس على المعابر الحدودية دون ماء أو طعام في أغسطس 2023.

على مدار شهرين نتيجة تعطل حركة الشحن والتفريغ، تجمعت السيارات على معبري "قسطل"، و"أرقين" لمسافة 40 كيلومتر، في انتظار المرور إلى اﻷراضي السودانية لتسليم شحنات تتضمن سلعًا غذائية متنوعة، وأسمنتًا.

في ظل درجات حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية، وعدم توافر مياه أو ثلج للحفاظ على الأدوية التي يحتاج إليها أصحاب الأمراض المزمنة، أدى إلى وفاة 11 سائقًا مصريًّا داخل الحدود السودانية، فيما تُوفي أربعة سائقين داخل الحدود المصرية.

أما السبب المباشر لهذا التكدس، فهو الحرب في السودان، التي اندلعت في أبريل الماضي، وأثّرت على حركة النقل البري وأوقفت حركة تسليم البضائع.

حينها نشر العديد من السائقين العالقين على مدار أكثر من شهر، مقاطع فيديو يستغيثون فيها بمسؤولي الحكومة ورئيس الجمهورية، طالبين المساعدة في تجهيز المعابر وتوفير خدمات ومساعدات كالمياه والثلج.

وعلى مدار أسابيع ناشد العمال ونقابة النقل البري وزارة القوى العاملة، لتقديم يد العون إلى السائقين، ولا مجيب حتى وفاة السائقين، كما أشارت أصابع الاتهام إلى إدارة الموانئ المصرية نتيجة تقاعسهم عن المساعدة أو حتى رفع تقارير للجهات التي يمكنها المساعدة.

وفي مقابل رحلة ثمنها الموت، وبعد ارتفاع أسعار النقل في ظل الحرب، يحصل السائق على مبلغ عشرين ألف جنيه من إجمالي 100 ألف يحصل عليها رب عمله للعربات الكبيرة، وفي حالة وفاته تتكفل الأسرة أو النقابة بعودة الجثة إلى مصر لا الدولة.

 

 

 

القوانين والتشريعات في مواجهة العمال

  1. قانون العمل محلك سر
  2. التأمينات وتكرار الأخطاء
  3. قرارات الحد الأدنى للأجور

 

  • قانون العمل محلك سر

لا يزال قانون العمل الجديد حبيس أدراج مجلس النواب، فحتى مع تغيير المجلس لم يجد جديد، يخص إقراره، فضلًا عن نيله مجموعة من التعديلات التي تصب في صالح أرباب العمل، وتتجاهل حاجيات العمال، ومطالبهم.

نبدأ من النهاية وفي بدايات عام 2023 عندما طالبت النقابات المستقلة بمناقشة القانون الجديد، وتعديلاته المجحفة، عبر 12 نقابة مستقلة، تقدمت إلى لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، لمناقشة قانون العمل، وتعديلاته المقترحة، (عبر تقديم طلبات بعقد جلسات استماع) وحتى الساعة ليس هناك رد من قبل اللجنة، في تجاهل تام للقوى العمالية المستقلة.

وكان مشروع قانون العمل قد خرج من لجنة القوى العاملة بالبرلمان عام 2017 بعد أن نظمت بشأنه جلسات استماع محدودة العدد والحضور، وأدخلت عليه بعض التعديلات قليلة الأثر، متجاهلةً الكثير من الملاحظات التي أعرب عنها القادة العماليون، والنقابيون، ورفعها الخبراء والمهتمون بالشأن العمالي، بل ومعظم الملاحظات التي أبداها قسم التشريع بمجلس الدولة، والتي أرسلها المجلس القومي لحقوق الإنسان، فضلًا عن مؤاخذات منظمة العمل الدولية.

ثم قامت الحكومة من جانبها بإدخال بعض التعديلات على المشروع في نوفمبر 2021، حيث أوردت بعض التوصيات بشأنه، محيلة المشروع والتوصيات إلى لجنة مجلس الشيوخ العامة التي انتهت إلى إعداد تقريرها وإرساله إلى البرلمان.

ورغم التقدم إلى لجنة القوى العاملة والطاقة والبيئة بمجلس الشيوخ بطلب عقد جلسات استماع لمختلف الأطراف العمالية والمهتمين بالشأن العمالي- على الأخص- المنظمات النقابية المستقلة، فإن اللجنة التفت على الطلب، مكتفية بمشاركة وزارة القوى العاملة، والاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الحكومي".

ومرة أخرى أحجمت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب عن تنظيم جلسات الاستماع، فيما بدا إصرارًا غير مبرر على تغييب الصوت العمالي المستقل.

وقد تلخصت أبرز الملاحظات على القانون الجديد، التي أعرب عنها القادة العماليون، والنقابيون في عدد من النقاط يمكن الاطلاع عليها خلال ورقتنا المنشورة سابقًا.

 

  • التأمينات وتكرار الأخطاء

بعد التعديلات على قانون التأمينات الاجتماعية لسنة 2019 أصبحت إدارة نظام التأمينات سواء للقطاع العام أو الخاص، موحدة في هيئة وصندوق واحد " الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي" بعدما كانت تدار من صندوقين منفصلين للقطاع.

ويحظى قانون التأمينات بانتقادات عدة، وسبق وأن قدمت "دار الخدمات النقابية" أوراقًا تنتقد فيه العديد من مواد القانون التي لا تجعل منه قانونًا عادلًا، يخدم العمال، وكذلك سؤالًا برلمانيًّا يخص أصحاب المعاش المبكر.

وفي القانون الصادر سنة 2019 المستبدل بالقانون الصادر سنة 2009، تكرر استخدام الجدول رقم 9، مع تعديل الاسم فقط ليصبح جدول رقم 5، والذي سبق وأن تم إسقاطه عبر المحكمة الدستورية، والذي يخص المحالين للمعاش المبكر.

وكانت "دار الخدمات النقابية" دفعت في اتجاه إلغاء ذلك الجدول عبر البرلمان، فتقدمت بورقة تخص تعديل قانون التأمينات، عبر النائب ضياء الدين داوود ومعه 60 نائبًا، وذكرت فيه حكم الدستورية الذي أصدرته، فيما يخص المادة المثيرة للجدل.

وتنفيذًا لهذا الحكم تتم إعادة تسوية معاشات جميع المحالين للتقاعد بنظام المعاش المُبكر منذ صدور القانون رقم 130 لسنة 2009 والجدول رقم (9) المرفق به حتى صدور القانون رقم 148 لسنة 2019 وبدء العمل به وإلغاء القانون رقم 79 لسنة 1975.

رغم ذلك نرى أنه كان واجبًا على الحكومة (وزارة العدل، ووزارة التضامن الاجتماعي) أن تتقدم - على الفور - بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019 وذلك بإلغاء النصوص التي يتضمنها المماثلة تمامًا للنصوص المقضى بعدم دستوريتها.

ذلك أن قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر برقم 148 لسنة 2019 قد نص فى المادة (21/6) منه على أن" يستحق المعاش حال انتهاء خدمة أو عمل أو نشاط المؤمن عليه لغير بلوغ سن الشيخوخة أو العجـز أو الوفاة مع توافر مدد اشتراك فى تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة تعطى الحق في معاش لا يقل عن 50% من أجر أو دخل التسوية الأخير، وبما لا يقل عن 65% من الحد الأدنى لأجر الاشتراك في تاريخ استحقاق المعاش، وعلى أن تتضمن مدة الاشتراك في تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة مدة اشتراك فعلية لا تقل عن 240 شهرًا، وتكون المدة 300 شهرًا فعلية بعد خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون، مع اشتراط ألَّا يكون المؤمن عليه خاضعًا لتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة في تاريخ تقديم طلب صرف المعاش".

ثم نص في المادة (24) منه على أن "يسوى المعاش عن مدة الاشتراك في تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة التي تبدأ من تاريخ العمل بهذا القانون بواقع جزء واحد من المعامل المناظر لسن المؤمن عليه المحدد بالجدول رقم (5) المرافق لهذا القانون عن كل سنة، بحد أقصى مقداره 80% من أجر أو دخل التسوية.

ويسوى المعاش عن مدة الاشتراك السابقة على تاريخ العمل بهذا القانون بواقع هذا المعامل المنصوص عليه، وأجر التسوية الذي يحدد عن كل من الأجر الأساسي والأجر المتغير وفقًا لقانون التأمين الاجتماعي الذي قضيت المدة في ظله (السابق)، بحد أقصى مقداره 80% من أجر التسوية".

الطعن بعدم دستورية المادة 27 من قانون التأمينات الاجتماعية:

لا يزال قانون التأمينات نفسه، لا يساوي بين أصحابه، رغم أن الجميع يخضع لنسب الاشتراكات نفسها، فيتساوون في الدفع، بينما يختلف العائد بشكل منافٍ لأي قيم تخص العدالة الاجتماعية.

ونتيجة لذلك، قامت "دار الخدمات النقابية" بالطعن بعدم دستورية المادة 27 من قانون التأمينات الاجتماعية، والمعاشات، والتي تنص على: (يسوى معاش كل من يشغل فعليًّا منصب نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم والمحافظين ونوابهم بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية عن كل سنة خدمة في المنصب).

قامت المادة المذكورة بعمل تفرقة بين المؤمن عليهم الخاضعين لأحكام هذا القانون، حيث جعلت احتساب المعاش بمعامل 1/10 بالنسبة للفئات السالفة الذكر، بينما يتم احتساب المعاش بمعامل 1/45 لباقي المؤمن عليهم الخاضعين لأحكام هذا القانون.

 وهو ما يخالف الدستور المصري الذي يكفل المساواة بين جميع المواطنين المستفيدين من الطعن بعدم الدستورية على تلك المادة كل من خرج على المعاش في ظل القانون 148 لسنة 2019، وما زال القانون في المحاكم محل نظر، بينما يستمر الإمعان في تكريس التفاوت الطبقي.

 

  • قرارات الحد الأدنى للأجور

في سبتمبر 2023 وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي برفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 4000 جنيه للقطاع العام، كما تقرر زيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لتصبح 600 جنيه بدلًا من 300 جنيه.

أما القطاع الخاص، فإن وضع حدٍ أدنى للأجور أمرٌ لا يزال مرفوضًا من قبل أرباب العمل، في استمرار لسياسة اللامساواة بين القطاعين.

جدير بالذكر أن مبلغ 4000 جنيه يوازي الـ 80 دولارًا بحسب أسعار العملة الأمريكية بالسوق في أواخر عام 2023، وهو المبلغ الأقل من خط الفقر القومي، مع ملاحظة أن النسبة الأكبر من العاملين بالقطاع الخاص، والعمل غير الرسمي، وهم يمثلون معًا أكثر من 80% من نسبة العمالة في مصر، فلا يصلهم نفس المبلغ.

تتذيل مصر دول المنطقة بالنسبة للأجور، رغم موجات التضخم المتتالية، والتي تتخطى الأربعين في المائة، حتى بالنسبة لدول محدودة الدخل نسبيًّا كتونس والمغرب والجزائر.

المفارقات في أزمة الأجور لا تقف عند هذا الحد بل يزيد عليها أن هذا المبلغ لا يصل كاملًا لأصحابه، حيث يتم خصم مبلغ التأمينات منه، في جور صارخ على حقوق العمال، ودون أي مسوغ قانوني مفهوم، وهذا ما دفع "دار الخدمات" للطعن في الأمر عبر البرلمان من خلال الورقة التالية:

دأبت وزارة المالية على إصدار منشورٍ عام بشأن قواعد تطبيق قرارات رئيس مجلس الوزراء التي تصدر بتعديل بعض أحكام قرار رئيس مجلس الوزراء رقم1637 لسنة 2019 المعدل بالقرارات أرقام 2421 لسنة 2019، و145 لسنة 2021، و1325 لسنة 2022، و4017 لسنة 2022، و1408 لسنة2023.

حيث تتضمن هذه القواعد ما يلي:

  • أن الأجر الذي يتخذ وعاءً لحساب الحد الأدنى هو متوسط إجمالي الأجر للموظف/ العامل في تاريخ بدء تطبيق هذا الحد الأدنى، ويتكون من (الأجر الوظيفي/ الأساسي مضافًا إليه العلاوات الدورية والخاصة والتشجيعية وعلاوات الترقية وأية علاوات أخرى ضمت إلى أيٍ من الأجرين في التاريخ المشار إليه).
  • الأجر المكمل/ المتغير في اليوم السابق على التاريخ المشار إليه، والذي يشمل المعدل الشهري بالجنيه لكل ما يتقاضاه الموظف/ العامل من مكافآت وبدلات ومزايا نقدية لها صفة العمومية أو الجماعية أو الدورية، سواء صرفت لمرة واحدة أو عدة مرات أيًا كان مصدر تمويلها، وكذلك ما تقرر بموجب القانون رقم18 لسنة 2023 بتعجيل موعد استحقاق العلاوات الدورية، ومنح علاوة خاصة لغير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية، وزيادة الحافز الإضافي للعاملين بالدولة وتقرير منحة خاصة للعاملين بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام.

غير أن الأمر الذي يستدعي التوقف ويثير الدهشة هو أن يتضمن الأجر الذي يتخذ وعاء لحساب الحد الأدنى الحصص والأعباء التأمينية التي يتحملها صاحب العمل على إجمالي الأجر، وفقًا لما يقضي به قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون رقم 148 لسنة 2019.

فإذا كُنا نُسلم بحساب الحد الأدنى قبل اقتطاع اشتراك العامل في التأمينات الاجتماعية باعتبار هذا الاشتراك جزءً من أجره، وإذا كان الحد الأدنى تحتسب ضمنه أيضًا الضرائب على الدخل التي يتم استقطاعها من أجر العامل، فإنه من غير الجائز أن تحتسب "الأعباء التأمينية" التي يتحملها صاحب العمل ضمن الحد الأدنى للأجر للأسباب الآتية:

  • إن احتساب الحصة التي يلتزم صاحب العمل بسدادها للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي ضمن الحد الأدنى للأجر يؤدي عمليًّا إلى تخفيض القيمة الفعلية لهذا الحد الأدنى، وهي مع احتساب اشتراك العامل التأميني، والضرائب على الدخل ضمن الحد الأدنى تجعله أقل فعليًّا من الحد الأدنى المعلن بما يقارب الألف جنيه.
  • إن زيادة الحد الأدنى للأجور التي تقررت مرتين هذا العام إنما جاءت في محاولة لامتصاص التأثيرات السلبية لتخفيض قيمة الجنيه ومعدلات التضخم بكل ما أدت إليه من ارتفاع الأسعار على الأخص أسعار السلع الغذائية، وانخفاض مستوى معيشة جميع العاملين بأجر الذين باتوا عاجزين عن تلبية حاجاتهم وحاجات أسرهم الأساسية، ومن غير المنطقي أن يقل الحد الأدنى الفعلي للأجر الذي يتقاضاه الموظف/ العامل عن الحد الأدنى المعلن للأجر بمثل هذا المبلغ الكبير، وبما يؤدي إلى إضاعة الهدف من زيادة الحد الأدنى للأجر
  • إن حصة صاحب العمل التي يلتزم صاحب العمل بسدادها للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي عن جميع العاملين لديه ليست جزءًا من أجر العامل، وإنما هي التزام على صاحب العمل الذي يؤمن على عماله (موارده البشرية) ضد مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة والمرض وإصابات العمل مثلما يمكن له أن يؤمن على منشآته أو مصانعه ضد مخاطر الحريق، ويلتزم بسداد اشتراكٍ سنويّ أو شهريّ تبعًا للحال.
  • ولا يقدح في ذلك أن أصحاب الأعمال يحتسبون هذه الحصة التأمينية ضمن رقم الأجور في ميزانياتهم، فذلك شأن محاسبي لا يغير من التوصيف القانوني لهذه الحصة ويجعل منها جزءً من أجر العامل الذي يحدد قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 عناصره في المادة (1) منه وليس من ضمنها بطبيعة الحال حصة صاحب العمل التي يقوم بأدائها للهيئة القومية للـتأمين الاجتماعي..

 

 

 

 

وثيقة الملكية والقطاع العام المفترى عليه

خلال العام 2022 أصدرت الحكومة ورقة بعنوان "وثيقة سياسة ملكية الدولة "الذي أعلنت من خلالها الانسحاب التدريجي من السوق، وخروجها من ملكية الأصول المالية في الدولة، بدعوى تعزيز النمو الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص من زيادة معدلات الاستثمار، وهي الوثيقة التي وصفت بالخصخصة الجديدة.

وزير المالية د. محمد معيط لخص الوثيقة خلال كلمته أمام جمعية رجال الأعمال الأمريكية بأن الدولة سوف تخرج مما يقارب 79% من النشاط الاقتصادي وتستهدف بيع أصول بما يقارب 40 مليار دولار.

على الرغم من أهمية الوثيقة، وعلاقتها الجذرية بمصير العمال، فرضت الحكومة الوثيقة فرضًا دون مناقشة لها، بخلاف المفترض العمل به فترات الأزمات التي تتعرض لها الأوطان، إذ لا بد من حوار حقيقي تشارك فيه كل الأطراف الحقيقية المعنية دون إقصاء، أو انتقائية.

لكن الوثيقة جاءت نتيجة إملاءات المؤسسات المالية الدولية ووفقًا لرؤيتها في حل الأزمات الاقتصادية، لا أصحاب المصلحة الحقيقيين في هذا الوطن من العمال والفلاحين وكل فئاته وطبقاته، كما أن الوثيقة لم تعتنِ بحقوق العمال في الشركات التي سوف تباع للمستثمرين بشكل كلي أو جزئي.

وفي تقريرنا للعام الماضي استعرضنا الوثيقة وأهم الملاحظات عليها، والتي لم تلتفت الجهات المسؤولة إليها، واستمرت خلال العام2023 في سياستها، ومضت قدمًا في اتجاه بيع أصولها، دون تشاور مجتمعي أو حوار حقيقي.

خلال العام 2023 أعلنت الدولة عن بيع جزء من أصولها عبر طرح البورصة أو بيع بعض الأسهم لمحافظ محلية، وأجنبية، والملاحظ أن الكثير من هذه الشركات تعد من الشركات الناجحة ذات الربح العالي.

المجموعة التالية أعلنت الدولة عن نية طرحها في البورصة:

  • بنك القاهرة
  • المصرف المتحد
  • البنك العربي الأفريقي الدولي
  • شركة مصر لتكنولوجيا التجارة (إم تي إس)
  • النصر للإسكان والتعمير
  • المعادي للتنمية والتعمير
  • شركة المستقبل للتنمية العمرانية
  • مصر لأعمال الأسمنت المسلح
  • شركة حلوان للأسمدة
  • الشركة الوطنية للمنتجات البترولية
  • الشركة المصرية لإنتاج البروبلين والبولي بروبلين
  • النصر للتعدين
  • شركة المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته (إيثيديكو)
  • شركة الحفر للبترول
  • شركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب)
  • سيناء للمنجنيز
  • المصرية للسبائك الحديدية
  • الرباط لأنوار السفن
  • بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع
  • دمياط لتداول الحاويات والبضائع
  • شركة الصالحية للاستثمار والتنمية
  • الفنادق المملوكة لوزارة قطاع الأعمال العام
  • شركة مصر لتأمينات الحياة
  • مصر للتأمين
  • محطة توليد الرياح بجبل الزيت
  • محطة توليد الرياح بالزعفرانة
  • محطة بني سويف لتوليد الكهرباء
  • صافي لتعبئة المياه
  • تنمية الصناعات الكيماوية- سيد
  • شركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين)
  • الأمل الشريف للبلاستيك
  • مصر للمستحضرات الطبية
  • بيع 30% من الشركة الشرقية للدخان إيسترن كومباني لشركة جلوبال الإماراتية.
  • بيع 39% من7 فنادق تاريخية لشركة "مجموعة طلعت مصطفى القابضة".

 

 

 

استخلاصات

من المرجح أن تُجبر الأزمة الاقتصادية الطاحنة المزيد من العمال على قبول أعمال ذات جودة متدنية، وزهيدة الأجر، تفتقر إلى الأمن والسلامة من جانب، والحماية الاجتماعية من جانب آخر، ولصالح ارتفاع معدلات العمالة غير المنتظمة.

ومع ارتفاع الأسعار، فإن أزمة تكاليف المعيشة تُهدد بدفع المزيد من العمال إلى أتون الفقر، فالعمل المضني لم يعد يضمن العيش الكريم، كما كان معروفًا عنه، وبينما ترتفع نسب البطالة بين الشباب، والتسرب من التعليم، ستنخفض قبل كل شيء المهارات، وسنكون مقبلين على أجيال، أكثر فقرًا، وأقل كفاءة، وبالتالي غياب تام لقيم كالعدالة، والمساواة.

تلك الصورة القاتمة، تخلي النظم السياسية في مصر تمامًا عن دعم الطبقة الوسطى الدنيا من العمال، سواء عبر مساندتها في سوق العمل نفسه، أو حتى عبر إتاحة مستوى تعليمي، أو صحي جيد لأبنائها، وأخيرًا عدم تضمينها لتلك الطبقة في برامج حمايتها النقدية الضعيفة غير الكافية بالأساس.

في ظل توقف برنامج تعزيز علاقات العمل ومؤسساتها في مصر تمامًا، ووضع العقبات والعراقيل أمام إنشاء نقابات مستقلة، أصبحت النية مُبيتة للقضاء على الصوت العمالي المستقل، والعمل على تغييبه، كجزء من سياق عام متأزم لا ترى فيه السلطة المجال العام إلا عقبة غير ضرورية أمام إرساء قواعدها للحكم، والبعيدة عن أفكار المفاوضة على الحقوق، أو الحوار المجتمعي عمومًا.

وهنا علينا أن نحذر من أن استمرار محاولات الانقضاض على الكيانات النقابية بهذا الشكل، وتجاهل أهمية مبادئ مثل المفاوضة الجماعية، في تحقيق علاقات متوازنة، طويلة الأمد داخل أماكن العمل، أمر مهدد للسلم المجتمعي، والاستقرار الاقتصادي المنشود، ولا يحقق سوى الفوضى.

في 2023 استمر تزاوج السلطة، وأصحاب الأعمال، في الاستفراد بالعمال، ولكن عبر شبكات جديدة من المصالح، بينما انعكست الأحوال الاقتصادية بشكل كبير على كم ونوع الاحتجاجات العمالية، التي كانت محدودة نسبيًّا، رغم استمرار أصحاب الأعمال في انتهاك حقوق العمال، إلا أن شبح التصفية، والتقليص، طارد العمال دائمًا، في ظل هوامش الربح المتناقصة، خصوصًا في الشركات المحلية، والمعتمدة في إنتاجها على الاستيراد، والعملة الصعبة.

لا تزال القوانين الخاصة بعلاقات العمل تحظى بالوصف بمثل "موت يا حمار" فلسنوات لا يتم حسم قوانين مثل العمل، أو التعديلات المطلوبة على قوانين التأمينات، أو حتى النقابات، وبالمثل قضايا الحد الأدنى للأجور، فجميعها محلك سر، وبالطبع لا وجود لأي مبررات رسمية تخص الأمر.

يدعم هذا التجاهل تغييب الصوت العمالي، الذي تشهد فترات أخرى على أن وجوده بقوة، قد أسفر عن تمرير العديد من القوانين، والاقتراحات، التي تعمل لصالح علاقات العمل عمومًا، ولكن رجال الأعمال، والدولة، لا يجدون فيها إفادة مباشرة لهم، فيعملون على إطالة أمدها، وإماتتها عبر نسيانها في الأدراج.

 

 

[1]  المصدر: البنك الدولى

[2]  المصدر: البنك الدولى

[4] المصدر: كتاب في البحث عن مؤشرات اقتصادية بديلة