تطور خطير ومثير للقلق.. محكمة جنايات جنوب القاهرة تقضى بالتحفظ على أموال خمسة حقوقين وثلاثة منظمات

بيانات صحفية
الأربعاء, سبتمبر 21, 2016 - 11:29

فى تطور خطير مثير للقلق.. قضت محكمة جنايات جنوب القاهرة بالتحفظ على أموال خمسة نشطاء من المدافعين عن حقوق الإنسان ، وثلاثة منظمات حقوقية.. فيما عده الكثيرون مؤشراً سلبياً لا تُنكر دلالته فى سياق القضية رقم 173 لسنة 2011 المقامة ضد عدد من منظمات المجتمع المدنى والتى لم تلبث تطل برأسها وتتردد أصداؤها حيناً ثم تخفت حيناً على امتداد الأعوام الخمسة الماضية.

وكانت محكمة جنايات جنوب القاهرة قد نظرت فى جلستها المنعقدة يوم السبت الموافق 17 سبتمبر الماضى القضية رقم 108 لسنة 2016 والتى تداولت جلساتها خلال الشهور الخمس الماضية بشأن الطلب المقدم من هيئة التحقيق فى القضية رقم 173 لسنة 2011 بالتحفظ على أموال عدد من مؤسسى ومديرى منظمات حقوق الإنسان وعائلاتهم ومنعهم من السفر، فضلاً على التحفظ على أموال بعض هذه المنظمات وعدد من العاملين فيها .. حيث قررت  تأييد طلب قضاة التحقيق التحفظ على الأموال السائلة والمنقولة لكل من حسام بهجت وجمال عيد ، والتحفظ على أموال بهى الدين حسن، ومصطفى الحسن، وعبد الحفيظ طايل وأموال منظماتهم الحقوقية بينما رفضت طلب التحفظ على أموال العائلات والموظفين العاملين فى المنظمات.

ويجدر بالذكر أن محكمة جنايات شمال القاهرة كانت قد قضت قبل شهرين بالتحفظ على أموال الناشط أحمد سميح والمنظمة الحقوقية التى يديرها [مركز الأندلس لدراسات التسامح ونبد العنف].. كما أصدر قضاة التحقيق قرارات منع من السفر فى حق اثنى عشر مدافعاً عن حقوق الإنسان من مديرى ونشطاء منظمات المجتمع المدنى.

وبغض النظر عن مجريات التحقيق فى القضية "المحظور فيها النشر" .. وبغض النظر أيضاً عن شكوى دفاع المنظمات غير الحكومية وحقوقيها مما تنطوى عليه هذه المجريات من إخلال بحق الدفاع .. يهمنا التأكيد على ما يلى من النقاط:

  إن الاتهامات التى تواجه النشطاء والحقوقيين المدرجين على قوائم الاتهام فى هذه القضية إنما تتحصل- كما هو معلوم أو مفترض- فى  ارتكاب الأفعال المؤثمة بموجب المادة 78 من قانون العقوبات التى تنص –وفقاً لتعديلها الأخير عام 2014- على أن يعاقب بالسجن المؤبد كل من حصل على أموال من الخارج بغرض"ارتكاب عمل ضار بالمصالح القومية أو باستقرار السلم العام أو استقلال البلاد ووحدتها أو القيام بأى من أعمال العدو ضد مصر أو الإضرار بالأمن والنظام العام", والمادة 98 (ج/1) التى تعاقب بالحبس ستة أشهر كل من "أنشأ أو أسس أو أدار جمعية أو منظمة أو مؤسسة من أى نوع لها طابع دولى أو فرع لمنظمة دولية بدون تصريح"، والمادة 98(د) التى تنص على أن "يعاقب بالحبس خمس سنوات كل من "تسلم أو قبل مباشرة أو بالواسطة بأية طريقة أموالاً أو منافع من أى نوع كانت من شخص أو هيئة خارج الجمهورية أو داخلها، متى كان ذلك فى سبيل ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد 98 (أ، أمكرر، ب، ج)، و174 من هذا القانون".. فضلاً عن المادة 67 (2/أ) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 التى تقضى بمعاقبة من يمارس عمل أو نشاط الجمعيات دون تسجيلها وفقاً لهذا القانون بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر.

وهذه النصوص التى تم تشديدها مؤخراً تحت دواعى مواجهة الإرهاب إنما تحفل بالعبارات والكلمات المطاطة التى تفتقد إلى التحديد المفترض فى النص القانونى .. تحتمل تفسيرات متعددة ، وتتسع لاستخدامها فى مواضع مختلفة.. وقد أثار التعديل الأخير الذى تم إجراؤه على المادة 98 من قانون العقوبات لدى صدوره الكثير من أوجه الاعتراض .. وأبدت قوى وهيئات عديدة تحفظها وتحسُبها من تطبيق هذه المادة على غير الإرهابيين..فيما كانت هذه الانتقادات تواجه بالتأكيد على مقصد وحيد للمشرع هو مواجهة الإرهاب.

على أننا نرى وفى جميع الأحوال أن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يمكن له أن يعد عمل ضار بالمصالح القومية أو استقرار السلم أو الأمن والنظام العام.. ذلك أن مشروعية الفعل أو تأثيمه ينبغى أن تستند إلى الغايات المشروعة التى يتوخاها المجتمع.. هل يمكن أن تكون الغايات المشروعة لمجتمعنا هى التكتم على انتهاكات حقوق الإنسان أو حماية مرتكبيها حتى تعد إدانة هذه الانتهاكات أو المطالبة بالتحقيق العادل فى شأنها عملاً مؤثماً "يضر بالمصالح القومية أو النظام العام"

ولعله من قيبل العبث العودة إلى الحجة القديمة الباهتة فى اعتبار كل كشف عن انتهاك أو انتقاد لخطأ إساءة إلى "سمعة بلادنا".. إن الانتهاك هو الإساءة بعينها.. الإساءة إلى من تنتهك حقوقهم من المواطنين المصريين، والإساءة إلى مجتمع يطمح وينبغى أن يطمح إلى أن يكون مجتمعاً ديمقراطياً يحترم حقوق جميع مواطنيه .. يحترم التنوع والاختلاف فى الرأى ،وينبذ العنف أياً كان مصدره أو فاعله.

  إن الإصرار على اعتبار منظمات المجتمع المدنى غير المسجلة كجمعيات كيانات غير شرعية ، رغم أنها تتخذ أشكالاً قانونية أخرى.. هو فى واقع الحال تعسف لا سند له سوى الضيق بهذه المنظمات وأنشطتها.. وذلك للأسباب التالية:

 إن الكثير من الأنشطة التى تمارسها الجمعيات يمكن أن تمارسها شخوص وهيئات أخرى .. وعلى سبيل المثال الأبحاث والدراسات والتدريب فضلاً عن الاستشارات والخدمات القانونية وجميعها أنشطة تقوم بها مراكز الأبحاث، والشركات، والجمعيات..

 إن اشتراط تسجيل المنظمات غير الحكومية وفقاً لقانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 إنما يعنى فى واقع الحال اشتراط حصولها على ترخيص مسبق من الجهة الإدارية [الحكومة] قبل ممارسة أنشطتها .. فيما يعد مخالفاً لمواثيق حقوق الإنسان الأساسية (العهدين الدوليين)، وللدستور المصرى الذى ينص بصريح اللفظ على الحق فى تكوين الجمعيات بالإخطار. ..

 إنها المشروعية- مرة أخرى- إن القانون رقم 84 لسنة 2002 يفتقد مشروعيته لمخالفته الدستور الذى ارتضيناه جميعاً عقداً اجتماعياً لنا- كما أن أى قانون جديد يصدر لتنظيم عمل الجمعيات يشترط الحصول على الترخيص المسبق سيولد مفتقداً لمشروعيته- ولا ينال من ذلك القول بأن المحكمة الدستورية لم تقضِ بعدم دستوريته.. مادامت عدم الدستورية صريحة وواضحة بل ومتعمدة.. ذلك أن قضاء المحكمة الدستورية إنما يكشف ويقرر عدم الدستورية التى تلازم النص القانونى منذ صدوره أو منذ صدور الدستور.

 إن أياً من المنظمات ذات الطابع الحقوقى- التى رغبت فى التسجيل وفقاً لقانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 – فيما عدا استثناءات قليلة للغاية وفى ظل شروط خاصة- لم تستطع الحصول على ترخيص الجهة الإدارية ، واضطرت إلى اللجوء للقضاء – الذى غالباً ما يقضى بحقها فى التسجيل- فيما يؤكد أننا أمام قصد المنع .. تقييد الحق إلى حد تعطيله وليس مجرد تنظيم ممارسته.

  إن استمرار القضية رقم 173 لسنة 2011 مفتوحة الملفات والتحقيقات .. إنما يجعل منها سيفاً مسلطاً على منظمات المجتمع المدنى ونشطائها وحقوقيها من المدافعين عن حقوق الإنسان.. الذين تُتخذ قرارات التحفظ على أموالهم أو يفاجئون بمنعهم من السفر فى المطارات كإجراءات احترازية على خلفية هذه القضية لحين الفصل فيها.. وفى ظل حظر النشر فى القضية ، وعدم إطلاع أىٍ من محامىِّ المنظمات على ملفها الكامل .. تبدو مجرياتها مساراً غامضاً ومُهدداً.

وأخيراً.. نؤكد مجدداً أن استقرار مجتمعنا، وتنميته ، وأمنه لا يمكن لها أن تتحقق بإغلاق الأبواب أو الأفواه ، وإنما بفتح المجال العام.. بتوسيع دوائر المشاركة.. بالحوار المجتمعى الديمقراطى الذى تتوفر شروطه وفى مقدمتها الحق فى التنظيم.. حق الناس فى تكوين منظماتها الديمقراطية المستقلة.. فى إفساح الطريق وإزالة العقبات أمام نمو المجتمع المدنى بكل مكوناته من نقابات وجمعيات ومنظمات وهيئات متنوعة ..

دار الخدمات النقابية والعمالية

الاثنين الموافق 21/9/2016

إضافة تعليق جديد