دار الخدمات النقابية والعمالية تعارض قانون مكافحة الإرهاب.. مواجهة الإرهاب لا تتحقق بغير استدعاء قطاعات وفئات الشعب جميعها إلى المشاركة وليس تهديدها وإقصائها

بيانات صحفية
الأحد, فبراير 14, 2016 - 16:27

بعد تعديل بعض مواد مسودته الأولى التى وافق عليها مجلس الوزراء فى أول يوليو الماضى صدر القرار بقانون رقم 94 لسنة 2015 بإصدار قانون مكافحة الإرهاب مؤرخاً بالخامس عشر من أغسطس 2015 ونُشر فى الجريدة الرسمية بعددها رقم 33 (مكرر)..

وكما جرت العادة.. فوجئ الجميع بالقانون  لدى نشره فى الجريدة الرسمية مساء الأحد الموافق 16 أغسطس .. لتعود إلى السطح مجدداً موجة الجدل والاعتراضات والمخاوف التى أثارتها مسودته الأولى.. حيث اكتفت الحكومة ببعض التعديلات الجزئية المحدودة لمشروعها والتى أجرتها استجابةً لملاحظات المجلس الأعلى للقضاء الجديرة بالاعتبار، وتراجعت عما  كانت المسودة الأولى قد انطوت عليه مما يُعد مساساً باستقلال القضاء وسلباً لولايته .. كما نزلت أيضاً فى تعديلاتها على احتجاجات الصحفيين واعتراضات نقابتهم بإلغاء عقوبة الحبس فى المادة 35 [33 فى المسودة الأولى] من القانون وإن استبدلتها بغرامة تعجيزية لا قِبل لأى صحفى أو مؤسسة صحفية بها .. وأبقت- وهو الأهم- على جوهر ما تمثله هذه المادة من اعتداء على حرية العمل الصحفى والحق فى تداول المعلومات.. غير أن هذه التعديلات لم تصب كبد الأزمة التى يعكسها ويثيرها هذا القانون، ولم تستجب لجوهر الاعتراضات التى رفعتها أطراف متعددة على الساحة مطالبةً بالتوقف عن إصداره أو إرجائه- على الأقل- وتنظيم حوار مجتمعى جاد بشأنه.

إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تؤكد مجدداً موقفها الثابت الواضح الذى لا لبس فيه ، وتشدد على إدانتها للإرهاب ، ورفضها تبريره بأية أسباب .. وتشدد على ما ينطوى عليه من وحشية وما يمثله من انتهاكٍ فظ لحقوق الإنسان وفى مقدمتها الحق فى الحياة والأمن وسلامة الجسد، تكرر ما سبقت إلى المطالبة به من تطوير استراتيجية متكاملة لمواجهة الإرهاب تستند إلى الأسس الديمقراطية وفتح المجال العام وقنوات الحوار المجتمعى .. وتحذر من الصيحات الانتقامية والرؤى المجتزأة التى ترى احترام حقوق الإنسان عائقاً أمام المواجهة "الحاسمة" للإرهاب، والديمقراطية ترفاً فى بلد يتعرض لمخاطره.. وانطلاقاً من ذلك تعارض الدار قانون مكافحة الإرهاب لما يلى:

  إن المدافعين عن القانون عادة ما يحتجون على معارضيهم بأنه  يماثل قوانين مكافحة الإرهاب فى الدول الأخرى "الديمقراطية".. بينما واقع الحال أن القانون يخالف السائد فى أمر هذه القوانين التى تصدر كقوانين مؤقتة للتعامل مع أوضاع استثنائية .. ذلك أن أخطر ما فى هذا القانون هو أن أحكامه الاستثنائية تصبح ضمن منظومة القانون العام الدائمة بكل ما تتضمنه من توسيع دائرة التجريم وتغليظ العقوبات، وإخلال بالقواعد والأسس المستقر عليها، وتجاهل أحكام المحكمة الدستورية العليا، وتحصين الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.. وإجمالاً العصف بدولة القانون ، وإهدار أحكام الدستور "الذى لم يجف مداده بعد".

  إن مكافحة الإرهاب لا ينبغى لها أن تكون مبرراً لتكرار واستمرار إصدار تشريعات عقابية وإجرائية جديدة ، والتحلل من الضمانات الدستورية.. على الأخص وأن قانون العقوبات المصرى –بتعديلاته-يتصدى  لمكافحة الإرهاب بما يكفى من النصوص والأحكام.. بل أننا على العكس كنا نطمح إلى تعديله بما يتماشى مع تطور علوم العقاب ومفهومه الأحدث فى البلدان الديمقراطية، وما يتوافق مع الدستور الجديد.

  إن القانون يستدير لأسس وقواعد مستقرة فى التشريع ويتضمن من الأحكــــــام الاستثنائية ما لا ينبغى أو يصح أن يدخل ضمن إطار القانون العام.. حيث يساوى فى العقوبة بين ارتكاب الجريمة الإرهابية والإعداد لها أو الاتفاق الجنائى عليها مخالفاً بذلك أحكام المحكمة الدستورية ذاتها ، ويكرس القانون الصلاحيات الاستثنائية لرئيس الجمهورية الواردة فى قانون الطوارئ.. كما يكرس الإفلات من العقوبة بتحصينه القائمين على تنفيذه بما يقرره على خلاف المستقر عليه فى المادة 8 منه من أنه "لا يسأل جنائياً القائمون على تنفيذ القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضرورياً، وبالقدر الكافى لدفع الخطر".

إن القانون يتحلل هنا من القواعد والشروط الواردة فى قانون العقوبات المصرى لاعتبار واقعة ما دفاعاً شرعياً عن النفس، ويمنح رجال الشرطة حصانة موضوعية ويفتح الباب أمام ارتكاب جرائم القتل والتعذيب خارج القانون.

  إن التوسع المفرط فى تعريف العمل الإرهابى واستخدام عبارات مطاطة غير منضبطة فيما تضمنه القانون من أحكام إنما يؤدى عملياً إلى تهديد حزمة من الحقوق والحريات الأساسية:

إن الحق فى حرية الرأى والتعبير  وفى حرية تداول المعلومات والحصول عليها لا تنال منه فقط المادة 35 "التى أثارت جدلاً واسعاً" فيما تقرره من عقوبة على الصحفيين ومؤسساتهم الصحفية حال نشر أخبار مخالفة لما تتضمنه البيانات الرسمية.. وإنما أيضاً ما ينص عليه القانون فى المادة 28 من أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنين كل من روج أو أعد للترويج ،  بطريق مباشر أو غير مباشر ، لارتكاب أية جريمة إرهابية سواء بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى. ويعد من قبيل الترويج غير المباشر ، الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف، وذلك بأي من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة السابقة من هذه المادة. ......." ..هل يمكن أن يصل الأمر إلى حد التفتيش فى الأفكار.. إلى المحاكمة على الأفكار وليس الجرائم .. كيف يمكن تحديد الأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف.. ما هو المعيار والمرجعية .. ومن هى الجهة المنوط بها ذلك ..هل نحيل القضاء إلى محاكم تفتيش للحكم على الأفكار.

إن حقوق الاجتماع والتظاهر والإضراب والاعتصام السلمى جميعها أيضاً يتهددها تعريف العمل الإرهابى الفضفاض بعباراته المطاطة غير المنضبطة فى المادة 2 من القانون "الإخلال بالنظام العام .. تعريض مصالح المجتمع للخطر.. الإضرار بالأمن القومى.. إلحاق الضرر بالبيئة.. أو بالأموال أو المبانى أو الأملاك العامة والخاصة.."، "وكذلك كل سلوك يرتكب بغرض تحقيق أحد هذه الأغراض.. أو الإعداد لها أو التحريض عليها".

وإذا كان تعريف العمل الإرهابى ما زال يثير إشكالية أمام واضعى القوانين فإن المشرع فى هذا القانون قد تصدى لهذه الإشكالية بالتوسع المفرط فى نطاق التجريم إلى الحد الذى يجعل كل نشاط اجتماعى مهدداً باعتباره عمل إرهابى.. ولعله جدير بالذكر أن لفظ القوة أيضاً يثير إشكالية فى تحديد الأفعال المرتبطة باستخدامه.. ذلك أنه من المصطلح عليه أن هذا اللفظ لا يقتصر مدلوله على القوة المادية فقط.. فقد تتمثل القوة فى أعمال أخرى كتنظيم المظاهرات أو الاعتصامات للضغط على السلطات من أجل اتخاذ إجراءات معينة أو التراجع عن إجراءات معينة.

إن هذا التوسع فى نطاق التجريم واستخدام عبارات فضفاضة تحتمل معان متعددة لا يحل مشكلة التعريف بل إنه يزيدها تعقيداً .. ذلك أنه يفتح الباب واسعاً أمام الانتقائية فى تطبيق القانون مما يعصف باحترامه والامتثال لقواعده .. فأنت إذا ساويت بين تظاهرة أو وقفة احتجاجية للمطالبة ببعض الحقوق وبين تفجير عربة شرطة فإنك بإهدارك الأسس والقواعد الراسخة للعدالة تدعو الناس إلى عدم احترام القانون، وتهدر دولته.

    إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تعنيها كافة الحقوق والحريات.. إنما تستوقفها- على الأخص- الحقوق والحريات النقابية والعمالية- وهى فى هذا الشأن تعرب عن قلقها العميق من توسع القانون المفرط فى نطاق التجريم واستخدام بعض العبارات الفضفاضة غير المنضبطة على النحو الذى يهدد باعتبار الإضرابات والتحركات العمالية أعمالاً إرهابية مجرمة.. من ذلك ما تنص عليه المادة 2 من أنه " يقصد بالعمل الإرهابى ... منع أو عرقلة السلطات العام أو الجهـــــــــــات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم... أو... من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بعض أوجه نشاطها، أو مقاومتها، أو تعطيل تطبيق أى من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح".

إن إضراب عمال النقل أو السكة الحديد .. إضراب أطباء أو معلمين عن العمل فى إحدى المستشفيات أو المدارس قد يدخل فى هذا النطاق الواسع للتجريم.. كما أن تحركاً عمالياً للمطالبة بإلغاء قانون أو تغيير لائحة قد يصبح عملاً إرهابياً.. ورغم أن هذه جميعها حقوق يكفلها الدستور إلا أن القانون يجعل من الحق الدستورى عملاً أو جريمة ارهابية يعاقب من يرتكبها بالعقوبات المغلظة الواردة فيه..  ولكيلا يتصارخ أحد فى مواجهتنا ويتهمنا باستنطاق نصوص القانون بما يخرج بها عن الغاية التى توخاها المشرع .. فإن بعض المسئولين الحكوميين قد بادروا فعلياً غداة صدور القانون إلى تهديد موظفى الضرائب بتطبيق قانون الإرهاب عليهم حال تنظيمهم تحركات أو وقفات احتجاجية .. ورغم أننا لا نعتقد أن الحكومة يمكن لها أن ترتكب مثل هذا الخطأ الفظ.. فتقدم – على الفور- دليلاً لمن يبحث عن دليل على أن قانون مكافحة الإرهاب لا يستهدف الإرهاب وإنما يتوجه  نصله إلى التحركات الشعبية ، وإلى كل من لا يستجيب ويمتثل لشعار "لا صوت يعلــــــــو فوق صوت مكافحة الإرهاب..  إلا أننا نرى فى مثل هذا التهديد ما يؤكد أن الحكومة لا تستبعد استخدامه فى غير مواجهة الإرهاب، وأن التوسع فى نطاق التجريم لم يتضمنه القانون "بحسن نية" لمجرد ضمان إدراج كل عمل إرهابى ضمن نطاق تطبيقه.

إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تعلن رفضها وتبدى قلقها العميق من هذا التوسع فى نطاق التجريم.. إنما تحذر من استخدامه أو حتى التهديد باستخدامه فى وجه التحركات العمالية أو الحركات الاحتجاجية لأى من القطاعات الاجتماعية الأخرى .. وتؤكد مجدداً أن المواجهة الحقيقية للإرهاب لا تتحقق بغير استدعاء قطاعات وفئات الشعب جميعها إلى المشاركة وليس تهديدها وإقصائها .. بغير تطوير أدوات الديمقراطية وليس العصف بها..  بغير فتح المجال العام وليس إغلاقه.. بغير حرمان الإرهاب من كل بيئة حاضنة مهما بلغ شأنها.. وبغير الحوار المجتمعى والمفاوضة المجتمعية بين الأطراف الاجتماعية باعتبارهما السبيل الوحيد إلى المجتمع المستقر الآمن..

دار الخدمات النقابية والعمالية

الثلاثاء الموافق 25 أغسطس 2015

إضافة تعليق جديد