نتشرف بأن نرفع إليكم رسالتنا بشأن قانون المنظمات النقابية المعروض على البرلمان الآن.. حيث يهمنا إبراز بعض النقاط الهامة التى نأمل أن تلقى ما تستحقه من عنايتكم واهتمامكم .. وذلك على النحو التالى:
إن التمييز وانعدام المساواة الواضحين فى هذه المادة يحيطانها بشبهة عدم الدستورية .. حيث لا يقدح فى ذلك القول بعدم تساوى المراكز القانونية بين الفئتين لتشكيل الأولى وفقاً لأحكام القانون رقم 35 لسنة 1976 والثانية استناداً لإعلان الحريات النقابية الصادر عن وزارة القوى العاملة الصادر بتاريخ 12/3/2011 بإعمال اتفاقيتي العمل رقم 87، 98 .. فذلك القول مردود عليه بما يلى:
إن حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 17 لسنة 26 ق الذى تستند إليه الحكومة فى عدم المساواة هنا قد نص على أن "الإخلال بمبدأ المساواة يفترض أن يكون المشرع قد تدخل من خلال النصوص القانونية التى أحدثها ليعدل بها من الحقوق التى أنشأها مراكز قانونية تتحد فى العناصر التى تقوم عليها".. ألسنا هنا أمام مراكز قانونية تتحد فى العناصر التى تقوم عليها؟.. أليس مفترضاً أن النقابات العمالية جميعها تقوم على نفس العناصر..وتستند إلى الحق الدستورى فى إنشاء النقابات.
المفترض أن تسجيل النقابات فى وزارة القوى العاملة ليست سوى إجراءً إدارياً كاشفاً يقصد منه فقط تسهيل عمل النقابات وممارستها لدورها فى تمثيل العمال والتفاوض باسمهم دون أن يكون للجهة الإدارية حق الاعتراض أو التدخل فى شئونها.. فالعبرة هنا إذن هى فى أصل الحق ومنشأه وليس فى الإجراء الإداري الكاشف عنه.
إن القول بأن النقابات التابعة"للاتحاد العام لنقابات عمال مصر" قد تشكلت وفقاً لأحكام القانون رقم 35 لسنة 1076 بينما لم تتشكل النقابات الأخرى وفقاً له مردود عليه أيضاً بما يلى:
حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعنين (661)، (708) لسنة 48 قضائية الصادرين بتاريخ 6/5/2006.
الحكم رقم 1827 لسنة 61 قضائية ، الصادر بتاريخ 2/6/2006 والقاضى بوقف تنفيذ قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 296 لسنة 2006 المنظم لانتخابات اللجان النقابية العمالية.
الحكم رقم 3469 لسنة 61 قضائية ، الصادر بتاريخ 12/11/2006 والقاضى بوقف تنفيذ قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 298 لسنة 2006 المنظم لانتخابات النقابات العامة.
الحكم رقم 4328 لسنة 61 قضائية ، الصادر بتاريخ 26/11/2006 والقاضى بوقف تنفيذ قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 300 لسنة 2006 المنظم لانتخابات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
إن التراخى فى تنفيذ هذه الأحكام لا ينال من حجيتها، ولا يقدح فيما يترتب عليها من بطلان كافة هيئات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر والنقابات التابعة له .. كما أنه لا يعبد إليها شرعيتها المفتقدة.
وبناءً على ذلك صدرت القرارت الوزارية أرقام 188، 189، 190 لسنة 2011 بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة الاتحاد العام، وتحديد اختصاصاتها.
ثم صدر القرار الوزارى رقم 232بحل مجالس إدارات سبع نقابات عامة هى نقابات العاملين بصناعات البناء والأخشاب وصنع مواد البناء ، والعاملين بالمرافق العامة ، العاملين بالكيماويات ، والعاملين بالخدمات الإدارية والاجتماعية ، والعاملين بالصناعات الهندسية والمعدنية والكهربائية ، ولعاملين بالنقل البحرى ، والعاملين بالاتصالات
وبناءً عليه نطالب بإلغاء المادة الثانية من مواد الإصدار وتعديل المادة الثالثة منها بما يكفل المساواة بين جميع النقابات أمام القانون الجديد، وتوفيق أوضاعها وفقاً له دون أى تمييز بينها.
ونود أن نشير هنا إلى أن حظر تكوين أكثر من نقابة فى المنشأة يشكل مخالفة صريحة وافتراقاً واضحاً عن اتفاقية العمل رقم 87 .. ونؤكد أن اتفاقيات العمل تكفل الحقوق والحريات النقابية بنصوص قوية واضحة ومنضبطة لا تتيح هامشاً للعصف بها على زعم تنظيمها، ولا تترك مجالاً للتنصل منها تحت دعاوى تهيئتها وموائمتها مع الأوضاع والاعتبارات المحلية الخاصة.
بل أن اتفاقيتى الحقوق والحريات النقابية-باعتبارها أحد معايير العمل الأساسية-قد اكتسبتا أيضاً صفة الإلزام ليس فقط بالنسبة للدول المصدقة عليهما، وإنما أيضاً لغير المصدقين..مستندتين-فى ذلك- إلى آلية منتظمة لمتابعة التشريعات الوطنية، وتطبيقاتها فى هذا الشأن..
هكذا.... بُسط قانون النقابات على بساط البحث.منذ عام 2008 حيث نوقشت حالة مصر فى مؤتمر العمل الدولى السابع والتسعين باعتبارها إحدى الحالات الفردية واجبة المتابعة.. وقررت منظمة العمل الدولية إيفاد لجنة من خبرائها لتقديم العون التقنى فى شأن التعديل التشريعى الواجب.غير أن تراخى الحكومة المصرية فى الوفاء بهذا الاستحقاق المؤجل قد أدى إلى إعادة إدراجها على قائمة الحالات الفردية عامى 2010، 2013.، وأخيراً العام الحالى.
ولعلكم تعلمون أن استحقاق الحريات النقابية لم يعد ممكناً تأجيله مجدداً،
كما تتوجب الإشارة أيضاً إلى المادة 76 من دستور 2014 التى تنص على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون وتكون له الشخصية الاعتبارية، وتكون له الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حــــــــــل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا يجوز إنشاء أىٍ منها بالهيئات النظامية"، كما تنص المادة 93 منه على التزام الدولة "بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة"
ووفقاً لذلك فإن الضوابط المقررة بمقتضى الدستور إذن هى :
ولما كنا بصدد تنقية البنية التشريعية بما يتوائم مع الدستور، ويتوافق معه.. فإن القانون الجديد المزمع مناقشته تتعين مراعاته لهذه الضوابط الدستورية التى يؤدى إهدار أىٍ منها إلى الوقوع فى حمأة عدم الدستورية.
كما أن اشتراط عشرين ألف عضو لتكوين النقابة العامة ومائتى ألف عضو لتكوين الاتحاد العام (المادة 13 من المشروع المعدل) تبدو شروطاً تعجيزية قد تحول دون ممارسة الكثير من العمال حقهم فى تكوين نقاباتهم واتحاداتهم مادمنا نتحدث عن عضوية اختيارية غير اتوماتيكية..
بل أن رقم عشرين ألف عضو يتنافى مع خبرة نقابات عامة قائمة فعلياً لا يبلغ عدد جميع العاملين فى قطاعاتها هذا الرقم مثل نقابة هيئة النقل العام، بل ونقابة العاملين فى المناجم والمحاجر التابعة للاتحاد العام لنقابات العمال ذاته.ا
مرةً أخرى نحن أمام صياغة لبنيان نقابى هرمى يتكون من ثلاثة مستويات.. بينما يفترض الواقع الغنى بالمبادرات المتنوعة وجود نقابات للمنشآت لا تنضوى فى أى نقابة عامة، ووجود نقابات عامة ترفض الانضمام إلى أى اتحاد ..كما أن هذا الهيكل الموضوع يتجاهل الاتحادات النوعية (القطاعية)، والاتحادات الإقليمية رغم تشكلها فى واقعنا خلال السنوات الماضية والبعض منها له تجربته الجديرة بالاحترام.
إلا أنه- رغم ذلك- لا يبدو هناك ما يبرر النص على هذه اللوائح النموذجية فى القانون.. مادام الهدف منها فقط هو تقديم الدعم الفنى للنقابات فى وضع لوائحها دون إلزامها بها.
وفضلاً عن ذلك تجاهلت المادة أو أسقطت عمداً حق أصحاب المعاشات، أو المحالين للتقاعد فى تكوين نقاباتهم على الرغم من التجربة الملهمة لنقابة أصحاب المعاشات التى تعد واحدة من أهم النقابات خلال السنوات الماضية حيث استطاعت تمثيل أصحاب المعاشات والتعبير عن مصالحهم ومطالبهم، وأدارت العديد من المفاوضات الجماعية باقتدار .
إننا إذ نؤكد على حق أصحاب المعاشات نلفت النظر إلى أن استبعاد وحرمان أية فئة من حقها فى تكوين نقاباتها يشكل أيضاً مخالفة صريحة لاتفاقية العمل رقم 87.
وأخيراً.. نود الإشارة إلى أن أن التشريعات والنظم القانونية التى فرضت القيود على تكوين النقابات كانت قد جاءت ضمن نسق شمولى عام لا يقبل بل ولا يفترض التعددية.. وبغض النظر عن تقييم هذه الأنظمة وطبيعتها-فإن استمرار أنساقها وبناها دون الأساس الذى أنتجها وأتاح وجودها إنما ينطوى على تناقض لا سبيل إلى تجاهله، ويؤدى إلى اختلال يُفقد المجتمع توازنه.
إن توازن علاقات العمل لا يمثل مصلحة للعمال فقط-باعتبارهم الطرف الأضعف الذى تختل العلاقة لغير صالحه-وإنما هو أيضاً مصلح7ة للأطراف الأخرى، وللمجتمع ككل-بالمفهوم الأوسع للمصلحة الذى يتجاوز المكاسب الآنية المباشرة-.. ولعلنا نقرأ فى خبراتنا السابقة وخبرات الشعوب الأخرى كيف ينفجر المجتمع عندما تؤول به الحال إلى نقطة اللا توازن,
إن هذا التوازن فى علاقات العمل لا يمكن تحقيقه بغير المفاوضة الاجتماعية بين أطرافها..بغير امتلاك هذه الأطراف أدواتها، وممارستها لحقوقها التى تُمكِّنها من إجراء المفاوضة..بغير النقابات المستقلة التى يُنشئها العمال بكامل إرادتهم، دون تدخلٍ من أحد.
وفقكم الله إلى ما فيه الخير لأبناء شعبنا جميعاً وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
الثلاثاء 7 نوفمبر 2017
إضافة تعليق جديد