قراءة أولية لمشروع قانون المنظمات النقابية المقدم من النائب عبد الفتاح محمد عبد الفتاح

بيانات صحفية
الأحد, أكتوبر 29, 2017 - 21:45
 
 
قراءة أولية لمشروع القانون المقدم من النائب عبد الفتاح محمد عبد الفتاح
 
تقدم النائب عبد الفتاح محمد عبد الفتاح بمشروع آخر لقانون المنظمات النقابية مغاير نسبياً للمشروع المقدم من الحكومة. حيث عُرف هذا المشروع كمشروع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الحكومي"..
 وكانت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب التى تتشكل غالبيتها من رجالات الاتحاد الحكومى –قد شرعت اعتباراً من الثلاثاء الماضي الموافق 24 أكتوبر فى مناقشة مواد القانون ارتكازاً على المشروعين..
ولما كان المشروع المقدم من النائب عبد الفتاح لم يتسنَ لنا – أو لغيرنا- الاطلاع عليه من قبل- بينما بدأ العد التنازلى لإصدار القانون -ولما كان بعض ما يتضمنه هذا المشروع يستدعى التوقف لما ينطوى عليـــــه من خطورة لا يُستهان بها.. رأينا من المفيد تقديم هذه القراءة الأولية:
فى فصل الأحكام العامة من هذا المشروع جاءت المادة 5 مماثلة للمادة الثانية من مواد الإصدار فى مشروع الحكومة فيما تنص عليه من احتفاظ المنظمات النقابية "السابق تكوينها وتشكيلها وفقاً لأحكام القانون رقم 35 لسنة 1976 بشخصيتها المعنوية".. وإن كان هذا المشروع قد أضاف إلى النص الوارد فى مشروع الحكومة رقم القانون رقم 35 لسنة 1976 لكيلا يترك مساحة لأى اجتهادات بشأن المنظمات المقصودة [نقابات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"الحكومي" فقط لاغير] ، وخلافاً لها لا توجد نقابات أخرى وفقاً لهذا المشروع.
ورغم أن نص المادة يرتبك ويتناقض فى شأن احتفاظ نقابات "الاتحاد الحكومى" بشخصيتها الاعتبارية الذى يجعله "من تاريخ إيداع أوراق التشكيل المطلوبة بالجهة الإدارية المختصة ، ولهذه المنظمات مباشرة أنشطتها اعتباراً من هذا التاريخ!!.. فهل تحتفظ هذه المنظمات بشخصيتها الاعتبارية القائمة ، أم أنها تكتسبها بإيداع الأوراق؟!.. إلا أن مشروع القانون –على أية حال- يعترف بنقابات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الحكومى" .. فيما يتجاهل تماماً وجود نقابات أخرى "مستقلة عن هذا الاتحاد" لم تتكون وتتشكل وفقاً لأحكام القانون 35 لسنة 1976 –أو هكذا تزعم الحكومة وأجهزتها الإدارية واتحادها-
إن هذا النص- الذى يميز بين الاتحاد الحكومي ونقاباته من ناحية والنقابات الأخرى المستقلة عنه من ناحية أخرى ويهدر المراكز القانونية التى اكتسبتها هذه الأخيرة -كان ولم يزل محلاً للخلاف مع مشروع الحكومة ، وواحداً من أهم المآخذ عليه..فضلاً عن مشروع الاتحاد (أو مشروع النائب عبد الفتاح كما هو مقدم).. غير أنه يكتسب أبعاداً أخرى بالغة الخطورة إذا ما اقترن بنص المادة 8 ، والمادة 12 من هذا المشروع.
فى المادة 8 ينص المشروع على أن " يقوم البنيان النقابى على شكل رأسى وأفقى وتتكون مستوياته من المنظمات النقابية التالية : 1- لجنة نقابية واحدة بالمنشأة... الخ" ، وفى المادة 12 ينص على أنه "للعمال والعمال المتدرجين المشتغلين فى مجموعات مهنية أو صناعات متماثلة أو مرتبطة ببعضها أو مشتركة فى إنتاج واحد الحق فى تكوين نقابة عامة بحد أقصى نقابتين على مستوى الجمهورية... الخ"
ناهيك عن أن واضعي هذا المشروع –كما هو حال واضعي مشروع الحكومة- يصرون على الاحتفاظ بالمادة 7 من القانون رقم 35 لسنة 1976 مع إدخال بعض التعديلات عليها –بحسبان أن هذه التعديلات تتلافى الانتقادات الحادة التى سبق توجيهها إلى هذه المادة- فهم فى هذا المشروع يقيمون البنيان النقابى على شكل رأسى وأفقى بدلاً من البنيان الهرمى فى القانون الحالى واجب الإلغاء.. ولكنهم ينطلقون من فرضية البنيان النقابى الواحد باعتبارها حتمية لا فكاك منها!!
غير أن الأخطر هنا هو حظر إنشاء أكثر من نقابة فى المنشأة، وأكثر من نقابتين عامتين على المستوى الوطني لنكون أمام مخطط مترابط لمنع تكوين الكثير من النقابات المستقلة ، ونزع الشرعية عن نقابات مستقلة قائمة على الأرض منذ سنوات، فلو صدر القانون على هذا النحو لن تستطيع أى نقابة مستقلة قائمة فعلاً من إيداع أوراقها مجدداً إذا تواجدت فى منشأتها- ولو شكلياً- لجنة نقابية تابعة للاتحاد الحكومي مكتسبة شخصيتها الاعتبارية ابتداءً-وفقاً للمنصوص عليه فى مشروعي القانون- 
نعم نحن هنا أمام نصوص غير دستورية تخالف اتفاقية العمل رقم 87 مخالفة صريحة، وتنتهك الحريات النقابية دون مواربة ، تحقيقاً لغاية تحصين مواقع الاتحاد العام "الحكومي" من اختراق الحركة النقابية المستقلة لها، وحرمان العمال فى منشآت قطاع الأعمال العام، والوحدات الحكومية من حقهم فى تكوين نقاباتهم أو اختيارها. 
إن القارئ لهذا المشروع يمكنه أن يلحظ بسهولة أنه قد تم تفصيله على مقاس الأوضاع الراهنة وفى محاولة لمعالجتها على النحو الذى يقلص إلى أقصى حد المساحة المتاحة للنقابات المستقلة، ويكرس السيطرة الحكومية (الحكومة واتحادها) على الساحة النقابية وذلك على النحو التالى:
تحاول المادة 8 إعادة ترتيب الساحة النقابية –بعدما أصبحت النقابات المستقلة واقعاً ملء السمع والبصر- ليتم صبها من جديد فى بنيان نقابى واحد يتسع لبعض التعددية –المقيدة إلى أقصى حدٍ ممكن- لجنة نقابية واحدة بالمنشأة، ولجان نقابية مهنية، ونقابة عامة أو نقابتين على الأكثر لكل مجموعة متماثلة أو متكاملة من الصناعات، واتحادات محلية (إقليمية)، ثم اتحادات عامة يتكون منها اتحاد عام واحد على المستوى الوطنى!!
والحق فى تكوين هذه المنظمات يخضع للكثير من القيود التى تحاصره وتحول دون ممارسته أو على الأقل تقلص من فرصها.. من ذلك :
قيود الأعداد اللازمة للتكوين (عشرون لجنة نقابية تضم خمسين ألف عامل للنقابة العامة، وعشرة نقابات عامة تضم فى عضويتها مائة وخمسين ألف عامل للاتحاد العام).. مع ملاحظة تناقض الأعداد المنصوص عليها ، فعشرة نقابات عامة تضم على الأقل خمسمائة ألف عامل (50000*10).
ستة شروط للعضوية النقابية –وإن كانت لا تتضمن شرط الجنسية المصرية الذى ينص عليه المشروع الحكومى والذى كان مثاراً لملاحظة منظمة العمل الدولية- وخمسة شروط للترشح لعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية.
[يشترط المشروع لعضوية الجمعية العمومية والترشح لعضوية مجلس الإدارة انقضاء سنة على العضوية النقابية متجاهلاً حكم المحكمة الدستورية الصادر بعدم دستورية هذا الاشتراط]
الهيكل والمستويات النقابية المفروضة ومن ذلك على سبيل المثال فرض مسمى اللجان النقابية واستبعاد الاتحادات النوعية ، ثم فرض نموذج الاتحاد الواحد على المستوى الوطنى.
كما هو الحال فى المشروع المقدم من الحكومة، يغتصب هذا المشروع أيضاً صلاحيات الجمعيات العمومية فلا يترك لها شيئاً من حرية اختيار قواعد تنظيمها التى تناسب أهدافها ونطاق عملها حتى أنه يكاد يتضمن لائحة نظام أساسى واحدة للنقابات جميعها [مدة الدورة النقابية والانتخابات موحدة الميقات، نظام الجمعيات العمومية للنقابات العامة والاتحادات العامة المتمثل نموذج الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"الحكومى"]
يحيز المشروع للجهة الإدارية والاتحاد العام لنقابات العمال الاعتراض على إجراءات تكوين المنظمة النقابية ورفع الدعوى أمام المحكمة الجزئية المختصة ببطلان تكوينها، كما يجيز للوزير المختص أن يطلب إلى المحكمة الابتدائية المختصة حل مجلس إدارة المنظمة النقابية حال ارتكابه مخالفة لأحكام القانون.
                                                           [المواد 58، 59، 63]
وفضلاً عن ذلك- وهو الأمر الأخطر- ينص المشروع على أنه "للنيابة العامة أن تطلب من المحكمة الجنائية المختصة حل مجلس إدارة المنظمة النقابية فى حال صدور أى قرار أوعمل من هذا المجلس مما يعد جريمة من الجرائم الآتية"[المادة 63]
ثم يعدد المشروع جرائم من بينها "تحبيذ أو ترويج المبادئ التى ترمى إلى تغيير أحكام الدستور الأساسية للهيئة الاجتماعية بطرق غير مشروعة"، "ترك العمل أو الامتناع عنه عمداً إذا كان مما يساهم فى خدمة عامة أو مرفق عام أو يسد حاجة عامة وكذلك التحريض أو التحبيذ أو التشجيع على ذلك"
مجدداً العبارات الفضفاضة التى تحتمل التأويل والتطبيق الانتقائي.. ثم اعتبار الإضراب عن العمل جريمة إذا تعلق الأمر بمرفق عام أوسد حاجة عامة.. حيث يمكن اعتبار مصنع للأعلاف عملاً يسد حاجة عامة!!
وأخيراً .. نحن أمام مشروع قانون يحاول الالتفاف على معايير العمل الدولية بينما يفترق عنها افتراقاً حاداً ، لا يكفل الحق فى التنظيم وإنما يقيد ممارسته، يغلق الطريق أمام المبادرات العمالية فارضاً بنياناً تتقولب فيه النقابات.
وهو قبل وبعد ذلك يمثل خطورة داهمة فيما يتضمنه من حظر تكوين أكثر من نقابة فى المنشأة على الأخص وقد تضافر هذا الحظر مع الاعتراف المسبق بنقابات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"الحكومي" دون النقابات المستقلة. 
 
دار الخدمات النقابية والعمالية
مساء الأحد الموافق 29/10/2017

إضافة تعليق جديد