لست وحدك

مقالات
الثلاثاء, أكتوبر 18, 2016 - 10:30

عقب التحقيق معى فى نيابة أمن الدولة واتهامى بقيادة إضراب الحديد والصلب فى أول أغسطس عام 1989، أخذتنى قوة الترحيلات وبدلاً من تسليمى لإدارة سجن طرة، ألقت بى فى زنزانة انفرادى فى قسم ثانٍ مدينة نصر.

لا أحد يعرف عنى شيء، سجين أربع جدران صماء، لا أحد يتحدث إلىَّ، ومصيرى مرهون بإرادة سجانى، لا أعلم ماذا يدبر لى.. حتى استطعت بعد خمسة أيام قضيتها فى حبسى الانفرادى بدون طعام أن أرسل رسالة لأصدقائى بمكان حبسى، وفى صباح اليوم التالى جاءنى عدد من المحامين والصحفيين برفقة أمير سالم المحامى، وأحضروا إلىَّ الطعام، ولكن قبل ذلك أحضروا إلىَّ الطمأنينة وهزموا الخوف الذى كان قد بدأ يتسرب إلى نفسى، وأسكتوا الهواجس التى بدت تعلو داخلى يغذيها قرصة برد بلاط الزنزانة ووحشة ظلمتها، "فأنا وحدى لا أحد يعلم عن مكانى شيء، يستطيع السجان أن يفعل معى أى شيء".

فى اليوم التالى قامت الداخلية بترحيلى إلى سجن أبو زعبل الجديد، وأودعتنى زنزانة 3/3 المزدحمة بعمال الحديد والصلب، هى وخمسة زنازين أخرى. فكانت فرحتى عظيمة، فأخيراً أنا فى مكان معلوم للجميع، وبين زملاء العمل والاضراب.. دائماً أتذكر تلك الواقعة كلما قرأت أو سمعت عن المختفين قسرياً، وكان آخرها عندما أُلقى القبض فجراً على زملاءنا الستة من القيادات العمالية لهيئة النقل العام، ومكثوا خمسة أيام دون أن نعلم مكان حبسهم .. خمسة أيام لا نعلم عنهم شيء.. خمسة أيام عاشتها أسرهم بين الرجاء والأمل.. خمسة أيام عاشتها أسرهم ومحاميهم فى اللف على أقسام الشرطة والنيابات والبحث وراء أى كلمة أو إشارة تفضح مكان حبسهم.. خمسة أيام كل ما كنا نطمح إليه هو أن نعرف مكان حبسهم، وأن يصل صوتنا إليهم، لنقول لهم لستم وحدكم وأننا معكم، وهذه هى الرسالة التى يجب أن نعمل جميعاً على إرسالها لزملائنا فى محبسهم.. رسالة مهمة لكل سجين تجعله قادر على تحمل وحشة الحبس، وتجعله قادر على هزيمة الخوف.

نحن معكم نتابع أخباركم، نعلن كل يوم تضامننا معكم، نحكى حكايتكم، نرد على الاتهامات الموجهة إليكم، نؤكد للجميع شرف قضيتكم وعدالة مطالبكم.. نحن معكم مساندين لعائلاتكم، ومصممين على إخراجكم إلى النور.

كمال عباس

المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية

إضافة تعليق جديد