ملاحظات أولية بشأن قـانون الخدمة المدنية

الاثنين, مارس 23, 2015 - 20:28

بتاريخ 12 مارس 2015 وقبل يوم واحد من انعقاد المؤتمر الاقتصادى بمدينة شرم الشيخ صدر القرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 بقانون الخدمة المدنية وتم نشره بالعدد 11 (تابع) من الجريدة الرسمية جنباً إلى جنب مع القرار بقانون رقم 16 الصادر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية والقرار بقانون رقم 17 الذى تضمن تعديل حزمة من التشريعات الاقتصادية [بعض أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 (الشركات) وقانون الضريبة العامة على المبيعات وقانون ضمانات وحوافز الاستثمار وقانون الضريبة على الدخل.

ورغم أن التصريحات الحكومية خلال الشهور القليلة الماضية قد أفصحت أكثر من مرة عن اتجاه واضح إلى إصدار القانون قبل المؤتمر الاقتصادى باعتباره عنواناً للإصلاح الإدارى .. وأحد المتطلبات اللازمة لتوفير البيئة الجاذبة للاستثمار.. ورغم أن مسودات متكررة لمشروع القانون قد تم تداولها إعلامياً.. وأخباراً مبتسرة قد تناهت عن مناقشة مشروع القانون فى مجلس الوزراء ثم إعادته إلى وزارة العدل لتعديل ثلة قليلة من مواده - فضلاً عن أكثر من حديث تليفزيونى للسيد وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى عن فلسفة القانون واتجاهاتــــــــه العامة .. إلا أنه يمكن القول أن إصدار القانون عشية المؤتمر الاقتصادى - الذى كان الشاغل الرئيسى إذا لم نقل الوحيد فى بلادنا لما يقارب الأسبوع قد فاجأ الجميع وعلى الأخص المخاطبين بأحكامه من العاملين فى أجهزة ومؤسسات الخدمة المدنية .. وبدا وكأنه التتمة النهائية لإخراج القانون فى غيبتهم وإقصائهم عن عملية صناعته ، وآلية إعداده .. وهى الآلية التى تستدعى ما يلى من الملاحظات:

  • وفقاً لوزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى بدأت آلية إعداد القانون بتشكيل اللجنة العليا للإصلاح التى يترأسها وزيرها وتضم رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة نائبا للرئيس، وعضوية ممثلين عن الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ووزارة المالية وعدد من أساتذة الإدارة بالجامعات المصرية، والمستشارين القانونين، وممثلى المجتمع المدنى.. حيث يتلاحظ فى شأن هذه اللجنة ما يلى:

  • غياب ممثلى العاملين رغم أنه من المفترض أن نقاباتهم هى أولى منظمات المجتمع المدنى ذات الصلة.

  • غيبة المعايير التى تم الاحتكام إليها فى اختيار ممثلى المجتمع المدنى فى اللجنة [ذلك أننا لا نعرف من هم أعضاء اللجنة من المجتمع المدنى]

  • أن اللجنة التى ظلت تجتمع مرة أسبوعياً على امتداد بضعة أشهر خلال النصف الثانى من عام 2014 –وفقاً لوزارة التخطيط أيضاً- لم تسعَ إلى إطلاع القوى المجتمعية – على الأخص المعنية- على تطورات عملها .. بل أنها لم تفترض أصلاً – للأسف – أن هذه القوى ينبغى أن تكون شريكاً وليس مجرد متلقٍ أو مفعول به ينتظر نتائج أعمال الحكومة [لجانها وخبرائها] ، فلا يناط بغير التنفيذ.

  • أن الخطوات المتتابعة لآلية إعداد المشروع – وفقاً للوزارة – قد شملت دراسة دستور 2014 والقوانين المنظمة للخدمة المدنية ودراسة التجارب الدولية والإقليمية ودراسة المقترحات المقدمة من بعض الوزارات والأجهزة الرقابية والهيئات القضائية واستطلاع رأى خبراء الخدمة المدنية ووزراء التنمية الإدارية السابقين، ورؤساء الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة السابقين، ورأى وزاراتى المالية والتضامن الاجتماعى للمواد ذات الأثر المالى ورأى ممثلين من الوزارات فى مجال الخدمة المدنية .. ثم العرض على مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية.. حيث يتلاحظ فى هذا الصدد ما يلى أيضاً:

  • أن آلية إعداد القانون بخطواتها قد سقط منها تماماً إجراء حوار مجتمعى حول مشروع القانون.. إن اللجنة تدرس، وتستطلع آراء وتتلقى مقترحات لكنها لا تدير حواراً

  • ولعله جدير بالتوقف ما نشره موقع جريدة الوطن التى انفردت- وفقاً لها- " بنشر مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد، الذي أعدته وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، وأرسلته إلى قسم التشريع بمجلس الدولة تحت عنوان «سري جدًا وغير قابل للتداول»، لمراجعته قبل عرضه على رئاسة الجمهورية، تمهيدًا لإصداره"

إن المشاركة المجتعية.. والحوار المجتمعى يفترضا بالضرورة ألا تحاط عملية صناعة القانون بالسرية ثم يفاجأ بها المخاطبين بأحكامها قوانين حاكمة يتوجب عليهم احترامها.. إن المجتمع الذى تصاغ القانون فى غيبة قواه الحية والاجتماعية يصعب عليه أن يكون مجتمع سيادة القانون.

  • إن المنحى ذا الطابع الفوقى الذى اتخذته آلية إعداد القانون قد أدى إلى أزمة نادى مستشارى النيابة الإدارية الذى اضطر إلى إعلان موقفه الرافض للمشروع شكلاً وموضوعاً فى مؤتمر صحفى بسبب ضعف قنوات الحوار والتفاوض.. وإذا كانت الحكومة قد استجابت إلى ملاحظات النيابة الإدارية الهامة فى شأن المادة 57 من القانون – التى لم تكن فقط حرصاً على صلاحيات النيابة الإدارية وإنما أيضاً دفاعاً على حق المجتمع فى الرقابة ، وحقوق الشاكين والمبلغين فى الحماية- فإن العاملين فى القطاع الحكومى- المخاطبين بأحكام القانون- الذين لم يتسن لهم الإطلاع على القانون وتقديم مقترحاتهم بشأنه قبل إصداره لم يعانوا فقط من ضعف قنوات الحوار والتفاوض وإنما – للأسف- انسدادها تماماً.

وفضلاً عن ذلك جاء توقيت إصدار القانون عشية المؤتمر الاقتصادى ليبدو الامر وكأن المستثمرين وأصحاب الأعمال هم الطرف الوحيد الذى تعنى الحكومة بمخاطبته والتعامل مع احتياجاته فيما يسقط من الحسبان سبعة ملايين من العاملين فى الحكومة.

 

ثانياً : فلسفة القانون

لا يوجد عاقل فى هذا البلد لا يدرك أهمية الإصلاح الإدارى لجهاز الدولة ، ويعرف كيف أصاب العطب هذا الجهاز خلال العقود الماضية.. غير أن إصلاح هذا الجهاز وتطويره لا تستغرقه فقط أغراض شغل الوظائف على أساس الكفاءة وبناء صف ثان من القيادات ومحاولات بث الحيوية وضخ الدماء الجديدة فى البنى الوظيفية حاتى تتجاوز مشاكل ضعف الكفاءة وترهل الأداء.. إن الإصلاح الإدارى الحق لأجهزة الدولة- من وجهة نظرنا- يبدأ من الحوكمة .. من إعمال الشفافية وقواعد الحكم الرشيد بما تفترضه ابتداء من كفالة المشاركة والرقابة المجتمعية..

إن التقييم العادل الموضوعى لما أصاب أجهزة الدولة الإدارية من فساد وترهل يفترض أن يبدأ بتقييم الدولة لسياساتها عبر العقود العجاف الماضية وكيف انتهت بنا إلى ما وصل إليه الحال، ليس فقط لتحمل مسئوليتها عما كنا قد وصلنا إليه وإنما لوضع الاستراتيجيات والبدائل الصحيحة الممكنة لتحدى هذه الحال.. ذلك أنه من غير الجائز ومن غير الممكن إلقاء اللائمة على العاملين فى هذه الأجهزة الذين كانوا دوماً مفعولاً به لا شركاء.. كما أنه لا يمكن تصور ثورة إدارية على الآداء أو الهياكل الوظيفية دون أن تكون ثورة ديمقراطية .. من أجل احترام البشر جميعهم .. مقدمو الخدمة ومتلقو الخدمة .. الاعتراف بحقهم جميعاً فى الرقابة المجتعمية على أجهزة الدولة التنفيذية .. المشاركة قى صنع سياساتها وتوجهاتها، والحق فى المعرفة الذى يبدأ من معرفة القوانين التى يجرى إعدادها، وينتهى بمعرفة النواقص وأوجه القصور وأسبابها لكى يمكن للجميع تجاوزها.

ثالثاً : ملاحظات أولية بشأن القانون

المفاهيم والمبادئ والأحكام العامة

  • خلافاً للقانون الملغى رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة .. صدر القرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 باسم قانون الخدمة المدنية.. وهو تعديل محمود على أية حال.. حيث تتلخص أسباب التغيير- وفقاً لتصريحات لجنة الإصلاح الإدارى - فى فلسفة القانون الجديد الذى لا ينصرف إلى تنظيم شئون العاملين المدنيين بالدولة فقط وإنما إلى تنظيم الخدمة المدنية ذاتها ..

غير أن هذه الفلسفة لم تنعكس بصورة كافية فى مواد القانون التى استهلت بالنص على أن " الوظائف المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة والجدارة ، وهى تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب" [مادة 1] فيما لم تتم الإشارة إلى حق الحصول على الخدمة المدنية .

إن فلسفة الاسم الجديد والقانون من وجهة نظرنا كانت تستدعى النص فى أولى مواد القانون على أن الوظيفة العامة (أو المدنية ) حق لجميع المواطنين ، كما أن الحصول على الخدمة المدنية أيضاً حق لجميع المواطنين المستحقين لها وفقاً لمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز على أساس الجنس أو الدين أو الوضع الاجتماعى أو الرأى السياسى.

كما أن التزام الحيدة والتجرد والشفافية فى تقديم الخدمة العامة للمواطنين كان يتطلب النص على ذلك فى الأحكام العامة باعتباره التزاماً من أجهزة الدولة وليس إحالته إلى واجبات العاملين "الأفراد" فى الباب السابع المخصص للسلوك الوظيفى و التأديب ليبدو قيداً على الحرية بدلاً من أن يكون تعزيزاً لها.. والاكتفاء باستحداث القسم [اليمين الذى يؤديه شاغلوا الوظائف العليا قبل مباشرة عملهم].. رغم وضوح المقصد الطيب منه.

  • استحدث القانون مجلس الخدمة المدنية بدلاً من لجنة شئون الخدمة المدنية [فى القانون الملغى رقم 47 لسنة 1978].. حيث اكتسب المجلس طابعاً مؤسسياً فيما (لائحة داخلية / أمانة فنية)، وضم فى عضويته خمسة خبراء فى الإدارة والموارد البشرية والقانون ، وتوسعت اختصاصاته لتتضمن ما يمكن اعتباره تطوير مفاهيم الخدمة المدنية واستراتيجياتها، متجاوزاً اختصاصات وضع التعليمات التنفيذية التى كانت تنعقد للجنة القديمة.

كما حلت لجان الموارد البشرية محل لجان شئون العاملين فى الوحدات الإدارية واتسع عددها إلى خمسة أعضاء بدلاً من ثلاثة لتضم فى عضويتها أحد القانونيين وأحد المتخصصين فى الموارد البشرية.

إن أحداً لا يسعه إنكار الحاجة إلى تطوير هيئات الخدمة المدنية، والانتقال من مفهوم متابعة شئون العاملين إلى تطوير الموارد البشرية.. بكل ما يتطلبه ذلك من الإدارة الرشيدة للموارد والاستفادة منها على النحو الأمثل بالتدريب ، واكتشاف القدرات وتنميتها

غير أنه من الملاحظ أن هذه الهيئات التى باتت تضطلع بمهام أكثر اتساعاً وأوسع أفقاً قد استلبت منها صلاحيات اتخاذ القرار وباتت هيئات استشارية أو شبه استشارية على النحو الذى يخشى معه فى واقع الحال من المزيد من تركز السلطات وتضييق دائرة صنع القرار.

إن مجلس الخدمة المدنية لا تتجاوز صلاحياته جميعها إبداء الرأى وتقديم المقترحات دون اتخاذ أية قرارات بل أن اللجنة القديمة – رغم أنها كانت لجنة وليست مجلساً- قد عهد إليها وضع اللائحة التنفيذية للقانون الملغى ..بينما استأثر رئيس مجلس الوزراء بإصدار اللائحة فى هذا القانون.

وتبقى الفريضة الغائبة.. الرقابة والمشاركة المجتمعية.. وإعمال قواعد الحوكمة.. إن وجود خمسة خبراء فى مجلس الخدمة المدنية من خارج الهياكل الوظيفية لأجهزة الدولة لا يعنى تمثيل المجتمع المدنى فى هذا المجلس.. بينما ينخفض تمثيل العاملين فى لجان الموارد البشرية من الثلث إلى الخمس فضلاً عن احتمال استبعاد تمثيلهم حال عدم وجود نقابة [أو لجنة قانونية وفقاً للمصطلح الوارد فى القانون المتمسك بتراث العقود الماضية!!]

  • لقد نص القانون فى المادة 13 منه على أن يكون التعيين فى الوظائف الحكومية من خلال إعلان مركزى على موقع بوابة الحكومة المصرية متضمناً البيانات المتعلقة بالوظيفة وشروط شغلها على نحو يكفل تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين ، ويكون شغل تلك الوظائف بامتحان ينفذه الجهاز من خلال لجنة اختبار، كما نص على شغل وظائف الإدارة العليا والإدارة التنفيذية بالتعيين عن طريق مسابقة ولمدة أقصاها ثلاث سنوات، يجوز تجديدها لمرة واحدة (المادة 21).. ولاشك أن هذه المحددات والضوابط التى استنها القانون لضمان تكافؤ الفرص، والمحاسبة وتطوير الآداء تمثل اتجاهاً جاداً لتحدى الفساد والعطب الذى أصاب أجهزة الدولة الإدارية غير أنه يظل غير كافٍ ما لم يحاط بضمانات الرقابة والشفافية وحرية تداول المعلومات .

حقوق العاملين

  1. الأجور :

  2. اتجه القانون إلى البدء فى معالجة مشكلة اختلالات هياكل الأجور التى تراكمت عبر عقود من خلال زيادة نسبة الأجر الوظيفى (الأساسى) إلى الأجر المتغير (المكمل) .. حيث جعل الحد الأدنى للأجر الوظيفى – وفقاً للجداول الثلاثة مبلغ 835 جنيها شهرياً.. فيما يبلغ الحد الأقصى للأجر الوظيفى مبلغ 2065 جنيهاً..

ورغم ما تضمنته الإشارات الأولى فى بعض ما نشر عن تباين الاتجاهات بشأن نسبة الأجر المكمل إلى مجموع الأجر.. وتضاربت الأقوال فى شأن هذه النسبة [20% أو 40%].. فإن القانون الصادر قد خلا من تحديد أى نسبة كما أن نص المادة 40 من القانون يثير ما يلى من الإشكاليات فى هذا الشأن:

  • أن نظم الأجر المكمل (المتغير) قد أحيلت بكاملها إلى قرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء بمراعاة طبيعة عمل كل وحدة ونوعية الوظائف بها وطبيعة اختصاصاتها ومعدلات آداء موظفيها مما يفتح الباب مجدداً أمام إعادة إنتاج الاختلالات الهيكلية الحادة فى الأجور بكل ما شهدته ونشهده من غياب العدالة ، وإهدار قاعدة الأجر المتساوى للعمل المتساوى القيمة .

  • أن القانون لم يتصدِ لحل مشكلة تعريف البدلات التى نعرف جميعنا أنها باتت أجراً موازياً مفتوحاً .. ذلك أن كثير من البدلات يتم منحها مقابل القيام بجانب من العمل الأصلى الذى يدخل فى صميم الوظيفة.. وإذا كنا نسلم بالحاجة إلى التعديل التدريحى لما بلغناه من اختلال هياكل الأجور.. فإننا على الأقل فى حاجة إلى تعريفات قانونية واضحة ومحددة.

ولعله جدير بالذكر أن القانون رقم 47 لسنة 1978 كان يحدد فى المادة 42 أنواع البدلات على سبيل الحصر، ورغم ذلك بلغ التوسع فى احتساب البدلات هذا المبلغ الذى رأيناه نتيجة تدنى الأجور الأساسية إلى حد الهزل لفترة طويلة.. فمن الطبيعى أن يخترق القانون إذا أصبح خارج التاريخ والواقع.. غير أننا إذا أردنا إعادة الأمور جميعاً إلى نصابها توجب علينا تسمية الأشياء بمسمياتها ومواجهة الخلل بحلول واضحة منطقية وشفافة حتى ولو كانت تدريجية.

  • أن مقابل وظائف الإدارة العليا والتنفيذية يبدو أيضاً معالجة قانونية للحد الأقصى المربوط فى الجداول المرفقة وإذا كان ذلك مفهوم أيضاً.. فإنه من غير المفهوم أن يترك ذلك كله ليتحدد وفقاً للأحوال.

  • رغم التقدم الذى طال انتظاره بإلغاء ما كان يتضمنه جدول العلاوة الدورية من أرقام عفا عليها الزمان.. فإننا نتمسك نطالب مجدداً بعلاوة دورية موحدة لجميع العاملين المصريين بنسبة 7% من الأجر .. ولا يعد ذلك تزيداً للأسباب التالية:

  • أن القانون ينص على نسبة العلاوة الدورية إلى الأجر الوظيفى فقط دون الأجر المكمل.

  • أن القانون قد نص فى المادة 39 منه على أن تضم العلاوات الدورية المقررة بمقتضى هذا القانون (فقط) إلى الأجر الوظيفى .. فيما يطرح للتساؤل مصير العلاوات الاجتماعية التى اعتاد عليها العاملون سنوياً كمعادل لمعدلات التضخم وزيادة الأسعار.

ولا يقدح فى ذلك منح العاملين المتميزين علاوة تشجيعية بنسبة 2.5% (نسبة لا تزيد على 10% من العاملين على كل درجة فى كل مجموعة نوعية).. وهى إضافة إيجابية ، وإن ظلت المعايير التى حددتها المادة رقم 37 من القانون غير كافية لكفالة الحيدة والمعايير الموضوعية فى تحديد الحاصلين على هذه العلاوة.

  • ويبقى إصدار قانون عام بشأن الحد الأدنى للأجور مطلباً هاماً لجميع العاملين فى كافة القطاعات.

 

قياس الكفاءة

لا ينبغى أن يخضع ترقى العامل وتدرجه لغير معيارى الكفاءة والأقدمية (العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) .. وإذا كانت الأقدمية معياراً منضبطاً فى ذاته بحكم طبيعته .. فإن معيار الكفاءة ينبغى ضبطه قانوناً على النحو الذى يكفل الشفافية والعدالة والمساواة.

حسناً جعلت المادة 25 من القانون تقويم الآداء على مرتين على الأقل قبل وضع التقرير النهائى.. غير أنها قد أحالت غير ذلك من ضوابط وإجراءات التقويم إلى اللائحة التنفيذية.. من ذلك ما كان ينص عليه القانون 47 لسنة 1978 من وجوب إخطار العاملين الذين يقل آدائهم عن المستوى العادى طبقاً للقياس الدورى.. فضلاً عن إجراءات التظلم ومواعيده.

وإجمالاً.. تبقى معايير قياس الآداء واحدة من أبرز الأمور المطروحة على اللائحة التنفيذية

 

السلوك الوظيفى والتأديب

يعكس الباب السابع من القانون جانباً من فلسفة القانون التى أسلفنا الإشارة إليها.. حيث يتبدى واضحاً الاتجاه إلى تشديد محاسبة العاملين وكأنهم يتحملون مسئولية وتبعات ترهل الجهاز الإدارى وضعف كفاءته.. إن الكفاءة لا يولدها الخوف من الحساب، كما أن الفساد قد ترعرع فى ظل ترسانة من القوانين حيث نفذ من بين ثغرات تشابكها وتعقيداتها.. إن الكفاءة وحسن الآداء والانضباط يتولدون ويتطورون فى ظل بيئة عمل ديمقراطية تخضع لمبادئ الحوكمة والشفافية والحكم الرشيد، وتكفل المحاسبة العادلة وعدم التعسف .

وفى هذا الصدد يؤحذ على القانون ما يلى:

  • منح الرؤساء المباشرين مزيد من السلطات فى توقيع الجزاء [خصم من الأجر يصل إلى عشرة أيام فى المرة الواحدة، وهو جزاء يترتب عليه وقف الترقية لمدة ستة أشهر]..

  • تجاوزت المادة 64 من القانون فيما تضمنته من جوازية استيفاء الغرامة التى توقع على الموظف الذى انتهت خدمته – والتى تضاعف حدها الأقصى من خمسة أضعاف الأجر الأساسى إلى عشرة أضعاف الأجر الوظيفى- من معاشه الشهرى بما لا يجاوز ربعه وذلك استثناءً من أحكام قانون التأمين الاجتماعى .. حيث تجدر الإشارة هنا إلى ما يلى:

  • أن الأمر يتعلق هنا بمخالفة تأديبية ترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة وليس جريمة جنائية (استيلاء أو تسهيل استيلاء على أموال عامة ...) وأننا نتحدث عن غرامة وليس رد أموال.

  • أن الحماية التى أسبغها قانون التأمين الاجتماعى على المعاش الشهرى الذى يتقاضاه العامل المتقاعد إنما ترتبط بكفالة حق الإنسان فى توفير الحماية الاجتماعية اللازمة له بعد بلوغه سن الشيخوخة وتقاعده.. وهو حق لا ينبغى الاجتراء عليه على هذا النحو .

ساعات العمل والإجازات

  • من اللافت للنظر أن ينص القانون فى المادة 43 منه على الحد الأدنى لعدد ساعات العمل أسبوعياً دون النص على الحد الأقصى.. وإذا اعتبرنا أن الحد الأدنى سائغاً هنا باعتباره حماية لحق متلقى الخدمة .. فإنه من غير المعقول إغفال حق مقدميها فى تحديد الحد الأقصى لساعات العمل.

إن تحديد ساعات العمل ليس فقط أحد حقوق العمل الرئيسية التى لا يجوز أن يغفلها القانون وإنما هو أيضاً أحد العنصرين الجوهرين لعقد العمل [أجر محدد مقابل عدد محدد من ساعات العمل]

وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن مقابل ساعات العمل الإضافية لا يفترض أن يكون أحد عناصر الأجر المكمل للأجر الوظيفى ذلك أنه أجراً عن عمل آخر- يفترض أن يحدده القانون بنسبة محددة من أجر ساعة العمل الأصلية- مثلما يحدد القانون فى المادة 44 مقابل تشغيل الموظف فى أيام العطلات والمناسبات الرسمية.

فيما يتعلق بالإجازات

  • احتفظ القانون للعاملين بحقهم فى الإجازات التى كان يقررها القانون المُلغى رقم 47 لسنة 1978 غير أنه أسقط- لغير سبب يمكن فهمه- الحق المستقر واللازم فى أن تتضمن الإجازة الاعتيادية ستة أيام متصلة على الأقل !!

  • اتخذ القانون اتجاهاً محموداً فيما نص عليه من حق الموظف من ذوى الإعاقة فى إجازة اعتيادية سنوية مدتها خمسة وأربعين يوماً دون التقيد بعدد سنوات الخدمة ، وحق المرأة العاملة فى إجازة وضع لمدة أربعة أشهر بحد أقصى ثلاث مرات طوال مدة عمليها [بدلاً من ثلاثة أشهر فى القانون رقم 47 لسنة 1978]

وبعـــــــــد..

صدر القرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 بإصدار قانون الخدمة المدنية .. ويستمر العمل باللوائح والقرارات القائمة حالياً إلى أن يصدر رئيس مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به [اليوم التالى لنشره فى الجريدة الرسمية].

وإذا كانت آلية إعداد القانون قد سقط منها تماماً إجراء حوار مجتمعى حقيقى .. فإن علينا أن نذهب فوراً إلى حوار مجتمعى تشارك فيه كافة الأطراف الاجتماعية ، والمخاطبين بأحكام القانون بشأن اللائحة التنفيذية للقانون.

 

دار الخدمات النقابية والعمالية

الإثنين الموافق 23/3/2015