ملاحظـــــــــــــاتنا
بشأن
الصياغة النهائية
لمشروع قانون العمل الجديد
لأن قانون العمل-كما سبق القول مراراً- تشريعُ اجتماعي يمس حياة الملايين من العمال المصريين، وينظم العلاقة بين أطراف اجتماعية تتباين مواقعها ومصالحها.. فإنه من الطبيعي أن يكون محط اهتمام كبير، وأن يحظى بنصيب وافر من الجدل الاجتماعى.. ومن اللازم أن يدور بشأنه حوارٌ مجتمعيٌ حي وحقيقي يتسع لكافة الأطراف الاجتماعية وتُتاح المشاركة فيه لجميع المخاطبين بأحكامه من خلال آليات فاعلة ديمقراطية تكفل تمثيل فئاتهم وقطاعاتهم المتنوعة وتعبيرهم عن مصالحهم ومواقفهم دون إقصاء أو استبعاد لأحد.
إن تسعة عشر عاماً ليست بالعمر القصير بالنسبة للتشريعات الاجتماعية التى يفترض قصر دورتها ، وسرعة تغييرها استجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية -على الأخص- إذا اقترن سريانها بزمان يحفل بكبيرات الأحداث كتلك التى عاشتها مصر خلال الأعوام الأخيرة.
كان الكثيرون قذ ذهبوا- ونحن معهم- إلى حاجتنا إلى قانون جديد للعمل.. تمشياً مع المتغيرات والمستجدات التى طرأت على ساحة العمل منذ صدور القانون الحالى رقم 12 لسنة 2003 .. وانطلاقاً من خبرات تطبيقه على امتداد العقد السابق، وما كشفت عنه من مثالب وثغرات تتعين معالجتها.
لهذا.. كان مفترضاً أن تكون فلسفة القانون الجديد هى الاستجابة لهذه الحاجات جلية الظهور، والتصدي لإشكاليات الواقع الفعلي وتناقضاته التى يقصر القانون الحالى عن معالجتها.. فلسفة القانون الجديد ينبغى أن تبدأ إذن من قراءة المتغيرات والمستجدات ، ودراسة المثالب والثغرات التى كشف عنها تطبيق القانون الحالى، والتى يمكن اختصارها فيما يلي:
وتضاف إلى ذلك الدواعي التالية لإصدار القانون:
نحن بحاجة –إذن- إلى قانون يتصدى للأزمات والمشكلات التى عانى منها عالم العمل فى واقعنا خلال السنوات الماضية، والتي نراها ويراها الكثيرون- فيما نعتقد- دليلاً كافياً على عطب القانون الحالى، والحاجة الملحة إلى تغييره.. نريد إعمال دستور 2014 – مفاهيمه ونصوصه- من خلال قانون يطابقها ويطبقها.. ونريد التوافق مع مواثيق واتفاقيات العمل الدولية والوفاء بالتزاماتنا فى شأنها.
فإذا لم يستجب مشروع القانون الجديد لهذه الحاجات، إذا أبقى على الغالبية العظمى من أحكام القانون الحالي كما هي، إذا لم تكن هناك فلسفة واضحة مغايرة تبرر إصدار قانون جديد، إذا كان الأمر مجرد بعض التعديلات للقانون الحالي، ففيم كان الذهاب إلى إصدار قانون جديد للعمل؟!
واستناداً لما سبق ، وبناءً عليه، ولما كانت لدينا اعتراضات جوهرية على مشروع القانون المقدم فى صياغته النهائية بعد العرض على قسم التشريع بمجلس الدولة .. فإننا نقدم ملاحظاتنا بشأنه مؤكدين على حق جميع المخاطبين بأحكام القانون فى إبداء الرأى فيه، وداعين كافة القوى والأطراف المعنية بالأمر، والسادة البرلمانيين إلى إيلائه ما يستحقه من العناية والاهتمام باعتباره أحد التشريعات الاجتماعية الأهم ذات التأثير المباشر على مصالح وأوضاع قطاعات وفئات واسعة من شعبنا المصرى.
أبرز الملاحظات على الصياغة النهائية للمشروع:
الأمان الوظيفي
واحدة من أهم مثالب قانون العمل الحالى- وربما كبرياتها - كانت نصوص المواد 104، 105، 106 وإجمالاً معالجة القانون للعقد محدد المدة .. حيث أُطلِق العنان- دون كابح- لعقود العمل المؤقتة التى قدمت الحكومة –خلال العقد الأول من القرن- المثل الأسوأ فى استخدام العاملين بموجبها.. ولم تعد من حاجة إلى التحايل على القانون بعد أن نزل القانون نفسه على مقتضيات هذا التحايل.
ورغم أن مسودة مشروع القانون الأولى المقدمة من وزارة القوى العاملة كانت قد عادت إلى جادة الحق، وصحيحه وأصله حيث نصت فى المادة رقم 68 منها [صدر الكتاب الثالث/ الباب الأول/ الفصل الأول] على أن "يبرم عقد العمل الفردى لمدة غير محددة، ويجوز إبرامه لمدة محددة فى حالة القيام بأعمال موسمية أو أنشطة أخرى لا يمكن بحكم طبيعتها أو بحسب العرف، اللجوء فيها ابتداءً إلى عقود غير محددة المدة".. إلا أن مسودة مشروع القانون الصادرة بتاريخ 22/11/2016 ثم الصياغة النهائية له قد نزلا على مطالبات اتحاد الصناعات فى هذا الشأن واستجابا لجنوح أصحاب العمل إلى استخدام العاملين بعقود مؤقتة دون قيد أو شرط.. .. حيث نصت المادة 69 من المشروع على أن "يبرم عقد العمل الفردى لمدة غير محددة ويجوز إبرامه لمدة محددة لا تقل عن سنة ، كما يجوز باتفاق الطرفين تجديد العقد لمدد أخرى مماثلة"..وفى هذا الصدد ينبغى توضيح النقاط التالية:
فى الحالات الأولى والثانية والرابعة يُرد الأمر إلى أصله حال عدم النص على خلاف ذلك.. أى أن علاقة العمل تكون غير محدد المدة إذا لم يكن هناك عقداً مكتوباً أو إذا لم ينص فى العقد المكتوب على خلاف ذلك.. بينما فى الحالة الثالثة يعد المشروع تجديد العقد لمدة أو مدد تزيد فى مجموعها على أربع· سنوات.. فهل يعقل ذلك؟.. المشروع لا يعد تجديد العقد أكثر من مرة قرينة على أنه عقد غير محدد المدة "مُبَطن" إلا إذا زادت مدد تجديده على أربع سنوات..أى أن صاحب العمل يمكنه ويحق له تشغيل العامل بعقود مؤقتة تتجدد سنوياً لمدة أربع سنوات دون أن يعد ذلك عملاً دائماً؟!.. أربع سنوات يظل العامل خلالها مفتقداً أمانه الوظيفي، مُهدداً بإنهاء عمله (أو وفقاً للمشروع عدم تجديد العقد) فى نهاية السنة التى تحرر بها العقد المؤقت (محدد المدة ).. هل يمكن لهذا العامل أن يطالب بحقٍ ضائع من حقوقه.. أن يتقدم بشكوى إلى مكتب العمل أو مكتب التأمينات الاجتماعية.. ثم هل يمكن لهذا العامل أن يتدرب ، أن يسعى إلى تطوير مهاراته والتقدم فى عمله؟!
عانينا جميعاً خلال السنوات السابقة من التناقض والالتباس بين أحكام الباب الخامس والباب السابع من قانون العمل الحالى.. حيث تنص المادة 68 من القانون على أن يكون الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة للمحكمة العمالية ، وتحدد المادة 69 على سبيل الحصر الحالات التى لا يجوز فصل العامل فى غيرها (الفصل الثانى من الباب الخامس)، بينما تنص المادة 110 (الباب السابع/ انقضاء علاقة العمل) على أنه "إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، جاز لكلٍ من طرفيه إنهاؤه بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابةً قبل الإنهاء. ولا يجوز لصاحب العمل أن ينهى هذا العقد إلا فى حدود ما ورد بالمادة 69 من هذا القانون أو ثبوت عدم كفاءة العامل طبقاً لما تنص عليه اللوائح المعتمدة. كما يجب أن يستند العامل فى الإنهاء إلى مبرر مشروع وكاف يتعلق بظروفه الصحية أو الاجتماعية أو الاقتصادية"، ثم تتضمن المواد التالية لهذه المادة (111 إلى 118) الأحكام التى تنظم إخطار كل من صاحب العمل والعامل الطرف الآخر بإنهاء علاقة العمل.
إن النتيجة العملية لهذا الالتباس كانت تتبدى بوضوح أمام المحاكم العمالية .. حيث يتمسك الطرف العمالى بمخالفة قرار فصل العامل لنصوص القانون (المادة 68/69) بينما يدفع صاحب العمل باستخدامه حقه فى إنهاء علاقة العمل وفقاً لنص المادة 110 من القانون.. وأحياناً تحكم المحكمة بمخالفة قرار الفصل للقانون.. بينما يصدر الحكم أحياناً معتبراً الأمر إنهاء لعقد العمل من جانب صاحب العمل ولا يستحق العامل فى هذه الحال أكثر من التعويض عن عدم الإخطار قبل الإنهاء (ما يعادل أجر شهرين أو ثلاثة أشهر فى أفضل الأحوال)
لقد كان مفترضاً أو متوقعاً أن يعمد القانون الجديد إلى تجاوز هذا الالتباس الواضح المعيب فى القانون الحالى .. غير أننا فوجئنا بالمادتين 129، 130 وما يليهما من مواد مشروع القانون تماثل أحكامها تماماً أحكام المادة 110 (الحالية) وما يليها من قواعد تنظيم عملية الإنهاء والإخطار..
ولما كان الأمر هنا متعلقاً بواحد من أهم الحقوق الجوهرية التى ينظمها قانون العمل .. فإنه يهمُنا إبراز النقاط التالية :
لذلك.. فإنه من غير المستساغ إفراد نصوص قانونية لتنظيم إنهاء علاقة العمل من جانب صاحب العمل والعامل خلافاً للنصوص التى تنظم أحكام الفصل والاستقالة.. كما أنه من غير المقبول تبرير ذلك بالقول أن النص هنا ينظم حالات التراضي بين الطرفين.. حيث غنى عن الذكر أن حالات الرضاء لا تستدعى تنظيمها بمثل هذه القواعد والشروط والأحكام.
إن الحاجة إلى إفراد قانون لتنظيم عقود وعلاقات العمل .. الحاجة إلى قانون العمل إنما جاءت- بالضبط- لأن أحد طرفي عقد العمل أضعف اجتماعياً على النحو الذى يستدعى حمايته.. ليس فقط انطلاقاً من الاعتبارات الأخلاقية وحق كل إنسان فى الحياة الكريمة، وإنما أيضاً حرصاً على مقومات العملية الإنتاجية، واستقرار المجتمع، وسبل تطوره وتنميته.
ولهذا.. فإن جوهر فلسفة قانون العمل- الذى عرفته البشرية لتحقيق هذه الأغراض- هو حماية الطرف الأضعف اجتماعياً فى علاقة العمل.. وهو لهذا يمثل الحد الأدنى قانوناً لحقوق العاملين حيث لا ينبغى النزول عنه بينما يمكن الزيادة عليه فى الاتفاقيات واللوائح والعقود.
ولا يقدح فى ذلك أن القانون ينبغى أن يحقق التوازن بين طرفي العملية الإنتاجية ، لكي يوفر سبل الحوار والتعاون بينهما.. ويحقق أهداف استقرار العمل وزيادة الإنتاج.. حيث حماية الطرف الأضعف اجتماعياً إنما تستهدف بالضبط تحقيق التوازن بين الطرفين.
لعل الاستقالة المحررة سلفاً التى يوقعها العامل كُرها مع استمارة 6 تأمينات الشهيرة لدى استلامه العمل -لاستخدامها قناعاً لقرار فصله عند الحاجة- كانت ولم تزل واحدة من أبرز المشاكل وصور التعسف التى يتعرض لها العمال فى الواقع العملي .. حيث لم يفلح قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003 فى معالجتها رغم زعمه التصدي لها بالنص على أنه "لا يعتد باستقالة العامل إلا إذا كانت مكتوبة، وللعامل المستقيل أن يعدل عن استقالته كتابةً خلال أسبوع من تاريخ إخطار صاحب العمل للعامل بقبول الاستقالة، وفى هذه الحالة تعتبر الاستقالة كأن لم تكن" [المادة 119].. ظل العمال يجبرون على توقيع استقالاتهم قبل استلامهم العمل، ويعجزون عن إثبات شكليتها، أو إثبات عدولهم عنها خلال أسبوع من تاريخ إخطارهم بقبولها.. فتاريخ الاستقالة وتاريخ قبولها وسائر التواريخ تتحدد وتسجل وفقاً لإرادة صاحب العمل!!
إننا-لذلك-نؤكد استحسان معالجة مشروع القانون المقدم لهذه الظاهرة الكريهة، وتصديه لها بالنص فى مادته رقم 140 على ألا "يعتد باستقالة العامل إلا إذا كانت مكتوبة وموقعة منه أو من وكيله ومعتمدة من الجهة الإدارية المختصة".. وإذا كان اشتراط مثل هذا الإجراء الشكلي (الاعتماد من الجهة الإدارية) هو الوسيلة الناجعة الممكنة الآن- فيما يبدو- لإبطال الاستقالات المكتوبة والموقعة سلفاً.. فإننا نشدد على التمسك به باعتباره واحداً من مزايا المشروع المقدم- غير الكثيرة-.
الأجور
لعله غنىٌ عن التأكيد أن الأجور هى الشأن الأهم فى علاقة العمل .. أو أنها بالأحرى محورها.. ذلك أن عقد العمل فى جوهره هو أجر مقابل عمل.. أجر محدد لقاء عمل محدد وفقاً لشروط محددة.. فإذا قصُرت المعالجة التشريعية عن وضع الضوابط والمعايير اللازمة لتحديد الأجر.. إذا ارتبك تعريف الأجر بين صوره المتعددة .. تعذر استقرار علاقات العمل وباتت منازعاتها واقعاً يومياً.
على خلاف ما نصت عليه المادة 34 من قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003- لم تنتظم آلية المجلس القومى للأجور.. بل أنها تعطلت تعطلاً شبه كامل فيما عدا استثناءات قليلة لمحاولات الانعقاد لم تنجح فى تحقيق نتائجها.. وفى ظل غياب حد أدنى "منطقي" للأجر- عام وملزم ومطبق على العاملين فى جميع القطاعات- بتنا أمام ما يمكن اعتباره فوضى الأجور.. أجر ثابت صغير القيمة وأجور متغيرة ليس لها من ضابط سوى أوضاع سوق العمل، ولا يشمل منها الأجر التأميني سوى القدر اليسير.. لتظل كل من هذه العناصر مثاراً للجدل ومحلاً لمنازعات عمل دائمة.. العمال يطالبون بزيادة الأجر التأميني "الذى تسدد عنه الاشتراكات وتحتسب المستحقات التأمينية وفقاً له" وأصحاب العمل يرفضون ويتضررون من زيادة الأعباء (حصة الاشتراكات التأمينية التى يقومون بسدادها).. طريقة احتساب العلاوة الدورية والمطالبة بالعلاوة الاجتماعية (الخاصة).. فضلاً عن عناصر الأجر المتغير وطرق احتسابها.
ولأننا ينبغي أن نتعلم ونستفيد من خبرة ستة عشر عاماً عجزت خلالها آلية المجلس القومي للأجور عن الانتظام، ولأنه من غير المستساغ أن نترك تحديد الحد الأدنى للأجر- وهو الأمر الجوهري، والمحوري فى علاقات العمل- لآلية أثبتت عجزها خلال السنوات الماضية، فإننا نقترح أن يعمد قانون العمل الجديد مباشرةً إلى تحديد الحد الأدنى للأجر موفراً له صفتي العمومية والإلزام، على أن ينص على أن يزاد هذا الحد الأدنى سنوياً بما يعادل معدل التضخم، أو يقاربه، بينما تظل للمجلس الأعلى للأجور باقى الاختصاصات التى ينص عليها المشروع.
وفضلاً عن ذلك نبدى فى هذا الشأن ما يلى من الملاحظات على مشروع القانون :
ويبدو واضحاً أن دواعي هذا التعريف المستحدث هى محاولة التصدي لتعقيدات الأوضاع الراهنة، وتعدد طرائق احتساب الأجر..غير أننا لا نرى فى ذلك تقدماً يذكر فى تعديل الأوضاع المعقدة وفوضى الأجور على الأرض ، والتصدي للمشكلات الفعلية التى تؤدى إلى الكثير من منازعات العمل.
ويتضمن ما تنص عليه المادة 78 من تشكيل المجلس نصاً غريباً فى شأن ممثلى العمال ..فهم وفقاً لهذه المادة "أربعة عمال يمثلون العمال يختارهم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر المعنى"
مشروع القانون هنا يحدد الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (التنظيم شبه الرسمى) دون غيره من المنظمات النقابية العمالية ، ثم هو يعطيه صفة المعنى التى لا نرى لها محلاً أو دلالة هنا .. أولاً لأننا بصدد شأن على المستوى القومى يفترض أنه يعنى جميع المنظمات النقابية العمالية- لسنا بصدد الحديث عن شأن قطاعي أو جغرافي أو شأن يتعلق بإحدى المنشآت لكى يعنى به تنظيماً نقابياً معيناً-وثانياً كيف يمكن لقانون أن يحدد اسم منظمة نقابية ويعتبرها وحدها المعنية – على سبيل الحصر-!!!
نصت المادة 12 من مسودة مشروع القانون المقدم من الحكومة على أن "يستحق العاملون الذين تسري فى شأنهم أحكام هذا القانون علاوة سنوية دورية فى تاريخ استحقاقها لا تقل عن (7%) منالأجر التأميني......." فيما تم استبدال الأجر الأساسي بالأجر التأميني فى مسودة المشروع المعدل من لجنة القوى العاملة بالبرلمان.
وواقع الحال أن احتساب نسبة العلاوة الدورية من الأجر التأميني يضر ببعض قطاعات العاملين الذين يتجاوز أجرهم الأساسي أجرهم التأميني، فيما يضر احتسابها من الأجر الأساسي بقطاعات أخرى على الأخص العاملين صغار السن فى شركات القطاع الخاص، وفى جميع الأحوال ينبغي من وجهة نظرنا أن تحتسب نسبة العلاوة الدورية من الأجر الفعلي الذى يحصل عليه العامل أي الأجر الشامل ، أو بالأحرى الأجر كما يعرفه مشروع القانون "كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله".
تنص المادة 42 من الدستور على أن "يكون للعاملين نصيب في إدارة المشروعات، وفى أرباحها..."
ويتلاحظ أن نصيب العمال فى الأرباح كان أيضاً واحداً من أسباب منازعات العمل الجماعية على امتداد السنوات الماضية، ورغم أن بعض قوانين الشركات تحدد نسبة من صافي الأرباح للعاملين إلا أن قانون العمل ينبغى له أن يتصدى لتحديد طريقة احتساب الأرباح وآليات اقتضائها.
وكالات الاستخدام
عانى الكثير من العمال المصريين خلال السنوات الماضية من عمليات التشغيل "من الباطن" والتى امتدت من بعض القطاعات إلى غيرها حتى باتت ظاهرة شبه سائدة فى قطاعات البترول والمرافق والمقاولات.
هذه العمليات كانت تتم تحايلاً على القانون الحالى الذى لم يتح ولا يتيح تكوين شركات لاستخدام العمال تقوم بتشغيل عمالها لدى شركات أخرى [مقاولى أنفار].. لذلك كانت هذه الشركات تسجل قانوناً باعتبارها شركات خدمات تتولى تقديم خدمات معينة لشركات أخرى [أمن / حراسة/ صيانة/ نظافة.. الخ ] .. ولما كانت هذه الشركات تنشأ من باطن الشركات الأم فإن العلاقة بينهما تصاغ على الورق خلافاً للواقع .. وفى كثير من الأحيان لا يتجاوز الأمر ترتيبات على الورق لا علاقة لها بالواقع حيث أن جميع العمال يعملون لدى الشركة الأصلية بينما تقسم تبعيتهم القانونية [على الورق] بين شركتين أو ثلاث .. يحدث ذلك لغرض التحايل على الحقوق المقررة للعاملين ، والالتفاف عليها ، وإهدار الحماية التى يسبغها القانون عليهم.
ولأنها صارت مشكلة كبرى فى سوق العمل فقد ارتفعت أصوات العمال المطالبة بالتصدي لهذه الظاهرة غير القانونية .. وشهدت السنوات السابقة العديد من الحركات العمالية الاحتجاجية للمطالبة بإنهاء هذه الأوضاع ، وتسكين العمال فى الشركات التى يعملون بها فعلياً لضمان حقوقهم ووقف بعض صور التمييز بين العمال المُسجلين "ورقياً" كعاملين فى شركات مختلفة.
من المفترض أن يتصدى القانون الجديد للأزمات والمشاكل التى عانى منها عالم العمل فى واقعنا خلال السنوات الماضية .. غير أنه من غير الجائز –تماماً – أن تتم معالجة ظواهر التحايل على القانون بتقنينها وإضفاء المشروعية عليها خاصة إذا لم يكن لها سند من قواعد العدالة ، وليس لها ما يبررها من أسس موضوعية اللهم سوى ميل بعض أصحاب العمل إلى التنصل من التزاماتهم قبل الطرف الآخر فى العلاقة (العمال).
أحسنت مسودة المشروع الأخيرة المقدمة من الحكومة صنعاً في تعديل نص المادة 45 منها وإلغاء ما كانت تنص عليه المسودات السابقة عليها من أنه "يجوز لهذه الوكالات إلحاق عمالها لدى منشآت أخرى دون المساس بأجورهم"
لكن يبقى ذلك غير كافٍ ..حيث نبدي ما يلي من الملاحظات ؛
النص على المساواة بين العمال فى الحقوق أمرٌ مستحسن وهام- وكان منصوصاً عليه فى قانون العمل الحالى- واعتبار صاحب العمل الأصلى متضامناً فى الوفاء بجميع الالتزامات التى تفرضها أحكام القانون ربما يُمكن العمال من مطالبة صاحب العمل الذى يعملون لديه فعلياً بحقوقهم.. غير أن شركات الخدمات والأمن والحراسة الوهمية ستظل وفقاً لهذا النص تمارس دور مقاول الأنفار.. الحكومة تعلم، لكنها تبدو متواطئة، والمشرع يغض الطرف عن مواجهة ممارسات مقاولي الأنفار.
لذلك نقترح إضافة مادة مستحدثة إلى مشروع القانون –تسبق مباشرة المادة 76-تحدد الأعمال التى يجوز فيها لصاحب العمل أن يعهد إلى صاحب عمل آخر بتأديتها على ألا تكون من الأعمال أو الوظائف الأصلية التى تتصل بنشاط منشأته، وتشترط ألا تتجاوز نسبة العمال لدى صاحب العمل الآخر 10% من العمال لدى صاحب العمل الأصلي.
الأحكام العامة
تنص المادة (3) فى مسودة المشروع المقدمة على "أن يعتبر هذا القانون هو القانون العام الذى يحكم علاقات العمل"..وذلك- للتضييق من الحالات التى تخرج عن نطاق سريانه من ناحية، ولضرورة وجود نصوص عامة حاكمة لكافة علاقات العمل- ولو كان لها تشريع خاص- عند خلو هذا التشريع من تنظيم وقائع معينة-"...حيث يطابق نص المادة هنا الفقرة الأولى من المادة 3 من قانون العمل الحالى ، ويؤكد مجدداً الاتجاه الذى برز عند إعداده إلى توحيد التشريعات العمالية حرصاً على استقرار علاقات العمل وتقريب مستويات العمل فى القطاعات المختلفة.. إلا أنه ورغم أن القانون رقم 12 لسنة 2003 لم يستثنِ من نطاق سريانه سوى فئات ثلاث على سبيل الحصر- فئتي العاملين بالدولة بما فى ذلك وحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة، وعمال الخدمة المنزلية ومن فى حكمهم اللتان أبقى مشروع القانون على استثنائهما، وأفراد أسرة صاحب العمل الذين التفت عنهم المشروع - ظلت بعض وحدات القطاع العام غير خاضعة للقانون.. بل أن بعض شركات قطاع الأعمال العام ما برحت تجادل فى مدى خضوعها لبعض أحكامه.
إننا إذ نؤكد انحيازنا إلى توحيد التشريعات التى يؤدى تعددها وتداخلها إلى إرباك المخاطبين بأحكامها، والمسئولين عن إنفاذها- هذا التوحيد الذى كان ولم يزل مطلباً للكثير من العاملين فى مختلف القطاعات الذين يرون فى تعدد التشريعات سبباً لإهدار الحقوق وتجسيداً لانعدام المساواة- نرى أهمية التقدم صوب تحقيق هذا الهدف حتى إذا لم يكن ممكناً الآن تطوير قانون موحد لعلاقات العمل ينطبق أيضاً على العاملين فى الجهاز الإداري للدولة.. لذلك نرى التمسك – على الأقل- بما يلى:
حيث يجدر بالذكر هنا أن قسم التشريع بمجلس الدولة قد رأى ضرورة تنظيم القانون للحق فى الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين فى ظل خلو قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 من أية أحكام تتعلق بتنظيمه ، حتى لا تكون الدولة أمام حالة فراغ تشريعي فى هذه النقطة.
ولا يقدح فى ذلك ما يُساق من مبرر لعدم تطبيق قانون العمل على عمال الخدمة المنزلية- من قبيل"عدم اقتحام الحياة الخاصة فيما لو سمح لمفتشي العمل الدخول للمنازل باعتبارها أماكن عمل للتحقق من تطبيق القانون".. حيث يمكن استثناء أعمال الخدمة المنزلية من أحكام الباب الأول من الكتاب الخامس (تفتيش العمل والضبطية القضائية).. دون أن نحرم هؤلاء العمال من حماية حقوقهم فى شأن الأجور وساعات العمل والإجازات وغيرها، وأن نوفر لهم أيضاً الحق في الشكوى.
تيسيراً على العمال استحدث مشروع القانون حكماً بإعفائهم من اشتراط توقيع محام على صحيفة افتتاح الدعوى أو صحيفة الطلبات الموضوعية- وعمد فى نفس الوقت إلى محاولة الاستجابة لحاجتهم إلى الدعم والمساندة القانونيين بما نصت عليه المادة 158 من إنشاء مكاتب للمساعدة القانونية العمالية فى مقر كل محكمة ابتدائية وبكل مقر أخر تنعقد به المحكمة العمالية .. غير أن أ مشروع القانون قد كف عن التصدي للمشكلة الأبرز التى يعانيها العمال فى هذا الصدد منذ صدور قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003، وهى الحكم على العامل رافع الدعوى فى حالة رفضها بالمصروفات القضائية..
إن العامل لا يلجأ إلى القضاء عبثاً، أو إساءة لاستخدام حق التقاضى.. وهو كثيراً ما يخسر دعواه لعجزه عن إثبات حقه أو إقامة الدليل على صدق ادعائه.. فإذا به يُعاقب على محاولته اقتضاء حقه ويُطالب أيضاً بسداد المصروفات القضائية.
لذلك .. نطالب بتعديل نص المادة 8 من الأحكام العامة بإلغاء عبارة "ولها فى حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"
العمالة غير المنتظمة
اكتفى مشروع القانون فى شأن العمالة غير المنتظمة بالنص فى المادة 31 منه على أن "تتولى الوزارة المختصة رسم سياسة ومتابعة تشغيل العمالة غير المنتظمة .....الخ"، وفى المادة 32 منه على أن "ينشأ صندوق لحماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ، ويتبع الوزير المختص....." على أن يصدر رئيس مجلس الوزراء قراره بتشكيل مجلس إدارة الصندوق، ولائحة نظامه الأساسي، والرسوم المقررة ونظام تحصيلها من صاحب العمل الذي يستخدم عمالة غير منتظمة بما لا يقل عن 1%، ولا يزيد عن 3% مما تمثله الأجور من الأعمال المنفذة، بينما يصدر وزير القوى العاملة قراراً باللائحة المالية والإدارية للصندوق.
ثم قامت لجنة القوى العاملة بالبرلمان بتعديل المادة حيث أضافت إليها الخدمات التى يقدمها الصندوق.
ويجدر بالذكر هنا أن الآلية التى ينص عليها المشروع لحماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة هي ذاتها الآلية (الصندوق) التى نص عليها القانون الحالي، ولم تُجدِ نفعاً فى توفير الحماية للعمالة غير المنتظمة، ولم تقدم لها شيئاً اللهم بعض الإعانات التى يتم صرفها فى أضيق الحدود لعدد محدود جداً من العاملين منسوباً إلى الأعداد الواسعة منهم التى باتت تمثل نسبة لا يستهان بها على الإطلاق من العمال.
مرةً أخرى.. تميل الحكومة إلى معالجة الأمر بطريقة الجباية.. حيث يبدو أن الشغل الشاغل هو تحصيل الرسوم المقررة من أصحاب العمل، دون أن تقدم حلاً للمشكلة الأكبر والأهم فى هذا الصدد.. وهي ؛ كيف يمكن احتساب وتسجيل أيام العمل الفعلية التى يعملها العمال غير المنتظمون لدى أكثر من صاحب عمل واحد ؟ ، لكي يمكن توفير الحماية القانونية ، والمظلة التأمينية لهم.
وبناءً عليه ، نقترح تكوين هيئة [لجنة/ قطاع/..] بوزارة القوى العاملة يتبعها موظفين بمكاتب العمل ، ويعهد إليها بهذه المهمة ، مهمة تطوير آليات لقيد وتسجيل العمال غير المنتظمين [على سبيل المثال يلتزم صاحب العمل بإمساك دفاتر يومية يقيد بها العاملون، كما يلتزم بتقديم أسماء العمال المؤمن عليهم مع الاشتراكات التأمينية التى يقوم بسدادها]
وعلى الحكومة أن تبدأ بنفسها ، من خلال آلية لقيد جميع العاملين (عمالة غير منتظمة/ موسمية/ يومية/ مؤقتة) الذين يعملون فى الشركات ومع المقاولين العاملين فى مشروعاتها.
على أن تؤخذ فى الاعتبار ضرورات التكامل مع التشريعات الاجتماعية الأخرى على الأخص نظام التأمينات الاجتماعية·، وقانون المنظمات النقابية العمالية (تمكين العمال غير المنتظمين من تكوين منظمات نقابية فاعلة تدافع عن حقوقهم، وتتبنى مطالبهم).
بشأن الإسراف فى أنشاء المجالس العليا
التدريب والتشغيل - -- الحوار الاجتماعي
وفقاً للتبويب الجديد، انتقل التدريب من موقعه القديم فى ذيل القانون إلى موقع متقدم فى باب واحد مع التشغيل.. غير أن فلسفة هذا التبويب الجديد كانت تفترض تطوير استراتيجيات قومية لتنمية الموارد البشرية بما يعينه ذلك من ارتباط وثيق بين سياسات التدريب والتشغيل.
ووفقاً لذلك يبدو من غير المفهوم الإصرار على إبقاء مجلس لتنمية الموارد البشرية (المادة 16)، ومجلس تنفيذي له فى دائرة كل محافظة برئاسة المحافظ المختص، وصندوق لتمويل التدريب والتأهيل ، ثم مجلس قومي لتخطيط وتشغيل القوى العاملة فى الداخل والخارج (المادة 30) .. رغم أنه من المفترض ان يعمل كلٌ من المجلسين على دراسة أوضاع أسواق العمل واحتياجاتها وإعداد استراتيجيات واضحة لتطوير فرص العمل المتاحة وتأهيل وتدريب الأيدي العاملة فى ضوء هذه الاحتياجات والفص.
الجدير بالذكر أن رئيس مجلس الوزراء كان قد أصدر قراره رقم 705 لسنة 2014 بتشكيل المجلس القومى لتنمية الموارد البشرية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية خمسة عشر وزيراً ومدير مشروع إصلاح التعليم الفني والتدريب المهني ورئيسي الجهازين المركزين للتعبئة والإحصاء والتنظيم والإدارة .. فضلاً عن ستة أعضاء يمثلون أصحاب الأعمال والعمال تختارهم منظماتهم (ثلاثة لكل منهم). وقد تضمنت اختصاصات هذا المجلس - فضلاً عن وضع السياسات القومية والاستراتيجيات التنفيذية لتنمية الموارد البشرية من خلال نظم التعليم والتدريب – متابعة معلومات سوق العمل ومتابعة آليات الاستخدام الأمثل للموارد البشرية وتوجيهها ورفع كفاءتها، وإقرار الآليات التنفيذية لوضع معايير قياس للمهارات والجدارات، ومنح تراخيص مزاولة العمل على أساسها.
ويتبع هذا المجلس القومى- وفقاً للقرار المشار إليه مجلسين تنفيذيين أحدهما للتعليم الفني والتدريب المهني ويرأسه وزير التربية والتعليم- صدر بتشكيله قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 706 لسنة 2014 - ، والآخر لتنمية مهارات القوى البشرية ويرأسه وزير القوى العاملة والهجرة – وقد صدر بتشكيله قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 707 لسنة 2014 - حيث تضمنت اختصاصاته أيضاً متابعة وتنفيذ الخطة القومية لاستخدام القوى العاملة فى الداخل والخارج .
ورغم أن قرار تشكيل هذا المجلس قد أحيط آنذاك بقدرٍ لا بأس به من الحفاوة والدعاية باعتباره يأتي استجابة لضرورات التنمية ودواعيها .. إلا أننا لم نشهد تفعيلاً أو نشاطاً فعلياً لهذا المجلس القومي ومجلسيه التنفيذيين .. ربما لتكوينه المتخم بالوزراء وكأنه مجلساً نصفياً لهم !-
ربما يجدر بالذكر هنا أننا ننحاز بعض الشئ إلى ملاحظة قسم التشريع بمجلس الدولة بشأن كثرة المجالس حيث نخشى من الاتجاه إلى التصدي لكل من التحديات والمشكلات بمجلس دون الاشتباك الفعلي معها باستراتجيات متكاملة واضحة .. إن قراءة خبرة السنوات الماضية ربما تؤشر إلى عطب هذه الطريقة فى المعالجة ..فوفقاً لقانون العمل الحالى كان لدينا المجلس القومى للأجور الذى يتشكل من ثمانية أعضاء بحكم وظائفهم، وأربعة أعضاء يمثلون منظمات أصحاب الأعمال، وأربعة أعضاء يمثلون العمال ويختارهم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"التنظيم النقابى الرسمى" ويختص بوضع الحد الأدنى للأجور،والعلاوة السنوية.
وكان هناك أيضاً مجلس استشاري للعمل يتشكل من تسعة أعضاء بحكم وظائفهم، وثلاثة أعضاء يمثلون منظمات أصحاب الأعمال، وثلاثة أعضاء يمثلون العمال ويختارهم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"التنظيم النقابى الرسمى" ويتولى إبداء الرأى فى مشروعات القوانين المتعلقة بالعمل، واتفاقيات العمل الدولية قبل التصديق عليها.
وفضلاً عن ذلك.. ينشأ المجلس الاستشاري الأعلى للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، واللجنة العليا لتخطيط واستخدام القوى العاملة فى الداخل والخارج، والمجلس الأعلى لتنمية الموارد البشرية، وصندوق تمويل التدريب والتأهيل.
هذه جميعها هيئات يفترض أنها تضم مسئولين تنفيذيين، وممثلين للعمال وأصحاب الأعمال.. وهذه جميعها هيئات لا يسمع عنها أحد شيئاً، لا يعرفها العمال، ولم يبلغ المجتمع بإعلامه وصحافته ونشطائه عنها خبراً.. وهى فى الأعم الأغلب لا تجتمع- اللهم نادراً- ولا تنتج أثراً يستدل بها عليها.. وليس ثمة من يتذكرها أو يحاسبها... حيث لا مجال لذكرها فى غير قانون العمل، وربما فى بعض التقارير التى تقدمها الحكومة المصرية لمنظمة العمل الدولية، أو جهات دولية أخرى.
وهذه جميعها هيئات يفترض أنها- وفقاً للقانون الحالى على الأقل- قد أُنيط بها وأُوكل إليها تطوير السياسات المتعلقة بالتشغيل وأوضاع العمالة فى الخارج، وتدريب العمالة..فضلاً عما يتعلق بحماية بيئة العمل.. وقبل ذلك كله الأجور.. حيث لا يؤدى تعطلها إلى تعطيل الحوار الاجتماعى بشأن هذه الأمور ذات الأثر الجلل فقط، وإنما-أيضاً- إلى افتقاد أى سياسة فى شأنها أصلاً.
الحوار الاجتماعى
فى تعقيبها على ملاحظات مجلس الدولة بشأن إنشاء المجالس العليا والمجالس التنفيذية تقول وزارة القوى العاملة أن تلك المجالس واللجان العليا تمثل "التزاماً بحكم الاتفاقية الدولية رقم 150 لسنة 1978 التى صدقت عليها مصر فى 17/11/1991.... وتلتزم مصر بهذه الآلية الدولية الفعالة فى إدارة العمل فى تشريعاتها العمالية السابقة على هذا المشروع فهذه الأحكام غير مستحدثة
ويساعد هذا النظام على إيجاد الحلول التى تستعصي على الحكومة منفردة ، وبإشراك الحكومة لمنظمات العمال وأصحاب الأعمال فى إعداد قراراتها يكون لديها طائفة أوسع من المعلومات والخيارات وتصبح أكثر إدراكاً لاحتياجات ومصالح العمل والعمال، وينعكس ذلك على صنع القرار"
يبدو الرد هنا بليغاً ورشيداً .. ونحن إذ نتفق مع ضرورة تفعيل آليات الحوار الاجتماعى ، كما نستحسن إنشاء المجلس الأعلى للحوار الاجتماعى ومجالسه الفرعية فى المحافظات· – وإن تحفظنا على رئاسة المحافظين لها- نشفق من بقاء هذه المجالس كسابقتها.. ذلك أن الحوار الاجتماعى يفترض أولاً إطلاق الحق فى التنظيم من القيود التى تكيله، وتمكين الأطراف الاجتماعية بشرائحها وفئاتها من تكوين منظماتها التى تعبر عن مصالحها.. الحوار الاجتماعى يفترض ويقتضى أولاً إطلاق الحق فى تكوين النقابات التى يبادر العمال أنفسهم إلى إنشائها ويمارسون فعالياتهم من خلالها.. بدلاً من محاصرة هذا الحق ، وإغلاق جميع المنافذ وإهدار جميع الفرص المتاحة أمام النقابات المستقلة عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"الحكومي".
حق الإضراب
نود أولاً التأكيد على ما يلى:
كما ينص العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المادة الثامنة منه على حق الإضراب باعتباره من الحقوق التى تتعهد الدول الأطراف بكفالتها.
ودولتنا وفقاً للمادة 93 من دستور 2014 تلتزم "بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة"
غير أننا نبدى ما يلى من الملاحظات على النصوص المنظمة للإضراب فى مشروع القانون [200-204]:
إن الإقرار بحق العمال فى الإضراب تماشياً مع الدستور، ونزولاً على الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من الحكومة المصرية يتم النكوص عليه فعلياً بالقيود والشروط التعجيزية التى يضعها مشروع القانون على ممارسة هذا الحق وذلك على النحو التالى:
وكان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003 قد صدر تطبيقاً لنص المادة 194 من قانون العمل الحالى – المطابقة لهذه المادة- معتبراً من قبيل هذه المنشآت: منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي والمستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات، و المخابز، ووسائل النقل الجماعي للركاب (النقل البرى والبحري والجوى) ووسائل نقل البضائع، ومنشآت الدفاع المدنى، ومنشآت مياه الشرب والكهرباء والغاز والصرف الصحى، ومنشآت الاتصالات، ومنشآت الموانئ والمنائر والمطارات، فضلاً عن العاملين فى المؤسسات التعليمية)!!
حيث يجدر بالذكر هنا أن تقرير لجنة الخبراء بشأن تطبيق معايير واتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن الحالة المصرية قد تحفظ على "تقييد حق الإضراب فى مؤسسات خدمية لا تعد أساسية وفقاً للتعريف الدقيق لهذا المصطلح".
كما رأى قسم التشريع بمجلس الدولة أنه يتعين تحديد مفهوم تلك المنشآت، أو بيان معايير تحديدها بموجب القانون، دون الاكتفاء بمجرد تحديدها بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء، نظراً لمساس هذا الحكم بأصل الحق.
إن العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينص فى المادة الرابعة منه على أن " تقرر الدول الأطراف فى الاتفاقية بأنه يجوز للدولة ، فى مجال التمتع بالحقوق التى تؤمنها تمشياً مع الاتفاقية الحالية ، أن تخضع هذه الحقوق للقيود المقررة فى القانون فقط وإلى المدى الذى يتمشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط ولغايات تقرير رفاهية العالم فى مجتمع ديمقراطى فقط".. فهل يمكن اعتبار تقييد حق الإضراب بالإخطار المسبق عن تاريخ نهايته أمراً يتماشى مع طبيعة هذا الحق؟ ..وهل يمكن اعتبار ذلك التزاماً بالاتفاقية الدولية أم مخالفة صريحة لنصوصها؟
وتبقى فى هذا الصدد ثلاث ملاحظات أساسية:
إن الوسيلة الوحيدة لتقليل عدد الإضرابات هى تفعيل آليات الحوار والمفاوضة الجماعية ، هى تعزيز الديمقراطية النقابية بكل ما تتضمنه من حق تكوين النقابات بحرية ، وحق المفاوضة الجماعية ، وحماية ممثلى العمال.
· كانت مسودة المشروع الواردة من الحكومة قد نصت على فى الحالة الثالثة على تجديد العقد لمدة أو مدد تزيد فى مجموعها على ست سنوات، ثم حاولت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب تفادي الانتقادات التى تم توجيهها إلى هذا النص بتخفيض مجموع المدد إلى أربع سنوات.
· إعادة تقدير قيمة الأجور، ونسبة الاشتراكات الشهرية المدفوعة عنها وفقاً لحساب اكتواري جديد يأخذ فى اعتباره مصلحة المؤمن عليه أولاً وحقه فى الحماية الاجتماعية بدلاً من مراكمة الأموال فى الصندوق، وإجراء حصر للعمال الذين باتوا غير قادرين على العمل، وتطوير نظام لاقتضائهم معاشات شهرية.
· من الغريب أنه صدر فى 26 إبريل 2018 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 799 لسنة 2018بإنشاء المجلس الأعلى للحوار المجتمعي في مجال العمل برئاسة وزير القوى العاملة ، وتضم عضويته ممثلين عن وزارات التضامن الاجتماعي، والاستثمار والتعاون الدولي، والتجارة والصناعة ، والعدل ، والقوى العاملة، وشئون مجلس النواب، والتربية والتعليم والتعليم الفني، والزراعة واستصلاح الأراضي، والتنمية المحلية ، والسياحة على ألا يقل المستوى الوظيفى لكل منهم عن الدرجة العالية، كما تضم العضوية 6 أعضاء من رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة منظمات أصحاب الأعمال المعنية، و6 أعضاء من رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة اتحادات العمال المعنية ، ويكون للمجلس أمانة فنية .