موت عامل

مقالات
الجمعة, مارس 22, 2013 - 11:15

 

عن واقعة مقتل مصطفى أحمد أبو ضيف.. مشرف محطة مترو الجيزة

ككل صباح وكعادته قبل أن يغادر متوجهاً إلى عمله، دخل عليها كانت نائمة تطلع إلى وجهها وتملت عيناه بها، رآها فى ذلك الصباح كبرت وكأنها ازدادت طولاً وشعرها  أصبح أكثر غزارة عن ذى أمس وهو ينظر إليها لمح نظرة خبيثة من عيناها وكأنها ومضة ضوء ظهرت واختفت فجأة، لم يكن على يقين أنها نائمة فهو يعلم خبثها فهى عادة تدعى النوم وترقبه بطرف عيناها وهو يتأملها ويقبلها قبل أن يمضى إلى عمله كل صباح.

ولكن فى ذلك الصباح تخلت عن مكرها، عندما انحنى يقبلها لفت يديها الصغيرتين حول عنقه وضمته إليها وقالت له أنا بحبك قوى يا بابا، ارتجف جسده وصرت قشعريرة ببدنه فاحتضنها بحنو وقال لها أنت أحلى حاجة فى الدنيا عند عودتى سوف نذهب للمكتبة لنشترى لك كراسة رسم وألوان لكى ترسمى كل الرسومات اللى بتحبيها، وبسرعة فك يدها من حول عنقه وسحب يده المغروسة فى شعرها الكثيف واتجه إلى باب الشقة مغادراً، وفى طريقه إلى عمله هاجمته الأفكار والوساوس كيف ستكون الأيام القادمة وهل ستتحقق الأحلام الذى خرج من أجلها فى ثورة 25 يناير، هل فعلاً ستنعم ابنته فى العيش فى بلد يحترم كرامتها ولا يقصيها كونها امرأة، هل سيستطيع كونه عامل أن يعلم ابنته ويدخلها كلية الهندسة وتصبح مهندسة قد الدنيا وتبقى راسها براس المهندسين اللى عنده فى هيئة المترو.

فى الطريق سادت حالة من الاضطراب والخوف والحذر كسا وجوه الكثيرين من ركاب الأتوبيس، ففى الصباح الباكر بدأت قوات الشرطة فى فض اعتصامي رابعة والنهضة، رغم كل ذلك لم يستطع أن يمنع نفسه من التفكير فى أمر ما حدث بالأمس، فقد انتهت المفاوضات بين النقابة ورئيس الهيئة وأخيراً حدث اتفاق على زيادة الحوافز، هذه الزيادة سوف تحسن المرتب، راح يفكر فى أنه الآن يستطيع أن يأخذ ابنته ويسافر إلى بلطيم ضمن برنامج المصايف الذى تنظمه النقابة وأن عليه الاستعداد لذلك بشراء مستلزمات البحر، وأول شيء سيشتريه مايوه لابنته فقد كبرت وأصبح مقاس المايوه القديم غير ملائم ولن ينسى أن يشترى لها الطيارة الورق ففى المرة الماضية عندما كانت الطيارة تطير كانت الفرحة تملؤها وكأنها تطير معها وكلما ارتفعت الطائرة تعالت صيحاتها بالبهجة، عندما نزل من الأتوبيس كانت تسود الشارع حالة من الهياج وعند اقترابه من محطة مترو الجيزة حيث يعمل كانت حالة الهياج والذعر تسود الشارع فالمظاهرات أسفل المحطة كانت تتسم بالعنف وأصوات إطلاق الرصاص لا تنقطع.

وفور وصوله إلى المحطة صدرت لهم التعليمات بإخلاء المحطة من كل الركاب، راح هو وزملاؤه يمرون على الأرصفة ليتأكدوا من خلوها من أى من الركاب ويتأكدوا من أن أبواب المحطة تم إغلاقها.

فى تلك الأثناء وهو على الرصيف ليتأكد من خلوه من أى من الركاب حتى لا يتعرض أى أحد للأذى شعر بألم شديد ورأى دماً غزيراً يسيل على ملابسه، ولم يدرى بأى شيء بعد ذلك، سمع أصوات تتحدث حوله ووجوه زملاؤه تتراقص، لم يرى إلا وجه ابنته كان واضحاُ وكان الخوف يملأ عيناها، لم يستطع زملاؤه أن يفعلوا شيئاً جرو جسده واحتموا جميعاً خلف حيطان المحطة من رصاص المتظاهرين السلميين عندما ذهب زملاءه ليبلغوا أهله بالخبر كانت الطفلة جالسة على الأرض والأوراق حولها كان تلون رسوماتها بألوان مبهجة كانت ترسم شمس وطائرة ورق لا تعرف متى ستستطيع إطلاقها.

 

كمال عباس

المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية

إضافة تعليق جديد