"ماذا نريد من قانون العمل؟"
في المحلة.. تطالب بتقييد شركات التوظيف وتحقيق العدالة في الأجور
في إطار حملة "ما بعد قانون العمل"، نظّمت دار الخدمات النقابية والعمالية بالتعاون مع لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمل، ندوتها في مدينة المحلة الكبرى لمناقشة قانون العمل رقم 14 لسنة 2025، قبل دخوله حيّز التنفيذ في سبتمبر المقبل، وذلك بمشاركة واسعة من عمال القطاعات العام والخاص والعمالة غير المنتظمة.
الندوة، التي حملت عنوان "ماذا نريد من قانون العمل؟"، مثّلت محطة جديدة في جهود الاستماع إلى صوت العمال وتوثيق ملاحظاتهم على القانون الجديد وقراراته التنفيذية المرتقبة، بهدف الضغط من أجل إصدار قرارات تضمن حماية حقيقية لحقوقهم في مواجهة الهشاشة المتزايدة في سوق العمل.
رفض النصوص القديمة ومطالبات بالتعديل
وجّه المشاركون انتقادات واضحة لبقاء بعض المواد التي طالما طالبت الحركة العمالية بإلغائها، من بينها استمرار شرعنة العقود المؤقتة، وتقليص العلاوة الدورية إلى 3% فقط من الأجر التأميني، إلى جانب غموض تنظيم أوضاع العمالة غير المنتظمة، وغياب العدالة في أنظمة الأجور داخل المؤسسات.
رحمة رفعت، منسقة البرامج بدار الخدمات النقابية، افتتحت النقاش بالإشارة إلى أن القانون يحمل بعض الإيجابيات، مثل الاعتراف بأنماط العمل الجديدة كالعاملين عبر المنصات الإلكترونية، وتأسيس المحاكم العمالية، بالإضافة إلى إلغاء الاستقالة المسبقة التي كان يحتفظ بها أصحاب الأعمال لإجبار العامل على الرحيل. لكنها أكدت أن هذه الإيجابيات لا تكفي لتغطية الثغرات العميقة في القانون الحالي، كما أن بيان تنفيذها غير منضبطة.
العدالة في الأجور ومواجهة التوظيف عبر الوكالات
فيصل لقوشة، العامل بشركة مصر للغزل والنسيج، تحدّث عن غياب التدرج في هيكل الأجور، ما ساوى بين العمال الجدد وأقرانهم ممن أمضوا عقودًا في الخدمة، مطالبًا بضرورة تضمين العدالة الوظيفية في اللوائح التنفيذية.
كما لفت إلى أن التعيينات داخل شركته تُجرى حاليًا عبر شركات خدمات توظيف لا تلتزم بالحد الأدنى للأجور أو ضمانات التعاقد، مؤكدًا أن هذا النوع من "التوظيف غير المباشر" يحرم العمال من أبسط حقوقهم، بل يفصلهم قانونًا عن الجهة التي يعملون بها فعليًا، وهو ما لا يليق بمؤسسات مملوكة للدولة.
العمالة غير المنتظمة خارج الحسابات
تناول ياسر عبد المجيد، رئيس نقابة العاملين بالمعمار بالغربية، ما وصفه بـ"الغياب الكامل للعدالة الاجتماعية" في تعامل القانون مع ملايين العمال من القطاع غير الرسمي، مؤكدًا أن هؤلاء لا يشعرون بوجود القانون أصلًا، وأن علاقتهم الوحيدة بالوزارة هي كـ"مصدر دخل" مقابل رسوم قياس المهارة وترخيص مزاولة المهنة.
أما الدسوقي جابر، فشدّد على ضرورة تفعيل صندوق العمالة غير المنتظمة، خاصة لفئة السائقين الذين لا يحصلون على أي خدمات رغم مساهماتهم، مطالبًا بتوحيد اللوائح التنفيذية بما يتفق مع قانون التأمينات الاجتماعية لحماية هذه الفئات.
مطالبات بالرقابة وتوسيع الحقوق
السيد حبيب، القيادي العمالي في شركة غزل المحلة، دعا إلى تقنين مدد الوقف عن العمل بما لا يتجاوز شهرين بنصف أجر، أو دفع الأجر كاملًا إذا زادت المدة، كما طالب بأن تكون العلاوة في الشركات الصناعية بنسبة 10% من الأجر التأميني، وتقييد عمل شركات التوظيف ومراقبتها لضمان التزامها بالقانون.
قرارات تنفيذية مرتقبة.. وفرصة للتأثير
وفي تعقيبها على المناقشات والتساؤلات، أوضحت رحمة رفعت، منسقة البرامج القانونية في دار الخدمات النقابية، أن قانون العمل الذي سيبدأ تطبيقه رسميًا اعتبارًا من سبتمبر المقبل، إلا أن دخوله حيز التنفيذ لا يزال مشروطًا بصدور عدد من القرارات التنفيذية المكملة، التي سيصدر بعضها عن رئيس مجلس الوزراء، والبعض الآخر عن وزير العمل.
وبيّنت رفعت أن هذه القرارات ليست مجرد تفاصيل إدارية، بل تمثل مداخل فعلية يمكن من خلالها الضغط لصالح تحسين شروط العمل واستدراك بعض الثغرات التي تضمنها القانون نفسه. واستعرضت أبرز تلك القرارات المرتقبة، مشيرة إلى أنها تنقسم إلى مستويين:
أولًا: قرارات سيصدرها رئيس مجلس الوزراء وتشمل:
قرار تحديد المنشآت الاستراتيجية التي سيُحظر فيها الإضراب بدعوى الحفاظ على الأمن القومي. وحذّرت رفعت من التوسّع في تعريف "المنشآت الاستراتيجية"، لأن ذلك قد يؤدي إلى تجريم الإضراب في قطاعات واسعة من النشاط الاقتصادي، مما يقيد واحدًا من أهم أدوات العمال في الدفاع عن حقوقهم.
قرار تشكيل المجلس القومي للأجور وتحديد اختصاصاته، وهو ما اعتبرته فرصة مهمة يجب أن يُستغل لضمان تمثيل عمالي حقيقي داخل المجلس، وللمطالبة بوضع آلية عادلة لتحديد الأجور تتناسب مع مستويات المعيشة ومعدلات التضخم.
ثانيًا: قرارات تنفيذية سيصدرها وزير العمل ومنها:
لائحة الجزاءات النموذجية، التي ستمثل المرجعية في توقيع العقوبات التأديبية على العمال. وأكدت رفعت على ضرورة مراجعة هذه اللائحة جماعيًا لمنع استخدامها كأداة للترهيب أو الفصل
التعسفي.
كذلك قرار ترخيص مزاولة المهنة والذي سيحدد شروط وإجراءات الحصول على الترخيص، خاصة للعمالة غير المنتظمة. وهنا شددت على أهمية تقليل رسوم الحصول على الترخيص وتسهيل إجراءاته، حتى لا تتحول هذه الخطوة إلى عائق إضافي أمام العاملين في القطاع غير الرسمي.
وهناك قرار الحد الأدنى للخدمات الاجتماعية، والذي من المفترض أن يضع معايير ملزمة لما يجب أن توفره المؤسسات من خدمات للعاملين، مثل الرعاية الصحية والنقل والمرافق الأساسية، ما يعني إمكانية المطالبة بإدراج بنود واضحة تضمن الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي في أماكن العمل.
وأخيرا قرار بشأن الأعمال التجهيزية والتكميلية وهو القرار الذي سيُحدد نطاق هذه الأعمال، وهي فئة غامضة كثيرًا ما تُستخدم كذريعة لاستبعاد العمال من الحماية القانونية الكاملة.
كما أكدت رفعت أن دار الخدمات بالتعاون مع لجنة الدفاع عن الحريات النقابية تواصلان عقد سلسلة من الندوات في مختلف المحافظات لتجميع المطالب العمالية بدقة، وبلورتها في ملفات تُرفع إلى الجهات المسؤولة، لضمان ألا يتحوّل القانون الجديد إلى أداة أخرى لتقييد الحقوق، بدلًا من أن يكون أداة لضمانها.