نطالب بإيقاف محاكمة عمال الترسانة البحرية فى القضية رقم 2759 لسنة 2016 جنح عسكرية الإسكندرية، والإفراج الفورى عن العمال المحبوسين احتياطياً على ذمة القضية

بيانات صحفية
الاثنين, يوليو 11, 2016 - 11:09

تتابع دار الخدمات النقابية والعمالية ببالغ القلق محاكمة خمسة وعشرين عاملاً (بينهم عاملة) من الترسانة البحرية أمام القضاء العسكرى .. واستمرار حبس ثلاثة عشر عاملاً منهم لما يجاوز الأربعين يوماً وتشريد الآخرين بإجبارهم على الهرب دون ذنب اقترفوه سوى ممارسة حقوقهم الدستورية المشروعة فى التجمع السلمى.

وكان العاملون بالترسانة البحرية قد نظموا وقفة احتجاجية سلمية يومى الثانى والعشرين والثالث والعشرين من مايو الماضى مطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور- المقر من الحكومة، والذى كان قد طُبق بالشركة لمدة ستة أشهر ثم تم ايقاف العمل به- وتشغيل الورش المتوقفة وتوفير دواعى الأمن الصناعى اللازمة بما يضمن سلامة العمال، وإجراء حركة الترقيات المتوقفة، وتعديل نظام احتساب الحافز.. فضلاً عن زيادة منحة رمضان وعيد الفطر ، وسداد الشركة مديونيتها لصندوق الزمالة الذى تقتطع اشتراكاته من الأجور الشهرية للعمال!

ولما كانت إدارة الشركة قد دأبت على رفض التفاوض مع العمال وتجاهل مطالبهم ، فقد أخطروها باستمرار حركتهم الاحتجاجية السلمية، واتجاههم إلى الاعتصام بالشركة بدءاً من اليوم التالى (24 مايو) لحين الاستجابة لمطالبهم أو التوصل لحلول مرضية فى شأنها ..غير أنهم فوجئوا فى هذا اليوم بإغلاق بوابات الشركة ومحاصرة الشرطة العسكرية لها مع منعهم جميعاً من الدخول.(وهى الوقائع التى قام العمال باثباتها فى محضر الشرطة الذى قاموا بتحريره بقسم شرطة مينا البصل يوم 25 مايو الماضى.

تم إغلاق الشركة منذ ذلك اليوم وحتى الآن.. وأُلقى القبض على ثلاثة  عشر عاملاً وعاملة واحدة أُخلى سبيلها على ذمة القضية (السيدة سمر حنفى عبده حنفى).. فيما قررت النيابة العسكرية ضبط وإحضارأحد عشر عاملاً آخرين.. ثم قررت نيابة الإسكندرية العسكرية الكلية إحالة المتهمين فى القضية رقم 2759 لسنة 2016 جنح عسكرية الإسكندرية إلى المحاكمة العسكرية.. وهم العاملون الآتى أسماؤهم : محمد توفيق على موسى، عبد الرازق مرسى عبد الرازق، سامر ابراهيم السيد محمد، إسماعيل محمد إسماعيل محمد، إسلام ظريف عبد العزيز، مؤمن محمد ميمى محمد، كريم حميدة سلطان حمودة،  إيهاب سامى زكى محمد، محمد جودة محمد إبراهيم، محمد محمود السيد محمود، فاروق السيد إبراهيم محمد، محمد بسيونى على فراج، على إبراهيم على عبد الرحمن، سمر حنفى عبده حنفى، محمد مرسى رمضان إسماعيل، عمرو حمدى الشاذلى أحمد، شعبان جمال حسين محمود، عصام عبد الرحمن على، أحمد رسمى فرج شلبى، محمد عادل محمد أحمد، ، السيد ياسين جبريل محمد، محمد حسن أحمد عوض، أحمد مرسى عبد الرازق، إسلام السيد محمود ياقوت، أشرف حمدى جاد محمد.

وذلك على سند من اتهامهم بارتكابهم الجرائم المنصوص عليها فى المواد 124/1 ،2، 3 والمواد 124/أ/ 1،4 من قانون العقوبات. لأنهم "بصفتهم موظفين عموميين بشركة ترسانة الإسكندرية التابعة لجهاز الصناعات والخدمات البحرية بوزارة الدفاع حرضوا العاملين بقطاعات الشركة المختلفة على الامتناع عن العمل بأن قاموا بالدعوة للتجمع وتنظيم وقفة احتجاجية داخل الشركة بقصد عرقلة سير العمل والإخلال بانتظامه مبتغين تحقيق غرض مشترك وهو تحقيق مطالبهم المبينة بتقرير قطاع الأمن بالشركة المرفق بالتحقيقات وكان من شأن ذلك إحداث اضطراباً بجميع قطاعات الشركة والإضرار بالمصلحة العامة".

حيث يهم دار الخدمات النقابية والعمالية أن تسوق فى هذا الصدد ما يلى من النقاط:

أولاً: المحاكمة أمام القضاء العسكرى

تنص المادة 204 من دستور 2014 على أن "القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة ، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم ، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة.

ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أوالمناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك ، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم...."

إن الأصل – الذى لا يجوز الخروج عليه إلا فى أضيق الحدود ولدواعى تفوق أهميتها الاعتبارات الهامة الواجبة فى أى مجتمع ديمقراطى .. هو أن يحاكم المرء -  المواطن - أمام قاضيه الطبيعى. .. والا تجوز محاكمته أمام القضاء العسكرى..ورغم أن المادة الدستورية قد توسعت فى الحالات التى تبيح الخروج على هذا الأصل- والتى ينبغى ويفترض أن تعد استثناءً- إلا أن المبرر الذى سيق أثناء إعداد الدستور – كما نذكر جميعا ، وكما يمكن قراءته فى مضابط أعمال لجنة الخمسين- هو أن تعداد حالات المحاكمة أمام القضاء العسكرى على سبيل الحصر أفضل لكونه يستبعد كل ما عداها ولا يبيح اعتبار أى حالات أخرى ضمن الأحوال الاستثنائية التى تستدعى المحاكمة أمام القضاء العسكرى.

لقد كنا ومازلنا - رغم توافقنا على دستور 2014 – معترضين على إدراج المصانع الحربية ضمن المنشآت التى يجوز محاكمة من يتهم بالاعتداء عليها أمام القضاء العسكرى.. وقد قدمت دار الخدمات النقابية والعمالية مذكرتها بشأن الآراء العمالية فى الدستور إلى لجنة الخمسين – أنذاك- متضمنة الاعتراض على إدراج المصانع الحربية فى هذا السياق ومتحسبةً- على الأخص- من محاكمة العمال أمام القضاء العسكرى حال ممارستهم حقوقهم المشروعة فى الاضراب والاجتماع السلمى.

ولعلنا نذكر جميعاً أيضاً أن ممثلى القوات المسلحة فى لجنة الخمسين قد استبعدوا تماماً – أثناء أعمال اللجنة- اعتبار الإضراب أو التجمع السلمى واحدة من الحالات التى تجوز فيها محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى.. مؤكدين أن نص المادة واضح فيما يتضمنه من اشتراط الاعتداء المباشر على المنشأة.

وبناءً على ما تقدم .. نؤكد على ما يلى:

     أن الحالات المجيزة لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى –وفقاً لنص المادة 204 من الدستور- لا تتضمن الترسانة البحرية بالإسكندرية .. ولما كنا أمام حالات تم تعدادها على سبيل الحصر.. فإنه لا يجوز الزيادة أو القياس عليها -حيث لا يجوز القياس هنا على المصانع الحربية المعددة ضمن هذه الحالات-.

     أن الحالة التى تُجيز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى هى قيامه بالاعتداء المباشر على إحدى المنشآت او المعدات المذكورة على سبيل الحصر.. ولما كان الإضراب أو التجمع السلمى الاحتجاجى لا يمكن اعتباره بحال اعتداءً مباشراً.. بل هو ممارسة لحق دستورى أصيل لا ينبغى الافتئات عليه .. فإنه لا يجوز محاكمة مدنى بسببه أياً ما كانت منشأته...

إن العبرة هنا بالفعل المرتكب وليس بالبعد المكانى أو وضعية المنشأة.

     إن عمال الترسانة البحرية قد عرضوا ضمن مطالبهم احتجاجهم على الكيل بمكيالين فى التعامل معهم.. لماذا نحال إلى النيابات العسكرية والقضاء العسكرى وكأننا عسكريون- هكذا يقولون ومعهم الحق- فيما لا نحصل على المزايا التى تمنح لأفراد القوات المسلحة. ألا يناقض ذلك مقتضيات العدل؟

إن التوسع فى حالات محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى التى هى بطبيعتها استثناءً على الأصل .. على الحق الأصيل فى المحاكمة أمام القضاء الطبيعى مع توفير كافة الضمانات والحقوق المرتبطة بها  إنما يشكل خطورة بالغة- على الأخص- مع تزايد دور القوات المسلحة فى الاضطلاع بأنشطة اقتصادية، واتجاهها إلى إدارة أو المشاركة فى إدارة أو الإشراف على بعض وحدات قطاع الأعمال العام مما يهدد بازدياد الحالات الاستثنائية التى يُحاكم فيها المدنيين أمام القضاء العسكرى ويفقدون حقاً اصيلاً من حقوقهم.. ليفقد المجتمع معهم مدنيته وأهم الأسس التى يفترض بناؤه عليها.

ثانياً: المادة 124 من قانون العقوبات

تتهم النيابة العسكرية عمال الترسانة البحرية المحالين إلى المحاكمة العسكرية ارتكابهم الجرائم المنصوص عليها فى المادة 124 من قانون العقوبات.. حيث يتعين هنا التأكيد من جديد أن هذه المادة هى مادة منسوخة لم يعد لها من وجود .. كما قضت بذلك محكمة أمن الدولة العليا طوارئ فى قضية إضراب العاملين بالسكك الحديدية عام 1986 فى حكم تاريخى لا ينسى للقضاء المصرى تأسس على قاعدة نسخ التشريع الجديد لما يناقضه مما سبقه.. حيث يؤدى توقيع مصر على العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتزامها به-بما يجعله جزءاً من التشريع المصرى-نسخ ما يناقضه من أحكام سابقة عليه.

ولما كان العهد الدولى لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ينص على الحق فى الإضراب باعتباره من حقوق الإنسان الأساسية، فإن التوقيع عليه والالتزام به ينسخ ما يناقضه فيما سبقه من نصوص تشريعية.. وبناءً عليه قضت المحكمة باعتبار المادة 124 من قانون العقوبات المصرى منسوخة من تلقاء ذاتها بمجرد التوقيع على العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وعلى هذا القضاء سارت أيضاً محكمة القضاء الإدارى بطنطا فى حكمها فى قضية إضراب العاملين بسجاد المحلة..

ولما كان الاتهام الموجه لعمال الترسانة البحرية هو ارتكابهم الجرائم المنصوص عليها فى المادة 124، وكانت هذه المادة منسوخة ولا وجود لها.. فإن قرار الاتهام يفترض أن يقع باطلاً.

ثالثاً : الأفعال المتهم بها عمال الترسانة البحرية المحالين إلى المحاكمة العسكرية

بغض النظر عن كون عمال الترسانة البحرية موظفين عموميين أو غير ذلك..فإن كل ما قاموا به – وفقاً لقرار الاتهام – هو الدعوة للتجمع وتنظيم وقفة احتجاجية مبتغين تحقيق غرض مشترك وهو تحقيق مطالبهم-

الدعوة للتجمع السلمى الاحتجاجى من أجل تحقيق مطالبهم المبينة آنفاً..وكل ما عدا ذلك هو من قبيل العبارات المرسلة واستبطان النوايا، وافتراض الإضرار بالمصلحة العامة.

هنا تكمن المشكلة.. التعامل مع الحركة العمالية السلمية بهذا المنظور الأمنى الضيق الذى يرى فيها إضراراً بالمصلحة العامة.. ومصالح العمال وحاجاتهم الأساسية.... ماذا عنها.. ماذا عن هؤلاء الذين يواجهون احتياجات أطفالهم قبل مقدم العيد ويصعب عليهم الاكتفاء بخمسة وسبعين جنيهاً قيمة منحة القوات المسلحة فى هذه المناسبة.. ماذا عن مقومات العدالة الاجتماعية التى طالب بها المصريون جميعاً ..الحق فى الأجر العادل والترقى .. المساواة.. الحق فى العيش الكريم والعلاج والمسكن الملائم.. الحق فى الضمان الاجتماعى.. ما ذا عن حقوق العاملين الذين يفاجئون بعدم صرف مكافأة نهاية الخدمة المستحقة لهم عند التقاعد.. أليس من حقهم أن يطالبون .. يتفاوضون.. ويضغطون من أجل التعبير عن مصالحهم وتحقيق مطالبهم..

هم وغيرهم من فئات المجتمع وشرائحه لهم مصالح.. حقوق ينبغى التعبير عنها .. قد تكون متناقضة لكن من الضرورى التفاوض بشأنها لكى يتحقق قدر من التوازن.. وقدر من الاستقرار للمجتمع.

ما يهدد المصلحة العامة هو إهدار مقتضيات العدالة الاجتماعية.. هو حرمان العمال من حقوقهم الديمقراطية الأصيلة فى التعبير عن مصالحهم..والتفاوض بشأنها.  حقهم فى الإضراب والتجمع السلمى واختيار ممثليهم بحرية، . ما يهدد المصلحة العامة هو إغلاق منافذ التعبير والتجمع السلمى ليتسرب الاحتجاج غضباً فى مساربه الخطرة الدامية.

إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تطالب بإيقاف محاكمة عمال الترسانة البحرية فى القضية رقم 2759 لسنة 2016 جنح عسكرية الإسكندرية     والإفراج الفورى عن العمال المحبوسين احتياطياً على ذمة القضية.. إنما تؤكد على عدم جواز محاكمة العمال المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وعدم جواز إحالتهم إليها فى قضايا تتعلق بممارسة حقهم فى الإضراب أو التجمع السلمى.

اسقطوا كافة القيود عن حقوق الإضراب والتجمع السلمى والحريات النقابية من أجل مجتمع متوازن مستقر.

دار الخدمات النقابية والعمالية

الإثنين 11/7/2016

إضافة تعليق جديد