- نعاود دعواتنا إلى لجنة القوى العاملة بمجلس النواب إلى تنظيم جلسات استماع لكافة الأطراف
- نطالب بحقنا وحق الجميع في المشاركة في حوار مجتمعي جاد بشأن قانون العمل
مطلع الأسبوع الجاري عادت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون العمل الجديد المقدم من الحكومة، في تجاهل تام لمطالبتنا المستمرة بتنظيم جلسات استماع تتضمن كافة الأطراف المعنية.
وكان مشروع قانون العمل قد خرج من لجنة القوى العاملة بالبرلمان عام 2017 بعد أن نظمت بشأنه جلسات استماع محدودة العدد والحضور، وأدخلت عليه بعض التعديلات قليلة الأثر، مغفلة في الوقت نفسه الكثير من الملاحظات التى أعرب عنها القادة العماليون، والنقابيون، ورفعها الخبراء والمهتمون بالشأن العمالي، إلى اللجنة، بما فيها معظم الملاحظات التى أبداها قسم التشريع بمجلس الدولة، والتي أرسلها المجلس القومي لحقوق الإنسان، فضلاً عن مؤاخذات منظمة العمل الدولية·.
ثم قامت الحكومة من جانبها بإدخال بعض التعديلات على المشروع في نوفمبر من العام 2021، حيث ناقشت لجنة القوى العاملة والطاقة والبيئة بمجلس الشيوخ يومي الثلاثاء والأربعاء الموافقين 7، 8 ديسمبر 2021 المشروع المعدل من الحكومة، حيث أوردت بعض التوصيات بشأنه، محيلة المشروع والتوصيات إلى لجنة مجلس الشيوخ العامة التي انتهت إلى إعداد تقريرها وإرساله إلى البرلمان.
واللافت للنظر أن مشروع القانون المقدم من الحكومة قد استحضر معظم نصوص قانون العمل الحالي حتى بدا مجرد تعديل لهذا القانون- اللهم فيما عدا تبويبه تبويباً جديداً- وإضافة الباب الثاني من الكتاب الثالث في شأن المحاكم العمالية المتخصصة-.
بعد تلك السنوات نعيد طرح نفس التساؤل هل كانت هناك حاجة إلى قانون جديد، أم أن تعديل القانون الحالي كان كافياً؟
إن عشرين عاماً ليست بالعمر القصير بالنسبة للتشريعات الاجتماعية التي يفترض فيها قصر دورتها، وسرعة تغييرها استجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية -على الأخص- إذا اقترن سريانها بزمان يحفل بالأحداث الجسام، ومنها التي عاشتها مصر خلال الأعوام الماضية.
لهذا.. كان الكثيرون قد ذهبوا- ونحن معهم- إلى حاجتنا إلى قانون جديد للعمل.. تماشياً مع المتغيرات والمستجدات التي طرأت على ساحة العمل منذ صدور القانون الحالي رقم 12 لسنة 2003.. وانطلاقاً من خبرات تطبيقه على امتداد العقدين السابقين، وما كشفت عنه من مثالب وثغرات تتعين معالجتها.
إن كثرة المنازعات العمالية دون توفر الآليات الفاعلة الكافية لتسويتها أو الفصل فيها.. فضلاً عن عدم احترام بعض أحكام القانون، والاختلاف في تفسير بعضها الآخر.. تعد جميعها دواعٍ قوية وأسباب لا يمكن غض النظر عنها لإعادة النظر في القانون.
لهذا.. كان مفترضاً أن تكون فلسفة القانون الجديد هي الاستجابة لهذه الحاجات جلية الظهور، والتصدي لإشكاليات الواقع الفعلي وتناقضاته التي يقصر القانون الحالي عن معالجتها.. فلسفة القانون الجديد ينبغي أن تبدأ إذن من قراءة المتغيرات، والمستجدات، ودراسة المثالب والثغرات التي كشف عنها تطبيق القانون الحالي، والتي يمكن اختصارها فيما يلي:
ش
• تعثر التسوية الودية بين طرفي علاقة العمل.
• بطء عملية التقاضى، وعدم جدوى الجزاءات الجنائية مما أدى إلى بقاء العديد من المنازعات العمالية معلقة لم يبت فيها بالتراضي أو أمام القضاء.
• عدم التنسيق والتجانس بين قانون العمل والتشريعات الاجتماعية الأخرى.
وتضاف إلى ذلك الدواعي التالية لإصدار القانون:
- تطبيق مفهوم النصوص الدستورية الواردة بدستور 2014
- الاستناد إلى ما استقر عليه الفقه والقضاء.
- التوافق مع ما تنص عليه مواثيق واتفاقيات العمل الدولية.
نحن بحاجة –إذن- إلى قانون يتصدى للأزمات والمشكلات التي عانى منها عالم العمل في واقعنا خلال السنوات الماضية، والتي نراها ويراها الكثيرون- فيما نعتقد- دليلاً كافياً على مشاكل القانون الحالي، والحاجة الملحة إلى تغييره.. نريد إعمال دستور 2014 – مفاهيمه ونصوصه- من خلال قانون يطابقها ويطبقها.. ونريد التوافق مع مواثيق واتفاقيات العمل الدولية والوفاء بالتزاماتنا في شأنها.
فإذا لم يستجب مشروع القانون الجديد لهذه الحاجات، إذا أبقى على الغالبية العظمى من أحكام القانون الحالي كما هي، إذا لم تكن هناك فلسفة واضحة مغايرة تبرر إصدار قانون جديد، إذا كان الأمر مجرد بعض التعديلات للقانون الحالي، ففيم إذن لذهاب إلى إصدار قانون جديد للعمل؟!
ولأن قانون العمل-كما سبق القول مراراً- تشريعُ اجتماعي يمس حياة الملايين من العمال المصريين، وينظم العلاقة بين أطراف اجتماعية تتباين مواقعها ومصالحها.. فإنه من المفترض أن يكون محط اهتمام كبير، وأن يحظى بنصيب وافر من الجدل الاجتماعي.. ومن اللازم أن يدور بشأنه حوارٌ مجتمعيٌ حي وحقيقي يتسع لكافة الأطراف الاجتماعية وتُتاح المشاركة فيه لجميع المخاطبين بأحكامه من خلال آليات فاعلة ديمقراطية تكفل تمثيل فئاتهم وقطاعاتهم المتنوعة وتعبيرهم عن مصالحهم ومواقفهم دون إقصاء أو استبعاد لأحد.
بل أن تحقيق قانون العمل للعدالة التى يبتغيها العمال من خلال علاقات عمل متوازنة هو – في الواقع- شأن المجتمع كله وليس العاملين المخاطبين بأحكامه فقط.. حيث استقرار علاقات العمل وتوازنها وتوفير الآليات المناسبة للحوار والمفاوضة وحل منازعات العمل ضرورة لتحقيق استقرار المجتمع.
إننا إذ نرصد إحجام لجنة القوى العاملة عن تنظيم جلسات استماع موسعة تشارك فيها كافة الأطراف المعنية، وإذ نطالب بحقنا وحق الجميع في المشاركة في حوار مجتمعي جاد بشأن قانون العمل ، وإذ يهمنا أن نقدم ملاحظاتنا بشأنه ، إنما نؤكد على حق جميع المخاطبين بأحكام القانون في إبداء الرأي فيه، وندعو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب إلى تنظيم جلسات استماع بمشاركة مختلف الأطراف والمنظمات العمالية، كما ندعو كافة القوى والأطراف المعنية بالأمر، والسادة البرلمانيين إلى إيلاء القانون ما يستحقه من العناية والاهتمام باعتباره أحد التشريعات الاجتماعية الأهم ذات التأثير المباشر على مصالح وأوضاع قطاعات وفئات واسعة من شعبنا المصري.
إضافة تعليق جديد