علق عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى (غزل المحلة) اليوم إضرابهم عن العمل الذى استمر أسبوعين كاملين على وعدٍ من إدارة الشركة بالاستجابة لمطالبهم.. وهو الوعد الذى أعلنته فى منشور لها تضمن مناشدة العمال العودة إلى العمل مراعاةً للأوضاع الاقتصادية على أن يتم تحقيق مطالبهم بعد عيد الأضحى.
ويجدر بالذكر أن التوتر ما زال يسود الكثير من شركات قطاع الأعمال العام.. حيث يتصدر المشهد سؤالاً غاضباً عن العلاوة الخاصة (الاجتماعية).، بينما تصريحات المسئولين تُزيد الوضع اشتعالاً، والإصرار الحكومى على معالجة الأزمة "بالقطاعى" يؤدى إلى تعقيدها بدلاً من انفراجها.
وكانت الحكومة قد اختارت التعامل مع إضراب عمال غزل المحلة بالمراهنة على الوقت وحاجة العمال إلى أجورهم –المعلقة-والتى لم تكف الحكومة وإدارتي الشركتين القابضة والتابعة عن التلويح بعدم صرفها ما لم يتم فض الإضراب ، تواترت زيارات المسئولين، وأعضاء البرلمان، والنقابيين التابعين للاتحاد العام "الحكومى" ، وتم تعليق منشور تلو المنشور.. والجميع يعد –فقط- ببحث المطالب بعد فض الإضراب.. لماذا؟ .. لأنه لا يجوز- وفقاً لهؤلاء- "لى ذراع الدولة"!!!.. حيث أدى ذلك كله إلى استطالة الأزمة واستمرار الإضراب أسبوعين كاملين.
والمؤسف أن مفوض الشركة ووراءه بعض المسئولين ونقابييهم وأبواقهم قد لجئوا إلى تبرير الأزمة باستخدام الحجة الجاهزة المكررة المُملة : "الإخوان"!!.. حتى وصل الأمر إلى زعم انتماء بعض المديرين فى الشركة إلى جماعة الإخوان.. فجأة بعد سنواتٍ يُكتشف ذلك – "يا لقوة هذه الجماعة وضعف حيلة الحكومة وأجهزتها التنفيذية"- !!.
أسبوعان كاملان ونحن أمام معضلة العلاوة الاجتماعية التى يرفض رجال الحكومة الاعتراف بحق العمال فيها.. ثم تتبدى المعضلة الثانية العبثية ..وهى اشتراط فض الإضراب أولاً قبل الاستجابة لأىٍ من مطالب العمال.
وأمام هذه الحجج يبدو واجباً-رغم تعليق العمال إضرابهم الآن- التأكيد على أحقية عمال غزل المحلة فيما يطالبون به، وعلى حقهم فى استخدام الإضراب باعتباره وسيلة مشروعة لرفع المطالب، والضغط من أجل تحقيقها فى سياق المفاوضة الاجتماعية.. ويبدو من الهام إبراز ما يلي :
إن الأزمة الراهنة قد صنعها بامتياز السيد / وزير قطاع الأعمال العام الذى طلب أثناء مناقشة البرلمان لقانون العلاوة الخاصة للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية الذى صدر برقم 78 لسنة 2017 ألا يتضمن القانون شركات قطاع الأعمال العام .. وكان قانون العلاوة الخاصة لعام 2016 المماثل قد تضمن فى مادته الثالثة أنه "لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام أن تقرر منح العاملين بها علاوة خاصة بما لا يجاوز 10% من الأجر الأساسى فى 30 /6/2016، وذلك اعتبارا من أول يوليو 2016، مع مراعاة الحدين الأدنى والأقصى المنصوص عليهما فى المادة الأولى من هذا القانون على أن تضع الشركات الضوابط الخاصة بصرف هذه العلاوة".
وقد برر السيد الوزير مطلبه هذا بأن بأن”حصة الأرباح لا تقل عن 12 شهر كاش وأن أقل علاوة دورية فى قطاع الأعمال العام أعلى من الحد الأقصى لعلاوة الغلاء أو العلاوة الخاصة".. وهى المقولة التى دعت عمال غزل المحلة إلى إحراجه بالمطالبة بحصة من الأرباح تبلغ 12 شهر كما يزعم!!.. وأمام هذا الخلط القانونى والموضوعي فى شأن العلاوات نود التأكيد على ما يلي:
وعلى ذلك .. فإنه لا ينبغي الاحتجاج بمنح إحدى العلاوتين للحرمان من الأخرى.
إن العاملين بالدولة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية تطبق عليهم هم أنفسهم العديد من القوانين واللوائح غير أن قانون العلاوة الخاصة يصدر ليطبق عليهم جميعاً فى شأن العلاوة فقط.. فلماذا يستثنى العاملون بشركات قطاع الأعمال العام على الأخص.
إن هؤلاء المسئولين المتعنتين الذين بدوا وكأنهم يناصبون العاملين فى شركات قطاع الأعمال العام العداء لم يحاول أىٌ منهم أن يتفهم دوافع العمال ومعاناتهم .. أو يقدر ردود أفعال هؤلاء الذين يعجزون عن الوفاء بمتطلبات أسرهم وأولادهم الحياتية الأساسية.. الذين ينتظرون ويتطلعون إلى زيادة أجورهم بما يوازن ولو بعض من الغلاء الذى ابتلع أجورهم تماماً.. وقد اعتادوا على هذه الزيادة السنوية ..ثم إذا بهم يُستبعدون من هذه الزيادة على زعم حصولهم على الكثير قبل ذلك.. لماذا؟ .. لأن السيد وزير قطاع الأعمال العام يريد ربط الأجر بالإنتاج.. لكنكم لم تفعلون شيئاً لتطوير الإنتاج.. لم تتقدم مشاريعكم لتطوير الشركات خطوة واحدة.. الفساد لم يزل يعشش فى الأركان ولا تفعلون شيئاً لمواجهته.. بينما العمال يطالبون بخطة لتجديد وتطوير خطوط الإنتاج.. وتشغيل المتوقف منها.
إن أزمة العلاوة التى تشهدها شركات قطاع الأعمال العام ، والتى تفجرت فى غزل المحلة إنما تفتح ملف الأجور فى بلادنا بهياكلها المعقدة الظالمة المصابة بالعطب والتى تدفع المشرع إلى إصدار قانونيين لمعالجة العلاوة الاجتماعية فى الأجهزة الإدارية للدولة (78، 79).. بينما يظل العاملون فى قطاع الأعمال العام، والقطاع الخاص خارج إطار القانونين.
قطاع الأعمال العام يُستثنى مع سبق الإصرار والترصد.. بينما تعالج مشكلة عمال القطاع الخاص على طريقة "الجعجعة بلا طحين".. يجرى الحديث عن مبادرة للائتلاف البرلمانى " فى حب مصر" لتوقيع اتفاقية مع أصحاب العمل يلتزمون بموجبها بصرف علاوة اجتماعية للعاملين فى شركاتهم بنسبة 10%
من الأجر التأمينى بحد أدنى وأقصى لا بأس به ولا تخصم منها العلاوة الدورية التى سبق صرفها·.. غير أن المبادرة لا تسفر عن توقيع اتفاقية جماعية عامة ، وإنما مجرد إعلان نوايا ، وخمس اتفاقيات فقط فى خمس شركات للصناعات الغذائية يعمل بها 27 ألف و500 عامل.
ويؤكد هذا كله من جديد أننا بحاجة إلى آليات صحيحة فاعلة لمعالجة مشكلة الحد الأدنى للأجور- الذى يجب أن يكون عاماً وملزماً- وآليات لتحريك هذا الحد الأدنى سنوياً بما يلائم معدلات التضخم وغلاء الأسعار.. حد أدنى يفى بالمتطلبات الأساسية للعامل وأسرته دون النظر إلى مؤهله وأقدميته وكفاءته ، ودون ربطه بالإنتاج.. فهذه العناصر جميعها تؤخذ فى الاعتبار فى التدرج والترقية والمكافآت التشجيعية.. لكن الحد الأدنى يتقرر بعيداً عنها.
إن تحريك الحد الأدنى للأجور من خلال آلية العلاوات الاجتماعية قد بات يثير قدراً أكبر من المشاكل بسبب ارتباك الحكومة ذاتها فى التعامل معها، والخلط بينها وبين العلاوات الدورية، وعدم الإقرار بها كحق لجميع العاملين باعتبارها آلية لزيادة الحد الأدنى للأجور بما يلائم ارتفاع الأسعار.
إن الحكومة فى معاندتها لعمال شركة غزل المحلة قد أثارت معضلة أخرى تسببت فى انسداد قنوات التفاوض معهم، واستطالة مدة الإضراب.. وهى اشتراطها فض الإضراب قبل الاستجابة لمطالب العمال.
قالت الحكومة أنها ترفض لى ذراع الدولة.. وهى وممثلوها يرفضون لذلك الاستجابة لأىٍ من مطالب العمال قبل فض الإضراب.
من هى الدولة يا سادة؟!!.. السيد/ وزير قطاع الأعمال العام أم وزير القوى العاملة.. رئيس الشركة القابضة ، أو المفوض على شركة غزل المحلة.. وماذا عن العمال.. أليس لهم حقاً فى هذه الدولة؟.. أم أنهم طرف آخر خارجها.
الإضراب يا سادة حق للعمال وآلية من آليات المفاوضة الاجتماعية.. الإضراب حق مشروع للعمال كما هو منصوص عليه فى الدستور المصرى، وكما هو فى الاتفاقيات الموقع عليها من الحكومة المصرية.. الإضراب وسيلة العمال للضغط من أجل المفاوضة على مطالبهم وحقوقهم.. آلية سلمية للضغط من أجل تحسين موقعهم التفاوضى.
هل ترون وظيفة الدولة فى قهر العمال.. فى إجبارهم على قبول الظلم.. على قبول رأى السيد وزير قطاع الأعمال بشأن عدم أحقيتهم فى العلاوة – على ما فيه من خطأ وخلط- أم أنها حارسة لأمن واستقرار المجتمع؟..استقرار المجتمع الذى لا يمكن له أن يتحقق دون التفاوض المجتمعى وصولاً إلى التوازن بين المصالح المختلفة.
عمال غزل المحلة قد دعوكم إلى التفاوض منذ أكثر من شهر مضى.. رفعوا مطالبهم واضحة، وأرسلوها بألف طريقة وطريقة علها تُسمع أو تُرى.. أكثر من رسالة تحذيرية، وأكثر من محاولة لاستدعاء المفاوضة.. بينما تديرون لهم الظهر وتراهنون فقط على قمعهم، وتخويفهم.. لا الحوار والتفاوض معهم.
وعندما لا يكون أمامهم سوى الإضراب وتقبلون التفاوض تُعِدون ذلك لياً لذراع الدولة.
إننا إذ نحيى عمال غزل المحلة على إضرابهم السلمى المنظم الذى دام خمسة عشر يوماً ، ونجح فى تحريك الأزمة ، وإذابة ثلوج العناد الحكومى..حتى شارف على تحقيق مطالبهم .. نؤكد تضامننا مع هذه المطالب وضرورة تنفيذ الإدارة لوعدها بإقرار العلاوة الاجتماعية لعمال غزل المحلة وضمها على الأساسى بالنسبة والحدين الأدنى والأقصى المقررين فى القانون رقم 78 لسنة 2017، وزيادة بدل الوجبة، والانتهاء الفورى من حركة الترقيات.
كما نطالب الحكومة بالإقرار بحق العمال فى الإضراب باعتباره أداة من أدواتهم المشروعة لرفع مطالبهم والضغط من أجل تحقيقها، والكف عن المزاعم وتوجيه الاتهامات وتهديد العمال.
· يتلاحظ هنا أن الحكومة أو الداعمين لها يدركون اختلاف كل من العلاوة الدورية والعلاوة الاجتماعية!!
إضافة تعليق جديد