يا عمال مصر رغم كل شئ .. هذا يومكم أنتم

بيانات صحفية
الثلاثاء, مايو 2, 2017 - 11:16

للعام الثانى على التوالى يتعذر على الحركة العمالية المستقلة تنظيم فعالياتها التى ترتضيها فى الأول من مايو.. حيث تَحُول الممانعات الأمنية دون تدبير مكان ملائم أو تأجير قاعة مناسبة تتسع للمشاركين من ممثلى العمال ونشطائهم ونقابييهم.. وكأنما ضاقت علينا أرض بلادنا بما رحبت فاضطررنا إلى تنظيم احتفالنا بمقر دار الخدمات النقابية والعمالية فى 88 شارع القصر العينى.

ومجدداً تنظم الحكومة المصرية فى الثلاثين من إبريل احتفالاً رسمياً مع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "التنظيم النقابى الرسمى" يستدعى كامل تفاصيل المشهد القديم وكأنما نضُب الخيال وعزَ التطوير.. مجدداً تُصر الحكومة المصرية على اعتبار تنظيمها شبه الرسمى الممثل الوحيد لعمال مصر، مستبعدةً مئات النقابات المستقلة التى أسسها العمال بأنفسهم، ومتنكرة لممثلى العمال الأكثر مصداقية والأصدق تعبيراً عن مواقفهم وتوجهاتهم.. وكأن أعواماً لم تمر، وثوراتٍ لم تكن ملء السمع والبصر.. ومياهاً لم تجرِ فى مسارات جديدة بعيداً عن البرك الراكدة الآسنة التى سممت حياتنا.

لكنه يبقى- رغم كل شئ- يوم العمال.. عمال وموظفى مصر.. وكافة العاملين بأجر .. الباحثين عن فرصة عمل، والذين يعملون عملاً غير منتظم لا أمان فيه ولا استقرار.. الذين يطمحون إلى العمل اللائق المستقر، وعلاقات العمل العادلة، والأجر الذى يفى بمتطلباتهم، واحتياجات أطفالهم الإنسانية البسيطة.. الذين طالبوا بالعيش، والحرية، والكرامة الإنسانية ، والعدالة الاجتماعية.. وما زالوا يطالبون بالحق فى العلاج الذى يشفى حقاً، وفى مسكن ملائم غير ملوث الهواء تتوفر له المياه النظيفة وشبكات الصرف الصحى، بالحق فى الأمان الوظيفى والاجتماعى، فى شبكة تأمينات اجتماعية تظللهم وتضمن لهم الحياة الكريمة حين التقاعد أو العجز.

رغم ما تتعرض له الحركة العمالية - خلال الآونة الأخيرة- من هجومٍ باغٍ يستهدف النيل من بعض الحقوق الديمقراطية التى كان العمال قد استطاعوا بالكاد ممارستها على الأرض بعد ثورة يناير 2011.. الإضرابات العمالية يتكرر قمعها، والقيادات العمالية تحال إلى التحقيق والمحاكمة كما لم يحدث من قبل.. الحق فى الإضراب يحاصر بحملة مضادة تجعل منه مرادفاً للفوضى وعدم الاستقرار، والحق فى تكوين النقابات المستقلة تمت مصادرته من جديد ..على امتداد العام أحيل العشرات من القيادات العمالية والنقابية إلى المحاكمة.. وقضى البعض منهم شهوراً خلف القضبان.. تم فصل العشرات من النقابيين وممثلى العمال بمعدل لم نشهده من قبل، عمال يفصلون على الهوية النقابية المستقلة، ونقابات تم فصل أعضاء مجالسها بالكامل..  .... الإدارات الحكومية تتدخل مباشرة ضد النقابات المستقلة وتمارس ضغوطها على العمال للانسحاب منها والانضمام "إلى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"- المؤسسة النقابية الحكومية- فتاوى وقرارات وتعليمات إدارية بعدم شرعية النقابات المستقلة،ضوءٌ أخضر لرجال الأعمال وأصحاب العمل يصل إلى حد التحريض المباشر من بعض الجهات الحكومية ورجالات المؤسسة النقابية "الرسمية" على النقابات الأكثر حيوية.. وبينما لم تزل قضايا عمال النقل العام وافكو مفتوحة لم تغلق ملفاتها كانت هدية الحكومة قبل أيام من عيد العمال القبض على قيادات عمالية فى الشركة المصرية للاتصالات والتحقيق معهم على مدار يومين قبل أن يتم الإفراج عنهم على ذمة قضية جديدة.

بينما يتعرض العمال والنقابيين للتنكيل.. بينما يفقد العشرات عملهم ومورد رزقهم الوحيد لممارستهم حقوقهم الديمقراطية المشروعة، بينما تُحجب الحماية القانونية عن هؤلاء على سند من القول بعدم شرعية نقاباتهم وفقاً للقانون رقم 35 لسنة 1976 سيئ السمعة -الذى كان يفترض إلغاؤه صبيحة الثورة على منظومة الحكم السابقة-. بينما تتعثر إمكانيات المفاوضة الجماعية بين أطراف العمل فى ظل الأوضاع النقابية المقلوبة .. تتكشف للعيان محاولة إعادة الحياة إلى  قانون النقابات العمالية الحالى -منتهى  الصلاحية منذ سنوات- بتقديم مشروع قانون يقيد حق تكوين النقابات بقواعد وإجراءات لا حصر لها.. يميز  بين العمال المنضمين إلى "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"الحكومى"، والعمال المنضمين إلى النقابات المستقلة عنه، ويصادر حق  الكثير من العمال فى تكوين منظماتهم على النحو الذى تتجه إرادتهم إليه نتيجة فرض نماذج معينة عليهم.. يفتئت على حق الجمعيات العمومية للنقابات فى وضع دساتيرها، وحق العمال فى وضع قواعد اختيار هيئاتهم التنفيذية .. وينتهك حرية الاختيار، حرية الانضمام، حرية الانسحاب، وحرية الوحدة.

بينما كان المطلب الذى ناضل من أجله العمال المصريين طويلاً قبل وبعد الثورة هو إلغاء القيود القانونية المفروضة على حق تكوين النقابات استقلالاً عن المؤسسة النقابية الرسمية المفروضة عليهم.. هو تحرير العمال المصريين من كافة صور الضم القسرى والإكراه على العضوية النقابية، بينما يشير واقع العمال المصريين الذين يلجأون إلى الإضراب فى عشرات المواقع إلى الحاجة الملحة لتمكينهم من تكوين النقابات المعبرة عن مصالحهم والتى تمثلهم بحرية وفتح الطريق أمام المفاوضات الجماعية بشأن حقوقهم.. يتم التنصل من استحقاق الحريات النقابية المؤجل بمشروع قانون لا يعدو كونه فى الواقع تعديلاً جزئياً للقانون رقم 35 لسنة 1976 الذى تجاوزه الواقع والزمان منذ شرع العمال فى تحطيم قيوده بأنفسهم.

بينما تنتهك الحقوق والحريات النقابية جهاراً نهاراً .. يتم تمديد الدورة النقابية عاماً وراء العام لمجالس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "المؤسسة النقابية الرسمية للنظام الأسبق والسابق والحالى وكل نظام".. لتكمل هذه المؤسسة فاقدة الشرعية عامها الحادى عشر- رغم بطلان انتخابات وتشكيلات الدورة جميعها بموجب حكم المحكمة الدستورية رقم 220 لسنة 19 قضائية الصادر يوم الأحد الموافق الأول من أبريل عام 2012، وما يزيد على مائة حكمٍ قضائى ببطلان هذه الانتخابات والقرارات المنظمة لها جميعها وعلى الأخص منها أحكام المحكمة الإدارية العليا الصادرة فى الطعون رقم 661، 708 لسنة 48 قضائية، وأحكام محكمة القضاء الإدارى رقم 1827، 3469، 4328 لسنة 61 قضائية ، والتى كان مجلس الوزراء الأسبق  قد قرر- نزولاً عليها وتنفيذاً لها-  فى جلسته رقم 20 المنعقدة بتاريخ 4/8/2011  حل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.

لقد ثار العمال, والمصريون مرتين دفاعاً عن حقهم فى الحياة التى يستحقونها على أرضهم.. حقهم فى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.... فى مجتمع ديمقراطى يتسع لأفراده جميعاً، ويتيح لكل منهم نصيبه فى ثرواته، ودخله القومى.. مجتمع يستطيع أفراده التنفس بحرية.. التحدث والتفاعل والتعبير عن أنفسهم بحرية، يمكن لفئاته وطبقاته المختلفة الدفاع عن مصالحها والتفاوض بشأنها.. مجتمع لا يقمع أفراده، ولا يكبح طموحهم، ونزوعهم الإنسانى إلى تطوير قدراتهم وتحسين شروط حياتهم.

إن الديمقراطية الحقيقية التى ثار الشعب المصرى مطالباً بها ليست مجرد مؤسسات تمثيلية.. ليست مجرد انتخابات أو برلمان- بغض النظر عن قوانينه المنظمة، وأدائه الصادم.. إنها نقابات مستقلة.. منظمات مجتمع مدنى.. منظمات ينتظم فيها العاملون والفئات والقطاعات الاجتماعية يعبرون عن مصالحهم مباشرة، ويمارسون الضغط من أجل تحقيق مطالبهم.. إنها آليات فاعلة وديمقراطية للمفاوضة الاجتماعية، والمشاركة فى صنع القرار.. آليات فاعلة للرقابة المجتمعية على موارد المجتمع التى كانت قد تبددت فى سنوات تعسة غابت فيها كل رقابة، وغاب ضمير المجتمع وعقله مع غياب الديمقراطية.

رغم أن السياسات التى يتم الأخذ بها كانت ولم تزل تتخذ مساراً مختلفاً وتفترق افتراقاً حاداً عن جوهر الديمقراطية ومقتضيات العدالة الاجتماعية اللتين لا يمكن لهما  أن تتحققا دون تمكين الأطراف الاجتماعية من التعبير عن مصالحها والتفاوض بشأنها.. ودون امتلاك الأدوات التنظيمية اللازمة لإجراء المفاوضة الاجتماعية .. وفى مقدمتها النقابات المستقلة الحقيقية.

رغم مشاريع القوانين ذات الصلة بأوضاع العمال- المقدمة من الحكومة- والتى يُعِدها وزير القوى العاملة أهم انجازاته ويبشرنا بقرب صدورها.. رغم ما تنطوي عليه هذه المشاريع من نقائص، ورغم أن ما تزعم الحكومة إدارته من حوار بشأن هذه القوانين لم يتسع للعمال وممثليهم الأكثر مصداقية.. رغم أن أصواتهم لم تسمع، وآرائهم لم تؤخذ فى الاعتبار.. رغم أن توازن علاقات العمل لا يمكن له أن يتحقق دون توفير الحماية الاجتماعية  للطرف الأضعف اجتماعياً-العمال- والمسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال لا يمكن لها أن تتجسد دون احترامهم لمعايير العمل، وقبولهم بآليات المفاوضة المجتمعية ، ونزولهم على ما تفضي إليه من اتفاقيات.. رغم أن التبرع لصندوق الطوارئ بمائة مليون جنيه لا يصب فى صالح العمال ما لم يتم تعديل قانونه ولائحته بما يكفل للعمال تعويضاً عادلاً غير منقوص عن حقوقهم حال تعثر الشركات، ويطور آليات ديمقراطية فاعلة للرقابة على موارد الصندوق، ويضمن عدم تبديد موارده في بنود المكافآت وما يشابهها.

رغم أن شركات قطاع الأعمال- وفى القلب منها شركات الغزل والنسيج والحديد والصلب- تعانى ما تعانيه من تعثر وركود وخسارة بعد تعرضها للنهب وعدم التطوير على مدار عقود، ورغم ما يعانيه عمالها من شظف العيش، والقلق على المستقبل.. رغم أن الحديث عن الاهتمام بالعاملين فى أعمال غير منتظمة وفى القطاع غير الرسمى لم يفضِ حتى الآن إلى سياسات جدية تعنى بتوفير الحماية لهم، وتكفل دمجهم فى الهياكل الاقتصادية الرسمية من خلال آليات فاعلة تحتضن مبادراتهم وتكفل تدريبهم وتمكينهم من الاستمرار والتطور.

رغم أن ملايين المتعطلين ما زالوا ينتظرون فرصة عمل ملائمة تحقق لهم الأمان الوظيفى، وتضمن لهم أجراً عادلاً.. ورغم أن ملايين العاملين ما زالوا يطمحون إلى تحسين أحوالهم المعيشية فى ظل موجة غير مسبوقة من التضخم وارتفاع الأسعار.

رغم كل ذلك.. يبقى اليوم هو يوم العمال المصريين جميعاً.. اليوم الذى يلهم كفاحات العمال فى كافة أرجاء الأرض دفاعاً عن العدل والحرية.. واليوم الذى نرى واجبنا فيه أن نؤكد مجدداً انتصارنا لثورة الشعب المصرى ونزولنا على توجهاتها الأهم إلى العدالة الاجتماعية ونزوعها الأعمق إلى الكرامة الإنسانية .... من أجل الحرية التى سالت فى سبيلها الدماء، وإجلالاً للشهداء الذين قدموا الحياة ثمناً لها... الحرية التى أرادها العمال وأبناء الشعب المصرى جميعهم لكى يستطيعوا التعبير عن مطالبهم وحقوقهم.. لكى يجدوا وسيلة إلى الرقابة على ناتج عملهم وموارد بلادهم.. لكى يعاد توزيعها ببعض العدالة، لكى تزاد حصة الطبقات والفئات المقهورة من هذه الموارد بما يكفيها على الأقل شر الجوع، وما يقيها آلام المرض.

ومن هنا ندعو كل من ينتصر لهذه المبادئ ويتبنى مطالب هذا الشعب إلى التضامن معنا ومع مطالب العمال المصريين الآتية:

    تنظيم حوار مجتمعى واسع وجدى وديمقراطى يتسع لممثلى كافة الأطراف الاجتماعية –وعلى الأخص- ممثلى العمال الأكثر مصداقية لمناقشة القوانين ذات الصلة بأوضاعهم والتى يخاطبون بأحكامها وعلى الأخص:

  قانون المنظمات النقابية وحماية الحق فى التنظيم.

  قانون العمل

  قانون التأمينات الاجتماعية

  قانون التأمين الصحى

    كفالة حد أدنى للأجور عام وملزم يراعى معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وزيادة الحد الأدنى للمعاشات.

    مشاركة العاملين فى الحكومة والوحدات الإدارية فى تطوير الهياكل التنظيمية لوحداتهم، وسياسات التدريب وتطوير الموارد البشرية، وتعديل نظم الحوافز والأجور المتغيرة، ووضع لوائح الجزاءات.

    تعديل مشروع قانون المنظمات النقابية والعودة إلى النسخة المقدمة من وزارة القوى العاملة والهجرة عام 2014.

    وقف جميع الإجراءات الإدارية والمحاولات الحكومية لمحاصرة النقابات المستقلة وتمكينها من ممارسة أنشطتها جميعها.

    إلغاء كافة القيود القانونية على حق العمال فى تكوين نقاباتهم المستقلة.

    كفالة حق النقابات فى الوحدة والانفصال.. وحق العمال فى وحدات قطاع الأعمال العام وكافة الوحدات فى الاستقلال بنقاباتهم مع الاحتفاظ بكافة حقوقهم.

    حق العمال المفصولين من عملهم بسبب نشاطهم النقابى أو تمثيلهم العمال فى العودة إلى أعمالهم واقتضاء حقوقهم.

    تفعيل آليات المفاوضة الجماعية على كافة المستويات وعلى أسس ديمقراطية

     مشاركة العمال فى مناقشة ملف إصلاح وتطوير شركات قطاع الأعمال العام، وتسوية أوضاع الشركات المعلقة المتوقفة أو التى صدرت بشأنها أحكام قضائية.

     كفالة حقوق العمالة غير المنتظمة والعمالة فى القطاعات غير الرسمية من خلال آليات عادلة ومنضبطة لإدماجهم وحماية حقوقهم.

ياعمال مصر- رغم كل شئ- هذا يومكم

كل عام وأنتم بخير

أول مايو 2017

إضافة تعليق جديد