يا نجوع يا نموت: أطفال مصر يكافحون من أجل البقاء

الخميس, June 13, 2024 - 14:52

يا نجوع يا نموت

أطفال مصر يكافحون من أجل البقاء

تقرير عن عمالة الأطفال بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على عمالة الأطفال 12 يونيو

 

تزامنًا مع اليوم العالمي للقضاء على عمالة الأطفال، الذي دشنته منظمة العمل الدولية لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في العالم، يأتي تقريرنا ليسلط الضوء على واقع عمالة الأطفال في محافظات مصر، بعيون مفتوحة على الحقائق المروعة والمشاهد اليومية التي تروي قصصًا من الاستغلال والفقر والمعاناة، لنتوقف ونتأمل واحدة من أكبر القضايا الإنسانية التي يواجهها المجتمع المصري.

عمالة الأطفال ليست مجرد إحصاءات وأرقام، بل هي قصص مؤلمة ومعاناة يومية يعيشها آلاف الأطفال الذين يُجبرون على التخلي عن أحلامهم وطفولتهم للعمل في ظروف قاسية وخطرة. فهي ليست مجرد قضية اجتماعية عابرة، بل هي جرح عميق في نسيج المجتمع يتطلب استجابة فورية وحاسمة لمواجهته بكافة السبل. فعندما ننظر إلى وجوه الأطفال العاملين في الشوارع والورش وحقول الريف، ندرك حجم المأساة الإنسانية التي تتكشف لنا يومًا بعد يوم أمام أعيننا. هؤلاء الأطفال، الذين يجب أن يتواجدوا في مدارسهم يستمتعون بطفولتهم ويبنون مستقبلهم، يجدون أنفسهم مضطرين للعمل في ظروف قاسية وخطرة، محرومين من حقوقهم الأساسية في الحياة.

لذلك، يهدف التقرير إلى تسليط الضوء على واقع عمالة الأطفال في محافظات مصر بعيون مفتوحة على الحقائق المروعة والمشاهد اليومية التي تروي قصصًا من الاستغلال والفقر والمعاناة. سنستكشف من خلالها الأسباب العميقة والمتشابكة التي تدفع الأطفال إلى سوق العمل، بدءًا من الفقر المدقع إلى الفجوات التعليمية والاجتماعية، وصولًا إلى السياسات غير الفعالة التي لا توفر أي نوع من الحماية لهؤلاء الأطفال.

 

برغم التشريعات والاتفاقيات الدولية التي التزمت مصر بها لمكافحة عمالة الأطفال وتوفير الحماية اللازمة لهم، والمتمثلة في:

- اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل

- اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام

- اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال

- اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 129 بشأن تفتيش العمل في قطاع الزراعة

وقد أكدت الدولة هذا الالتزام من خلال الدستور المصري والقوانين الوطنية، غير أن ما بذل حتى الآن من جهود تظل محدودة الأثر على أرض الواقع، وغير قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة لوضع المعالجات اللازمة لعمالة الأطفال بسبب تزايد معدلات البطالة والفقر وانهيار الأوضاع المعيشية التي تفاقمت أكثر فأكثر في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية وتزايد أعداد البطالة.

 

1. الدستور المصري 2014:

حرص الدستور المصري لسنة 2014 على تحديد مرحلة الطفولة وذلك في نص المادة (80) بأنه يعتبر طفلًا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ومد مظلة التعليم الأساسي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها (م 19). كما أكد في المادة (80/3) على التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري. ونص في الفقرة الرابعة من نفس المادة على حظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، وأضاف بأنه يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر.

نستخلص من هاتين المادتين حرص المشرع الدستوري على تحديد المرحلة العمرية لسن الطفولة، ومنع تشغيل الطفل في هذا السن المبكرة من حيث المبدأ. إلا أنه بإضافته عبارة "يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر"، أفاد بأنه أباح تشغيل الطفل في مرحلة الطفولة وفق ضوابط معينة، بحيث يكون العمل الذي سيلتحق به الطفل مأمون العواقب ولا يؤثر سلبًا على حالته الصحية والنفسية ولا يؤثر على استمراره في التعليم.

2. قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996:

وفقًا للمادة (2) من القانون، يقصد بالطفل في مجال الرعاية كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وتتنوع صور الرعاية وفق أحكام القانون إلى: الرعاية الصحية، الاجتماعية، الرعاية البديلة، والحماية من أخطار المرور. إلا أن المادة (59/1) من ذات القانون قصرت مرحلة التعليم الأساسي على الحلقتين الابتدائية والإعدادية دون الثانوية. لذا فإنه يتعين تعديل هذا النص بما يتوافق مع أحكام الدستور وباقي القوانين ذات الصلة.

أفرد المشرع في الباب الخامس فصلاً كاملاً (الفصل الأول المواد من 64 إلى 69) يتناول فيه الأحكام والقواعد المنظمة لرعاية الطفل العامل (السن، طبيعة العمل، التزامات رب العمل، المكافأة أو الأجر). تنص المادة 64 من القانون على حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم أربع عشرة سنة ميلادية، كما يحظر تدريبهم قبل بلوغ اثنتي عشرة سنة. وأجاز المشرع في الفقرة الأخيرة من نفس المادة الترخيص بتشغيل الأطفال من سن اثنتي عشرة إلى أربع عشرة سنة في أعمال موسمية مأمونة المخاطر بحيث لا تضر بصحتهم أو نموهم ولا تخل بمواظبتهم على الدراسة. وإجازة تشغيلهم في هذه الأعمال مرهون بصدور قرار من المحافظ المختص بعد موافقة وزير التعليم. وأحال القانون للائحة التنفيذية بيان نظام تشغيل الأطفال والشروط والأحوال التي يجوز فيها التشغيل. ولا شك أن فتح باب الاستثناءات بالسماح بتدريب الأطفال اعتبارًا من 12 سنة يعد ثغرة يمكن أن يتسلل منها أصحاب الأعمال لتشغيلهم عند هذا السن تحت ذريعة تدريبهم لتعلم مهنة.

كما أن السماح للأطفال بين 12 و14 سنة بالاشتغال في أعمال موسمية، تكون عادة في الزراعة التي لا يخضع العاملون بها صغارًا أو كبارًا لأحكام قانون العمل، وبالتالي لا يلتزم فيها صاحب العمل بأي قواعد لتشغيل الأطفال، مما يحدث فيها انتهاكات صارخة لحقوق الطفل.

 

3. قانون العمل رقم 12 لسنة 2003:

المادة (99) تحظر تشغيل الأطفال من الإناث والذكور قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي أو أربع عشرة سنة أيهما أكبر، ومع ذلك يجوز تدريبهم متى بلغ سنهم اثنتي عشرة سنة.

كما تنص المادة (100) على أن يصدر الوزير المختص قرارًا بتحديد نظام تشغيل الأطفال والظروف والشروط والأحوال التي يتم فيها التشغيل، وكذلك الأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيلهم فيها وفقًا لمراحل السن المختلفة.

وتنص المادة (101) على أنه يحظر تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يوميًا، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة. وتحدد هذه الفترات بحيث لا يشتغل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة. ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية. وفي جميع الأحوال يحظر تشغيل الطفل فيما بين الساعة السابعة مساءً والسابعة صباحًا.

كما ألزمت المادة (102) صاحب العمل الذي يقوم بتشغيل طفل أو أكثر بالقيام بما يلي:

- تعليق نسخة من الأحكام التي يتضمنها هذا الفصل في مكان ظاهر في محل العمل.

- تحرير كشف موضح به ساعات العمل وفترات الراحة.

- إبلاغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال العاملين لديه والأعمال المكلفين بها وأسماء الأشخاص المنوط بهم مراقبة أعمالهم.

ونص المشرع على استبعاد تطبيق أحكام هذا الفصل على الأطفال الذين يعملون في أعمال الزراعة البحتة بموجب نص المادة (103) من هذا القانون، بالرغم من أن الشريحة الأكبر من عمالة الأطفال في مصر تعمل في أعمال الفلاحة، مما يعتبر إهدارًا لحقوق أهم قطاع عمل لشمولها على أكبر عمالة للأطفال وجعلها عمالة غير منتظمة، بما يترتب عليها من انعدام أي شكل من أشكال الحماية القانونية والاجتماعية.

وأما عن السياسات المتبعة وتطبيقها، فهناك الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال من (2018-2025)، والتي خصص لها مشروع بين منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة العمل الدولية ممثلة بمكتب منظمة العمل بالقاهرة، بالإضافة إلى وزارة القوى العاملة، لاتخاذ خطوات جادة تساهم في مكافحة عمالة الأطفال ووضع استراتيجيات وآليات للسيطرة عليها.

 

في نفس الوقت، تأتي مؤشرات أوضاع عمالة الأطفال في المحافظات وقطاعات العمل الأعلى نسبة في تشغيل الأطفال كما يلي:

قطاع الزراعة:

الناس في القرى أربعة أقسام: ملاك أراضٍ، ومزارعون يستأجرون أراضي من غيرهم، وعمال بالأجر اليومي، وعجائز يعيشون على معاش وزارة التضامن. شقاء الحياة في الريف ليس مقتصرًا على الأطفال، بل يمتد لكل العاملين به نظرًا لتقلص مساحة الأراضي الزراعية وغلاء الأسمدة المستخدمة في المحاصيل.

يمثّل قطاع الزراعة في مصر أعلى نسبة في تشغيل الأطفال من بين جميع القطاعات، إذ إنّ حوالي 60% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5-17 عامًا يعملون في قطاع الزراعة. يشمل قطاع الزراعة الأنشطة المتعلقة بزراعة الحقول وتربية الماشية وجني الثمار في مواسم محددة. ويعتبر قطاع الزراعة من القطاعات التي يوجد بها أسوأ أشكال عمل الأطفال، إذ يتعرّض الأطفال العاملون في مجال الزراعة لعدد من المخاطر. حسب إحصائيات منظمة العمل الدولية، فإن عدد الأطفال الذين يعملون في الزراعة يعادل عشرة أضعاف الأطفال العاملين في المصانع.

وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للأطفال العاملين في الزراعة، فإنهم لا يحظون بأي اهتمام يُذكر من الجهات المعنية. يتعرض هؤلاء الأطفال للعديد من المخاطر، منها ظروف العمل الشاقة في الحقول حيث إن القوة الجسدية هي القوة الفعلية في الأعمال الزراعية، علاوةً على تعرضهم لمخاطر التعامل مع المبيدات والكيماويات غير الآمنة، مما يعرضهم لمخاطر التسمم والأمراض السرطانية والربو والسل والحمى والطفح الجلدي والإسهال. كما يتعرضون للإصابات بالمناجل والسكاكين والشفرات التي تُستخدم لقطع الثمار. يتعرضون أيضًا للجفاف جراء العمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، وقد لا يحصلون على الكثير من الماء أو قد يكون الماء ملوثًا بالبكتيريا والمبيدات. بالإضافة إلى ذلك، هناك المخاطر المترتبة على طول يوم العمل، مقابل أجور منخفضة مقارنة مع العاملين البالغين في نفس المجال.

 

قطاع الصناعة:

بعد القطاع الزراعي، يُمثل القطاع الصناعي أعلى نسبة عمالة للأطفال. يعد مجال صناعة الملابس بيئة خصبة أيضًا لعمالة الأطفال. كما يعمل بعض الأطفال في صناعة الدخان، الذي يعتبر واحدًا من أخطر الأعمال، حيث يعمل بعض الأطفال عشر ساعات في اليوم بالتبغ بالقرب من المواد الكيميائية الخطيرة وحمل الأوزان العالية. يتوجه الأطفال إلى العمل بهذا القطاع بشكل كبير، فهو يوفر العديد من الأعمال مثل الصناعات الصغيرة في ورش عمل لا يعلم عنها أحد من مؤسسات الدولة. تضم هذه الصناعة أكبر عدد من الأطفال.

تأتي أيضًا عمالة الأطفال في تدوير المخلفات الصناعية، وهي مهمة للبيئة ومشروع ربحي قوي للدول والأفراد، ويُقاس بها مدى تحضر الشعوب. في مصر، نرى تلال القمامة أينما تتجه بصرك، وبالتوازي ندرك الزيادة الكبيرة في ظاهرة عمالة الأطفال في ذلك المجال. يضر العمل في سن مبكر الأطفال العاملين بجمع وتقسيم القمامة، حيث يتعرضون للروائح الكريهة وأمراض عديدة نتيجة للمخلفات التي تكون عادة محملة بفيروسات مثل فيروس سي الذي يسبب أمراض الكبد والحساسية الجلدية نتيجة المواد الكيميائية التي يتعرضون لها، فضلاً عن أمراض العيون والإسهال. يتم العمل في الفرز، وهي مرحلة دقيقة تحتاج إلى التركيز، إذ يُعزل الحديد عن الكرتون عن البلاستيك عن الزجاج عن الملابس عن غيرها من المخلفات، قبل تجهيز كل الأصناف وإعادة تدوير القمامة تأتي في المرحلة السادسة. هذه المرحلة تشمل الورش الصغيرة التي تصهر المواد أو تكسرها وتعيد تشكيلها.

في عام 2003، انتبهت شركة "بروكتر آند جامبل" الأمريكية إلى أن العديد من المصانع المحلية الصغيرة في مصر تقلد منتجاتها وتبيعها في عبوات أصلية تحصل عليها من جامعي القمامة. لجأت الشركة إلى مدرسة "إعادة التدوير" وتعاقدت معها لتشجيع الأطفال على جمع عبوات منتجات الشركة الأصلية الفارغة من القمامة، ثم توريدها إلى المدرسة والحصول على مقابل مادي. تحول المشروع إلى مشروع ربحي يعتمد على عمالة الأطفال، بدلاً من مساعدتهم. يظل هؤلاء الأطفال محرومين من أقل حقوقهم الطبيعية في الحياة، تستغلهم منظمات محلية ودولية، وتجني منهم عائلاتهم المال للمعيشة. ازدهرت تلك الصناعة بشكل واسع في مجموعة من المناطق العشوائية يُطلق عليها "الزرايب". أشهر المناطق في مصر "حي الزبالين" بمنشية ناصر، ومنطقة العزبة في المرج، ومنطقة زرايب حلوان، ومنطقة الزريبة في قرية المعتمدية بالجيزة، حيث يتعاملون يوميًا مع تلال من القمامة والرائحة الكريهة التي تملأ الشوارع، لكنها تراها جبالًا من الأموال. تنتج مصر 70 مليون طن من القمامة سنويًا، بحسب تقرير وزارة البيئة..

 

قطاع التعدين:

يضطر كثير من الأطفال إلى العمل في قطاع التعدين على الرغم من المخاطر التي قد يتعرّضون لها، مثل استنشاق المواد الكيميائية السامة التي قد تودي بحياتهم، أو العمل في المناجم والمحاجر الذي يعرضهم أحيانًا لانهيار المنجم عليهم. في محافظة المنيا بمصر، يوجد عدد من المناجم التي يعمل بها الأطفال، وعدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15-17 عامًا أكبر من عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12-14 عامًا. تعتبر عمالة الأطفال في المناجم بعيدة كل البعد عن أي وسائل لها علاقة بالسلامة والصحة المهنية حتى للعمال الكبار الذين تجاوزوا 18 عامًا.

 

الخدمة المنزلية:

يُعدّ الأطفال الذين يعملون في الأعمال المنزلية الفئة الأكثر ضعفًا واستغلالًا من قِبل الآخرين، فأغلب هؤلاء الأطفال قد يتعرّضون للإيذاء الجسدي والنفسي، وحتى الجنسي. كما أنّهم يعملون في عزلة عن الآخرين لساعات طويلة قد تصل إلى 15 ساعة يوميًا دون دفع الأجور لهم، مما يصعُب توفير الحماية لهم، بسبب الطبيعة الخفيّة لهذا النوع من العمل. يعتبر عمل الإناث بشكل أساسي من المهم عند تحليل الإحصاءات حول النسب المتعلّقة بعدد الأطفال العاملين. يجب ملاحظة أنّ الأطفال الإناث أكثر انخراطًا في العمل ضمن الخدمات المنزلية غير مدفوعة الأجر، حيث يأتون من جميع القرى بمحافظات مصر ليعملوا في المدن بعيدًا عن أي قوانين، إذ يستبعد قانون العمل المصري العمالة المنزلية من نطاق حمايته القانونية في المادة الرابعة منه بشكل محدد. وبالتالي فهم غير خاضعين لأي قانون سواء كانوا كبارًا أو أطفالًا. في المقابل، تتعرض هذه العمالة من الأطفال لأسوأ أنواع المخاطر النفسية والجسدية والجنسية دون أن يعلم عنهم أحد من مؤسسات الدولة. وعندما يسمع عنهم يكون في أخبار الحوادث بالصحف عن اغتصاب طفلة أو سقوطها من النافذة أو تعرضها للضرب المبرح أثناء عملها لدى إحدى الأسر. لذا، غالبًا لا يتمّ حساب تلك النسبة من الإناث عند إجراء الإحصاءات حول ظاهرة تشغيل الأطفال.

 

أطفال الشوارع:

عرفت مصر ظاهرة "أطفال الشوارع"، والتي تشمل عمالة الأطفال والمتشردين والمتسولين. تحولت من مشكلة نسبية إلى ظاهرة واسعة جدًا تتضمن المخاطر المصاحبة لها وتكشف عن قصور السياسات للحد منها. كان أول المتضررين الأطفال، وهم الفئات الأضعف الذين يشكلون شريحة عمرية كبيرة في المجتمع. أدى الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية وضعف التعليم بهؤلاء الأطفال إلى ترك مدارسهم وتشردهم وجنوحهم وخروجهم للشارع. لم يكن خروجهم للشارع بمحض الصدفة، بل هو تعبير عن تقاطع ضغوط حادة فقدت فيها الأسرة شروط العيش لأطفالها لتشبع حاجاتهم الأساسية. هؤلاء الأطفال يفقدون كل مقومات النمو السليم في المجتمع اليوم، فهم محرومون من أبسط الحقوق ويعانون من أشكال مختلفة من الضياع والحرمان والاستغلال والعنف. يعني هذا أن الطفل قد يكون محروماً حتى في وجوده في أسرة غير قادرة على رعايته أو فهم أو إشباع حاجاته أو متطلبات نموه. الحرمان قد يكون كليًا أو جزئيًا، دائمًا أو مؤقتًا، بسيطًا أو معقدًا. متى كان الحرمان غير شاملاً الرعاية في جميع النواحي الجسمية والصحية والاجتماعية والنفسية والتربوية والأخلاقية وغيرها، فإنه يكون ذو أثر سيئ بالغ الخطورة الذي قد يهدد حياة الطفل ذاتها.

تعد ظاهرة أطفال الشوارع أكثر أشكال عمالة الأطفال وضوحًا وانتشارًا، لأنها تشمل العديد من الأعمال والأنشطة مثل تلميع الأحذية، وبيع المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وتنظيف زجاج السيارات، وإصلاح الإطارات، وجمع النفايات، والتسوّل. قد يتعرض الأطفال أثناء عملهم في الشوارع إلى العديد من الأخطار، كالخطر الناتج عن حركة المرور، أو استنشاق الأبخرة وعوادم السيارات، أو التعرّض للمواد الكيميائية، أو انعدام الأمن والتعرّض للعنف أو التحرُّش والاغتصاب من قِبَل الآخرين. صنّفت منظمة اليونيسيف أطفال الشوارع إلى 3 أصناف: أطفال شوارع يعملون في الشوارع لساعات طويلة ثمّ يعودون إلى منازلهم، وأطفال شوارع يعملون ويعيشون في الشارع بعد هروبهم من عائلاتهم، وأطفال شوارع يعيشون مع عائلاتهم في الشارع.

 

عمالة الأطفال في المحافظات:

محافظة بني سويف:

السخرة في صناعة السجاد اليدوي في قرية "الشناوية" التابعة لمركز ناصر ببني سويف تعمل بحرفة صناعة السجاد والكليم اليدوي. اكتسبتها الأجيال القديمة الماهرة التي اشتهرت بدقة التصنيع ومهارة العقدة وذاعت شهرتها بمنطقة الشرق الأوسط حتى وصلت للمستوى العالمي، ولكنهم توارثوا معها تسخير سن البراءة في أعمالهم العالمية. يتعاقد رجال القرية على بيع أبنائهم منذ الأربع سنوات ليعملوا بالسخرة في هذه الحرفة.

 

محافظة دمياط:

ورش الأثاث وراء انتشار الظاهرة! عمالة الأطفال مشكلة فرضت نفسها على المجتمع الدمياطي بسبب انتشار صناعة الأثاث التي تعتمد على الورش الصغيرة، مما أغرى أولياء الأمور بإلحاق أطفالهم الصغار للعمل بها للحصول على أجور مجزية في سن مبكرة، وذلك على حساب التسرب من المدارس وعدم استكمال مرحلة التعليم الأساسي. يخرج هؤلاء الأطفال إلى سوق العمل مبكرًا، والملاحظ أن هذا العمر يتناقص مع الوقت. من الممكن أن نرى طفلًا في الثامنة من العمر يعمل داخل ورشة في أعمال خطيرة مثل رش الدهانات، ويرجع ذلك لسببين:

الأول اجتماعي: لأن رب الأسرة يخرج إلى المعاش مبكرًا مثل صناع الأثاث (الشريحة الأكبر في المجتمع الدمياطي) حيث ينتهي عمره الإنتاجي وهو في سن الخمسين مما يجعله مضطرًا للدفع بابنه الصغير نحو سوق العمل لزيادة دخل الأسرة. الثاني يرجع لتسرب هؤلاء الأطفال من المدارس.

 

محافظة المنوفية: «شحن» الصغار إلى المزارع فجرًا

يعمل الأطفال من الجنسين في المزارع لجني المحصول، ولكن النسبة الأكبر تتركز في عمالة الإناث التي تبدأ العمل من عمر 7 سنوات. يتجمع الأطفال فجرًا في عربات نصف نقل لتنقلهم إلى المزارع في القرى المحيطة بالمحافظة، مما يؤدي إلى تعرضهم لأمراض عديدة وحوادث طرق عند انقلاب السيارات بهم أثناء ذهابهم ورجوعهم ليلا إلى منازلهم، مما أدى إلى وفاة عشرات الأطفال في كل حادثة.

 

محافظة جنوب سيناء:

انتشرت في محافظة جنوب سيناء بشكل لافت ظاهرة استخدام الأطفال في التسول على المقاهي وأمام المساجد ومجمع المحاكم والمصالح الحكومية وأماكن تجمعات المواطنين بالعاصمة طور سيناء. يُطلق عليهم أطفال شوارع، حيث يعملون في بيع المناديل الورقية والجرائد اليومية على المقاهي وأماكن تجمع المواطنين في محطات الأوتوبيس وأماكن الانتظار.

محافظة الدقهلية: 220 ألف طفل في الورش

تشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن عدد الأطفال العاملين في محافظة الدقهلية يتجاوز 220 ألف طفل، يتركز جزء كبير منهم في مصانع الألمنيوم بميت غمر وفي المنصورة والمدن الرئيسية. وأبرز المهن الشائعة التي يعمل بها أطفال الدقهلية تشمل ميكانيكي سيارات وعفشة سيارات، مصانع التريكو والملابس الجاهزة، ورش الخراطة والمعادن، المطاعم، ورش النجارة، لحام الكاوتش، ومحلات الحلاقة.

 

محافظة سوهاج:

هناك أعداد لا يوجد حصر دقيق لها تعمل في المنشآت المختلفة في سوهاج، حيث يصل عددها إلى نحو 30 ألف منشأة لا يمكن التفتيش عليها بالكامل للوقوف على عدد هؤلاء الأطفال وتحرير محاضر للمخالفين بسبب قلة أعداد الموظفين بالإدارات المنوط بها متابعة تشغيل الأطفال. ليست هذه المشكلة الوحيدة، بل أن العقوبات في هذا الشأن غير رادعة. مثال على ذلك الأطفال الذين يعملون في سيارات السرفيس أمام أعين الجميع دون أن يحرك أحد ساكنًا للتصدي لهذه الظاهرة.

 

ووفقًا لدراسة بشأن عمالة الأطفال في سوهاج، قُدّرت النسبة المئوية للأطفال العاملين بالنسبة للعدد الكلي للسكان بالمحافظة الذي تعدى 4.5 ملايين نسمة، بأنها 20.5% للأطفال من سن 6-11 سنة، و42.5% من 12-14 سنة. كانت النسبة المئوية للأولاد 73% والفتيات 27%. كما أوضحت الدراسة أن أكثر من 70% من الأطفال العاملين يشتغلون في قطاع الزراعة، والبعض الآخر يعملون في المنشآت الصناعية والورش. وتعتبر مراكز سوهاج، البلينا، والمراغة من أكثر المراكز التي يوجد بها أعلى عدد للأطفال العاملين. كما أوضحت الدراسة أن حالات الفقر المدقع والتسرب من التعليم وراء ظاهرة عمالة الأطفال في كل من الريف وصعيد مصر.

وفي سياق هذه الأوضاع، من الطبيعي أن نسمع كل يوم عن حوادث مأساوية تعصر القلوب للأطفال العاملين التي تعبر عن الواقع الفعلي وحجم المشكلة. نذكر منها على سبيل المثال، وليس الحصر، ما بين عامي 2020 و2024 بعض حوادث العمل التي تم تجميعها من الصحف والمواقع الإلكترونية.

عام 2020

(حادثة رقم 1)

ورشة

لحام كاوتش

تاريخ الحادث

17 يوليو 2020

اسم العامل

يوسف

السن

11 سنة

الانتهاك

وفاة صعقًا بالكهرباء

المحافظة

سوهاج

السبب

عقب ملامسة يده أحد الأسلاك العارية أثناء عمله في ورشة لحام كاوتش

 

 

عام 2021

(حادثة رقم 2)

  •  
  •  

تاريخ الحادث

19 مايو 2021

اسم العامل

محمد على عبد الفتاح

  •  

13 سنة

  •  

الإصابة بحروق في الساقين واليدين من الدرجة الثانية

  •  
  •  
 

 

 (حادثة رقم 3)

مصنع

مواد كيماوية

مدينة

العبور

التاريخ

11 مارس 2021

الانتهاك

 

 

السبب

وفاة 20 مصاب وإصابة 24 بحروق من الدرجة الأولى والثانية وجروح قطعية تبين آن الدور الأرضي كان مستخدما كمخزن لتشغيل وتصنيع المواد الكيميائية ومحظور استخدامه والطابقان العلويان مستخدمان كمصنع للملابس الجاهزة. وتبين من المعاينة كذلك أن سبب الحريق تصاعد غازات من المواد الكيمائية في مخزن المصنع تسببت في حدوث انفجار وهو ما أسفر عنه ارتفاع عدد الضحايا والمصابين داخل المصنع.

الاسم

السن

 

محمد مصطفى كمال

15

 

سهيلة مصطفى كمال

10

 

سلمى محجوب محمد

12

 

رحاب محجوب جمال توفيق

14

 

ولاء أشرف

18

 

داليا سيد

16

 

أسامة محجوب محمد

16

 

 

 

حادثة رقم (4)

مصنع

اسفنج ومراتب

تاريخ الحادث:

14 يونيو 2021

اسم العامل:

غير محدد

السن:

17 سنة

الانتهاك:

وفاة

المحافظة:

الشرقية

السبب:

نشوب حريق نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وانفجار أسطوانات الغاز والأكسجين ، الذى أسفر عن مصرع عامل عمره 17 عاما وإصابة 7 أخرين تم نقلهم إلى مستشفى بلبيس المركزي. وتبين أن المصنع مقام على مساحة 800 متر، وتمت السيطرة على النيران وتم تحرير محضر بالواقعة، وإخطار الأدلة الجنائية

 

 

حادثة رقم (5)

مصنع

زجاج بالعاشر

تاريخ الحادث:

17 سبتمبر2021

اسم العامل:

محمد صابر محمد

السن:

17 سنة

الانتهاك :

حروق درجة اولى وجروح قطعية

المحافظة:

الشرقية

السبب:

حريق

 

 

  • في مايو 2021: حادث سيارة على طريق الصعيد الصحراوي الغربي، أسفر عن وفاة طفلين وإصابة 21 طفلًا آخرين.
  • في أغسطس 2021: العثور على جثة طفل مشنوق في منطقة أطفيح
  • في ديسمبر 2021: وفاة طفلين وإصابة 24 آخرين في انقلاب سيارة بمحافظة الإسماعيلية

 

 

عام 2022

(حادثة رقم 6)

  •  

غرق معدية

  •  

11 يناير 2022

  •  

وفاة غرقًا في النيل

  •  
  •  

سعيد سعد سعيد الطناني

دعاء نبيل عبد السلام

  •  
  1.  
  2.  
  3.  

زياد أحمد حسن

هاجر عبد الصمد

زينب عبدالمؤمن عبد العزيز

  1.  
  2.  
  3.  
  •  

نقل 23 طفلا 10 فتيات و13 ولد عائدين من مزرعة دواجن يعملون بها لجمع البيض واثناء صعود السيارة أعلى المعدية لم يتحكم سائقها بالفرامل وسقطت في الجهة الأخرى بالنيل

  •  
  •  
 

 

 

- في أبريل 2022، عاش المصريون صدمة خبر وفاة ثمانية أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و16 عاماً في حادث انقلاب سيارة سقطت في النيل، لدى انتقالهم ضمن مجموعة ضمت 24 طفلاً وبالغاً من مزرعة على طريق مصر - الإسكندرية الصحراوي إلى قرية طليا بمركز أشمون في محافظة المنوفية بدلتا مصر.

- في مايو 2022، لقي ثمانية أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً مصرعهم غرقاً في ترعة نيلية، كما أصيب 6 آخرون، أثناء عودتهم من العمل فجراً في قرية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة.

- في سبتمبر 2022، تم ضبط صاحب مطعم في القاهرة بتهمة تشغيل أطفال بأجور منخفضة.

 

عام 2023:

- في يناير 2023، أسفر حادث انقلاب سيارة في أسيوط عن مصرع 5 أطفال وإصابة 22 آخرين.

- في 8 فبراير 2023، أسفر حادث انقلاب سيارة في الإسماعيلية عن مصرع طفلين وإصابة 40 آخرين من العاملين بالمزارع.

عام 2024:

- في 21 مايو 2024، سقطت سيارة ميكروباص من فوق معدية أبو غالب التي تربط بين محافظتي الجيزة والمنوفية في مياه الرياح البحري بمنشاة القناطر، حيث كانت قادمة من منطقة المناشي بالجيزة إلى منطقة أشمون بالمنوفية وكانت محملة بـ26 فتاة من العمالة اليومية تتراوح أعمارهن بين 14 و20 عاماً أثناء ذهابهن للعمل بإحدى المزارع.

بالإضافة إلى ذلك، يصاب الأطفال بأمراض نتيجة عملهم مثل النزلات الشعبية المزمنة والأمراض الصدرية جراء العمل في المزارع بمناطق صحراوية. تعكس هذه الحوادث الوضع الخطير الذي يواجهه الأطفال العاملون في مختلف المجالات في مصر، وتبرز ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لحمايتهم وضمان حقوقهم.

 

 

وفي هذا الإطار المأساوي المتكرر، يؤكد المؤتمر الدائم للمرأة العاملة رفضه الكامل لجميع أشكال عمالة الأطفال في مصر، كما يكرر توصياته ومطالبه بشأن:

 

- ضرورة مراجعة القوانين المنظمة لأحكام قانون العمل والتأمين بشأن الطفل العامل في ظل الدستور الحالي لعام 2014، الذي مد مظلة التعليم الأساسي للمرحلة الثانوية وحدد سن الطفولة.

- عدم استبعاد قانون العمل رقم 12 لعام 2003 العمالة المنزلية من حمايته، وإلغاء المادة الرابعة به التي تنص على استبعادهم.

- إعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعياً من خلال اهتمام الدولة بإصلاح منظومة التعليم، والعمل على تطوير المدارس الحكومية وتخفيض الرسوم المدرسية للطلاب غير القادرين، وتفعيل الأنشطة المهنية والصناعية التي تتيح للطفل اكتساب مهنة حتى المرحلة الثانوية.

- الاهتمام بالرعاية الصحية للأطفال العاملين وتوفير تأمين صحي لهم.

- تطوير التشريعات القانونية وتعديلها للحد من عمل الأطفال بما يتفق مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وتشديد العقوبة على صاحب العمل المخالف لأحكام القانون في هذا الشأن.

- تكثيف المراقبة والتفتيش على الأماكن التي يعمل بها الأطفال للتأكد من تطبيق أحكام قانون العمل وقانون الطفل والأنظمة والقرارات الصادرة بموجبه.

- تخصيص قاعدة بيانات تحتوي على المعلومات والإحصائيات الخاصة بعمل الأطفال، وتطبيق منهجية علمية لجمع البيانات الإحصائية وتحديثها وتطويرها بشكل دوري.

- توحيد المواد المعنية بحقوق الأطفال العاملين في قانون الطفل وقانون العمل دون استثناء. على سبيل المثال، إلغاء الفقرة الثانية من المادة 64 التي تتيح تشغيل الأطفال من سن 12 إلى 14 بقرار من الوزير المختص في أعمال موسمية، وتشديد العقوبة على مخالفة أحكام باب تشغيل الأطفال. إلى جانب مد الحماية التشريعية لتشمل الأطفال العاملين في الزراعة والعمالة المنزلية، وتنظيمها من خلال اللائحة التنفيذية لقانون الطفل والقرارات المنظمة له، أسوة بالقرارات التي تنظم عمل البالغين العاملين في الزراعة.

 

 

المؤتمر الدائم للمرأة العاملة

13/6/2024