19 قتيلًا على طريق العمل: فتيات المنوفية يدفعن ثمن الفقر والإهمال
https://www.facebook.com/ctuws/videos/1769979120541994
في صباحٍ دامٍ لا يختلف كثيرًا عن مشاهد مأساوية اعتادتها طرق مصر الريفية، لقي 19 شخصًا مصرعهم، بينهم 18 فتاة تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عامًا وسائق الحافلة، في حادث تصادم مروّع على الطريق الإقليمي بمركز أشمون، محافظة المنوفية.
كانت الفتيات في طريقهن إلى أحد أماكن العمل، بأجر يومي لا يتجاوز 130 جنيهًا، حين اصطدمت حافلتهن بسيارة نقل ثقيل، ففارقن الحياة قبل أن يُدركن حتى معنى "سوق العمل" الذي أُلقين فيه قاصرات، بلا حماية، ولا قانون.
هذه المأساة التي تهزّ الضمير العام، لا يمكن فصلها عن واقع مرير تتجاهله السياسات الحكومية، إذ تتكرر مثل هذه الحوادث عامًا بعد عام، دون حلول حقيقية تردم الفجوة بين الخطابات الرسمية وواقع العمالة القاصرة.
ففي الأول من ديسمبر 2024، وخلال فعالية إطلاق "مشروع تعزيز الإنتاجية وتحسين ظروف العمل في القطاعات الرئيسية في مصر"، وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية، صرّح وزير العمل محمد جبران بأن الدولة تعمل على "توفير بيئة عمل لائقة، تتسم بالسلامة والصحة المهنية، وتوازن العلاقة بين العامل وصاحب العمل".
لكن ما جرى على طريق أشمون يكشف واقعًا مناقضًا تمامًا؛ حيث لا تبدأ بيئة العمل حتى من أعمار قانونية، ولا تشمل الحد الأدنى من السلامة أو التأمين، بل يُساق الأطفال والبنات إلى العمل القاسي بلا إشراف، أو حماية، أو نقل آمن.
وفي الوقت ذاته، أوفدت الحكومة المصرية وفدًا كبيرًا إلى مؤتمر منظمة العمل الدولية في جنيف، بتكلفة باهظة من الإقامة والسفر والنفقات، للمشاركة في نقاشات حول "العدالة الاجتماعية" و"العمل اللائق"، بينما كانت الفتيات القاصرات يُسقن إلى مصانع هامشية في قلب الريف بلا حماية، ويُقتلن على طرق غير آدمية، دون أن يترك هذا الحضور الدولي أي أثر ملموس في حياة من يفترض أن تدافع عنهم تلك المؤتمرات.
إن هذه الحادثة ليست قضاءً وقدرًا، بل نتيجة طبيعية لغياب الرقابة الفعلية، والإهمال المستمر، واستمرار اقتصاد غير رسمي يستنزف أعمار أطفالنا مقابل فتات الأجور.
وإن وفاة 18 طفلة عاملة في ظروف غير إنسانية، تضع الدولة، بكامل مؤسساتها، أمام اختبار حقيقي:
هل تكفي المؤتمرات والخطط الخمسية والبيانات البراقة؟ أم أن الوقت قد حان لمراجعة الأولويات، وإنقاذ ما تبقى من جيل يُستنزف تحت عجلات النقل الثقيل؟
الحادث، رغم قسوته، ليس استثناءً، بل هو مرآة لواقع اقتصادي غير رسمي، يقوم على تشغيل الأطفال، واستغلال الفقر، وغياب الرقابة، حيث يصبح الموت ثمنًا متوقعًا لمن يطاردون لقمة عيشٍ مُرّة.
وبينما تشيّع القرى فتياتها الصغيرات، يظل السؤال معلقًا: من المسؤول عن هذا الموت المجاني، الذي يُغلّفه الصمت الرسمي بورق البيانات المعتادة؟
ولماذا تُضاء عواصمنا بالأنوار، بينما تتشح أقاليمنا بالسواد؟ ولماذا نحتفل بـ "العدالة الاجتماعية" في المؤتمرات، بينما تدفن طفولة بأكملها تحت ركام حافلة متهالكة؟ على حياة لم تبدأ بعد، وعلى أجساد هشة دفعتها الحاجة قبل أوانها، لتُسحق تحت عجلات الإهمال والتقصير.
نطالب بفتح تحقيق مستقل وشفاف يُعلن نتائجه على الرأي العام، يشمل الكشف عن أصحاب العمل، وظروف التشغيل، ومدى تقصير الجهات الرقابية. ونطالب بمحاكمة عادلة، ولو لمرة واحدة، لأي مسؤول يثبت تورطه أو تقاعسه، ليكون ذلك بداية لمحاسبة لا تستثني أحدًا. كما نؤكد ضرورة إعلان خطة طوارئ عاجلة لمكافحة عمالة الأطفال، وتوفير بدائل تعليمية واقتصادية حقيقية تقيهم شر هذا المصير المتكرر.
إضافة تعليق جديد