عقد اتحاد تضامن النقابات العمالية ندوته التضامنية مع عمال شركة عمال وبريات سمنود، التي لم تكتف الإدارة بتجاهل مطالبهم برفع الحد الأدنى للأجور، وانقضت على أجورهم البسيطة التي تقع تحت حد الفقر المدقع بالأساس، كما تستمر في اضطهاد القيادي هشام البنا، عبر استمرار وقفه عن العمل.
وبحضور ممثلي قيادات من النقابات المستقلة، والشخصيات السياسية والحزبية، في مقر دار الخدمات النقابية والعمالية، أُعلن "اتحاد تضامن" استمراره في دعم العمال المنتهكة حقوقهم، والذين لم يحصلوا إلا على اقل من ربع أجرهم عن شهر سبتمبر، كما حولت الإدارة العامل أحمد صلاح إلى التحقيق معه، وهددته بالفصل، على خلفية معارضته الاقتصاص من أجره الشهري، وتقليصه إلى مبلغ 300 جنيه من أصل 3500 جنيه.
في بعض الحالات وبحسب شهود عيان، حصل بعض العمال على مبلغ 100 جنيه كأجر عن شهر عمل كامل، فيما حصل الإداريون، وموظفي الأمن على أجورهم كاملة، ما بدا عقابا للعمال على خوضهم إضرابا عن العمل الشهر الماضي.
وكان العمال قد دخلوا في إضراب عن العمل 17 أغسطس الماضي، ولمدة شهر كامل، بعد أن رفضت الإدارة الاستجابة إلى مطالبهم بتطبيق قرار رئيس الجمهورية القاضي برفع الحد الأدنى للأجر إلى مبلغ 6 آلاف جنيه.
وبريات سمنود.. انتهاكات لا تنتهي
من جانبه استعرض الاتحاد وعلى لسان رئيسه أحمد المغربي خلفية القضية كنموذج على ما يمر به عمال مصر من ظروف عمل غير إنسانية، لا يتناسب فيها الأجر مع المتطلبات الأساسية لهم، ولأسرهم، وكالعادة وفي كل مرة يطالب العمال بتطبيق الحد الأدنى للأجر ترفع عصا القبضة الأمنية في وجوههم.
في إضراب عمال سمنود وبحسب المغربي شاب الإضراب تدخل أمني عنيف أدى إلى إلقاء القبض على عشرة من العمال، واحتجازهم لأسبوع، وأخفتهم قسريا ليومين، ورفضت الإفصاح عن مقرات اعتقالهم، فضلا عن انتهاكات شابت ظروف القبض عليهم خصوصا النساء اللاتي أصرت قوات الأمن على خروجهن بملابس المنزل، وتعريضهم للتعنيف أمام أفراد أسرهم.
في حالة القيادي هشام البنا على سبيل المثال وطبقا للمغربي تم اقتياده إلى مقر احتجاز مجهول معصوب العينين، مقيد اليدين، ومع ذلك لم يكن احتجاز العمال عقاب كاف بالنسبة لإدارة الشركة التي حولتهم إلى التحقيق، بمجرد خروجهم من السجن، ثم لاحقا وبعد انتهاء الإضراب، عاد تسعة منهم إلى العمل، فيما أصرت على استمرار وقف القيادي النقابي هشام البنا، وعلى الرغم من حفظ القضية نفسها سبب النزاع.
وكانت النيابة العامة في سمنود قامت بحفظ القضية يوم 21 سبتمبر2024 المتهم فيها القيادي هشام البنا وزملاؤه التسعة، إداريا، ما يجعل استمرار قرار وقفه عن العمل الصادر من قبل الإدارة أمرا مخالفا للقانون.
ومع ذلك تنظر المحكمة العمالية يوم الأربعاء 16 أكتوبر قرار الوقف عن العمل الذي توجهت به الشركة إلى المحكمة، التي استندت فيه على استمرار التحقيقات في القضية، وهو ما لم يعد وضعا قائما بعد الحفظ.
من جانب آخر لفت الحضور إلى أن انتهاء إضراب عمال وبريات سمنود منذ شهر، لم يلجم الإدارة أو يمنعها من ممارسة أفعالها الاستفزازية، والتي من شأنها انتهاك حقوق العمال، في حين أنها لم تف بوعودها برفع الميزات المالية، وخصوصا منظومة الحوافز المعيبة.
القيادي هشام البنا أكد أن الإدارة تتعمد استفزاز العمال، ودفعهم إلى الإضراب عن العمل، حتى تتهرب من دفع أجورهم، في ظل ممارسات فاسدة تؤدي إلى خسارة الشركة، واضطرارها إلى بيع جل أصولها، للوفاء بديونها، في وقت سابق والتي منها بند الرواتب الشهرية، حتى نفذت كل ممتلكاتها.
البنا أوضح أن الإدارة سبقت قرار الإضراب، وإلقاء القبض عليه، بخفض درجته الوظيفية من مدير للمبيعات، لعامل في محطة المياه، دون أي مبرر قانوني، لافتا في الوقت نفسه قيام الإدارة بحجب أجور العمال الذين سبق القبض عليهم، بالرغم من حفظ القضية إداريا.
في السياق ذاته حرص هشام البنا أيضا على مطالبة وزيرة التخطيط باعتبارها المسؤول السياسي عن الشركة بالتحقيق معه بشكل قانوني، لا سياسي كما جرى معه خلال فترة اعتقاله، حول ما يملك من أدلة على فساد إداري شاب أعمال الشركة، ودفع بعض الأطراف للحض على الإضراب، بل والاستفادة منه.
الطريق إلى التصفية
من جانبه أكد رئيس الاتحاد أحمد المغربي أن الخطوات التي تتم في اتجاه عمال سمنود، هي العملية التي تسبق عادة تصفية الشركات.
أمين عام الاتحاد عبد الرؤوف محمد بدوره أشاد بصمود عاملات وعمال سمنود، وكسرهم لحاجز الصمت، والمسكوت عنه في ملف الانتهاكات العمالية، المستمرة منذ سنوات، ومن قبلهم عمال المحلة.
تتعامل الشركات مع الحد الأدنى للأجور الذي لا يتناسب مع حجم التضخم كحد أقصى للأجر، حيث يتم تكييفه على الجميع، أيا كان عدد السنوات الذي قضاها العامل في خدمة محل عمله، فضلا عن أن أغلب الشركات تلجأ لثغرة طلب الاستثناء الذي يعفيها من تطبيقه.
عبد الرؤوف ممثلا عن الاتحاد أعلن تضامن ودعم اتحاده لمطالب العمال كافة، وحقوقهم المشروعة، بما فيها عمال سمنود خصوصا في مطلب الأجر العادل، مطالبا كافة الشخصيات العامة، والأحزاب السياسية، بالتضامن مع الحراك العمالي السلمي.
الجانب القانوني للقضية وفي مسالة طلب الإعفاء أو الاستثناء من قبل الشركات المتعثرة، اعتبر محامي دار الخدمات أشرف الشربيني أن وقف تطبيق الحد الأدنى للأجر لمجرد تقديم الطلب من قبل إدارة الشركة، خطوة غير قانونية، وتجعل من القرار القانوني كأن لم يكن.
وفيما يخص استمرار وقف القيادي هشام البنا، اعتبر محامي دار الخدمات أشرف الشربيني، أن القضية العمالية منتهية نتيجة حفظ المحضر إداريا، متسائلا عن أسباب استمرار جلسات البت فيها.
الإضراب حق
ضرورة حل قضية الإضراب وتشريعه دون قيد هو ما طالب به القيادي صلاح الأنصاري، مؤكدا أن الإضراب لا يجب أن يكون جريمة، بل هو وسيلة مشروع لحصول العمال على حقوقهم خصوصا في ظل تجاهل الشركات لمطالب العمال، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة إصدار قرار من شانه إرغام الشركات على تطبيق الحد الأدنى للأجور، دون اضطرار العمال إلى الاحتجاج، أو التوقف عن العمل.
القيادي العمالي جمال عثمان أكد على ضرورة شرعنة الإضراب كوسيلة احتجاج، والكف عن الالتفاف عليه عبر ثغرات قانونية، تجعل من الصعب تطبيقه، مطالبا العمال بالتوجه إلى مكتب العمل وإثبات انتهاك الإدارة لحقوقهم، خصوصا أجور شهر سبتمبر، التي وصلت في بعض الحالات إلى أقل من مائة جنيه.
من جانبها اقترحت منسق مؤتمر المرأة العاملة دكتورة أمل عبد الحميد تقديم مذكرة إلى المجلس القومي للأجور باسم عمال وبريات سمنود، شارحة مسألة طلب الاستثناء، التي لا تعني عدم تطبيق القانون، حيث نطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجر على العمال حتى تمام البت في الطلب.
في حين لفت هشام البنا إلى تداخل اختصاصات وزيرة التخطيط التي ترأس المجلس الأعلى للأجور، وكذلك المسؤول السياسي للشركة، بما أنها مدير بنك الاستثمار المالك لأغلبية الأسهم فيها، مطالبا الوزيرة بحل الموقف الملتبس، وتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، وتجاهل طلب الاستثناء الذي يفتح الباب أمام إلغاء القرار لكافة شركات القطاع الخاص.
الباحثة العمالية منى عزت أكدت أن الاستمرار في تجاهل مطالب العمال خصوصا المالية، يؤدي إلى إفقارهم بشكل يخرجهم من منظومة الصحة، والتعليم، وبالتالي مؤشرات التنمية عموما، فضلا عن بيئة العمل غير المستقر، التي تساهم في خلقها الدولة، حتى داخل أنظمة العمل الرسمية.
من جانبه شرح القيادي العمالي ومسؤول دار الخدمات في المحلة الكبرى سيد حبيب إلى استمرار انتهاكات الإدارة بحق العمال رغم وعودها برفع الميزات المالية في حالة إنهاء الإضراب، ليتفاجأ العمال بصرف مبالغ بسيطة جدا، لا تساهم في سد حاجتهم الأساسية، رغم انتهاء الإضراب.
مسلسل الفشل في إدارة الشركة وانتهاك حقوق العمال، دفع حبيب إلى اقتراح بتغيير إدارة الشركة ونقل مسؤوليتها من بنك الاستثمار، إلى إدارة غزل المحلة، كونها المسؤول السابق عن الشركة، والخبير في مجال عملها.
القيادية في الحزب المصري الاشتراكي دكتورة كريمة الحفناوي أعربت عن تفاؤلها بحراك عمال سمنود رغم انتهاؤه بتجاهل مطالبهم، مشيدة بصمود العمال ووقوفهم في وجه المستثمر، بينما طالبت في الوقت نفسه بالتعاون معهم ودعمهم من قبل كافة الشخصيات والأحزاب السياسية، كحل وحيد للخروج من الأزمة الاجتماعية- الاقتصادية الخانقة.
أجمع الحضور على انحياز السلطة للمستثمر، وتشجيعها الدائم له على التهرب من تطبيق الحد الأدنى للأجور عبر جهازها الأمني، الذي يحاصر العمال بتهم سياسية في كل مرة يحاولون فيها المطالبة بحقوقهم، مطالبين بإنهاء هذا التحالف، قبل فوات الأوان، حيث يهدد هذا الوضع السلم المجتمعي، بشكل عام.