تحديات قانون العمل الجديد
https://www.facebook.com/ctuws/videos/1087581490089716
نظم كل من حزب العيش والحرية ودار الخدمات النقابية واتحاد تضامن النقابات العمالية، ندوتهم التي جاءت تحت عنوان "ماذا بعد قانون العمل؟"، وذلك لمناقشة أبعاد القانون الجديد، وتحليل ما يحمله من فرص وتحديات. وقد جمعت الندوة عددًا من الخبراء والقيادات النقابية والنشطاء العُمّاليين الذين قدّموا قراءات متعددة لمواد القانون، ومدى قابليتها للتطبيق على أرض الواقع.
يدخل قانون العمل الجديد حيّز التنفيذ، مع حلول سبتمبر 2025 ومعه تبرز مخاوف متزايدة من أن تُعيد بعض مواده إنتاج ذات الاختلالات القديمة، بل وتفتح الباب أمام ثغرات جديدة.
سياق تشريعي وسياسي واقتصادي ضاغط
منذ صدور قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، تعرّضت بيئة العمل المصرية لتحولات جذرية، منها انحسار وجود القطاع العام، نمو كبير فى عمالة القطاع غير الرسمى والقطاع الخاص، وظهور أشكال جديدة للعمل، تزايد معدلات البطالة، تصاعد التضخم.. هذه المتغيرات فرضت نفسها على مناقشات القانون الجديد، الذي جاء في لحظة سياسية تحكمها ضرورات جذب الاستثمارات أكثر من تركيزها على العدالة الاجتماعية بمعناها الجوهري.
وبينما تؤكد الجهات الرسمية أن القانون الجديد يمثل خطوة تقدمية تتسق مع المعايير الدولية، يشير النقابيون والخبراء المستقلون إلى أنه نتاج سياق يُرجّح كفة رجال الأعمال، خاصة في ظل ضعف المشاركة العمالية في مراحل صياغته، وغياب الحوار المجتمعي الحقيقي حول بنوده.
عضو حزب العيش والحرية وفاء عشري، افتتحت، الندوة بالتأكيد على أن القانون الجديد يحمل في طياته بعض النصوص التي لا تساهم في تمكين النساء، ومع ذلك كان هناك بعض النقاط المقبولة فيما يخص حظر التمييز، وإقرار إجازات الوضع ورعاية الطفل. لكنها شددت في الوقت نفسه على أن الصياغات العامة والغامضة في بعض هذه المواد قد تُستخدم لتقييد فرص النساء في التوظيف، بدلًا من تعزيزها.
وأضافت عشري أن ضعف آليات الرقابة، وتراجع الدور النقابي، يفتحان الباب أمام تجاوزات ممنهجة من قبل أصحاب الأعمال، وهو ما يتناقض مع روح القانون نفسه. وسلطت الضوء على غياب أدوات التظلم الفعّالة، خاصة في حالات التحرش أو التمييز، ما يخلق بيئة عمل لا تزال طاردة للنساء، لا سيما في المناطق الصناعية أو في ظل العمل بنظام العقود المؤقتة.
فجوة بين النص والتطبيق وانحياز تشريعي
أكد وائل غالي، المحامي وعضو حزب العيش والحرية، أن القانون الجديد يُعيد إنتاج فجوة مزمنة بين النصوص والتطبيق، وهي فجوة تفقد القانون فعاليته الحقيقية. وأشار إلى أن القانـون لم يراع تاريخ النضال العمالي إذ لم يستجب لتطلعات هذا الحراك بقدر ما استجاب لمطالب الاستثمار وتحرير السوق.
وأضاف أن نقاشات البرلمان التي سبقت إصدار القانون شهدت هيمنة واضحة لرجال الأعمال، حيث غابت الأصوات العمالية المستقلة، وجرى تمرير مواد تتيح مرونة مفرطة لأصحاب الأعمال، مثل إطلاق اليد في تحديد نوعية العقود، وحرية الفصل دون قيود كافية.
كما انتقد غالي استمرار استثناء العمال في المناطق الاقتصادية الخاصة، والعمالة المنزلية، من مظلة الحماية، موضحًا أن هذا الاستثناء يتنافى مع مبدأ المساواة أمام القانون، ويعمق الهشاشة القانونية للفئات الأكثر ضعفًا.
وحول نصوص الإضراب وخصوصا ما يتعلق بتعريف المفوض العمالي، لم يبسط القانون الاجراءات واشترط التسجيل في مكاتب الشهر العقاري.
أما بالنسبة لنصوص الإضراب، فانتقد غالي حظر المشرع الإضراب في المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية أو في الظروف الاستثنائية، مع اشتراط إخطار صاحب العمل والجهة الإدارية قبل 10 أيام من الإضراب. إلا أن هذه الشروط تعتبر تعجيزية، خاصة أن الإضرابات عادة ما تكون نتيجة مطالب ملحة تتعلق بحياة العمال وعائلاتهم، كما لازال من غير المفهوم ماهي طبيعة مفهوم المنشآت الحيوية، حيث يخشى من ضم أغلب المنشآت العمالية إليه.
حوار مجتمعي صوري وقرارات تنفيذية غائبة
رحمة رفعت، منسقة البرامج القانونية في دار الخدمات النقابية، قالت أن القانون الجديد لم يمر بحوار مجتمعي حقيقي، بل تم التعامل مع الصوت العمالي والنقابات بمنطق الإقصاء أو التجاهل. وأوضحت أن دار الخدمات تقدمت بأكثر من مذكرة تتضمن مقترحات محددة، لكنها لم تلقَ اهتمامًا جديًا من قبل الجهات التشريعية.
وأضافت أن بعض المواد، مثل تحديد العلاوة الدورية بنسبة 3% فقط، تمثل تراجعًا عن حقوق مكتسبة، خصوصًا في ظل ارتفاع التضخم. كما انتقدت تعريف "المنشآت الاستراتيجية" الذي فُسّر بشكل واسع قد يسمح بتقييد الإضرابات بشكل شبه مطلق.
وأكدت رفعت أن غياب اللائحة التنفيذية الموحدة حتى الآن يفتح الباب لتفسيرات متباينة قد تُستخدم لتقليص الحقوق بدلًا من حمايتها.
وعرجت رفعت على بعض المواد التي تتحفظ عليها ولخصتها في التالي:
العمالة المنزلية: استبعاد القانون في مادته الأولى العمالة المنزلية كحال القانون القديم، حيث لا يزال هناك إصرار على اعتبارها علاقة تبعية شخصية يُطلق عليها "الصلة المباشرة بين هؤلاء العمال ومخدوميهم"، بما لا يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، وكذلك الدستور المصري.
الأمان الوظيفي: منح القانون صاحب العمل الحق في اختيار نوع العقد كونه مؤقت أم دائم، وهو ما يمثل مغالطة كبيرة. ويمكن الاسترشاد بالقانون المقارن الذي يوضح كيفية وضع تشريعات تحد من انتشار العقود المؤقتة.
إنهاء علاقة العمل: عانى العمال خلال السنوات الماضية من تناقضات في قانون العمل الحالي، حيث ينص على أن اختصاص فصل العامل يعود للمحكمة العمالية، مع تحديد حالات محددة لا يجوز فيها الفصل. إلا أن القانون أيضاً يسمح بإنهاء عقد العمل غير محدد المدة من أي من الطرفين بشرط الإخطار الكتابي.
الأجور: لا يوفر القانون الجديد وضع حد أدنى للأجور وبما يضمن استقرار علاقات العمل، حيث يجب أن يغطي جميع القطاعات ويزداد سنوياً وفقاً لمعدل التضخم. ويُقترح تعريفه كحد يلبي الاحتياجات الأساسية للعمال وعائلاتهم، مع إضافة معايير مثل المؤهل والخبرة لتحديد الأجر، وعدم احتساب اشتراكات التأمين ضمنه، ومنع أي استثناءات تسمح بالتنصل من هذه الالتزامات، فضلا عن تخفيض مواد القانون للعلاوة الدورية من 7% إلى 3% بما ينتقص من حقوق العمال التي اكتسبوها عبر نضالاتهم على مدار سنوات.
وكالات الاستخدام: يكرس القانون الجديد لتغول عمل وكالات الاستخدام وعليه تطالب الورقة بعدم جواز قيام شركات التوظيف بتشغيل العمال أو تقاضي أي مبالغ مالية منهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بعد التحاقهم بالعمل، حيث يُسمح لها فقط بتقاضي أجرها من صاحب العمل، وذلك للتماشي مع اتفاقية العمل الدولية.
كما يجب منع صاحب العمل من تكليف شركة أخرى بتشغيل عماله لأداء أعمال أساسية مرتبطة بنشاط منشأته الأصلية، مع تحديد ألا تتجاوز نسبة العمال المُشغلين من قبل الشركة الأخرى 10% من إجمالي عمال المنشأة الأصلية، وذلك لضمان حماية حقوق العمال ومنع استغلالهم.
العمالة غير المنتظمة: رغم أن مشروع القانون يهدف إلى دعم العمالة غير المنتظمة وحمايتها، إلا أن الآليات المقترحة غير كافية. فمعضلة تسجيل هذه العمالة ما زالت قائمة، حيث لم يتجاوز عدد المسجلين مليوني عامل، بينما يقدر عدد العاملين في هذا القطاع بـ 13 مليوناً وفقاً لأقل الإحصاءات.
كما يجب إلزام أصحاب العمل الذين يشغلون عمالة غير منتظمة بإمساك سجلات تُسجل فيها أسماء العمال، ومدة عملهم، وعدد ساعاته، ويبقى تسهيل تكوين منظمات نقابية عاملاً حاسماً في تحسين أوضاع العمالة غير المنتظمة.
مخالفات دستورية وتحديات دولية
قال أحمد المغربي، نائب رئيس اتحاد تضامن، إن القانون يحتوي على مواد تُعد مخالفة صريحة للدستور، خصوصًا فيما يتعلق بعمالة الأطفال، والتشريعات الخاصة بتوريد العمالة، وهو ما يتعارض أيضًا مع اتفاقيات العمل الدولية التي لم تصادق عليها مصر حتى الآن.
وشدد المغربي على ضرورة تفعيل التعاون بين النقابات ومنظمات المجتمع المدني من جهة، والمنظمات الدولية من جهة أخرى، لتقديم شكاوى دورية ومتابعة تنفيذ المعايير الدولية في بيئة العمل المصرية.
المادة 14 نموذج لانعدام العدالة
سلّط صلاح الأنصاري، القيادي العمالي، الضوء على المادة 14 من القانون، التي تقضي بتحويل ثلثي الغرامات المفروضة على العمال إلى الموازنة العامة للدولة، معتبرًا أن هذا النص يمثل نموذجًا لانعدام التوازن والعدالة، إذ يُفترض أن تُوجَّه هذه المبالغ لتحسين ظروف العمل لا لخزينة الدولة.
كما أبدى رفضه التام لإلغاء عقوبة الحبس بحق أصحاب الأعمال حتى في حالات التسبب بإصابات أو وفيات، مؤكدًا أن هذه الخطوة تُضعف الردع القانوني، وتشجع على التهاون في إجراءات السلامة المهنية.
العمالة غير المنتظمة خارج الرؤية
قالت منى عزت، رئيسة مؤسسة النون، إن القانون الجديد لم يقدّم معالجة جذرية لأوضاع العمالة غير المنتظمة، التي تشكّل شريحة واسعة من قوة العمل. وأوضحت أن غياب البيانات الرسمية الدقيقة حول هذه الفئة يعوق إدماجها في السياسات الاجتماعية والتأمينية.
ودعت الوزارات المعنية إلى إطلاق مشروع وطني لرصد أوضاع العمالة غير المنتظمة، وتصنيفها جغرافيًا ومهنيًا، تمهيدًا لضمّها تحت مظلة الحماية القانونية. كما طالبت بضرورة الاعتراف القانوني بالعمل المنزلي كقطاع اقتصادي قائم بذاته.
شهادات من الواقع: انتهاكات وفصل تعسفي
قدّم محمود يوسف، النقابي والعامل في شركة سبأ في بورسعيد، شهادة مؤلمة عن تعرضه وزملائه لانتهاكات متعددة، من بينها عدم صرف المستحقات، وفصل النقابيين، بل ووقائع اختطاف لبعض العمال بعد احتجاجهم، وأخيرا أمر بالفصل يخصه بعد 22 عاما من العمل، بل واعتبار اجازاته فترة للاخطار في مخالفة واضحة للقانون.
كما أشار ناشطون إلى استمرار الفصل التعسفي، ومنع التأسيس النقابي، واستغلال عقود التدريب لتفادي الالتزامات القانونية كما في حالة شركة الشوربجي والتي قدمها النقابي العمالي عادل سيد
كما استعرض القيادي النقابي هشام البنا المفصول تعسفيًا من شركة وبريات سمنود على خلفية دخول العمال في إضراب عن العمل، كما انه ورغم كونه قيد التحقيق لا يحصل على كامل أجره الأساسي كما ينص القانون، وعزا هشام الأمر إلى هيمنة أرباب العمل وتجاوزهم لأي نص قانوني .
توصيات ختامية: الضغط مستمر لتعديل القانون
اختتمت الندوة بمجموعة من التوصيات التي أجمعت على أن القانون بصيغته الحالية غير كافٍ لضمان بيئة عمل عادلة. وشملت التوصيات:
• تعديل المواد التي تقيّد الحق في الإضراب.
• إعادة النظر في نسبة العلاوة الدورية.
• وضع لائحة تنفيذية واضحة وشفافة.
• إدماج العمالة غير المنتظمة والمنزلية في القانون.
• توسيع تمثيل العمال في المجالس القومية.
• فتح حوار مجتمعي حقيقي.
كما دعا المشاركون إلى تحويل كل حالة انتهاك إلى أداة ضغط وإعلام، لبناء سجل توثيقي يُستخدم في معارك التعديل والتوعية.