"من الالتزامات إلى التنفيذ: أسبوع أول حافل في مؤتمر الأطراف الثلاثين"
تتابع دار الخدمات النقابية والعمالية يومًا بيوم فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في البرازيل، حيث يناقش قادة العالم ومنظمات المجتمع المدني والنقابات قضايا العدالة المناخية والتحول العادل وحماية حقوق العمال في مواجهة التغيرات البيئية.
في تطور لافت بالمؤتمر، تم طرد الوفد الإسرائيلي من القمة يوم 14 نوفمبر 2025 وسط هتافات مؤيدة لفلسطين، في خطوة أعادت الربط بين قضايا المناخ والصراعات الجيوسياسية. هذا الحدث يعكس أن النقاش في القمة لا يقتصر على البيئة فقط، بل يمتد إلى مطالب العدالة والحقوق المدنية، في ظل مطالبات قوية من الحركات الشعبية والمجتمعات الأصلية.
كما أكد رئيس مؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم أن التحول المناخي العادل والفعال يحتاج إلى مواءمة النظم المالية والأطر الأخلاقية والتعاون الدولي، وحتى اليوم السادس حقق مؤتمر الأطراف تقدماً ملموساً على مستوى التخطيط والالتزامات المؤسسية والتمويلية، لكنه لم يترجم بالكامل إلى تنفيذ فعلي على الأرض، فهناك فجوة أساسية تكمن في أليات مراقبة الأسواق المالية، وضمان العدالة المناخية.
ورغم الخطط والإعلانات، لا يزال تحقيق الـ1.3 تريليون دولار التمويل السنوي يعتمد على تنفيذ ملموس على الأرض، خصوصًا في القطاعات الصعبة (الاسمنت، النقل...الخ) والبلدان النامية، حيث لا توجد بعد آليات واضحة لمراقبة وتحفيز الالتزام الفعلي من قبل أصحاب الأصول والقطاع الخاص على المدى القصير والمتوسط، كذلك لا يوجد ضمان لتطبيق السياسات المعنية بحماية الغابات والسكان الأصليين.
تمويل مستدام بحجم عالمي
- احتل التمويل المستدام مركز الصدارة في “كوب 30“، مع إطلاق مبادئ قابلية التشغيل البيني لتصنيف التمويل المستدام، وهي أدوات تهدف إلى تحديد وتصنيف المشاريع الاقتصادية وفق مدى استدامتها البيئية والاجتماعية. يمثل هذا الجهد تعاونًا موحدًا بين الحكومات والقطاع الخاص لتوحيد المعايير العالمية، في ظل وجود أكثر من 50 تصنيفًا وطنيًا وإقليميًا حول العالم، ويسهم بشكل مباشر في تسهيل تعبئة 1.3 تريليون دولار سنويًا، كما هو محدد في خارطة طريق "باكو إلى بيليم"، والتي توفر إطارًا موحدًا لتوحيد التصنيفات والبيانات بين الحكومات والقطاع المالي والخاص
- وفي سياق ترسيخ البنية المالية اللازمة لدفع العمل المناخي من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ، شهد مؤتمر "كوب 30" خطوة غير مسبوقة بعقد أول قمة رسمية لأصحاب الأصول، حيث شارك فيها حوالي 30 من كبار المستثمرين العالميين، بما يشمل صناديق التقاعد، شركات التأمين، الصناديق السيادية، والمؤسسات الخيرية الكبرى التي تدير أموالًا ضخمة. وقد قدم المشاركون توصيات لتعزيز التعاون مع القطاع العام لتأمين التريليون دولار المطلوب لتحقيق الهدف الجماعي القابل للقياس الكمي الجديد، مع التركيز على القطاعات التي يصعب الحد من انبعاثاتها والبلدان النامية والاقتصادات الناشئة. ومن أبرز مخرجات الاجتماع اقتراح إنشاء قمة دائمة لأصحاب الأصول ضمن مؤتمر الأطراف لتعزيز الشراكة والتنسيق المستمر في جهود التمويل المناخي.
البرازيل والمنصات الوطنية
وفي إطار دفع البنى الوطنية للتمويل المناخي نحو مزيد من التنظيم والفعالية، أعلن المؤتمر أعلن المؤتمر إطلاق 14 منصة وطنية لتعزيز التمويل المناخي وفق أولويات كل دولة، تشمل: كمبوديا، كولومبيا، الجمهورية الدومينيكية، الهند، كازاخستان، ليسوتو، منغوليا، نيجيريا، عمان، بنما، رواندا، جنوب أفريقيا، توغو، بالإضافة إلى المركز القطري للمنصات الذي ينسق الدعم الفني والمالي ويضمن التنفيذ الفعلي.
سلامة المعلومات المناخية
وفي مسار موازٍ لتعزيز النزاهة المعلوماتية في العمل المناخي تم إطلاق خطاب الالتزام بسلامة المعلومات المناخية في الإعلانات الرقمية، بدعم أكثر من 130 منظمة مجتمع مدني، لتعزيز الشفافية ومكافحة المعلومات المضللة.
حلول ملموسة على الأرض
- وعلى صعيد التنفيذ… أطلقت منصة تسريع الحلول (PAS) مجموعة واسعة من التدخلات العملية، شملت 114 خطة موزعة على 30 مجموعة تحفيزية، بهدف دعم خفض الانبعاثات، خصوصًا الغازات الأكثر تلويثًا، في 30 دولة نامية.
- كجزء من الجهود العاجلة للحد من الملوثات الأكثر تأثيرًا، أُطلق برنامج خفض انبعاثات الميثان والغازات الأخرى غير ثاني أكسيد الكربون بتمويل قدره 25 مليون دولار لدول رائدة مثل البرازيل ونيجيريا والمكسيك، كخطوة حاسمة لحماية المناخ والصحة العامة والأمن الغذائي.
من غرف التفاوض إلى الساحات العامة
وفي مسار التفاوض، انتقلت الأطراف من العمل الفني داخل الهيئات الفرعية إلى المسارات السياسية المباشرة، في تحول يعكس دخول المؤتمر مرحلته الأكثر حسمًا مع بداية الأسبوع الثاني الذي يُتوقع أن يخرج بقرارات نهائية حول ملفات التمويل، وتنفيذ التعهدات، وحماية الغابات.
وفي المنطقة الخضراء- وهي مخصصة عادةً لنشاطات المجتمع المدني، منظمات غير حكومية، والشركات، وكذلك العروض والمعارض والفعاليات المفتوحة للجمهور- قدّمت الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات البرازيلية، بالتنسيق مع رئاسة المؤتمر، مبادرة "من أجل قانون الغابات" الرامية إلى تسريع تنفيذه عبر دعم المجتمعات الريفية فنيًا وميدانيًا، بما يشمل تحديث السجل البيئي الريفي وتشجيع برامج التنظيم البيئي. لتعزيز الحوكمة البيئية، ودعم الإنتاج المستدام، وتقوية موقع البرازيل في تحقيق التزاماتها المناخية.
أما في المنطقة الزرقاء- وهي منطقة التفاوض الرسمية حيث تعقد الاجتماعات بين الدول، الوفود الحكومية، والمنظمات الدولية- فوجه الزعيم راوني مارايكا ريرانجا هو قائد بارز من الشعوب الأصلية في الأمازون بالبرازيل، خلال جلسة” قانون الغابات القائمة، الاتفاقات في الممارسة“، رسالة مباشرة إلى مفاوضي المناخ بضرورة الاعتراف بالدور القيادي للشعوب الأصلية في حماية الغابات. وشدد المتحدثون على أن أي تقدم في ملفات الانبعاثات وأسواق الكربون والتمويل المناخي يظل ناقصًا ما لم يُترجم إلى حماية فعلية للغابات واعتراف قانوني وعملي بحقوق المجتمعات التي حافظت عليها عبر أجيال.
كما تجمع الآلاف من السكان الأصليين والشباب والعمال والمجتمعات التقليدية في مسيرة "مارشا مونديال بيلو كليما" التي نظمتها "قمة الشعوب" في إشارة واضحة إلى صانعي القرار، للمطالبة بإجراءات حكومية أكثر صرامة وشفافية، وبحماية الأراضي ووقف الاعتداءات البيئية المتصاعدة.
وتدل مجمل التحركات، من غرف التفاوض إلى الساحات العامة، على أن "كوب 30" يسير نحو صياغة قواعد جديدة تزيد من سرعة التنفيذ وتدعم انتقالًا اقتصاديًا عادلًا يأخذ في اعتباره حقوق الناس، ودور المجتمعات المحلية، والحق في بيئة آمنة ومستدامة.
مع نهاية الأسبوع الأول، أصبح واضحًا أن "كوب 30” يسعى إلى تحويل الطموح إلى إجراءات عملية، ويضع الناس والمجتمعات في قلب الانتقال الاقتصادي والمناخي العادل، ويظل التنفيذ الواقعي هو التحدي القادم.
إضافة تعليق جديد