اتحاد العمال لم يكن يوماً إلا مؤسسة من مؤسسات نظام مبارك وواحدة من أدواته للقهر، والهيمنة، والفساد

بيانات صحفية
الاثنين, ديسمبر 8, 2014 - 02:18

تتابعت فى الآونة الأخيرة- الأيام والأسابيع الماضية- عدةٌ من الممارسات الحكومية والمواقف شبه الرسمية التى تستدعى التساؤل وتثير القلق بشأن التوجهات الحكومية حيال قضايا الحريات النقابية وحقوق العمال – على الأخص- إذا تم رصدها وقراءتها  مع تصاعد وتيرة الهجوم على النقابات المستقلة فى بعض المنابر الإعلامية والقنوات التليفزيونة المملوكة لرجالات نظام مبارك..

تكررت وقائع تهميش النقابات المستقلة التى كان أبرزها اجتماع رئيس مجلس الوزراء – مؤخراً مع " الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" لمناقشة قضايا العمال!! .. وتجاهل لجنة الإصلاح التشريعى (لجنة التشريعات الاجتماعية) الحوار مع الأطراف النقابية المستقلة بشأن مشروع قانون الحريات النقابية .. فيما صدرت عن رئيس اللجنة المختصة – الأستاذ سامح عاشور نقيب المحامين - تصريحات صادمة بشأن النقابات المستقلة ومنظمات المجتمع المدنى أثناء لقاءٍ مشترك مع الاتحاد العام للجمعيات بحضور "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" ..

ربما بدت هذه الوقائع أمراً لا يستدعى التوقف ، وربما رأى البعض أنها لا تمثل ما يمكن اعتباره توجهاً غير ديمقراطى للحكومة فى تعاطيها مع الواقع العمالى بمفرداته المعقدة والمتشابكة. غير أننا للأسف لا نستطيع التعامل مع هذه الوقائع بعيداً عن سياقاتها الآتية:

       إن الفضاء العام، والساحة السياسية فى بلادنا يشهدان تجاذبات وصراعات لا مجال إلى انكارها.. نظام مبارك لم يزل قابعاً فى كل مكان.. فى مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية، فى الإدارات الحكومية وشركات قطاع الأعمال العام، وفى الإعلام والشارع السياسى.. إن الصدمة التى أصابت قطاعات واسعة من أبناء شعبنا بعد صدور الحكم ببراءة مبارك ورجاله فيما كان يسمى بمحاكمة القرن لم يكن مبعثها مجرد الرغبة فى الثأر أوالانتقام- كما يحلو للبعض تصويرها- وإنما المخاوف التى جعلت تتصاعد خلال الفترة السابقة من العودة إلى منظومة الحكم السابقة والتى بدا حكم البراءة وكأنه يجسدها ظلاً ثقيلاً، وجواً خانقاً يلف البلاد.

إننا ننحاز كلياً إلى المطالبات التى تعالت خلال الأيام الماضية وفى أعقاب الحكم بترسيم الحدود الفاصلة بين نظامنا الحالى ، ومنظومة حكم مبارك.. ليس من خلال تجريم التجاوز فى حق ثورتى 25 يناير ، والثلاثين من يونيو.. وإنما بإعلان الدولة المصرية – مؤسسة الرئاسة والحكومة- موقفها الواضح من منظومة حكم مبارك بكافة مفرداتها ومؤسساتها وممارساتها.. قطيعتها الصريحة مع حقبة عانى فيها شعبنا الأمرين من استلاب حريته وكرامته، من العيش فى مجتمع ظالم.. يهمش الغالبية الساحقة من أبنائه.. فيما تحتكر الثروة والنفوذ دوائر ضيقة لم تكف عن تجريف الوطن.. أرضه وخبراته وعقوله حتى بات وشيك الضياع.. واستجابتها الفعلية للمطالب التى استطاع شعبنا أن يصيغها ويلخصها فى الخامس والعشرين من يناير 2011.. العيش والحرية.. الكرامة الإنسانية ، والعدالة الاجتماعية.

إن هذه االمطالب.. الحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية ليست مجرد كلمات ، وإنما هى العناوين الكبرى للحقوق التى ينبغى كفالتها لكل مصرى ومصرية.. إن الكرامة لا تتحقق لإنسان لا يجد قوت يومه، أو لا يستطيع إطعام أطفاله.. لا تتحقق لإنسان بلا مأوى، أو بلا عمل.. لا تتحقق لإنسان يكتم رأيه قسراً .. يشعر بالظلم ولا يملك أدوات رده أو مواجهته.

       لقد ناضل العمال المصريون طويلاً قبل وبعد الثورة من أجل إلغاء القيود القانونية المفروضة على حق تكوين النقابات استقلالاً عن المؤسسة النقابية الرسمية المفروضة عليهم.. وتحرير العمال المصريين من كافة صور الضم القسرى والإكراه على العضوية النقابية، غير أن الحريات النقابية- رغم انتزاع البعض منها فى أعقاب ثورة يناير- ما برحت تواجه - على الأرض- صعوبات بالغة، وتتعرض لانتهاكات فظة من قبل منظومة جهنمية تضم بعض الإدارات الحكومية، والكثير من إدارات قطاع الأعمال العام مع عدد من رجال الأعمال والشركات الخاصة فضلاً عن مؤسسة النظام السابق النقابية "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" .

لم يزل العمال والنقابيون فى مئات النقابات المستقلة يتعرضون للتنكيل.. حيث يفقد العشرات عملهم ومورد رزقهم الوحيد لممارستهم حقوقهم الديمقراطية المشروعة، بينما تُحجب الحماية القانونية عن هؤلاء على سند من القول بعدم صدور قانون الحريات النقابية الجديد المنتظر.. وتتعثر إمكانيات المفاوضة الجماعية بين أطراف العمل فى ظل الأوضاع النقابية المقلوبة واستمرار القانون رقم 35 لسنة 1976 سئ السمعة الذى كان يفترض إلغاؤه صبيحة الثورة على منظومة الحكم السابقة..

بل أن العام الأخير قد شهد للأسف الشديد أسوأ صور التعسف فى شركات قطاع الأعمال العام.. رؤساء شركات يتحدثون عن تصفية حسابات السنوات الثلاث الماضية مع الحركة العمالية وقادتها فى شركاتهم.. رؤساء شركات يجاهرون باعتزامهم التعدى على حقوق العمال- لأنهم وفقاً لهم قد حصلوا على أكثر من اللازم خلال السنوات الثلاث الماضية-!! رؤساء شركات يتفرغون لملاحقة القيادات العمالية والانتقام منهم لأنهم انتقدوا سوء الإدارة أو أشاروا إلى بعض مواطن الفساد فى شركاتهم.

وأخيراً يحال ثمانية عشر موظفاً من العاملين فى مكتبة الإسكندرية للمحاكمة أمام محكمة جنح باب شرقى الجزئية لقيامهم بالتظاهر يوم 8 يناير 2012 !!.. كان مدير المكتبة قد تقدم ببلاغ ضد هؤلاء العاملين وقيدت القضية آنذاك تحت رقم 6625 لسنة 2012 إدارى.. غير أن النيابة العامة قد قررت بعد قرابة الثلاث سنوات إعادة قيدها تحت رقم 30204 لسنة 2014 جنح باب شرقى الإسكندرية وإحالتها إلى المحاكمة!!

    فى هذا السياق تتعرض دار الخدمات النقابية والعمالية مجدداً لحملات الهجوم التى اعتاد على ممارستها فى حقها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر مستخدماً الخطاب والمفردات المتهافتة المعتادة.. للمرة الألف يلجأ رجالات الاتحاد العام لنقابات العمال والمتحالفون معهم من قيادات قطاع الأعمال العام بدلاً من التعامل الرشيد مع مطالب الحركة العمالية، والعمل الجاد على إصلاح الشركات التى توقفت خطوط انتاجها، وتراكم المنتج فى مخازنها.. التى تشهد تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات على سوء إداراتها غير المنزهة عن الفساد.. بدلاً من إدارة حوار حقيقى مع العمال وتطهير بيئة العمل من الأجواء الانتقامية الخانقة .. لا يجد هؤلاء للحفاظ على مواقعهم ومقاعدهم سوى إدعاء المؤامرة والمحرض.. مرة أخرى يتحدثون عن العمال وكأنهم "قطعان" يتحركون "بالريمود كونترول"..

ومرة أخرى يا سادة .. العمال تحرضهم الأوضاع الاقتصادية التى نعرفها جميعاً .. يحرضهم الاحساس بعدم الأمان فى شركات لا يطمئن إلى مستقبلها ومصيرها فى ظل هذا الآداء الردئ لإداراتها.. يحرضهم التجاهل وانسداد قنوات الحوار والتفاوض.. يحرضهم الشعور بالقهر لأنهم لا يجدون من ينصت إلى أصواتهم.

فى هذا السياق .. وفى ضوء هذه الوقائع والمؤشرات.. تهمنا التشديد على ما يلى:

Û إن الحوار الاجتماعى.. والمفاوضة المجتمعية هما الأرض الوحيدة التى يمكن أن ينمو عليها مجتمعاً ديمقراطياً حياً..وتفعيلهما هو الإنقاذ الوحيد من القلاقل التى لا تحمد عقباها، ومن نزعات العنف والتطرف التى تُطلقها-دون كابح- نقطة اللا توازن التى كان مجتمعنا المصرى قد صار إليها فى غيبة الآليات اللازمة للحوار والجدل الاجتماعى بين الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة ..آليات التنظيم والضغط والمفاوضة التى تستطيع من خلالها كافة الجماعات الاجتماعية التعبير عن مصالحها وممارسة نفوذها بصورة منظمة للمشاركة فى صنع السياسات أو على الأقل التأثير فيها وتعديلها.

Û إن مجتمع الأمن والاستقرار والديمقراطية الذى يطمح إليه المصريون هو بالضرورة المجتمع الذى يجد فيه الإنسان عملاً لائقاً.. عملاً مقابل أجر عادل، فى ظل علاقات عمل عادلة، وشروط صحية آمنة.. يحفظ كرامته، ويشعره بالأمان، ويطلق امكانياته وطاقاته.. مجتمع يظلل أفراده بالحماية، ويكفل لهم الحق فى الغذاء، والعلاج، والمسكن المناسب، والبيئة النظيفة الآمنة.. مجتمع يكفل تكافؤ الفرص بين المصريين جميعاً فى التعليم والتوظف والترقى.. حق المصريين جميعاً فى ثرواتهم ومواردهم الطبيعية- بكل ما يتضمنه هذا الحق من ممارسة الرقابة عليها، والاستفادة منها والتمتع بها.. فى تحقيق بعض التوازن الاجتماعى .. بعض من عدالة فى توزيع الناتج القومى وتحمل الأعباء والمسئولية الاجتماعية.. فى حماية الفئات الأضعف اجتماعياً وتوفير الفرص اللازمة لتمكينها.

والأهم من ذلك أننا هنا فى مصر لا يمكننا أن نحصل على الديمقراطية والأمن والاستقرار دون العدالة الاجتماعية.. إن هؤلاء الذين يقلقهم إلى أقصى حد غياب الأمن والاستقرار بكل تداعياته على مناخ الاستثمار.. يتوجب عليهم أن يدركوا أن الجياع ليس لديهم ما يخسرونه، وأننا لا يمكننا أن نحصل على الأمن والاستقرار دون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأن الانتقال إلى مصر الآمنة الديمقراطية لا يمكن أن يتحقق بغير استعادة قدر من التوازن الاجتماعى.. بغير استعادة المهمشين خارج المجتمع- اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً- إلى داخله لكى يصبحوا أصحاب مصلحة حقيقة فى استقراره وانتظامه وأمنه..  بغير تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية يفتح أمام الجميع أبواب الأمل الذى كان قد بدا لهم مستحيلاً.

Û إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ ترفض التخرصات المغرضة التى يعمد "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" إليها، كما ترفض التعامل مع الحركات العمالية باعتبارها مؤامرة.. تشدد على أن تصوير الأمر باعتباره نزاع بين الدار و"الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"  إنما ينطوى على مقاربة مغلوطة وتشويه فظ للحقائق.. حيث النزاع الحقيقى- منذ سنوات وعقود- هو نزاع العمال المصريين مع هذه المؤسسة التى لم تكن يوماً سوى إحدى مؤسسات النظام وواحدة من أدواته للقهر والهيمنة والفساد.. العمال المصريون الذين حرموا عشرات السنين من حقهم فى تكوين نقاباتهم، والذين استلبت منهم منظماتهم وحركتهم النقابية المستقلة.. العمال المصريون الذين تتواتر اضراباتهم  .. لأنهم- ببساطة- يفتقدون إلى النقابات.. أداتهم فى التعبير عن مصالحهم، والتفاوض بشأنها.. العمال المصريون الذين كانوا يضطرون إلى الاعتصام والمبيت- مع أسرهم وأطفالهم-  أمام مجلس الشعب أياماً وشهوراً انتظاراً لمن يسمع صوتهم.. وطلباً لانعقاد لجنة القوى العاملة فى المجلس لبحث قضاياهم المعلقة ومفاوضتهم وصولاً إلى ما يمكن من الحلول والاتفاقات.. العمال الذين سحبوا الثقة من نقابات هذا الاتحاد.. والذين أرسلوا استقالاتهم وطلبوا التوقف عن اقتطاع اشتراكاتهم جبراً- دون جدوى- .. العمال الذين أضافوا مطلب حل اللجان النقابية إلى صدر مطالبهم فى كل إضراب وحركة احتجاجية- دون جدوى-

هؤلاء العمال هم الطرف الأصلى والأصيل فى النزاع.. هم أصحاب الحق الذين لا يمــــلك أحد التنازل عنه أو المساومة بشأنه.. حقهم فى تكوين نقاباتهم المستقلة.

إن دار الخدمات النقابية والعمالية التى دافعت وسوف تدافع دوماً عن حق العمال المصريين الأصيل فى تكوين نقاباتهم بحرية، والتى طالبت وسوف تطالب دوماً بإصدار قانون يمكفل الحقوق والحريات النقابية ، وبإعادة هيكلة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ولوائحه وهيئاته بما يمتثل ويتواءم مع مبادئ الحريات النقابية..

طالبنا وسنطالب دوماً بحق العمال المصريين فى نقاباتهم.. فى السيطرة على أموالهم.. فى تقرير أمور الاتحاد بصورة ديمقراطية.. فى تغيير كافة الأوضاع النقابية المقلوبة، وسنقف فى مواجهة كل محاولة لإعادة إنتاج هذه الأوضاع التى أضاعت حقوق العمال عقوداً طويلة.

وسيحصل عمال مصر على حقوقهم الضائعة جميعها.

 

دار الخدمات النقابية والعمالية

الاثنين الموافق 8/12/2014

 

إضافة تعليق جديد