الفرارجى

مقالات
الخميس, أكتوبر 16, 2014 - 02:30

"الفرارجى" هو اللقب، أما الاسم فلم أهتم كثيراً بالتدقيق فيه، فربما يكون عبد المنعم أو أحمد أو مجدى أو جبالى.. بعيداً عن الاسم واللقب  فلم يعرفه الناس باسمه أو لقبه ولكنهم عرفوه واشتهر بينهم بفعلته، فأصبح اسمه رمـزاً لكل واشى وضيع النفس..  "الفرارجى" هو ذلك الشخص الذى أخبر البوليس عن المكان الذى كان يختبئ به الزعيم الوطنى خطيب الثورة العرابية "عبد الله النديم"..

بعد أن فشلت الثورة العرابية وألقى القبض على زعيمها  "أحمد عرابى" وعدد من قاداتها.. هرب النديم واستمر هروبه تسعة سنوات، تعقبتها خلالها كل أجهزة السلطة وبذلت محاولات مضنية للقبض عليه، ولكن كان الفشل حليفها، فالشعب الذى ثار من أجله النديم كان الحصن والمخبئ، احتضنته بيوت المصريين فقرائهم وأغنيائهم على مدى السنوات التسع كان النديم عكس كل الهاربين ينام قرير العين فى أحضان شعبه وعلى تراب وطنه، وكان الانجليز يواصلون الليل بالنهار فى البحث عنه دون جدوى، حتى جاء ذلك الدنئ "الفرارجى" وأبلغ عن مكان النديم فألقى القبض عليه.

خرج النديم مع قوة القبض مرفوع الرأس وظل فى محبسه وبعد خروجه موفور الكرامة محل للترحيب والاحترام أينما ذهب وأينما نزل. وأصبحت سيرة نضاله وحكايات بطولاته ملهمة لنا جيل بعد جيل.

أما الفرارجى فقد عاش حتى مات منبوذاً كأى خائن لوطنه وشعبه يتبرأ منه الجميع، ويبتعد عنه الناس كأنه جرثومة أو وباء..

ولكن اليوم ظهر بيننا أشخاص من ذوات الجلود السميكة يتفاخرون بذات الأفعال التى جلبت للفرارجى الخزى والعار.. فيخرج علينا أحدهم ليعلن بكل تبجح أنه كان وراء فصل زملاءه فى النقابة لأنهم تجرءوا وانحازوا إلى زملائهم العمال عندما وقفوا جميعاً معاً فى مواجهة الإدارة يطالبون بحقوقهم المهدرة.

والأكثر من ذلك فقد بات لهؤلاء مؤسسات كل عملها هو رعاية وتخريج هؤلاء المرتزقة، أو الأمنجية حسب تسمية هذه الأيام.. توفر لهم كافة الامكانيات وكل سبل الراحة من رواتب ومكافآت وبدلات حتى يقوموا بمهام التجسس والتلصص وكتابة التقارير.

فى عُرف هؤلاء أصبح الحق باطل، والعدل ظلم، والتضحية غباء.. فى عُرف هؤلاء أصبح الكذب والتنطع والارتزاق هى الشطارة والحداقة.. هؤلاء لا يعرفون إلا الركوع للجالس على الكرسى أياً ما كان مذهبه وسياساته.. يسبحون بحمده.. فكل همهم هو المصلحة والسبوبة.

فراحوا يهيلون التراب على معانى النضال من أجل الحق والحرية، فانطلقوا فى حملة نبــاح مسعورة يستهدفون ثــورة 25 يناير التى أخرجت أنبل ما فينا ويرمون أبطال هذه الثورة بأقذع الصفات، ويرون فى الثورة نفسها فعل خيانة.. فى عُرفهم "عُرف المرتزقة" الثورة على الظلم والاستبداد والفساد خيانة. والتبليغ على القيادات النقابية والتنطع على كل الموائد والعيش على فتاتها هو قمة الوطنية.

نسى أحفاد حسن الفرارجى الدرس.. نسوا أن حسن الفرارجى عاش منبوذاً وأصبح لا أحد يتذكره، وإذا ذكر أحد اسمه يتذكره مصحوب باللعنات.. نسوا منظر كبيرهم وهو يبكى فى القفص ذليلاً.. نسوا أن من بقى فى ضمير الوطن والأمة العربية هو البطل "خطيب الثورة"، المتمسك بمبادئها "عبد الله النديم" جدنا العظيم الذى ننتمى إليه وبتاريخه نتباهى.

 

كمال عباس

المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية

إضافة تعليق جديد