صفقة.. لن تمر

مقالات
الأحد, يناير 8, 2012 - 23:56

 

الأحد 8 يناير 2012 
 
عندما نقرأ وقائع ما جرى أثناء أزمة 24 فبراير عام 1954.. تلك الأزمة التى نشبت نتيجة الصراع الدائر بين أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو 1952 على خلفية الموقف من الديمقراطية، كأننا نقرأ وقائع ما يجرى الآن عن تحالفات خفية بين القيادات النقابية القديمة والمجلس العسكرى.. وضمن وقائع ما جرى فى فبراير ومارس 1954 أن محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية حينذاك تقدم باستقالته فى 24 فبراير 54 من جميع مناصبه مما جعل الأزمة داخل مجلس قيادة الثورة تأخذ شكلاً علنيا، فخرجت المظاهرات توصى بعودة محمد نجيب وتطالب بعودة الديمقراطية ورجوع الجيش إلى ثكناته، وأمام هذا التأييد الشعبى لمحمد نجيب وتصاعد المطالبة بعودة الحياة النيابية تم عقد صفقة بين عدد من القيادات العمالية على رأسهم الصاوى أحمد الصاوى رئيس نقابة عمال نقل القاهرة، وكامل العقيلى رئيس اتحاد سائقى التاكسى بالقاهرة، ومحمد نوح رئيس نقابة كتبة ترام القاهرة وكلاً من الصاغ إبراهيم الطحاوى والصاغ أحمد عبدالله طعيمة، وكان الأول يشغل منصب نائب الأمين العام لهيئة التحرير – ذلك التنظيم السياسى الذى أنشئه مجلس قيادة الثورة بعد قراره بحل الأحزب-، وكان الثانى مديرًا لشئون النقابات بنفس الهيئة. وبمقتضى هذه الصفقة اجتمع ليلة 26 مارس قادة نقابة نقل القاهرة فى مقر اتحاد النقل المشترك ودعوا إلى إضراب عام للعمال بينما أعلنوا هم القيام بإضراب عن الطعام وقد تكونت مطالبهم التى أذيعت فى الراديو قبل إضراب العمال مما يلى:

عدم إقرار عودة الأحزاب السياسية.

استمرار مجلس قيادة الثورة فى الحكم حتى يتم جلاء القوات البريطانية.

تكوين مجلس وطنى من ممثلى النقابات العمالية والتجمعات السياسية يكون بمثابة مجلس استشارى للقرارات والإجراءات التى يود مجلس قيادة الثورة تنفيذها.

إلغاء الانتخابات التى كان مقررا إجراؤها.

وفى يوم 27، 28 مارس كانت صفوف النقابات العمالية منقسمة بين مؤيد ومعارض للإضراب العام، ولكن فى يوم 29 مارس كان قد تم إقناع أو إجبار عدد كبير من النقابات على الانضمام إلى الإضراب العام، وتحكى كتب التاريخ أنه فى ذلك اليوم 29 مارس امتلأت شوارع القاهرة بمتظاهرين يهتفون «لا للأحزاب.. لا للديمقراطية».. وعن تلك الأحداث يكتب المؤرخ الدكتور عبدالعظيم رمضان «أن القيادات النقابية دخلت فى صفقة واضحة الشروط على رغم من عدم النص عليها صراحة، فقد وافقوا على تأييد الديكتاتورية العسكرية التى كثيرًا ما برهنت على معارضتها المطلقة لحركة نقابية عمالية حرة ولحق الإضراب، ومعارضتها لأى مبادرة أو عمل مستقل يقوم به العمال، وفى المقابل ضمن لهم النظام بقائهم فى مناصبهم كقيادات نقابية، ووافق على استمرار زيادة المكاسب الاقتصادية التى حصل عليها العمال وعلى رأسها الأمان الوظيفى الذى كان أهمها على الإطلاق».

إن هذه الوقائع التاريخية تفسر لنا كثيرًا مما يحدث الآن وتجعلنا نفهم لماذا لم يصدر حتى الآن المجلس العسكرى قانون الحريات النقابية رغم إقراره من مجلس الوزراء منذ أكثر من شهرين، ولماذا أصدر الدكتور الجنزورى قرارا ليلة انعقاد الجمعية العمومية للاتحاد المنحل بمد الدورة النقابية لمدة 6 أشهر فى محاولة منه لإضفاء الشرعية على الجمعية العمومية للاتحاد المنحل التى انعقدت يوم الخميس 29/12/2011 بدعوة من أحمد عبدالظاهر أمين عمال الحزب الوطنى بمحافظة الجيزة.

ولكى يكتمل درس التاريخ علينا أن نقول لطرفى صفقة اليوم أن التاريخ لن يعود أبدًا للوراء، وأن هناك اختلافات جوهرية بين ثورة 1952 وثورة 25 يناير 2011 تجعل صفقة اليوم لا يمكن أن تمر. أهمها:

أولاً: أن ثورة 25 يناير هى ثورة شعبية شارك فيها ملايين المصريين من أجل الحرية والكرامة والعدالة أفرزت فصائل ثورية قادرة على حماية الثورة والمضى بها نحو استكمال مهامها.

ثانيًا: هناك فرق كبير بين مجلس قيادة ثورة 52 والمجلس العسكرى الآن.. فالأول هو من قام بالثورة وفور وصوله للحكم قام بعدد من الإجراءات التى أكسبته شعبية كبيرة لدى الشعب المصرى أهمها: طرد الملك وإصدار قانون الإصلاح الزراعى.

ثالثًا: أن النظام الحالى لا يملك أن يحقق للعمال أى مكاسب ليمرر بها الصفقة.

رابعًا: أن القيادات العمالية التى عقدت الصفقة عام 54 رغم خلافنا معهم كانت قيادات حقيقية استطاعت أن تحرك العمال وتقودهم لإضراب عام، أما قيادات اليوم فهى قيادات صنعها نظام الرئيس المخلوع جاء بها عبر انتخابات مزورة لا تستند إلى أى شرعية ولا ترتبط بأى قواعد عمالية، بل أن العمال يناصبوها العداء نتيجة لما اقترفوه فى حقهم على مدى الثلاثين عامًا الماضية، بالإضافة إلى أن هذه القيادات النقابية هى من القوى المناهضة للثورة بامتياز ليس فقط بحكم كونهم كانوا أعضاء بالحزب الوطنى المنحل وأيضًا لأنهم اتخذوا موقفًا معاديًا للثورة منذ اندلاعها فى 25 يناير.

ويبقى أن علينا جميعًا أن نعى درس التاريخ، وهو ما يحتم على القوى السياسية وقوى الثورة أن تساند اليوم الحركة العمالية فى مطالبها المشروعة وعلى رأسها حق العمال فى إنشاء نقابتهم بحرية وهو ما يكفله مشروع قانون الحريات النقابية.

كمال عباس

المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية

إضافة تعليق جديد