في حوار لـ مصر العربية: كمال عباس: إلغاء النقابات المستقلة "مأزق دولي" للحكومة

مقالات
الاثنين, ديسمبر 28, 2015 - 11:22

وصف كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بـ "الجثة الضخمة التي يعيش عليها الديدان"، مؤكدا أنه لا يؤدي دوره في الدفاع عن حقوق العمال. 

وأضاف عباس، في حواره  مع مصر العربية، أن العمال أسسوا نقاباتهم المستقلة للدفاع عن حقوقهم بسبب غياب الاتحاد العام و اهتمامه بدعم الحكومة. 

وأشار إلى أنه ليس متفائلا بتركيبة البرلمان الحالي بسبب سيطرة رجال الأعمال عليه، متوقعا أن يخرج بقوانين لا تعكس طموحات العمال والطبقة الفقيرة عموما.

وإلى نص الحوار: 

تصاعدت وتيرة الهجوم على النقابات المستقلة في الفترة الحالية مع اقتراب مناقشة قانون الحريات النقابية.. من وجهة نظرك ما دلالة هذا التوقيت؟ 

الهجوم على النقابات المستقلة مستمر منذ إنشائها حتى الآن، لكن هناك فترات تتصاعد فيها وتيرة الهجوم وتهدأ في فترات أخرى؛ لأن وجود النقابات المستقلة أكبر دليل على فشل الاتحاد الحكومي في أن يكون ممثلا حقيقيا عن العمال، فهو أقرب ما يكون إلى تجمع مؤسسي للمصالح ترعاه الدولة وتديره الأجهزة الأمنية. 

الكاتب الصحفي محمد البرغوثي أشار في مقال له إلى استغلال "النقابات المستقلة" لاسمك ولاسم الوزير الأسبق كمال أبو عيطة لتحقيق أغراضها.. ما رأيك؟ 

هذا يجعلنا نسترجع ما الذي فعلته النقابات المستقلة وما هي الفائدة والاستغلال الذي حققه أعضاء النقابات المستقلة، فهذه النقابات وجودها طرح فكرة وجوب الديمقراطية العمالية في مصر، حيث رفع العمال منذ عام 1968 مطالب بإنشاء نقاباتهم بحرية وعدم تجريم  الإضرابات العمالية.

ومع تأسيس دار الخدمات النقابية، عام 1990، أصبح هناك منظمة تتبنى هذه المفاهيم وتدافع عنها وتقوم بدورها في تجميع العمال حول هذه المطالب، ثم أصبحت النقابات المستقلة واقعا ملموسا، وكثير من النقابات المستقلة حققت مكاسب كبيرة جدا لأعضائها.

إذن أي حديث حول حول تحقيق مصالح شخصية وتلقي أموال، وكل الاتهامات من هذا القبيل مكانها النائب العام، ومن لديه بلاغ فليتقدم به للجهات الرقابية المسؤولة.  

ما أبرز المكاسب التي حققتها النقابات المستقلة لأعضائها ؟ 

تعديل أجور موظفي الضرائب العقارية، إذ ارتفعت بعد إنشاء نقابتهم المستقلة، وكذلك اتحاد الكيماويات والنقابة المستقلة العاملين بهيئة النقل العام، فيما  حققت النقابة العامة لأصحاب المعاشات مكاسب كثيرة، حيث كشفت نقاباتهم استيلاء الدولة على أموالهم وعرضت حقوقهم ومطالبهم على الجهات المختصة وطالبت بها. 

لكن الكاتب الصحفي محمد البرغوثي كتب في مقال له أن الوزيرة ناهد العشري حافظت على وجود النقابات المستقلة في قطاع الأعمال العام لتدميره..

قطاع  الأعمال العام لا يوجد به نقابات مستقلة للأسف، لأن العاملين بقطاع الأعمال العام لديهم وجهة نظر تحترم، فهم يقولون إنهم متمسكون بأموالهم التي دفعوها للتنظيم النقابي وكانت تخصم منهم إجباريا، فضلا عن أن أغلب العاملين بقطاع الأعمال العام لديهم صناديق زمالة وهناك ارتباط شرطي ما بين عضويتهم في النقابة وحقهم في صندوق الزمالة، وبالتالي لايستطيع العامل ترك  النقابة حتى لا يفقد حقه في صندوق الزمالة ويخسر  الراتب  الذي يتقاضاه بعد خروجه على المعاش.

كيف ترى المشهد الحالي على صعيد العلاقة بين الحكومة والنقابات المستقلة؟ 

هناك حالة من التضارب؛ لأن الحكومة لديها تنظيم نقابي ضخم جدا  تسيطر عليه لجنة إدارية تابعة للدولة ولديها مؤسسات كثيرة و موارد  نتيجة الاشتراكات التي تستقطع جبرا من رواتب  العمال، لكن هذا الاتحاد جثة ضخمة يعيش عليها الديدان، ولا يؤدي  دوره في الدفاع عن تحسين  شروط العمل والتفاوض باسم العمال.

ولذلك أنشأ العمال نقاباتهم المستقلة بإرادتهم الحرة، وفي المقابل ترفض الحكومة هذه النقابات وتضع أمامها العراقيل.

نحن الآن أمام مشهد عبثي، إذ  نجد على الجانب الآخر وجود تضارب ما بين الدستور و القانون، فهناك قانون 35 لسنة 76 الذي يهدر الحريات النقابية ويفرض على العمال التنظيم الواحد، بينما الدستور ينص على أهمية الحريات النقابية ويعطي العمال الحق في إنشاء نقاباتهم، وعلى الحكومة أن تحل هذه المشكلة بإصدار قانون للحريات النقابية يتوافق مع الدستور و الاتفاقيات الدولية.

ذكرت أن الحكومة تنحاز لاتحاد العمال العام رغم عدم جدواه، فهل تعتقد أن هناك مصالح مشتركة بين الحكومة و الاتحاد؟ 

الحكومة تعيد إنتاج سياسات مبارك بنفس الوجوه، لكن كان يجب عليها أن تغيرها لأن شكلها "وحش"، فهي تستعين بمن فشل في حماية مبارك وشارك في موقعة الجمل وفشل،  واتفق مع محمد مرسي والإخوان ولم يقدم لهم شيئا، والحكومة دعمته في الانتخابات وفشل في أن يحرز أصواتا أو يحشد الناخبين على الرغم  من أنه يدعي أن لديه 5 مليون عضو.

قدمت العديد من البلاغات للنائب العام تتهم فيها الاتحاد العام لعمال مصر بالفساد، فما هو مصيرها؟

البلاغ الوحيد الذي تم التحقيق فيه هو ذلك المقدم ضد صلاح هيكل، الرئيس السابق للنقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية والمعدنية ورئيس نقابة الحديد والصلب، فهذا الرجل بدأ حياته عامل بسيط  مثلنا جميعا، وعندما حققت النيابة معه حصرت ثروته بـ 250 مليون جنيه من مصادر ليست معلومة وأفرجت عنه النيابة بـ100 ألف جنيه كفالة دفعها فورا. 

هل تتوقع  أن تحاول  الحكومة إلغاء النقابات المستقلة في قانون الحريات النقابية الذي سيناقش بالبرلمان المقبل؟ 

كيف يصح أن يكون القانون للحريات النقابية ويمنع هذه الحريات؟! بذلك يكون القانون مخالفا للدستور في المادة 76 التي تنص على حق العمال في إنشاء نقاباتهم بشكل ديمقراطي.

تنص هذه المادة أيضا على أن هذه النقابات مستقلة، والمادة 93 تتحدث عن أن قوانين التي تصدر من الدولة المصرية لابد أن تتطابق مع العهود والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر،  والدولة وقعت على الاتفاقية 87 و 98 الخاصة بالحريات النقابية، وبالتالي ستصبح في مأزق إن حاولت إلغاءها. 

إذن لماذا ظل قانون الحريات النقابية في إدراج الحكومة خمس سنوات بعد الثورة على الرغم من إقرار العديد من القوانين دون وجود برلمان؟ 

هذا لا يثير الاستغراب في ظل عدم وجود ديمقراطية في مصر، فالدولة أنتجت عدد  من القوانين التي تعادي الحريات، وليس لديها توجه نحو الديمقراطية، وبالتالي هذا يفسر تعطيل القانون منذ سبتمبر 2011 حتى الآن رغم تصديق رئاسة الوزراء، برئاسة عصام الشرف، إلا إن المجلس العسكري لم يقره و ظل حبيس الأدراج.

لكن بعض قيادات الحركة النقابية اتفقوا في اجتماعهم الأخير على أن تفتيت الحركة النقابية و عدم اتفاقها هو سبب هجوم الحكومة عليها..

هم يرون أن النقابات المستقلة تحتاج أن تجتمع حول أهداف موحدة، منها  فكرة الدفاع عن وجودها  بشكل أقوى و هو ما نعمل عليه في الفترة القادمة.

ونعقد حاليا اجتماعات للجنة التنسيقية التي انبثقت عن اجتماع قيادات النقابات المستقلة، وهذه اللجنة ستدعو كل الأطراف التي دخلت معركة الدفاع عن الحريات النقابية للانضمام لها.

ونحن نرى أن الدفاع عن الحريات النقابية لا ينفصل عن الدفاع عن الحريات العامة بشكل عام، وهي قضية تخص النقابات في المقام الأول، لكنها أيضا تخص الجهات المدافعة عن الحريات، سواء كانت قوى سياسية أو منظمات مجتمع مدني. 

لماذا يختلف كل من الاتحاد العام لنقابات عمال مصر والنقابات المستقلة حول مفهوم الحريات النقابية؟

الاتحاد العام يختلف مع النقابات المستقلة حول المفهوم لأن ممثليه ليسوا نقابيين، فالتنظيم النقابي هو الذي يُشكل بإرادة العمال الحرة وتنتخب قيادته، لكن عندما نطبق هذا على اتحاد العمال نجد أنه يمثل نقابات شكلت بإرادة الحكومة، وقياداتها ليست منتخبة، ومواردها  تستقطع من أموال العمال إجبارا، ولا تدافع عن حقوق العمال، بل عن الحكومة ومصالحها الخاصة، وبالتالي يمكننا إطلاق أي وصف على الاتحادات الحكومية باستثناء وصف التنظيمات النقابية.

في الماضي كان العمال يطلقون على الاتحاد العام  اسم "قهوة المعاشات" حيث كان يسيطر عليه كبار السن ممن تعدوا السبعين عاما، أما الآن فنحن نطلق عليه "جمعية كل و اشكر"، بمعنى أن الاتحاد "بياخد حسنة وبيتفسح و بيروح البرلمان"، ثم يأخذ مكافآت من الشركات القابضة ويكوَن ثروة بالملايين في مقابل أن يشكر الحكومة و يدعمها في اتخاذ كل الإجراءات المعادية للعمال.

هل يمكن أن تؤثر تركيبة البرلمان التي يسيطر عليها عدد كبير من رجال الأعمال على مناقشة  القوانين التي تخص العمال ؟ 

أنا لست متفائلا بتركيبة البرلمان الحالي، ليس فقط في قانون الحريات النقابية، لكن أيضا في قانون العمل، فمن المتوقع أن يخرج بشكل لا يرضي العمال بعد سيطرة أصحاب النفوذ.

 الكثير من أعضاء البرلمان دخلوه بالرشوة الانتخابية، وبالتالي لا أتصور أنه سيحمي الحقوق الاجتماعية سواء للعمال أو للطبقة الفقيرة عموما. 

 

إذن ما هي خطتكم لمواجهة البرلمان الحالي إذا حاول تمرير القوانين الخاصة بالعمال بشكل لا يعكس طموحاتهم ؟ 

إذا صدر قانون عمل لا يضمن التوازن في علاقات العمل  سيحدث عدم استقرار في المجتمع؛ لأن أي قانون عمل تكون مهمته حفظ التوازن،  لكن إذا  صدر قانون يُخل  بهذا التوازن ستصدر الحكومة عدم الاستقرار في المجتمع، وسيعبر عن نفسه في صور كثيرة، منها الاحتجاجات بكافة أشكالها  وزيادة الفقر والجريمة والبطالة، فمن مصلحة الدولة أن تصدر قوانين تحفظ استقرار المجتمع.

 لكن للمرة الأولى يكون لدى  الحركة العمالية أجندة واضحة جدا، حيث أعدت مشروع قانون للحريات النقابية ومشروع قانون للعمل وللتأمينات وللتأمين الصحي، وبالتالي نحن لدينا أجندتنا التشريعية، لكن سيبقى الصراع  ولست متوقعا أن نصل إلى ما نريده. 

ما رأيك في التمثيل العمالي في البرلمان ؟

لا يوجد تمثيل عمالي في البرلمان، الحصة التي حصل عليها الاتحاد العام عبر قائمة "في حب مصر" هي نفس الحصة التي حصل عليها في أيام مبارك، حينها كان لابد من نجاح خمسة أعضاء أو ستة منهم، وأخرجوا  لنا  قانون عمل معيب وباعوا القطاع العام وفرطوا في حقوق العمال، ونفس السيناريو القديم  يتكرر حاليا، لكن الحركة العمالية ستعبر عن نفسها من خلال تصاعد  الاحتجاجات العمالية، والبرلمان لن يعبر عنها. 

لماذا لم يستطع المترشحون من ذوي الخلفية العمالية الفوز في البرلمان من غير اتحاد العمال؟

لأنهم لم يستطيعوا المنافسة، لأن قانون الانتخابات الحالي يدفع من يخوض الانتخابات إلى أن ينفق أموالا ضخمة، وبالتالي سيطر على البرلمان الحالي رجال الأعمال و العصبيات.

ومع احترامي لجميع النواب، لكن لا أحد منهم يستطيع أن يقدم أطروحات سياسية، ولا يوجد ناخب ذهب لانتخاب أي نائب منهم بسبب برنامجه الانتخابي، رغم ضخامة الأموال على الدعاية، لم يكن هناك برامج انتخابية وكان هناك حالة من الخلط بين الدولة المصرية و الدفاع عن السلطة. 

عندما بدأت الدولة في تطبيق قانون الخدمة المدنية أدرجت فئات لم تكن ممثلة في القانون، فلماذا هذا التضارب في التطبيق ؟ 

هذه المشاكل نشأت نتيجة الطريقة التي تم بها إقرار القانون، إذ  تم العمل به في وزارة التخطيط  كتجربة ثم  استطلعت الوزارة رأي بعض المديرين والمتخصصين في الشئون الإدارية، لكنها لم تفتح حوارا مجتمعيا حقيقيا.

وأنا لا أدري كيف تصدر الدولة قانونا ينظم علاقة العمل بينها وبين 6 مليون موظف ولا تطرحه للنقاش المجتمعي؟! وهذا ما جعل القانون مليئا بالأخطاء المعيبة، بعضها تم استدراكه في اللائحة التنفيذية، لكن ظلت  العديد من المواد المعيبة لم يتم تعديلها. 

  الحركة العمالية شاركت بشكل كبير في ثورة 25 يناير، بعد مرور خمس سنوات ما الذي حققه العمال من وجهة نظرك ؟  

العمال حققوا مكتسبات في وقت الزخم الثوري مع بداية أول حكومة ترأسها الدكتور عصام شرف، إذ صدر إعلان الحريات النقابية، لكن لم يصدر قانون الحريات النقابية، وهذا هو  الفشل الحقيقي، كان لابد أن نقاتل من أجل إصدار هذا القانون في هذا الوقت.

ثم تم إقرار بعض الزيادات في الرواتب، مثل حافز الإثابة 200% الذي تم تعميمه على جميع الموظفين في الدولة وأحدث نقلة في الأجور، وتثبيت 550 ألفا من أصحاب العقود المؤقتة، ولكن السياسة المعادية للعمال والمنحازة لرجال الاعمال  عادت  مع تولي  الإخوان المسلمين  الحكم و استمرت بعد 30 يونيو.

البعض يقول إن الدولة احتوت قيادات الحركة العمالية عبر تعيين كمال أبوعيطة وزيرا للقوى العاملة بعد 30 يونيو، فما رأيك ؟ 

تعيين كمال أبو عيطة وزيرا في حكومة ما بعد 30 يونيو لم يكن احتواءا، و كانت بالحكومة عدد كبير ممن لعبوا دورا في 30 يونيو وشاركوا في ثورة يناير،  كون أنه فشل فهذا أمر آخر، لكن صعب على أي حكومة أن تحتوي أي حركة، فهي تحاول أن تشوه هذه الحركة أو تسيء لها أو تشتري بعض رموزها وتجعلهم يلعبون أدوارا غير منتظرة منهم.

أخيرا.. كيف تقيم أوضاع العمال في نهاية عام 2015 ؟ 

الأوضاع سيئة، فنحن نتحدث عن سطوة  رجال الأعمال في القرار السياسي ومن خلال سيطرتهم على البرلمان ولكن بالنسبة لي أهم حق يجب أن نحصل عليه  هو  الحق في التنظيم  لأنها  السنارة التي سأصطاد بها  حقوقي، أهم شيء لابد أن يكون لدينا قانون يتيح إنشاء النقابات المستقلة. 

إضافة تعليق جديد