انتهاكات تشريعية

على مستوى البنية القانونية مر العام لتظل القوانين المقيدة للحريات النقابية على حالها، وكأن ثورة لم تقم، وكأن شهداء لم يسقطوا للمطالبة بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية..

فقد مر العام وما زال قانون الحريات النقابية حبيس الأدراج، وهو القانون الذى تعهدت الحكومات المصرية المتعاقبة منذ قيام الثورة المصرية فى يناير عام 2011 بالانتهاء منه وإصداره، لتظل مصر بذلك من الدول التى لا تحترم اتفاقاتها الدولية التى وقعت عليها، خاصة الاتفاقيتين أرقام 87 و98 الخاصتين بالحريات النقابية وحق العمال فى تنظيم أنفسهم بحرية فى نقابات مستقلة وديمقراطية.. فمصر كانت مدرجة فى قائمة الحالات الفردية عامى 2008 و2010، نتيجة انتهاكاتها المتكررة للحقوق العمالية والقيام بإغلاق مقار دار الخدمات النقابية والعمالية بدعوى تحريضها العمال على الإضراب، وجاءت حكومة ما بعد الثورة لتعلن للمجتمع الدولى تعهدها باحترام حقوق العمال فقام الدكتور احمد حسن البرعى وزير القوى العاملة الأسبق بإصدار إعلان مبادئ الحريات النقابية فى 12 مارس 2011 بحضور مدير المنظمة وقتها، وتعهدت الحكومة المصرية بإصدار قانون جديد يصون الحريات النقابية، حيث تم رفع اسم مصر من القائمة السوداء فى انتظار أن تفى الحكومة بتعهداتها وهو ما لم يتم حتى الآن..


على الرغم من الجدل الذى ثار حول قانون التظاهر الذى أصدره الرئيس عدلى منصور أواخر العام 2013، والوعود الحكومية بتعديل بعض بنود القانون الأزمة، إلا أن العام 2014 مر دون اى تعديلات على القانون، لتستمر الحكومة بهذا القانون فى شغفها غير المبرر لقمع التحركات الشعبية، فبدعوى تنظيم التظاهر تأتى مواد القانون لتؤكد فى جوهرها على منعها لأى تظاهر أو احتجاج سواء كان سلميا أو غير ذلك..وعلى الرغم من خلو مواد القانون من تجريم ما درج على تسميته فى القوانين السابقة "الاعتداء على الحق فى العمل" (الإضراب) وهو النص الذى كان موجودا فى قانون الرئيس المعزول محمد مرسى.. إلا أنه لم ينس أن يوجه للعمال ضربة كسابقه من القوانين.. فجاءت المادة السابعة منه لتنص على " يحظر على المشاركين فى الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذائهم.... الخ "، لتتحايل المادة بذلك على الجملة المعتادة " الاعتداء على الحق فى العمل " وتذكر بدلا منها " تعطيل الإنتاج أو الدعوة له "، لتجرم حتى مجرد الدعوة إلى الإضراب !!ثم تأتى الطامة الكبرى فى المادة العاشرة والتى تنص على : "يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص فى حالة حصول جهات الأمن- وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع أو الموكب أو التظاهر – على معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، أن يصدر قرار مسببا بمنع الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهر أو أرجاءها أو نقلها إلى مكان أخر أو تغيير مسارها، على أن يبلغ مقدمى الإخطار قبل الميعاد المحدد بأربع وعشرين ساعة على الأقل.... الخ"، لتعطى المادة بذلك لوزارة الداخلية الحق فى إنهاء التظاهر لمجرد ورود معلومات عن وجود ما يهدد الأمن!! وأخيرا المادة التاسعة عشرة : "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين، وبالغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف الحظر المنصوص عليه فى المادة السابعة من هذا القانون "، فالعامل الذى يعتصم من أجل بضعة جنيهات عليه أن يدفع عشرات الآلاف من الجنيهات كغرامة لمطالبته بتلك البضعة جنيهات!!

فى يوم 18 يناير 2014 أعلنت اللجنة العليا للانتخابات نتيجة الاستفتاء الشعبى على الدستور المعدل (دستور 2014) والتى جاءت بالموافقة على التعديلات بنسبة 98.1% .. وعلى الرغم من النقلة النوعية الهامة فى مواد الدستور الجديد فيما يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأيضاً فيما يخص الحريات والحقوق المدنية بالمقارنة بدستور 2012، إلا أن الدستور الجديد قد الغى نسبة الخمسين بالمائة عمال وفلاحين وهى النسبة التى وضعت عقب ثورة يوليو 1952 بهدف تمكين الفئات الأضعف فى المجتمع المصرى، والتى تفتقد لمن يمثلها تمثيلا حقيقيا أو ليست لديها القدرة المالية أو قدرة النفوذ والسلطة للوصول إلى البرلمان.. ألغت لجنة الخمسين نسبة العمال والفلاحين بدعوى سوء استخدامها، وعدم تواجد ممثلين حقيقيين عن العمال والفلاحين فى البرلمان طوال السنوات السابقة، متناسين أن تلك السنوات هى سنوات حكم قامت من اجله ثورة يناير المجيدة بكافة ممارساته الخاطئة، بما فيها سوء استخدام نسبة التمييز الايجابى للعمال والفلاحين، فبدلا من أن تبقى لجنة الخمسين على النسبة وتعمل على ضبط استخدامها، تؤكد على عجزها على محاربة الممارسات الفاسدة التى كانت قبل الثورة فى حكم الرئيس المعزول.

كما جاءت المادة 76 لتنص على "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفلها لقانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات. ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى. ولا يجوز إنشاء نقابات داخل الهيئات النظامية ".. فتنص المادة على حظر إنشاء النقابات فى الهيئات النظامية بدعوى أن المقصود بالهيئات النظامية الجيش والشرطة، إلا انه لم ينص صراحة على هاتين الهيئتين بل سماها الهيئات النظامية تاركا الباب بذلك مفتوحا لتفسيرات قد تكون اشمل من ذلك لمعنى الهيئات النظامية..

ثم تأتى المادة 204 لتنص على " القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومنفى حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة، ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى".. لتنص المادة بذلك على إخضاع عمال المصانع الحربية والتابعة لوزارة الإنتاج الحربى للمحاكمات العسكرية، على الرغم من خضوع هؤلاء العمال المدنيون لقانون العمل رقم 48الذى ينظم العلاقة ما بين العمال ووزارة الإنتاج الحربى التى تمثل صاحب العمل !!

هذا وفى تراجع غير مبرر ألغت مسودة الدستور المادة 207 من دستور 2012 والتى كانت تنص على تشكيل المجلس الاقتصادى والاجتماعى الذى يعمل على دعم مشاركة فئات المجتمع في إعداد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتعزيز الحوار المجتمعي، وهى المادة التى كانت تنص على انه يجب على كل من الحكومة ومجلس النواب ومجلس الشورى أخذ رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي في هذه السياسات ومشروعات القوانين المتعلقة بها.. وهو ما كنا نعتبره من الحسنات القليلة للدستور المعطل!!

فى يوم 23 مايو 2014 أصدر المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية المؤقت قرارا جمهوريا بالقانون رقم ٣٩ لسنة ٢٠١٤، بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦بمد مدة الدورة النقابية.. ونص القانون الذي نشر في الجريدة الرسمية، على أنه «يتم مد الدورة النقابية الحالية لمجالس إدارة تشكيلات المنظمات النقابية العمالية المشكلة، وفقا لأحكام قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦، لمدة سنة تبدأ من تاريخ انتهاء الدورة الحالية، أو لحين صدور قانون المنظمات النقابية العمالية أيهما أقرب، على أن تتم الدعوة لإجراء انتخابات مجالس الإدارة لهذه المنظمات للدورة النقابية الجديدة خلال المدة المشار إليها، وقبل انتهائها بستين يوما على الأقل .. ليتم بذلك تأجيل إجراء الانتخابات النقابية العمالية للمرة الثالثة ما بعد ثورة يناير 2011، ويستمر على رأس التنظيمات النقابية العمالية لجان إدارية معينة وغير منتخبة لإدارة شئون النقابات العمالية التابعة لإتحاد عمال مصر والمنتمية سياسيا لنظام حكم الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك .. حيث أن أخر انتخابات نقابية قد تمت فى مصر كانت عام 2006 ..

فى يوم 5 يونيو 2014 أصدر الرئيس المؤقت عدلى منصور القانون رقم 46 لسنة 2014 (قانون مجلس النواب) وتم نشره فى الجريدة الرسمية بالعدد 23 فى يوم 5 يونيو سنة 2014 والخاص بتنظيم انتخابات مجلس النواب وإجراءات الترشح، حيث نصت المادة الثانية من قانون مجلس النواب الجديد على أن ".. يعتبر عاملاً من يعتمد بصفة رئيسية على دخله بسبب عمله اليدوى، ولا يكون منضماً إلى نقابة مهنية أو يكون مقيداً فى السجل التجارى أو من حملة المؤهلات العالية، ويستثنى من ذلك أعضاء النقابات المهنية من غير حملة المؤهلات العليا، وكذلك من بدأ حياته عاملاً وحصل على مؤهل عال وفى الحالتين يجب لاعتبار الشخص عاملاً أن يكون مقيداً فى نقابة عمالية.."، وكان مفاد هذا النص أن العامل الذى يعمل فعلياً- ما لم يكن منضماً إلى نقابة مهنية أو مقيداً فى السجل التجارى أو من حملة المؤهلات العليا- لا تشترط عضويته فى نقابة عمالية لكى تثبت له صفة العامل.. حيث تشترط العضوية فى نقابة عمالية فقط- وفقاً لصحيح نص المادة- بالأحوال التى رأى المشرع أنها تثير اللبس وهى:العامل المنضم إلى نقابة مهنية من غير حملة المؤهلات العليا والعامل الذى حصل على مؤهل عال أثناء الخدمة..

ولما كان هذا النص القانونى- وبغض النظر عن وجهات النظر فى شأنه- دائماً ما جرى تطبيقه- أو بالأحرى عدم تطبيقه- بصورة شائهة.. حيث اعتادت جهات الإشراف على الانتخابات تجاهله مكتفية باعتبار شهادة العضوية النقابية الصادرة عن الاتحاد العام لنقابات العمال دليل الصفة العمالية حتى درج الجميع على إطلاق شهادة الصفة عليها.

ولما كان هذا المنحى قد توافق - فى ظل نظم الحكم السابقة- مع احتياجات التدخل الأمنى والإدارى فى الانتخابات- جميعها- واعتبار كل شرط من شروط الترشيح فرصة للتدخل والتلاعب عن طريق إثباته بموجب شهادة صادرة عن إحدى الجهات التى تخضع لمقتضيات وأوامر السلطات الحاكمة !!.. حيث وفر "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" الذى كان واحداً من مؤسسات هذه المنظومة وسيلة مضمونة للتحكم فى خريطة المرشحين بالدوائر الانتخابية عن طريق التلاعب فى صفاتهم.

لذلك فإن اشتراط تقديم كل عامل شهادة العضوية النقابية لإثبات صفته.. واختصاص الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بإصدار هذه الشهادة فضلاً عن أنه لا يصادف صحيح القانون – ينطوى على انتهاك لحقى الترشيح والانتخاب وللحقوق والحريات النقابية وذلك للأسباب الآتية:

  • إن اشتراط الحصول على هذه الشهادة من قبل جهة معينة إنما يتضمن إكراهاً لراغبى الترشح على الانضمام إلى نقابة عمالية وحرماناً لغير المنضمين إلى نقابة عمالية من التمتع بحقوقهم السياسية التى يكفلها لهم القانون.

  • إن اشتراط الانضمام إلى نقابة عمالية والحصول على شهادة بعضويتها إنما يجافى الواقع الحالى ويتعارض معه.. حيث أن الغالبية الساحقة من العاملين فى القطاع الخاص- فضلاً عن القطاعات الاقتصادية غير المنظمة وغير الرسمية- غير منضمين إلى نقابات عمالية.. رغم أنهم عمال أو بالأحرى هم العمال.

عربية