بالصور مؤتمر صحفى: تحت شعار "من أجل قانون عمل يصون حقوق العمال" - وملاحظاتنا بشأن الصياغة النهائية لقانون العمل الجديد 

من : 
الثلاثاء, أبريل 11, 2017
إلى : 
الثلاثاء, أبريل 11, 2017


مرفق ملاحظاتنا بشأن الصياغة النهائية لقانون العمل الجديد 

عقدت لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمال بالتعاون مع دار الخدمات النقابية والعمالية بمقر الدار بالقصر العينى مؤتمراً صحفياً حول مشروع قانون العمل الجديد..

بدأت وقائع المؤتمر الصحفى بالوقوف دقيقة حداد على شهداء الوطن الذين راحوا ضحايا للعمل الإرهابى الخسيس الذى استهدف كنيستى طنطا والإسكندرية.

افتتح كمال عباس "المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية" المؤتمر بالحديث عن أن المشروع الجديد لم يتلافى العديد من سلبيات القانون الحالى ق12 لسنة 2003م وأنه -أى المشروع- ينحاز انحيازاً كاملاً لأصحاب الأعمال، وأكد عباس على أن هناك غياب واضح للصوت العمالى وأنه لا يوجد تمثيل حقيقى للعمال لأن ممثلى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (الاتحاد الحكومي) لا يمثلون العمال، وهنا نحن لا نتحدث عن أشخاص لكننا نتحدث عن مؤسسة على مدار سنوات طويلة أهدرت الحقوق الأساسية للعمال .

وأكد عباس على أن هذا المؤتمر هو بداية لحملة متكاملة سوف نقوم خلالها بعمل مجموعة ندوات فى المحافظات من أجل أن تصل أصواتنا إلى العمال والبرلمانيين والمسئولين.

ثم تحدث محمد الجمال "رئيس اتحاد العاملين بالكيماويات والبترو كيماويات بالسويس" وقال: أن المشروع الحالى لم نعلم عنه شيء ولم يسألنا أحد عن رأينا فيه، ولم يحدث حوله حوارا حقيقياً، وأكد أن المشروع منحاز تماماً لأصحاب الأعمال لأنه أعطى لصاحب العمل الحق المطلق فى إبرام عقود عمل محددة المدة تنتهى بإرادة صاحب العمل وحده.. فأين حماية العامل من تعسف أصحاب الأعمال؟!

وتحدث محمد عويس "رئيس اتحاد العاملين بالغزل والنسيج والملابس الجاهزة والجلود ببورسعيد" عن أن القانون يمثل ارتداد عن بعض مكتسبات القانون الحالى وقال أن مواد الإضراب فى مشروع القانون تجعله مُجرَّماً، خاصة فى ظل غياب التنظيم النقابى فى المنشأة، بالإضافة إلى الفصل التعسفى الذى سماه المشروع إنهاء علاقة العمل .

كما تحدث محمد عبد السلام "ممثل تنسيقية الأحزاب الاشتراكية" قائلاً: أنه من المفترض أن أى تشريع يتم استحداثه لابد أن يكون لتحسين التشريعات القائمة، وأن هذا المشروع الآن يمثل انتكاسة لهذه القاعدة لأنه أسوأ كثيرا من سابقه، حيث أن المشروع فى المادة 140 والتى تتحدث عن الاستقالة كانت فى القانون الحالى لا يعتد بالاستقالة إذا عَدل عنها العامل فى خلال أسبوع، وفى المشروع الجديد أصبح العدول عن الاستقالة بموافقة صاحب العمل.

وتحدث سيد كاريكا "رئيس نقابة العاملين بنايل لينين جروب بالمنطقة الصناعية بالعامرية بالإسكندرية"  قائلاً: أن الفصل فى القانون أصبح بناءاً على لوائح الشركات وليس بنص القانون وأن هذا المشروع يعطى كل الحقوق لأصحاب الأعمال وأن مَن كتب هذا المشروع لا علاقة له بالعمال لا من قريب ولا من بعيد.

وتحدث محمد عبد القادر "أمين عام نقابة العمالة غير المنتظمة" حول أن مشروع القانون يمثل ارتداداً عن ثوابت علاقات العمل للعمالة غير المنتظمة لأن المشروع لا يمثل أى حماية للعمالة لهم ولا حماية لأموال الجباية التى تجمعها الحكومة لحساب العمالة غير المنتظمة ولا يحصلون منها على شيء.

ثم فُتح الباب أمام تساؤلات الصحفيين حيث أُثيرت تساؤلات حول التحركات المقبلة بشأن مشروع القانون وكيفية التحركات القانونية؟

وأجابت ا/ رحمة رفعت "المحامية ومنسقة البرامج بدار الخدمات النقابية" حول التساؤلات.. حيث أكدت أن هناك العديد من الأخطاء الفادحة التى اُرتكبت فى المشروع ومنها أن اتحاد نقابات عمال مصر هو الاتحاد المعنى فى تمثيل العمال فى المجلس القومى للأجور وأن هذه الصياغة هى خطأ فادح يجب تصحيحه والضغط من أجل تعديله، كما أكدت على أن المشروع فى مجمله عليه ملاحظات عديدة أفردنا لها ورقة منفصلة سوف نقوم بنشرها وتوزيعها.

 وأكدت د/ كريمة الحفناوى "عضو لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمال" أن كل الاحتمالات المتعلقة بالطعن على دستورية القوانين مفتوحة، كما أكدت على أنه لابد من استخدام المادة 138 من الدستور والذهاب إلى البرلمان والضغط من أجل عقد جلسات استماع لإيصال أصواتنا وأصوات العمال إلى صانعى التشريعات.

كما أكدت أ/ ماجدة فتحى "المحامية وممثلة مكتب العمال للحزب الاشتراكى المصرى" أن مشروع القانون يتعارض مع القانون المدنى فى مواد عديدة من بينها إضفاءه المشروعية على عقود العمل محددة المدة لأن الأصل فى عقود العمل هى أن تكون غير محددة المدة بعد تجديدها لمرة واحدة بنص مواد القانون المدنى.

واختتم المؤتمر كمال عباس بالتأكيد على أن القانون يفتح الباب أمام وكالات التشغيل الخاصة (مقاولو الباطن)، وأن المؤتمر الصحفى هو بداية الحملة التى ستشمل ندوات فى العديد من المحافظات ولقاءات موسعة بالأحزاب والبرلمانيين تحت شعار من أجل قانون عمل عادل.

______________________________________________

 

ملاحظـــــــــاتنا

بشأن

الصياغة النهائية

لمشروع قانون العمل الجديد

وفقاً لصياغة قسم التشريع بمجلس الدولة

نكاد نتفق جميعاً على حاجتنا إلى قانون جديد للعمل.. تمشياً مع المتغيرات والمستجدات التى طرأت على ساحة العمل منذ صدور القانون الحالى رقم 12 لسنة 2003 .. وانطلاقاً من خبرات تطبيقه على امتداد العقد السابق، وما كشفت عنه من مثالب وثغرات تتعين معالجتها.

إن أربعة عشر عاماً ليست بالعمر القصير بالنسبة للتشريعات الاجتماعية التى يفترض قصر دورتها ، وسرعة تغييرها استجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية -على الأخص- إذا اقترن سريانها بزمان يحفل بكبيرات الأحداث كتلك التى عاشتها مصر خلال الأعوام الأخيرة.

إن الاحتقان الذى شهدته الساحة العمالية خلال السنوات السابقة على الخامس و العشرين من يناير2011، والذى يعد واحداً من أسبابها- أو على الأقل مقدماتها- وعدم توافر الأدوات اللازمة لتخفيف حدة هذا الاحتقان   ومعالجة أسبابه-طيلة السنوات السابقة-، وكثرة المنازعات العمالية دون الآليات الفاعلة لتسويتها أو الفصل فيها.. فضلاً عن عدم احترام بعض أحكام القانون، والاختلاف فى تفسير بعضها الآخر.. تعد جميعها دواعٍ قوية وأسباب لا يمكن غض النظر عنها لإعادة النظر فى القانون.

ولأن قانون العمل تشريع اجتماعي يمس حياة الملايين من العمال المصريين، وينظم العلاقة بين أطراف اجتماعية تتباين مواقعها ومصالحها.. فإنه من الطبيعي أن يكون محط اهتمام كبير، وأن يحظى بنصيب وافر من الجدل الاجتماعى.. ومن اللازم أن يدور بشأنه حوارٌ مجتمعيٌ حي وحقيقي يتسع لكافة الأطراف الاجتماعية وتُتاح المشاركة فيه لجميع المخاطبين بأحكامه من خلال آليات فاعلة ديمقراطية تكفل تمثيل فئاتهم وقطاعاتهم المتنوعة وتعبيرهم عن مصالحهم ومواقفهم دون إقصاء أو استبعاد لأحد.

بناءً عليه .. ولما كانت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب قد شرعت فى مناقشة مشروع القانون، وأعلنت عن اعتزامها البدء فى تنظيم جلسات استماع للتعرف على الآراء بشأنه.. ولما كانت لدينا اعتراضات جوهرية على مشروع القانون المقدم فى صياغته النهائية بعد العرض على قسم التشريع بمجلس الدولة .. فإننا نقدم ملاحظاتنا بشأنه مؤكدين على حق جميع المخاطبين بأحكام القانون فى إبداء الرأى فيه، وداعين كافة القوى والأطراف المعنية بالأمر، والسادة البرلمانيين إلى إيلائه ما يستحقه من العناية والاهتمام باعتباره أحد التشريعات الاجتماعية الأهم ذات التأثير المباشر على مصالح وأوضاع قطاعات وفئات واسعة من شعبنا المصرى.

لماذا القانون

وفقاً للمذكرة الإيضاحية لمشرو ع القانون الجديد"أضحى القانون رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته لا يفى بالغرض المطلوب فى تحقيق العدالة والتوازن بين طرفى علاقة العمل".

فإذا كان جرس الإنذار قد دُق حقاً.. وإذا كنا نتفق أن القانون الحالى قاصر عن تحقيق العدالة ، إذا كانت الحاجة إلى قانون عمل جديد "قد ظهرت جلياً عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو" .. فإن فلسفة هذا القانون الجديد هى الاستجابة لهذه الحاجة جلية الظهور،  والتصدى لإشكاليات الواقع الفعلى وتناقضاته التى يقصر القانون الحالى عن معالجتها.. فلسفة القانون الجيديد تبدأ إذن من قراءة المتغيرات والمستجدات ، ودراسة المثالب والثغرات التى كشف عنها تطبيق القانون الحالى.. والتى عددتها المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المقدم من وزارة القوى العاملة كما يلى:

  • تعثر التسوية الودية بين طرفى علاقة العمل.
  • بطء عملية التقاضى، وعدم جدوى الجزاءات الجنائية مما أدى إلى وجود العديد من المنازعات العمالية معلقة لم يبت فيها بالتراضى أو أمام القضاء.
  • عدم التنسيق بين قانون العمل وقانون التأمين الاجتماعى فى العديد من المفاهيم الواردة بهما مما أدى إلى شيوع حالة من اللبس أو الغموض لدى المخاطبين بأحكام هذا القانون.

وفضلاً عن ذلك أُضيفت الدواعي التالية لإصدار القانون:

  • تطبيق مفهوم النصوص الدستورية الواردة بدستور 2014 ، و"استكمال البنيان الدستورى والقانونى لعلاقات العمل".
  • الاستناد إلى ما استقر عليه الفقه والقضاء.
  • التوافق مع ما تنص عليه مواثيق واتفاقيات العمل الدولية.

نحن بحاجة –إذن- إلى قانون يتصدى للأزمات والمشكلات التى عانى منها عالم العمل فى واقعنا خلال السنوات الماضية، والتي نراها ويراها الكثيرون- فيما نعتقد- دليلاً كافياً على عطب القانون الحالى، والحاجة الملحة إلى تغييره.. نريد إعمال دستور 2014 – مفاهيمه ونصوصه- من خلال قانون يطابقها ويطبقها.. ونريد التوافق مع مواثيق واتفاقيات العمل الدولية والوفاء بالتزاماتنا فى شأنها.

واستناداً إلى هذه المعايير نعرض أبرز الملاحظات على الصياغة النهائية للمشروع:

الأمان الوظيفى

  • عقد العمل محدد المدة

واحدة من أهم مثالب قانون العمل الحالى- وربما كبرياتها - كانت نصوص المواد 104، 105، 106 وإجمالاً معالجة القانون للعقد محدد المدة .. حيث أُطلِق العنان- دون كابح- لعقود العمل المؤقتة التى قدمت الحكومة –خلال العقد الأول من القرن- المثل الأسوأ فى استخدام العاملين بموجبها.. ولم تعد من حاجة إلى التحايل على القانون بعد أن نزل القانون نفسه على مقتضيات هذا التحايل.

ورغم أن مسودة مشروع القانون الأولى المقدمة من وزارة القوى العاملة· كانت قد عادت إلى جادة الحق، وصحيحه وأصله حيث نصت فى  المادة رقم 68 منها [صدر الكتاب الثالث/ الباب الأول/ الفصل الأول] على أن "يبرم عقد العمل الفردى لمدة غير محددة، ويجوز إبرامه لمدة محددة فى حالة القيام بأعمال موسمية أو أنشطة أخرى لا يمكن بحكم طبيعتها أو بحسب العرف، اللجوء فيها ابتداءً إلى عقود غير محددة المدة".. إلا أن مسودة مشروع القانون الصادرة بتاريخ 22/11/2016 ثم الصياغة النهائية له قد نزلا على مطالبات اتحاد الصناعات فى هذا الشأن واستجابا لجنوح أصحاب العمل إلى استخدام العاملين بعقود مؤقتة دون قيد أو شرط.. .. حيث نصت المادة 69 من المشروع على أن "يبرم عقد العمل الفردى لمدة غير محددة ويجوز إبرامه لمدة محددة لا تقل عن سنة ، كما يجوز باتفاق الطرفين تجديد العقد لمدد أخرى مماثلة"..وفى هذا الصدد ينبغى توضيح النقاط التالية:

  • أن استخدام العامل بموجب عقد مؤقت فى عمل دائم من أعمال المنشأة ليس سوى افتئات على الواقع .. والتفاف على الحقوق.. ذلك أن صاحب العمل فى هذه الحال لا تتجه نيته حقاً إلى استخدام العامل لمدة محددة، وإنما يستهدف فقط الإمساك فى يده بكافة الخيوط ليكون له فصل العامل والتخلص منه متى شاء تحت مسمى انتهاء العقد محدد المدة دون أن يرتب ذلك للعامل الحقوق التى تترتب له حال فصله تعسفياً.
  • إن القول بحق صاحب العمل فى اختيار نوع العقد الذى يناسبه ينطوى على مغالطة صريحة .. ويمكننا العودة فى هذا الشأن إلى القانون المقارن لنرى كيف تُصاغ التشريعات للحد من ظاهرة العقود المؤقتة، وكيف تنص اتفاقيات العمل الجماعية التى تتفاوض بشأنها وتتفق عليها النقابات والاتحادات النقابية العمالية "الحقيقية، والفاعلة" على تحجيم العقود المؤقتة داخل أطر من القواعد والمعايير الواضحة أو من خلال نسب محدودة من عدد العقود لا يجوز تجاوزها.
  • إن ما نطالب به هو النص على عدم جواز إبرام عقد العمل لمدة محددة إلا فى حالة القيام بأعمـــــــال مؤقتة أو عرضية او موسمية.. حيث يتسق ذلك أيضاً مع التعريفات الواردة فى صدر مشروع القانون لهذه الأنماط من العمل .. وإلا ما قيمة وجدوى إدراج هذه التعريفات إذن.
  • فى المادة 70 منه ينص مشروع القانون على أن "يعتبر عقد العمل غير محدد المدة منذ إبرامه فى الحالات الآتية:

إذا كان غير مكتوب.

إذا لم ينص العقد على مدته.

إذا كان مبرماً لمدة محددة واتفق الطرفان على تجديده لمدة تزيد فى مجموعها على ست سنوات.

إذا كان مُبرماً لمدة محددة واستمر الطرفان فى تنفيذه بعد انتهاء هذه المدة دون اتفاق مكتوب بينهما.

فى الحالات الأولى والثانية والرابعة يُرد الأمر إلى أصله حال عدم النص على خلاف ذلك.. أى أن علاقة العمل تكون غير محدد المدة إذا لم يكن هناك عقداً مكتوباً أو إذا لم ينص فى العقد المكتوب على خلاف ذلك.. بينما فى الحالة الثالثة يعد المشروع تجديد العقد لمدة أو مدد تزيد فى مجموعها على ست سنوات.. فهل يعقل ذلك؟.. المشروع لا يعد تجديد العقد أكثر من مرة قرينة على أنه عقد غير محدد المدة "مُبَطن" إلا إذا زادت مدد تجديده على ست سنوات..أى أن صاحب العمل يمكنه ويحق له تشغيل العامل بعقود مؤقتة تتجدد سنوياً لمدة ست سنوات دون أن يعد ذلك عملاً دائماً؟!.. ست سنوات يظل العامل خلالها مفتقداً أمانه الوظيفى، مُهدداً بإنهاء عمله (أو وفقاً للمشروع عدم تجديد العقد) فى نهاية السنة التى تحرر بها العقد المؤقت (محدد المدة ).. هل يمكن لهذا العامل أن يطالب بحقٍ ضائع من حقوقه.. أن يتقدم بشكوى إلى مكتب العمل أو مكتب التأمينات الاجتماعية.. ثم هل يمكن لهذا العامل أن يتدرب ، أن يسعى إلى تطوير مهاراته والتقدم فى عمله؟!

  • الفصل من العمل

بناءً على رأى قسم التشريع بمجلس الدولة للأسف الشديد جاءت الصياغة النهائية لمشروع القانون- فى هذا الصدد- مخيبة للآمال .. حيث تم تعديل نص المادة 121 من مشروع القانون ليُحذف منها النص على أن "يكون الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من العمل للمحكمة العمالية المُختصة" ويترك تحديد سلطة توقيعه إلى "لوائح العاملين بالمنشآت".

ذلك النص الذى يتضمنه قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003 ، والذى كان قد أضيف إليه أثناء مناقشة مشروعه فى مجلس الشورى قبيل إصداره بناءً على اقتراحات ومطالبات عدد من خبراء القانون الأجلاء أعضاء المجلس آنذاك.. ظل النص صامداً فى جميع المسودات التى سبقت الصياغة النهائية رغم مطالبة اتحاد الصناعات بحذفه، وحملة أصحاب العمل عليه.. لتأتى هذه الضربة الموجعة من مجلس الدولة.

وقد انتهى قسم التشريع بمجلس الدولة إلى أن الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة يجب أن يظل لصاحب العمل وليس للمحكمة العمالية تأسيساً على ما تنص عليه المادة 29 من اتفاقية العمل العربية لمستويات العمل التى تكفل حق العامل الذى يتم فصله بدون مبرر حق الطعن أمام هيئة محايدة (محكمة أو لجنة ) مستخلصاً من ذلك أن سلطة الفصل تكون لصاحب العمل، وللمحكمة تحديد مدى مشروعيته.

ونختلف فى الرأى مع قسم التشريع فى مجلس الدولة للأسباب الآتية:

  • إن اتفاقية العمل العربية ، واتفاقيات العمل الدولية تنص على كفالة حق العامل فى الطعن على قرار فصله التعسفى أمام محكمة أو هيئة محايدة ، لكنها لم تمنع أو ترفض كفالة القانون الوطنى مزيداً من الضمانات أو التدابير لحماية العامل من الفصل التعسفى..
  • لا يوجد فى الاتفاقية ما يؤيد استخلاصات قسم التشريع بشأن اختصاص صاحب العمل بتوقيع الفصل، واختصاص المحكمة بتحديد مدى مشروعيته لاحقاً.. أو ما يحول دون إعمال رقابة القضاء المُسبقة وسلطته فى تحديد مدى مشروعية الفصل وإجابة صاحب العمل إلى طلبه أو رفضه.
  • لعلها مفارقة أن يتم العصف بهذه الضمانة التى يكفلها القانون الحالى فى قانون جديد يُفترض أنه يُعد ليتواءم مع دستورنا الجديد (2014) والذى ينص فى المادة 13 منه ولأول مرة على أن تعمل الدولة على حماية العمال "... ويحظر فصلهم تعسفياً"
  • ألا يعنى حظر الأمر منعه وليس مجرد تحديد مدى مشروعيته؟
  • انقضاء علاقة العمل

عانينا جميعاً خلال السنوات السابقة من التناقض والالتباس بين أحكام الباب الخامس والباب السابع من قانون العمل الحالى.. حيث تنص المادة 68 من القانون على أن يكون الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة للمحكمة العمالية ، وتحدد المادة 69 على سبيل الحصر الحالات التى لا يجوز فصل العامل فى غيرها (الفصل الثانى من الباب الخامس)، بينما تنص المادة 110 (الباب السابع/ انقضاء علاقة العمل) على أنه "إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، جاز لكلٍ من طرفيه إنهاؤه بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابةً قبل الإنهاء. ولايجوز لصاحب العمل أن ينهى هذا العقد إلا فى حدود ما ورد بالمادة 69 من هذا القانون أو ثبوت عدم كفاءة العامل طبقاً لما تنص عليه اللوائح المعتمدة. كما يجب أن يستند العامل فى الإنهاء إلى مبرر مشروع وكاف يتعلق بظروفه الصحية أو الاجتماعية أوالاقتصادية"، ثم تتضمن المواد التالية لهذه المادة (111 إلى 118) الأحكام التى تنظم إخطار كل من صاحب العمل والعامل الطرف الآخر بإنهاء علاقة العمل.

إن النتيجة العملية لهذا الالتباس كانت تتبدى بوضوح أمام المحاكم العمالية .. حيث يتمسك الطرف العمالى بمخالفة قرار فصل العامل لنصوص القانون (المادة 68/69) بينما يدفع صاحب العمل باستخدامه حقه فى إنهاء علاقة العمل وفقاً لنص المادة 110 من القانون.. وأحياناً تحكم  المحكمة بمخالفة قرار الفصل للقانون.. بينما يصدر الحكم أحياناً معتبراً الأمر إنهاء لعقد العمل من جانب صاحب العمل ولا يستحق العامل فى هذه الحال أكثر من التعويض عن عدم الإخطار قبل الإنهاء (ما يعادل أجر شهرين أو ثلاثة أشهر فى أفضل الأحوال)

لقد كان مفترضاً أو متوقعاً أن يعمد القانون الجديد إلى تجاوز هذا الالتباس الواضح المعيب فى القانون الحالى .. غير أننا فوجئنا بالمادتين 129، 130 وما يليهما من مواد مشروع القانون تماثل أحكامها تماماً أحكام المادة 110 (الحالية) وما يليها من قواعد تنظيم عملية الإنهاء والإخطار..

ولما كان الأمر هنا متعلقاً بواحد من أهم الحقوق الجوهرية التى ينظمها قانون العمل .. فإنه يهمُنا إبراز النقاط التالية :

  1. إن انتهاء علاقة العمل أو انقضائها لا يكون فى غير الحالات الآتية:
  • انتهاء العلاقة رضاءً (بموافقة الطرفين)
  • إنهاء من جانب صاحب العمل دون موافقة العامل وهو بالضبط الفصل من العمل
  • إنهاء من جانب العامل وهو بالضبط الاستقالة
  • وفاة العامل أو تقاعده أوعجزه عن العمل

لذلك.. فإنه من غير المستساغ إفراد نصوص قانونية لتنظيم إنهاء علاقة العمل من جانب صاحب العمل والعامل خلافاً للنصوص التى تنظم أحكام الفصل والاستقالة.. كما أنه من غير المقبول تبرير ذلك بالقول أن النص هنا ينظم حالات التراضى بين الطرفين.. حيث غنى عن الذكر أن حالات الرضاء لا تستدعى تنظيمها بمثل هذه القواعد  والشروط والأحكام.

  1. إن الأمر هنا ليس محض تزيد نرجو ان يتخفف منه مشروع القانون ولكنه انتقاص- أو بالأحرى-التفاف على الضمانات التى تكفلها نصوص القانون- ذاته- التى تنظم الفصل من العمل..وهى فضلاً عن اختصاص المحكمة العمالية بتوقيع الفصل الذى نطالب بالإبقاء عليه، تُحدد على سبيل الحصر ثمان حالات لا يجوز فصل العامل فى غيرها (المادة 121 من مشروع القانون)!!
  1. مجدداً.. تبدو حاجتنا إلى التأكيد على أن عقد العمل ليس كسائر العقود المدنية لاختلاف المراكز الاقتصادية والاجتماعية بين طرفيه .. وإلا فيما كانت الحاجة إلى قانون العمل، ولماذا لم يُكتفَ بأحكام القانون المدنى.. إن العقد هنا لا يمكن أن يكون وحده شريعة المتعاقدين، والحديث عن حق الطرفين المتساوى فى إنهاء العقد يبدو مذهلاً إذا كان بإمكان الطرف الأول ببالغ البساطة أن يستبدل عاملاً بآخر من طابور المتعطلين المتعطشين إلى فرصة عمل بينما يعنى إنهاء العقد بالنسبة للطرف الآخر افتقاد مورد الرزق الوحيد لأطفاله.

إن الحاجة إلى إفراد قانون لتنظيم عقود وعلاقات العمل .. الحاجة إلى قانون العمل إنما جاءت- بالضبط- لأن أحد طرفى عقد العمل أضعف اجتماعياً على النحو الذى يستدعى حمايته.. ليس فقط انطلاقاً من الاعتبارات الأخلاقية وحق كل إنسان فى الحياة الكريمة، وإنما أيضاً حرصاً على مقومات العملية الانتاجية، واستقرار المجتمع، وسبل تطوره وتنميته.

ولهذا.. فإن جوهر فلسفة قانون العمل- الذى عرفته البشرية لتحقيق هذه الأغراض- هو حماية الطرف الأضعف اجتماعياً فى علاقة العمل.. وهو لهذا يمثل الحد الأدنى قانوناً لحقوق العاملين حيث لا ينبغى النزول عنه بينما يمكن الزيادة عليه فى الاتفاقيات واللوائح والعقود.

ولا يقدح فى ذلك أن القانون ينبغى أن يحقق التوازن بين طرفى العملية الانتاجية ، لكى يوفر سبل الحوار والتعاون بينهما.. ويحقق أهداف استقرار العمل وزيادة الإنتاج.. حيث حماية الطرف الأضعف إجتماعياً إنما تستهدف بالضبط تحقيق التوازن بين الطرفين.

  1. إننا إذ نطالب بإلغاء المادتين 129، 130 فيما تضمناه من أحكام إنهاء عقد العمل غير محدد المدة وتعديل الفصل السادس [من الكتاب الثالث/ الباب الأول] فى ضوء ذلك.. إنما نؤكد تمسكنا بما تضمنته المادة 138 من مشروع القانون فى فقرتها الأخيرة من النص على ألا يقل التعويض عن الضرر الذى يصيب العامل بسبب الفصل "عن أجر شهرين عن كل سنة من سنوات الخدمة"[ذات النص فى المادة 122 من القانون الحالى]
  • الاستقالة [إنهاء عقد العمل من جانب العامل]

لعل الاستقالة المحررة سلفاً التى يوقعها العامل كُرها مع استمارة 6 تأمينات الشهيرة لدى استلامه العمل -لاستخدامها  قناعاً لقرار فصله عند الحاجة- كانت ولم تزل واحدة من أبرز المشاكل وصور التعسف التى يتعرض لها العمال فى الواقع العملى .. حيث لم يفلح قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003 فى معالجتها رغم زعمه التصدى لها بالنص على أنه "لا يعتد باستقالة العامل إلا إذا كانت مكتوبة، وللعامل المستقيل أن يعدل عن استقالته كتابةً خلال أسبوع من تاريخ إخطار صاحب العمل للعامل بقبول الاستقالة، وفى هذه الحالة تعتبر الاستقالة كأن لم تكن" [المادة 119].. ظل العمال يجبرون على توقيع استقالاتهم قبل استلامهم العمل، ويعجزون عن إثبات شكليتها، أو إثبات عدولهم عنها خلال اسبوع من تاريخ إخطارهم بقبولها.. فتاريخ الاستقالة وتاريخ قبولها وسائر التواريخ تتحدد وتسجل وفقاً لإرادة صاحب العمل!!

إننا-لذلك-نؤكد استحسان معالجة مشروع القانون المقدم لهذه الظاهرة الكريهة، وتصديه لها بالنص فى مادته رقم 135 على ألا "يعتد باستقالة العامل إلا إذا كانت مكتوبة وموقعة منه أو من وكيله ومعتمدة من الجهة الإدارية المختصة".. وإذا كان اشتراط مثل هذا الإجراء الشكلى (الاعتماد من الجهة الإدارية) هو الوسيلة الناجعة الممكنة الآن- فيما يبدو- لإبطال الاستقالات المكتوبة والموقعة سلفاً.. فإننا نشدد على التمسك به باعتباره واحداً من مزايا المشروع المقدم- غير الكثيرة-.

الأجور

لعله غنىٌ عن التأكيد أن الأجور هى الشأن الأهم فى علاقة العمل .. أو أنها بالأحرى محورها.. ذلك أن عقد العمل فى جوهره هو أجر مقابل عمل.. أجر محدد لقاء عمل محدد وفقاً لشروط محددة.. فإذا قصُرت المعالجة التشريعية عن وضع الضوابط والمعايير اللازمة لتحديد الأجر.. إذا ارتبك تعريف الأجر بين صوره المتعددة .. تعذر استقرار علاقات العمل وباتت منازعاتها واقعاً يومياً.

على خلاف ما نصت عليه المادة 34 من قانون العمل  الحالى رقم 12 لسنة 2003- لم تنتظم آلية المجلس القومى للأجور.. بل أنها تعطلت تعطلاً شبه كامل فيما عدا استثناءات قليلة لمحاولات الانعقاد لم تنجح فى تحقيق نتائجها.. وفى ظل غياب حد أدنى "منطقى" للأجر- عام وملزم ومطبق على العاملين فى جميع القطاعات- بتنا أمام ما يمكن اعتباره فوضى الاجور.. أجر ثابت صغير القيمة وأجور متغيرة ليس لها من ضابط سوى أوضاع سوق العمل، ولا يشمل منها الأجر التأمينى سوى القدر اليسير.. لتظل كل من هذه العناصر مثاراً للجدل ومحلاً لمنازعات عمل دائمة.. العمال يطالبون بزيادة الأجر التأمينى "الذى تسدد عنه الاشتراكات وتحتسب المستحقات التأمينية وفقاً له" وأصحاب العمل يرفضون ويتضررون من زيادة الأعباء (حصة الاشتراكات التأمينية التى يقومون بسدادها).. طريقة احتساب العلاوة الدورية والمطالبة بالعلاوة الاجتماعية (الخاصة).. فضلاً عن عناصر الأجر المتغير وطرق احتسابها.

وتاسيساً على ذلك نبدى فى هذا الشأن ما يلى من الملاحظات على مشروع القانون :

  • استحدث مشروع القانون فى تعريف الأجر التفرقة بين الاجر الأساسى المنصوص عليه فى عقد العمل، والأجر المتغير وهو باقى ما يحصل عليه العامل- الذى يبين بعض صوره- ويبدو واضحاً أن دواعى هذا التعريف المستحدث هى محاولة التصدى لتعقيدات الأوضاع الراهنة، وتعدد طرائق احتساب الأجر..غير أننا لا نرى فى ذلك تقدماً يذكر فى تعديل الأوضاع المعقدة وفوضى الأجور على الأرض ، والتصدى للمشكلات الفعلية التى تؤدى إلى الكثير من منازعات العمل.
  • أبقى المشروع فى المادة 78 منه على المجلس القومى للأجور بذات التشكيل والاختصاصات الواردة فى قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003 (المادة 34 ).. محاولاً تلافى  بعض المآخذ السابقة عليه .. حيث يُشكل المجلس من عدد متساوى من ممثلى الأطراف الثلاثة (الحكومة، أصحاب العمل ، العمال)، ويوجب انعقاد المجلس مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر.. غير أن الخبرة المريرة الماضية لتعطل هذه الآلية الهامة تستدعى عدداً من الملاحظات:
  • يتضمن ما تنص عليه المادة 78 من تشكيل المجلس نصاً غريباً فى شأن ممثلى العمال ..فهم وفقاً لهذه المادة "أربعة عمال يمثلون العمال يختارهم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر المعنى"

مشروع القانون هنا يحدد الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (التنظيم شبه الرسمى) دون غيره من المنظمات النقابية العمالية ، ثم هو يعطيه صفة المعنى التى لا نرى لها محلاً أو دلالة هنا .. أولاً لأننا بصدد شأن على المستوى القومى يفترض أنه يعنى جميع المنظمات النقابية العمالية- لسنا بصدد الحديث عن شأن قطاعى أو جغرافى أو شأن يتعلق بإحدى المنشآت لكى يعنى به تنظيماً نقابياً معيناً-وثانياً كيف يمكن لقانون أن يحدد اسم منظمة نقابية ويعتبرها وحدها المعنية – على سبيل الحصر-!!!

  • نقترح النص على دورية إعادة النظر فى الحد الأدنى للأجور كل عام، أو إقرار علاوة اجتماعية تتناسب مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، مع تحديد الموعد الأول لانعقاد المجلس لتحديد الحد الأدنى للأجور خلال الشهر الأول بعد صدور قرار تشكيله.
  • كما نرى فى هذا الصدد أيضاً أن يتضمن الباب الأول من الكتاب الأول (التعاريف) تعريف الحد الأدنى للأجور –  باعتباره الحد الأدنى اللازم للوفاء بالاحتياجات الأساسية للعمال وعائلاتهم ، وهو عام وملزم ولا يجوز تخفيضه أو النزول عنه.
  • أولى مشروع القانون اهتماماً جديراً بالتقدير لكفالة الحق فى الأجر فى الأحوال التى يعجز فيها صاحب العمل عن الدفع .. حيث قام بتقديم مرتبة امتياز مستحقات العمال على المصروفات القضائية والمبالغ المستحقة للخزانة العامة- خلافاً لقانون العمل الحالى- (المادة 9-الأحكام العامة)، كما تضمنت المادة (11) آليات أكثر فاعلية لكفالة حق العمال فى اقتضاء حقوقهم فى هذه الأحوال.

وكالات الاستخدام

عانى الكثير من العمال المصريين خلال السنوات الماضية من عمليات التشغيل "من الباطن" والتى امتدت من بعض القطاعات إلى غيرها حتى باتت ظاهرة شبه سائدة فى قطاعات البترول والمرافق والمقاولات.

هذه العمليات كانت تتم تحايلاً على القانون الحالى الذى لم يتح ولا يتيح تكوين شركات لاستخدام العمال تقوم بتشغيل عمالها لدى شركات أخرى [مقاولى أنفار].. لذلك كانت هذه الشركات تسجل قانوناً باعتبارها شركات خدمات تتولى تقديم خدمات معينة لشركات أخرى [أمن / حراسة/ صيانة/ نظافة.. الخ ] .. ولما كانت هذه الشركات تنشأ من باطن الشركات الأم فإن العلاقة بينهما تصاغ على الورق خلافاً للواقع .. وفى كثير من الأحيان لا يتجاوز الأمر ترتيبات على الورق لا علاقة لها بالواقع حيث أن جميع العمال يعملون لدى الشركة الأصلية بينما تقسم تبعيتهم القانونية [على الورق] بين شركتين أو ثلاث .. يحدث ذلك لغرض التحايل على الحقوق المقررة للعاملين ، والالتفاف عليها ، وإهدار الحماية التى يسبغها القانون عليهم.

ولأنها صارت مشكلة كبرى فى سوق العمل فقد ارتفعت أصوات العمال المطالبة بالتصدى لهذه الظاهرة غير القانونية .. وشهدت السنوات السابقة العديد من الحركات العمالية الاحتجاجية للمطالبة بإنهاء هذه الأوضاع ، هوتسكين العمال فى الشركات التى يعملون بها فعلياً لضمان حقوقهم ووقف بعض صور التمييز بين العمال المُسجلين "ورقياً" كعاملين فى شركات مختلفة.

من المفترض أن يتصدى القانون الجديد للأزمات  والمشاكل التى عانى منها عالم العمل فى واقعنا خلال السنوات الماضية .. غير أنه من غير الجائز –تماماً – أن تتم معالجة ظواهر التحايل على القانون بتقنينها وإضفاء المشروعية عليها خاصة إذا لم يكن لها سند من قواعد العدالة ، وليس لها ما يبررها من أسس موضوعية اللهم سوى ميل بعض أصحاب العمل إلى التنصل من التزاماتهم قبل الطرف الآخر فى العلاقة (العمال).

أحسنت المسودة الأخيرة للمشروع وصياغته النهائية في تعديل نص المادة 45 منه وإلغاء ما كانت تنص عليه فى المسودات السابقة عليها من أنه "يجوز لهذه الوكالات إلحاق عمالها لدى منشآت أخرى دون المساس بأجورهم"

لكن يبقى ذلك غير كافٍ .. لذلك نقترح تعديل نص المادة 42 على النحو التالى: "لا يرتب قيام الجهات المشار إليها فى المادة رقم 39  بتشغيل العامل أى حقوق أو امتيازات لها عليه بعد التحاقه بالعمل، ويحظر على هذه الجهات تقاضى مبالغ مباشرة أو غير مباشرة نظير إلحاقه بالعمل ولها تقاضى مقابل ذلك من صاحب العمل"[تقاضى أى مبالغ مالية يخالف اتفاقية العمل الدولية].

وتبقى المشكلة التى لم يتصدَ لها المشروع، والتى تضرب فى سوق العمل منتجةً العشرات من منازعات العمل .. حيث مابرح كعب أخيل كامناً فيما تنص عليه المادة 76 من المشروع من أنه إذا عهد صاحب العمل إلى صاحب عمل آخر بتأدية عمل من أعماله، أو جزء  منها وذلك فى منطقة عمل واحدة وجب على الأخير أن يسوى بين عماله، وعمال صاحب العمل الأصلى فى جميع الحقوق ويكون الأخير متضامناً معه فى الوفاء بجميع الالتزامات  التى تفرضها أحكام هذا القانون"

النص على المساواة بين العمال فى الحقوق أمرٌ مستحسن وهام- وكان منصوصاً عليه فى قانون العمل الحالى- واعتبار صاحب العمل الأصلى متضامناً فى الوفاء بجميع الالتزامات التى تفرضها أحكام القانون ربما يُمكن العمال من مطالبة صاحب العمل الذى يعملون لديه فعلياً بحقوقهم.. غير أن شركات الخدمات والأمن والحراسة الوهمية ستظل وفقاً لهذا النص تمارس دور مقاول الأنفار.. الحكومة تعلم، لكنها تبدو متواطئة، والمشرع يغض الطرف عن مواجهة ممارسات مقاولي الأنفار.

وفى شأن متعهد أو مقاول توريد العمال أبدى قسم التشريع بمجلس الدولة تحفظه بشأن المادة 44 متحسباً من وقوعها فى حمأة عدم الدستورية  لمساسها بكل من الحرية الشخصية وحق الملكية لصاحب العمل.. منوهاً إلى  تناقض المادة مع المادة 39 من مشروع القانون نفسه فيما تسمح به لبعض الجهات بتشغيل العاطلين.

ربما كان قسم التشريع محقاً فما هو الفرق بين الجهات التى يُرخص لها بمزاولة هذا النشاط، وبين متعهد أو مقاول توريد العمال.. واقع الحال أنه ذات النشاط .. هل يتعلق الأمر بحجم رأس مال مزاول النشاط، أو اقتضاء رسوم الترخيص منه.

الأحكام العامة

  1. نطاق سريان القانون

تنص المادة (3) فى مسودة المشروع المقدمة  على "أن يعتبر هذا القانون هو القانون العام الذى يحكم علاقات العمل"..وذلك- وفقاً للمذكرة الايضاحية- "للتضييق من الحالات التى تخرج عن نطاق سريانه من ناحية، ولضرورة وجود نصوص عامة حاكمة لكافة علاقات العمل- ولو كان لها تشريع خاص- عند خلو هذا التشريع من تنظيم وقائع معينة-"...حيث يطابق نص المادة هنا الفقرة الأولى من المادة 3 من قانون العمل الحالى ، ويؤكد مجدداً الاتجاه الذى برز عند إعداده إلى توحيد التشريعات العمالية حرصاً على استقرار علاقات العمل وتقريب مستويات العمل فى القطاعات المختلفة.. إلا أنه ورغم أن القانون رقم 12 لسنة 2003 لم يستثنِ من نطاق سريانه سوى فئات ثلاث على سبيل الحصر- فئتي العاملين بالدولة بما فى ذلك وحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة، وعمال الخدمة المنزلية ومن فى حكمهم اللتان أبقى مشروع القانون على استثنائهما،  وأفراد أسرة صاحب العمل الذين التفت عنهم المشروع - ظلت بعض وحدات القطاع العام غير خاضعة للقانون.. بل أن بعض شركات قطاع الأعمال العام ما برحت تجادل فى مدى خضوعها لبعض أحكامه.

إننا إذ نؤكد انحيازنا إلى توحيد التشريعات التى يؤدى تعددها وتداخلها إلى إرباك المخاطبين بأحكامها، والمسئولين عن إنفاذها- هذا التوحيد الذى كان ولم يزل مطلباً للكثير من العاملين فى مختلف القطاعات الذين يرون فى تعدد التشريعات سبباً لإهدار الحقوق وتجسيداً لانعدام المساواة-  نرى أهمية التقدم صوب تحقيق هذا الهدف حتى إذا لم يكن ممكناً الآن تطوير قانون موحد لعلاقات العمل ينطبق أيضاً على العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة.. لذلك نرى التمسك – على الاقل- بما يلى:

  • إعادة صياغة المادة 4 من مسودة مشروع القانون على النحو الذى يؤكد سريانه على كافة العاملين فيما عدا العاملين بأجهزة الدولة.
  • خضوع العاملين المدنيين بالدولة لأحكام قانون العمل فى شأن المجلس القومى للأجور وتحديد الحد الأدنى للأجور والأحكام العامة فى شأن علاقات العمل الجماعية (الحوار الاجتماعى/ منازعات العمل الجماعية- الإضراب).. فضلاً عن السلامة والصحة المهنة وأحكام استخدام الأجانب.

حيث يجدر بالذكر هنا أن قسم التشريع بمجلس الدولة قد رأى ضرورة تنظيم القانون للحق فى الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين فى ظل خلو قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 من أية أحكام تتعلق بتنظيمه ، حتى لا تكون الدولة أمام حالة فراغ تشريعي فى هذه النقطة.

  • تطبيق القانون على عمال الخدمة المنزلية ومن فى حكمهم.. حيث لم يعد استبعادهم من نطاق سريانه أمراً مقبولاً بحال.. فكيف يتفق فى زماننا هذا ان نرفض اعتبار علاقة هؤلاء العمال بمن يعملون لديه علاقة عمل ، وأن نصر على اعتبارها علاقة تبعية شخصية تطلق عليها المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون "الصلة المباشرة بين هؤلاء العمال ومخدوميهم"!!.. كيف لهذا أن يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، واتفاقيات منظمة العمل الدولية.. بل مع دستورنا الجديد الذى ينص على أن "الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها" (المادة 51) فضلاً عما يكفله من حقوق المساواة وعدم التمييز، وحماية حقوق العاملين.

ولا يقدح فى ذلك ما يُساق من مبرر لعدم تطبيق قانون العمل على عمال الخدمة المنزلية- من قبيل"عدم اقتحام الحياة الخاصة فيما لو سمح لمفتشى العمل الدخول للمنازل باعتبارها أماكن عمل للتحقق من تطبيق القانون".. حيث يمكن استثناء أعمال الخدمة المنزلية من أحكام الباب الأول من الكتاب الخامس (تفتيش العمل والضبطية القضائية).. دون أن نحرم هؤلاء العمال من حماية حقوقهم فى شأن الأجور وساعات العمل والإجازات وغيرها..

  1. المبادئ العامة
  • أحسن معدو مشروع القانون فيما ذهبوا إليه من استحداث النص على حظر تشغيل العمال سخرةً (المادة 5 ) تماشياً مع نص المادة 12 من الدستور، وايضاً مع اتفاقيات العمل الدولية (الاتفاقية رقم 29 لسنة 1930، والاتفاقية رقم 105 لسنة 1957)
  • أحسن معدو المشروع أيضاً فى استحداث النص على "حظر التمييز فى شروط وظروف العمل بسبب اختلاف الجنس ، أو الأصل ، أو اللغة ، أو الدين، أن العقيدة، أو الانتماء السياسى، أو الموقع الجغرافى، أو لأى سبب آخر".(المادة 4). وهو أيضاً ما يتوافق مع الدستور (المادة 53) .. وإن كنا نرى أن يتضمن النص حظر التمييز فى التدريب والتشغيل أيضاً فضلاً عن شروط وظروف العمل.. ولعله جديرٌ بالذكر أن التمييز ضد المرأة كثيراً ما يحدث- على الأخص - فى التشغيل.. وهو التمييز الذى يصل فى بعض الأحيان إلى النص فى إعلانات الوظائف على قصرها على العاملين من الذكور دون الإناث.
  1. الرسوم والمصروفات القضائية

تيسيراً على العمال استحدث مشروع القانون حكماً بإعفائهم من اشتراط توقيع محام على صحيفة افتتاح الدعوى أو صحيفة الطلبات الموضوعية- وعمد فى نفس الوقت إلى محاولة الاستجابة لحاجتهم إلى الدعم والمساندة القانونيين بما نصت عليه المادة 158 من إنشاء مكاتب للمساعدة القانونية العمالية فى مقر كل محكمة ابتدائية وبكل مقر أخر تنعقد به المحكمة العمالية .. غير أن أ مشروع القانون قد كف عن التصدي للمشكلة الأبرز التى يعانيها العمال فى هذا الصدد منذ صدور قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003، وهى الحكم على العامل رافع الدعوى فى حالة رفضها بالمصروفات القضائية..

إن العامل لا يلجأ إلى القضاء عبثاً، أو إساءة لاستخدام حق التقاضى.. وهو كثيراً ما يخسر دعواه لعجزه عن إثبات حقه أو إقامة الدليل على صدق ادعائه.. فإذا به يُعاقب على محاولته اقتضاء حقه ويُطالب أيضاً بسداد المصروفات القضائية.

لذلك .. نطالب بتعديل نص المادة 8 من الأحكام العامة بإلغاء عبارة "ولها فى حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"

 

بشأن الإسراف فى أنشاء المجالس العليا

التدريب والتشغيل - -- الحوار الاجتماعى

أحسن معدو مشروع قانون العمل الجديد فيما ذهبوا إليه من التحرر من التبويب القديم للقانون.. فما دمنا بصدد إعداد قانون جديد وليس مجرد إدخال بعض التعديلات على القانون الحالى.. فلا معنى للتقيد بالتبويب "التاريخى".

إلى هذا انتقل التدريب من موقعه القديم فى ذيل القانون إلى موقع متقدم فى باب واحد مع التشغيل.. غير أن فلسفة هذا التبويب الجديد كانت تفترض تطوير استراتيجيات قومية لتنمية الموارد البشرية بما يعينه ذلك من ارتباط وثيق بين سياسات التدريب والتشغيل.

ووفقاً لذلك يبدو من غير المفهوم الإصرار على إبقاء مجلس لتنمية الموارد البشرية (المادة 16)، ومجلس تنفيذى له فى دائرة كل محافظة برئاسة المحافظ المختص، وصندوق لتمويل التدريب والتأهيل ، ثم مجلس قومى لتخطيط وتشغيل القوى العاملة فى الداخل والخارج (المادة 30) .. رغم أنه من المفترض ان يعمل كلا من المجلسين على دراسة أوضاع أسواق العمل واحتياجاتها  وإعداد استراتيجيات واضحة لتطوير فرص العمل المتاحة وتأهيل وتدريب الأيدى العاملة فى ضوء هذه الاحتياجات والفص.

الجدير بالذكر أن رئيس مجلس الوزراء كان قد أصدر قراره رقم 705 لسنة 2014 بتشكيل المجلس القومى لتنمية الموارد البشرية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية خمسة عشر وزيراً ومدير مشروع إصلاح التعليم الفنى والتدريب المهنى ورئيسى الجهازين المركزين للتعبئة والإحصاء والتنظيم والإدارة .. فضلاً عن ستة أعضاء يمثلون أصحاب الأعمال  والعمال تختارهم منظماتهم (ثلاثة لكل منهم). وقد تضمنت اختصاصات هذا المجلس - فضلاً عن وضع السياسات القومية والاستراتيجيات التنفيذية لتنمية الموارد البشرية من خلال نظم التعليم والتدريب – متابعة معلومات سوق العمل ومتابعة آليات الاستخدام الأمثل للموارد البشرية وتوجيهها ورفع كفاءتها، وإقرار الآليات التنفيذية لوضع معايير قياس للمهارات والجدارات، ومنح تراخيص مزاولة العمل على أساسها.

ويتبع هذا المجلس القومى- وفقاً للقرار المشار إليه مجلسين تنفيذيين أحدهما للتعليم الفنى والتدريب المهنى ويرأسه وزير التربية والتعليم- صدر بتشكيله قرار رئيس مجلس الوزارء رقم 706 لسنة  2014 - ، والآخر لتنمية مهارات القوى البشرية ويرأسه وزير القوى العاملة والهجرة – وقد صدر بتشكيله قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 707 لسنة 2014 - حيث تضمنت اختصاصاته أيضاً متابعة وتنفيذ الخطة القومية لاستخدام القوى العاملة فى الداخل والخارج .

ورغم أن قرار تشكيل هذا المجلس قد أحيط آنذاك بقدرٍ لا بأس به من الحفاوة والدعاية باعتباره يأتي استجابة لضرورات التنمية ودواعىيها .. إلا أننا لم نشهد تفعيلاً أو نشاطاً فعلياً لهذا المجلس القومي ومجلسيه التنفيذيين .. ربما لتكوينه المتخم بالوزراء وكأنه مجلساً نصفياً لهم !-

ربما يجدر بالذكر هنا أننا ننحاز بعض الشئ إلى ملاحظة قسم التشريع بمجلس الدولة بشأن كثرة المجالس حيث نخشى من الاتجاه إلى التصدى لكل من التحديات والمشكلات بمجلس دون الاشتباك الفعلى معها باستراتيجات متكاملة واضحة .. إن قراءة خبرة السنوات الماضية ربما تؤشر إلى عطب هذه الطريقة فى المعالجة ..فوفقاً لقانون العمل الحالى كان لدينا المجلس القومى للأجور الذى يتشكل من ثمانية أعضاء بحكم وظائفهم، وأربعة أعضاء يمثلون منظمات أصحاب الأعمال، وأربعة أعضاء يمثلون العمال ويختارهم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"التنظيم النقابى الرسمى" ويختص بوضع الحد الأدنى للأجور،والعلاوة السنوية.

وكان هناك أيضاً مجلس استشاري للعمل يتشكل من تسعة أعضاء بحكم وظائفهم، وثلاثة أعضاء يمثلون منظمات أصحاب الأعمال، وثلاثة أعضاء يمثلون العمال ويختارهم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"التنظيم النقابى الرسمى" ويتولى إبداء الرأى فى مشروعات القوانين المتعلقة بالعمل، واتفاقيات العمل الدولية قبل التصديق عليها.

وفضلاً عن ذلك.. ينشأ المجلس الاستشارى الأعلى للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، واللجنة العليا لتخطيط واستخدام القوى العاملة فى الداخل والخارج، والمجلس الأعلى لتنمية الموارد البشرية، وصندوق تمويل التدريب والتأهيل.

هذه جميعها هيئات يفترض أنها تضم مسئولين تنفيذين، وممثلين للعمال وأصحاب الأعمال.. وهذه جميعها هيئات لا يسمع عنها أحد شيئاً، لا يعرفها العمال، ولم يبلغ المجتمع باعلامه وصحافته ونشطائه عنها خبراً.. وهى فى الأعم الأغلب لا تجتمع- اللهم نادراً- ولا تنتج أثراً يستدل بها عليها.. وليس ثمة من يتذكرها أو يحاسبها... حيث لا مجال لذكرها فى غير قانون العمل، وربما فى بعض التقارير التى تقدمها الحكومة المصرية لمنظمة العمل الدولية، أو جهات دولية أخرى.

وهذه جميعها هيئات يفترض أنها- وفقاً للقانون الحالى على الأقل- قد أُنيط بها وأُوكل إليها تطوير السياسات المتعلقة بالتشغيل وأوضاع العمالة فى الخارج، وتدريب العمالة..فضلاً عما يتعلق بحماية بيئة العمل.. وقبل ذلك كله الأجور.. حيث لا يؤدى تعطلها إلى تعطيل الحوار الاجتماعى  بشأن هذه الأمور ذات الأثر الجلل فقط، وإنما-أيضاً- إلى افتقاد أى سياسة فى شأنها أصلاً.

الحوار الاجتماعى

فى تعقيبها على ملاحظات مجلس الدولة بشأن إنشاء الجالس العليا والمجالس التنفيذية تقول وزارة القوى العاملة أن تلك المجالس واللجان العليا تمثل "التزاماً بحكم الاتفاقية الدولية رقم 150 لسنة 1978 التى صدقت عليها مصر فى 17/11/1991.... وتلتزم مصر بهذه الآلية الدولية الفعالة فى إدارة العمل فى تشريعاتها العمالية السابقة على هذا المشروع فهذه الأحكام غير مستحدثة

ويساعد هذا النظام على إيجاد الحلول التى تستعص على الحكومة منفردة ، وبإشراك الحكومة لمنظمات العمال وأصحاب الأعمال فى إعداد قرارتها يكون لديها طائفة أوسع من المعلومات والخيارات وتصبح أكثر إدراكاً لاحتياجات ومصالح العمل والعمال، وينعكس ذلك على صنع القرار"

يبدو الرد هنا بليغاً ورشيداً .. ونحن إذ نتفق مع ضرورة تفعيل آليات الحوار الاجتماعى ، كما نستحسن إنشاء المجلس الأعلى للحوار الاجتماعى ومجالسه الفرعية فى المحافظات – وإن تحفظنا على رئاسة المحافظين لها- نشفق من بقاء هذه المجالس كسابقتها.. ذلك أن الحوار الاجتماعى يفترض أولاً إطلاق الحق فى التنظيم من القيود التى تكيله، وتمكينا الأطراف الاجتماعية بشرائحها وفئاتها من تكوين منظماتها التى تعبر عن مصالحها.. الحوار الاجتماعى يفترض ويقتضى أولاً إطلاق الحق فى تكوين النقابات التى يبادر العمال أنفسهم إلى إنشائها ويمارسون فعالياتهم من خلالها.

حق الإضراب

نود أولاً التأكيد على ما يلى:

  1. أن دستورنا الجديد [2014] قد نص فى المادة 15 منه على أن "الإضراب السلمى حق ينظمه القانون"
  2. أن اتفاقيتى العمل رقم 87 الخاصة بحماية الحق فى التنظيم والموقعة من الحكومة المصرية عام 1957، ورقم 98 الخاصة بالحق فى التنظيم والمفاوضة الجماعية الموقعة من الحكومة المصرية عام 1954 – وكلتاهما من اتفاقيات معايير العمل الأساسية بل أنهما تأتيان على رأس قائمة هذه الاتفاقيات تنصان على حق العمال فى الإضراب والتزام الدول الأعضاء فى منظمة العمل الدولية بعدم انتهاك هذا الحق  أو اتخاذ إجراءات أو تدابير من شأنها تعطيله.

كما ينص العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المادة الثامنة منه على حق الإضراب باعتباره من الحقوق التى تتعهد الدول الأطراف بكفالتها.

ودولتنا وفقاً للمادة 93 من دستور 2014 تلتزم "بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة"

  1. أن مشروع القانون المقدم من الوزارة قد نص الباب الأول من الكتاب الأول منه [التعاريف] على تعريف الإضراب السلمي عن العمل باعتباره "اتفاق جميع العمال، أو فريق منهم على التوقف عن أداء أعمالهم بمقر العمل للمطالبة بما يرونه محققاً لمصالحهم المهنية، بعد تعذر التسوية الودية فى حدود الضوابط والإجراءات المقررة قانوناً".
  2. وهى المرة الأولى التى يتطرق فيها قانون العمل إلى تعريف الإضراب باعتباره أحد مفردات علاقات العمل وإن كنا نرى حذف عبارة "داخل العمل" -كما جاء بملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة -فقد يكون بعدم ذهاب العمال إلى عملهم 
  1. أن مشروع القانون ينص فى المادة 200 منه على أن "للعمال حق الإضراب السلمي عن العمل للمطالبة بما يرونه محققاً لمصالحهم المهنية ، وذلك بعد استنفاذ طرق التسوية الودية للمنازعات المنصوص عليها فى هذا القانون، ويكون إعلانه وتنظيمه من خلال المنظمة النقابية المعنية، أو المفوض العمالى فى حدود الضوابط والإجراءات المقررة فى هذا القانون".

غير أننا نبدى ما يلى من الملاحظات على النصوص المنظمة للإضراب فى مشروع القانون [200-204]:

إن الإقرار بحق العمال فى الإضراب تماشياً مع الدستور، ونزولاً على الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من الحكومة المصرية يتم النكوص عليه فعلياً بالقيود والشروط التعجيزية التى يضعها مشروع القانون على ممارسة هذا الحق وذلك على النحو التالى:

  1. .. يحظر المشروع ممارسة الإضراب فى "المنشآت الإستراتيجية أو الحيوية التى يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومى ، أو بالخدمات الأساسية التى تقدم للمواطنين.. ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت [المادة 203 من المشروع]

وكان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003 قد صدر تطبيقاً لنص المادة 194 من قانون العمل الحالى – المطابقة لهذه المادة- معتبراً من قبيل هذه المنشآت: منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي والمستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات، و المخابز، ووسائل النقل الجماعي للركاب (النقل البرى والبحري والجوى) ووسائل نقل البضائع، ومنشآت الدفاع المدنى، ومنشآت مياه الشرب والكهرباء والغاز والصرف الصحى، ومنشآت الاتصالات، ومنشآت الموانئ والمنائر والمطارات، فضلاً عن العاملين فى المؤسسات التعليمية)!!

حيث يجدر بالذكر هنا أن تقرير لجنة الخبراء بشأن تطبيق معايير واتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن الحالة المصرية قد تحفظ على "تقييد حق الإضراب فى مؤسسات خدمية لا تعد أساسية وفقاً للتعريف الدقيق لهذا المصطلح".

كما رأى قسم التشريع بمجلس الدولة أنه يتعين تحديد مفهوم تلك المنشآت، أو بيان معايير تحديدها بموجب القانون، دون الاكتفاء بمجرد تحديدها بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء، نظراً لمساس هذا الحكم بأصل الحق.

  1. تشترط المادة 201 أن يقوم العمال بإخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل وذلك بموجب كتاب مسجل وموصى عليه بعلم الوصول على أن يتضمن الإخطار فضلاً عن الأسباب الدافعة إليه  وتاريخ بدايته تاريخ نهايته أيضاً  وهو اشتراط يعوزه المنطق السليم ..حيث أن العمال لا يضربون بصورة مسرحية أو إعلامية وإنما لحين الاستجابة لمطالبهم وهم بالتالي لا يفترض علمهم المسبق بالمدى الزمني للإضراب  ..

إن العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينص فى المادة الرابعة منه على أن " تقرر الدول الأطراف فى الاتفاقية بأنه يجوز للدولة ، فى مجال التمتع بالحقوق التى تؤمنها تمشياً مع الاتفاقية الحالية ، أن تخضع هذه الحقوق للقيود المقررة فى القانون فقط وإلى المدى الذى يتمشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط ولغايات تقرير رفاهية العالم فى مجتمع ديمقراطى فقط".. فهل يمكن اعتبار تقييد حق الإضراب بالإخطار المسبق عن تاريخ نهايته أمراً يتماشى مع طبيعة هذا الحق؟ ..وهل يمكن اعتبار ذلك التزاماً بالاتفاقية الدولية أم  مخالفة صريحة لنصوصها؟

  1. تَقدَم مشروع القانون خطوة على قانون العمل الحالى بحذف حظر الإضراب أثناء جميع إجراءات الوساطة والتحكيم [المادة 193 من القانون رقم 12 لسنة 2003]، وإن أبقى على حظـــــر الدعوة إلى الإضراب أو إعلانه بقصد تعديل اتفاقية عمل جماعية أثناء مدة سريانها، متجاهلاً الأحوال والظروف التى قد تطرأ وتطرح الحاجة إلى إجراء هذا التعديل .

وتبقى فى هذا الصدد ثلاث ملاحظات أساسية:

  • إن العمال لا يذهبون إلى الإضراب على سبيل الرفاهية أو الفانتازيا.. وإنما بدافع من مطالب ملحة عادةً ما تتعلق اشد التعلق بحياتهم وحياة عائلاتهم.. وهم بالقطع لن يعمدوا إليه إذا كان هناك سبيل إلى المفاوضة أو التسوية الودية .. لكنهم إذا لم يجدوا آذاناً صاغية أو آليات للحوار .. إذا كانوا قد فقدوا الثقة فى مثل هذه الآليات أصلاً نتيجة تعطلها الطويل ، إذا سدت أمامهم سبل المفاوضة يصبح الإضراب لا بديل له.

إن الوسيلة الوحيدة لتقليل عدد الإضرابات هى تفعيل آليات الحوار والمفاوضة الجماعية ، هى تعزيز الديمقراطية النقابية بكل ما تتضمنه من حق تكوين النقابات بحرية ، وحق المفاوضة الجماعية ، وحماية ممثلى العمال.

  • أن الاستمرار فى تقييد حق الإضراب بشروط تعجيزية والتوسع فى الحظر يؤدى بنا إلى استمرار الدوران فى الدائرة المعروفة .. استحالة تطبيق القانون ، وبالتالى إدارة الظهر له أو عدم احترامه .. لنجد أنفسنا أمام إضرابات تقع خارج القانون لأنها لا يمكنها الانضباط لشروطه، وتعامل انتقائى مع هذه الإضرابات يبدأ من الاعتراف بها والتفاوض مع ممثليها ومنظميها وينتهى بالحكم على بعض من يمارسون حقهم فيها بالسجن ، والأمر كله متروك لموازين القوى واعتبارات المواءمة بل وطبيعة ومزاج وثقافة الأطراف الأخرى.
  • ربما كان الأمر الخطير هنا أيضاً هو ما تنص عليه المادة 121 من مشروع القانون فى البند 8 منها من أنه يجوز فصل العامل إذا لم يراعِ الضوابط الواردة فى المواد من 200 إلى 202- الخاصة بالإضراب..حيث أنه :
  • إذا كنا أمام ضوابط .. مجرد ضوابط لممارسة الحق المعترف به ، والذى لا يجوز انتهاكه .. ألا يبدو تعسفاً وإجحافاً أن يترتب على مخالفتها جزاءً مغلظاً إلى هذا الحد.. الفصل .. الحرمان من فرصة العمل وكسب الرزق.
  • إن الحصاد المر لاستخدام هذا النص خلال السنوات الماضية هى فصل المئات من العمال والنقابيين وتشريد الآلاف من أسرهم وعائلاتهم .. ألا يستحق ذلك المراجعة ؟

 

إعداد

الأستاذة/ رحمة رفعت

منسقة البرامج بدار الخدمات النقابية والعمالية

11 أبريل 2017

 

·  المسودة الصادرة عن الوزارة فى يناير 2015.

البوم صور: 

مؤتمر صحفى حول مشروع قانون العمل الجديد