عاملات الزراعة في مصر بين مرارة الفقر وحقوقهن المنتظرة

بيانات صحفية
السبت, June 1, 2024 - 18:25

عاملات الزراعة في مصر بين مرارة الفقر وحقوقهن المنتظرة

 

الواقع والأسباب كما رصدها المؤتمر الدائم للمرأة العاملة في محافظة المنيا، مركز سمالوط، قرية طحا الأعمدة، عزبة واصف، يوم الجمعة الموافق 31/5/2024، في لقاء موسع شاركت فيه 32 عاملة زراعية، من بينهم خمسة أطفال تتراوح أعمارهن بين 11 و13 عامًا، وباقي المشاركات تراوحت أعمارهن بين 22 و55 عامًا، بالإضافة إلى خمسة رجال. استهدف اللقاء كشف أوضاع العاملات في الزراعة وما يتعرضن له من انتهاكات على جميع المستويات القانونية والاجتماعية والاقتصادية.

رغم علمنا أن ما تم الكشف عنه ليس جديدًا أو مفاجئًا، حيث تظهر مدى تدهور أوضاعهن على المستويات الثلاثة، إلا أننا أردنا أن نوصل أصواتهن ومعاناتهن إلى جميع من ينادي بالمساواة في حقوق العمل والعدالة الاجتماعية لهؤلاء العاملات، اللاتي يعشن جميعهن وأسرهن وأطفالهن في فقر مدقع يصل إلى حد الوفاة نظراً لتفاقم الأوضاع الاقتصادية يومًا بعد يوم. نعاني جميعًا من هذه الأزمة، ولكن هناك من يتأثر بها بشكل مباشر، حيث يعيش البعض تحت خط الفقر، بينما يتجاوز الآخرون هذا الخط ويصبح كل ما يتمناه هو الحصول على الطعام فقط لأطفالهن وأسرهن، حيث يكتفون بوجبة واحدة في اليوم لعدم قدرتهم على سد احتياجاتهم الأساسية.

كما نعلم، يعتمد القطاع الزراعي في مصر بشكل كبير على النساء العاملات. ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2022، تمثل الزراعة 32.4% من العمالة النسائية غير الرسمية، حيث أصبح قطاع الزراعة مؤنثًا بسبب هجرة الرجال من الريف إلى المدن. وتقوم النساء بـ94% من أعمال الحصاد في صعيد مصر و67% في الوجه البحري. كما تمثل النساء النسبة الأكبر -79.5%- من العمالة غير مدفوعة الأجر في الريف، بحسب العرف السائد الذي يجعل النساء المزارعات تعمل بلا أجر في فلاحة أرض الأب أو الزوج، بدلاً من الاستعانة بعمالة زراعية تتقاضى أجراً نظير العمل. إلى جانب ذلك، يقمن بتربية الطيور والماشية وتصنيع منتجات الألبان منزليًا، مما يضعهن في موقف أكثر ضعفًا. كما أن أقل من 5% من الأراضي الزراعية مملوكة للنساء، مما يقلل من احتمال حصولهن على قروض طويلة الأجل مثل الرجال. لذلك، رغم أن النساء يمثلن جزءًا كبيرًا من الأيدي العاملة الزراعية، إلا أنهن يواجهن العديد من العقبات التي تعيق أداءهن ودخولهن في هذا الإطار.

تناول اللقاء عددًا من الموضوعات التي ترصد أوضاع عاملات الزراعة في صعيد مصر من خلال شهادات حية للعاملات توضح مدى معاناتهن بدءًا من طبيعة عملهن وما يترتب عليه من جميع أشكال العنف الجسدي والمادي والنفسي، فضلاً عن حياتهن الأسرية المليئة بالمعاناة الناتجة عن الفقر والمرض والتهميش وعدم المساواة والعنف الأسري والعادات والتقاليد والموروث الثقافي الذي يحرمهن من حقوقهن في الميراث والتعليم وخروج الفتيات للعمل بالغيط منذ أن تبلغ الفتاة العاشرة من عمرها.

يتجه ملاك الأراضي الزراعية إلى استغلال اليد العاملة النسائية مستفيدين من الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء. فيتم الاعتماد بشكل أكبر على النساء في أعمال حصاد المحاصيل الزراعية وتعبئة الخضروات والفاكهة، وفي المقابل، يُدفع لهن نصف الرواتب المخصصة للرجال، وليس أمامهن سوى الاستمرار في العمل. ولأنهن من الريف الغارق في جحيمه، يدركن جيدًا أن الحياة تسحق من يقف لالتقاط أنفاسه في انتظار بديل أفضل. فمنهن من تحملها الظروف مسؤولية أسرة بأكملها على عاتقها، ومنهن من تساعد أهلها بما تتحصل عليه من أجر زهيد. فيصبحن مجرد "أنفار" يتم جلبهن متكدسات في شاحنات متهالكة عن طريق المقاول أو السمسار كما يطلقن عليه بطلب من المالك، دون أي التزام بتوفير الحماية لهن خلال عملهن الموسمي.

وخلال ذلك، تتعرض كثير من العاملات لضربات الشمس وتأثيرات المبيدات الكيميائية وسط ظروف تنعدم فيها الحماية الصحية، بينما يمتد العمل لساعات طويلة وهن في وضعية الانحناء القاصمة للظهر. ولو توقفن للاستراحة قليلاً فإنهن يتعرضن للتوبيخ والخصم من قبل المشرف. كما تحدثن عن إسناد مهمة رش المحاصيل بالمبيدات الضارة مثل مبيد "الفوسفين" الذي يستخدم لمقاومة دودة القطن، مما يؤدي إلى الإصابة بالدوار وصعوبة في التنفس. ووفقًا لمعلوماتنا، فإنه يؤثر على الصحة الإنجابية للعاملات.

ومن حيث ساعات العمل، يعملن من الساعة الرابعة فجرًا، حيث يفترشن الأرض بجانب بعضهن البعض وينتظرن لساعات قبل أن يختارهن مقاول الأنفار للعمل. ثم يركبن سيارة نصف نقل لتقلهن لمدة أربع ساعات متواصلة إلى إحدى المزارع في الصحراء، حيث يبدأ العمل من الساعة الثامنة ويستمر حتى الانتهاء من جمع المحصول الذي قد يستغرق عشر ساعات تقريبًا. بعد ذلك يبدأن رحلة الرجوع.

وبوصفهن لوسيلة الانتقال، فهي وسيلة غير آدمية أو آمنة على الإطلاق في طريق صحراوي طويل، يتكدسن فيه 40 أو أكثر من النساء والرجال، يجلسون فوق بعضهم البعض. كما يتم اقتطاع ثمنها من أجورهن والتي لا تتجاوز 60 جنيهًا في اليوم ، فإذا عملوا عشرة أيام، يُخصم منهن أجر يومين كتكلفة النقل اليومية. ورغم ذلك، إذا استطاعت إحداهن الحصول على عمل اليوم، لا تضمن أن يختارها مقاول الأنفار للعمل في اليوم التالي.

وتنقل إحدى العاملات، (22 سنة)، بقولها: "أتحمل ما لا يتحمله أحد لإعالة أسرتي وتربية أطفالي. فأنا مُطلقة وأعول ثلاثة أطفال بمفردي، كما أنني أسكن بالإيجار. ما يضطرني إلى الخروج للعمل من الخامسة صباحًا وحتى الحادية عشرة مساءً، وأترك أطفالي في المنزل لا أعلم عنهم شيئًا، ينتظرون رجوعي لحصولهم على الطعام".

وتتحدث عاملة أخرى قائلة: "والله شاربين المر. عمري 55 سنة أعمل منذ عشرين عامًا، اضطرني ضيق الحال للعمل لمساعدة زوجي. نريد فقط أي شيء يساعدنا على العيش، فلا يوجد تأمين ولا معاش. نفضل نشتغل لحد ما نموت، إن تعبنا وبطلنا شغل نموت من الجوع".

كما تضيف عاملة أخرى: "رجالتنا يوم فيه ويوم مفيش. عندي بنت على وش جواز وعايزة أجهزها. أجيب منين؟ نشتغل يوم ويوم من غير شغل. وإذا وقعت واحدة منا بسبب ضربة الشمس أو قلة الشرب، لأنه لا يوجد هناك غير مياه مالحة نشربها، لحد ما كلنا عندنا وجع في الكلى. ولا يوجد أكل لحد ما نروح، فنأكل الطماطم التي نحصدها وهي مليئة بالمبيدات وغير مغسولة، مما أدى إلى إصابتنا بالتهابات جلدية في أفواهنا. وفي يوم، طلع علينا ثعبان كبير، وكان صاحب الأرض يعلم أن الأرض مليئة بالثعابين لأنها وسط الصحراء، لكنه لم يخبرنا. وكان الثعبان على وشك أن يلدغ ابنتي التي تعمل معي وعمرها 11 عامًا، لكن ربنا ستر. قعدنا نركض في الصحراء والبنت تصرخ، ولحد الآن خائفة وتبكي لأنها لا تريد العمل مرة أخرى. لكن والله غصب عني أضربها لأخذها معي، فبأجرتي وأجرتها نستطيع العودة وشراء الطعام لباقي إخوتها".

في نفس الوقت، تحدثت عاملات أخريات، خاصة الفتيات الصغيرات منهن، عن ما يتعرضن له من تحرش واعتداءات جنسية، بالإضافة إلى التوبيخ بألفاظ جنسية من المشرف عليهن. وذكرت إحداهن أن بعض الأسر قد تحكم على بناتهن المتعرضات للاغتصاب بالموت، خصوصاً في مناطق الصعيد، لأن تلك الأسر ترى في ذلك "عارًا". في هذا الإطار، أكدت لنا هناء عبد الحكيم، رئيسة نقابة صغار الفلاحين بالمنيا، أن فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا ذهبت مع والدتها للعمل في أحد الحقول بقرية تابعة لمركز "سمالوط"، وتعرضت الفتاة للاغتصاب على يد عامل تراحيل. وعند علم أهلها انقضوا عليها بالسكاكين وذبحوها في قلب القرية بدعوى "غسل العار".

 

هكذا هو حال النساء في ريف الصعيد، حيث يسوده الطابع غير الرسمي بكل ما يترتب عليه من انعدام أي سبل للحماية القانونية والاجتماعية. تعمل النساء في مختلف قطاعات الزراعة الفرعية، مثل المحاصيل وتربية الحيوانات ومكافحة الآفات يدويًا، وإزالة الأعشاب الضارة، فضلاً عن الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، التي تزيد بمقدار مرتين ونصف على الأقل عن تلك التي يقوم بها الرجال.

من جهة أخرى، تعاني المرأة في المناطق الريفية من محدودية فرص الحصول على التعليم الكافي بالممارسات التكنولوجية التي توفرها مراكز خدمات الإرشاد الزراعي. فضلاً عن عدم تملكها سوى جزء يسير من الأراضي الزراعية، إذ تمثل النساء نسبة 5.2% فقط من إجمالي ملاك الأراضي الزراعية. وقد يكون السبب في ذلك التفسيرات الدينية غير الدقيقة، بالإضافة إلى الأعراف الثقافية والاجتماعية، حيث ينكر الرجال الميراث الشرعي للنساء، بحجة أن النساء غير مطالبات بإعالة أُسرهن ماليًّا. في نفس الوقت، تفتقر النساء إلى إمكانية الحصول على معلومات صحيحة ومعرفة كافية عن حقوقهن، بسبب عوامل مختلفة من بينها ارتفاع نسبة الأمية وصلاحياتهن المقيدة في التفاوض واتخاذ القرار. وفيما يتعلق بالحصول على الائتمان والتمويل، فإن النساء يمثلن فقط معدل 1 من أصل 26 من الحاصلين على قروض طويلة الأجل، وثلث الحاصلين على قروض قصيرة الأجل. ويُمكن القول إن النساء هن الأكثر تضررًا، لأنهن يحظين بالفرص الأقل في امتلاك الأصول والأراضي، وبالتالي لا يمكنهن تلبية متطلبات الضمان للحصول على القروض البنكية.

وبالتزامن مع الحديث عن أوضاع العاملات في القطاع الزراعي، رصدنا تبعات التغير المناخي وأثرها. حيث رأينا أن العاملات في الزراعة هنّ الأكثر تضرراً من التأثيرات السلبية الناجمة عن هذه التغيرات، التي تؤدي وستؤدي إلى مزيد من البؤس والأمراض المهنية للعمالة الزراعية. بحسب تقديرات "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية"، من المتوقع أن تنخفض غلة المحاصيل الزراعية في مصر بأكثر من 10 في المئة مع حلول عام 2050 بسبب ارتفاع الحرارة وزيادة الملوحة في مياه الري، خصوصاً في منطقة الدلتا التي تضم أكثر من ثلث الأراضي الزراعية. بالإضافة إلى التصحر وصعوبة زراعة بعض المحاصيل، مما سيؤثر بدوره على ملايين النساء الريفيات اللواتي يعتمدن على العمل في قطاع الزراعة من أجل كسب الرزق.

أما فيما يتعلق بقانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003، فهو إلى الآن يستثني النساء العاملات في الزراعة، وبالتالي لا يعترف بهن ضمن نطاقه. حيث تنص المادة رقم 97 من القانون على: "يستثنى من تطبيق أحكام هذا الفصل الخاص بتشغيل النساء العاملات في الزراعة البحتة"، وهو ما يترتب عليه حرمانهن من التأمين الاجتماعي والصحي، والإجازات الخاصة بالحمل والوضع والرضاعة، فضلاً عن الإجازات المرضية وغيرها، وتحديد عدد ساعات العمل وتوفير وسائل انتقال آمنة وبيئة عمل خالية من العنف والاعتداءات الجنسية والنفسية وإصابات العمل والأمراض المهنية. وهذا ما يعتبر إجحافًا صريحًا بحق النساء الريفيات، واستغلالًا يلجأ إليه أصحاب المزارع ومقاولو الأنفار للاستفادة من اليد العاملة النسائية، سعيًا وراء فجوة الأجور بين النساء والرجال. لذلك، نرحب بما يذكر حول عدم استثنائهن من مشروع قانون العمل الذي يناقش حاليًا ونتمنى أن يشمل عدم استبعاد عاملات المنازل كذلك.

 

تنويه: تم أثناء اللقاء الاستماع لمعاناة عدد من العاملين بمهنة الصيد وسيتم عمل تقرير خاص بأوضاعهم لاحقًا.

المؤتمر الدائم للمرأة العاملة

1/6/ 2024

لقاء عاملات الزراعة بالمنيا 31 مايو

إضافة تعليق جديد